مهرجان الشارقة القرائى للطفل
إبريل - مايو 2015
ملتقى الكتاب
إبداعات عصرية
أدب الطفل
فى عالم متغير
دراسة من إعداد
يعقوب الشارونى
مدخل :
تحديات كبرى تواجه أدب الأطفال العربى ، وتحاصر قدرة أطفالنا على
القراءة والكتابة بالعربية :
* فى هذا العصر الذى طغت فيه
" ثقافة الصورة " ، وبدأت فيه " ثقافة الكتابة " تتحول من
الأقلام وأحبار المطابع إلى الشاشات والمحتوى الإلكترونى ، أصبح
محتمًا أن نستفيد من عدد كبير من الوسائط التى اكتسبت أهمية رئيسية وبارزة ، ومع ذلك لسنا
متنبهين بما يكفى إلى قدرتها الهائلة على المساهمة فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال ، ودورها غير المحدود فى إتاحة
المعلومات بأساليب تفاعلية فعَّالة ، مثل متاحف الأطفال
الحديثة ، واستفادة المراجع الأساسية - مثل الموسوعات ودوائر المعارف
- من
إمكانات الشاشات الإلكترونية والوسائط المتعددة .
* مع التنبه بقوة
إلى أهمية
وضرورة الإسراع فى زيادة المحتوى الإلكترونى العربى ، وخطورة التأخر فى
مواجهة هذه القضية الحيوية بالغة التأثير على اللغة العربية .
* وكذلك
مواجهة التحدى الذى تواجهه اللغة العربية ، من سيطرة لغة أجنبية بعينها على التعاملات
التجارية والمواد العلمية ، وما قد يؤدى إليه هذا من تهميش لدور اللغة العربية فى الواقع
، وفى وجدان صغارنا .
* والتنبه
إلى أن الترجمة إلى العربية هى الحل لإثراء المحتوى الإلكترونى العربى ، ولوقف طغيان لغة
أجنبية معينة على مقدرات لغتنا ، ولإتاحة ما يحتاج إليه شبابنا من علم ومعلومات
ومعرفة .
* إن هذه
الدراسة تحاول إلقاء الضوء على هذه القضايا ، التى أصبحت لها الأولوية ونحن نواجه
مختلف قضايا أدب الأطفال فى العالم العربى .
* مع التأكيد على أن العنصر البشرى لا يزال هو
الأهم لتنمية عادة القراءة عند الأطفال ، مع الاعتماد فى هذا على الوعى الأسرى
والتضافر المجتمعى ، وهو ما نبدأ به هذه الدراسة .
القسم
الأول
** العنصر البشرى لا
يزال هو الأهم : والوعى الأسرى والتضافر المجتمعى أساس النجاح فى تنمية عادة
القراءة عند الأطفال :
قبل أن نتناول تفاصيل هذه الدراسة ،
نشير إلى أن تجارب الدول الأخرى ، وهى تجارب تطبق حاليًّا وبنجاح ، تؤكد أن العنصر
البشرى لا يزال هو الأهم فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال ، وذلك عن طريق تعميق
وعى الأسرة بدورها الأساسى فى هذا
المجال ، مع تقديم القدوة المستمرة للأبناء ، متضافرة فى هذا مع تنظيم
مجتمعى متكامل ، يهيئ للأسرة الأدوات الأساسية والضرورية للتعامل بنجاح مع أبنائها
، خطوة خطوة منذ الميلاد ، وهو ما يجعل الكتاب جزءًا لصيقًا بحياة الأطفال .
* وأذكر فى هذا تجربة شخصية ، حدثت فى لندن عام
2012 ، مع ابنة أخى .
وهى مهندسة مصرية متزوجة من طبيب مصرى
وتعيش فى لندن . كانت عندئذٍ أمًّا لابن حديث الولادة . بعد أن
وضعت طفلها بأسبوع ، وجدت أمينة المكتبة العامة التى توجد فى الحى الذى تعيش فيه ،
تزورها فى البيت ، لكى تقدم لها بطاقة اشتراك بالمكتبة .
قالت لها الأم : " أشكرك .. لكن
أنا وزوجى مشتركان فى المكتبة ، لأننا نعد دراستنا لدرجة الدكتوراه " .
أجابات أمينة المكتبة : " لكنه ليس
اشتراكًا لك ولزوجك يا سيدتى ، إنه اشتراك للطفل
الجديد " .
قالت لها الأم ضاحكة فى دهشة : "
ابنى لا يزيد عمره عن أسبوع ! " .
أجابت أمينة المكتبة : " أعرف ذلك ، فقد عرفت
اسمه وعنوانه من سجلات مواليد المدينة ، ويقضى
النظام فى لندن ، بل فى كل مدينة إنجليزية ، أن تقدم المكتبات
المحلية بطاقة اشتراك لكل مولود جديد فى دائرة المكتبة ، لكى تذهب
الأم ، أسبوعيًّا ، لتستعير له من القسم الخاص بحديثى الولادة ، الكتب التى تقترب
من الألعاب ويتعامل معها الطفل بحواسه ، وهى كتب تناسب مرحلة
نمو الطفل وإدراكه ، واعتماده على حواسه فى اكتساب الخبرة ، لكى
يتطور الطفل التطور السليم منذ أسابيعه وشهوره الأولى ، وذلك فى ضوء ما تم اكتشافه
من أن هذه الشهور الأولى هى أفضل سنوات العمر فى سرعة اكتساب مختلف الخبرات ، وعلى
وجه خاص من الكتب والقصص والوسائل المعتمدة على اللمس والنظر والرائحة والأصوات
والألوان . وكلما تقدم العمر بالطفل ، زاد ارتباطه بالكتب ، وبذلك تصبح جزءًا
دائمًا من حياته " .
- تقول الأم :
" ذهبت
إلى المكتبة ، واستعرت سبعة كتب ( بعدد أيام الأسبوع ) ، ليس فيها كلمات ، صفحاتها
مصنوعة من خامات غير الورق مثل القماش
والفوم والبلاستيك ، تصدر منها روائح جميلة مختلفة ، ولها ملامس مختلفة أو بارزة ،
وبها لوحات تتجسم وأجزاء تتحرك ، وكلما أمسكت الأم بأصابع الطفل ليضغط على أماكن معينة
، تصدر أصوات أو موسيقى " .
وتضيف : " وبعد أسبوع
آخر ، زارتنى ضيفة أخرى ، وجلست معى تنقل لى خبراتها حول كيفية احتضان الطفل عند التعامل
معه بمثل هذه الوسائل . وطلبت منى أن أقضى مع ابنى كل يوم ما بين ربع إلى نصف ساعة
، نلعب ونحن نتعامل بتلك الكتب "
، على أن أحدثه على نحو دائم عما يقع على حواسه ، وأن أجعل كل حواسه تشارك فى
التعرف على ما أحدثه عنه " .
وتكمل الأم : " وكم وجدتُ استجابة
قوية من طفلى الرضيع وهو يلعب معى بهذه الوسائل ، فبعد ستة أشهر ، كان صغيرى هو
الذى يبدى من الأصوات ما ينبهنى إلى فترة تفاعلى معه بتلك الكتب ، بل بدأ
يحاول تقليب تلك الكتب بنفسه ، ولمسها والضغط على أجزاء منها بأصابعه ليسمع
الموسيقى ويرى الأضواء . لقد نجحت تلك الكتب فى أن تصبح جزءًا مهمًا فى حياته
اليومية " .
* وتضيف : " لقد
هيأمجتمع المدينة وجود المكتبة ، ووجود الكتب والوسائل التى تناسب الرضيع والحضين
، وتم تدريب مَن ستقوم بزيارة كل أم وإرشادها إلى كيفية التعامل مع أطفالها بتلك
الوسائل . ثم أصبحت بقية المسئولية ملقاة على الأم فى استمرار الاهتمام باستعارة
الكتب ، وفى تقديمها للأبناء ولو لمدة دقائق كل يوم " ، وأن تشاركهم بجدية
وتفاعل فى الاهتمام بالكتب " .
ثم تؤكد الأم قائلة : " أعتقد أننى لن
أبذل مجهودًا فيما بعد لربط حياة ابنى
بالقراءة والكتب، فقد تأصلت فيه ، على نحو طبيعى تشربته حواسه ، عادة القراءة وحب
الكتاب منذ ميلاده . بل لست أخشى أن يصرفه أى شىء آخر عن اهتمامه بالكتب ، التى
أصبحت تستفيد من عناصر التكنولوجيا الحديثة فى جذب اهتمامه وإثارة حبه لها "
.
* إن هذا
الأسلوب فى التربية الذى يتم تطبيقه فى دولة ، تنبهت بقوة لدورها فى سلامة تنشئة كافة المواطنين منذ
مولدهم ، التنشئة التى تساعد على نموهم وتقدمهم السليم فى القرن 21 ، عن طريق المكتبات والعاملين فيها ،
قد تم إكماله عن طريق نظم وأساليب التعليم فى دور الحضانة والروضة والمدرسة الابتدائية ، بالتعاون مع المتحف ، وعدد آخر من
الوسائل التى نتحدث عنها فى الصفحات التالية .
القسم الثانى
** استخدام المتحف مع الإنترنت
لتوظيف " التفاعلية " فى تشجيع أطفالنا على القراءة ، وزيادة فاعلية
التعليم :
* التفاعل والاستكشاف الذاتى :
يقدم " التفاعل مع الأشياء
" نشاطًا له مدلول واقعى . إن " الاحتكاك المباشر بالأشياء " و " الاستكشاف
الذاتى " و " القيام بالتجارب " تشجع على الاستفسار وعلى إلقاء الأسئلة ، أكثر بكثير
من تقديم المعلومات على نحو نظرى تلقينى سلبى .
هذا " التفاعل مع الأشياء " و
" الاحتكاك المباشر " و " الاستكشاف الذاتى " و "
القيام بالتجارب " ، هو
الدور الرئيسى الذى تتجه متاحف ومعارض الأطفال إلى أن تقوم به ، والتى ألغت
تمامًا التنبيه الذى يؤكد على أنه : " لا تلمس " ، ووضعت
بدلاً منه ، بحروف كبيرة واضحة ، عند مداخل استقبال الأطفال عبارة ترحيب تؤكد :
" عليك أن تلمس كل شىء ، وأن تلعب بكل شىء ، وأن تقوم بنفسك بتجربة كل شىء
" .
وهكذا ، فإنه ، من خلال متاحف الأطفال ، وأنشطة مضافة
لمتاحف الكبار ، يتم الحصول على المعرفة " بالشكل التجريبى " ، بدلاً من
مجرد الاعتماد على الأسلوب السلبى التقليدى فى التعليم ، المعتمد على التلقين
والحفظ .
* تغير أسلوب " التلقى السلبى " المعتمد على
التلقين والحفظ :
إن الأسلوب التعليمى التقليدى فى تقديم كثير
من المواد ، مثل التاريخ والجغرافيا ، وحتى العلوم ، يعتمد على تقديم المعلومات
على نحو لا يتطلب من الطالب إلا " الحفظ
" و" التلقى السلبى
"،
الذى يعتمد أساسًا على سماع أو قراءة الكلمات ، ومشاهدة الصور والخرائط الصماء ، والتى
تطلب من الطالب أن يعتمد على ذاكرته وحدها فى الحفظ ، بغير أن
تتاح له إمكانية من أى نوع للتفاعل أو القيام بأى نشاط إيجابى من جانبه يكون فيه
احتكاك مباشر بالأشياء ، كما يفعل أثناء انشغاله بمختلف
أنواع اللُّعَب ، مثل : لمس المجسمات ، أو إعادة تركيب أجزائها [ شاهدنا فى
متحف مانهاتن للأطفال بنيويورك ، أجزاء للجهاز الهضمى (
والدورى ) ، يقوم الأطفال الزائرون بتركيبها على نحو سليم بأنفسهم ] – أو رؤية
ولمس نماذج فعلية للعمارة أو القلاع أو الأسلحة التاريخية ، أو تشغيل وسائل الرى [
مثل الساقية والشادوف وعَجَلة أرشميدس ] مع رؤية مقاطع فيديو لتأمل تلك النماذج
عند استخدامها – أو رؤية ولمس عينات للمنتجات
النباتية أو المعدنية أو الصخور التى تم إحضارها من المناطق الجغرافية المختلفة أو
من فوق القمر ، مع مشاهدة مقاطع فيديو للحقول أو الأشجار أو المناجم أو مصايد
الأسماك ، أو مجسمات بانورامية للحيوانات المختلفة فى بيئاتها الطبيعية [ فى متاحف
التاريخ الطبيعى فى نيويورك وواشنطن ] .
[ وأذكر فى طفولتى ، أننى كنت أرى رسمًا " لفهد
" يملأ صفحة من كتاب ، وفى صفحة أخرى من نفس الكتاب أجد رسمًا " لفيل "
يملأ الصفحة ، وكان من المستحيل أن أستطيع أن أقوم بمقارنة - ولو تقريبية - بين
حجم الفهد وحجم الفيل استنادًا إلى تلك الرسوم ] .
* ربط المتاحف التفاعلية بشبكة الإنترنت :
وعندما ترتبط مثل هذه المتاحف "
التفاعلية " ، بالمدارس عن طريق شبكات الإنترنت ، يمكن للأطفال استعادة
" خبراتهم التفاعلية " التى حصلوا عليها عند زيارتهم للمتحف ،
فتتحول المعرفة إلى مُكوٍّن مستمر مرتبط بخبراتهم ، يتعايشون معه عند مواجهة مواقف
جديدة ، ويقومون باستخدامه لبناء علاقات جديدة نتيجة للمقارنة
وإلقاء الأسئلة والاستنتاج والقيام بالفحص والاستقصاء ، وجمع المعلومات وتبويبها ،
وبالتالى الوصول إلى وجهات نظر جديدة ، تفتح أمامهم أبواب التفكير الإبداعى
والمستقبلى .
إن الكتب والراديو والتليفزيون وسائل
مصممة أساسًا نحو التلقى السلبى للمعلومات ، ( وإن كان بعض المؤلفين يشير
إلى أنه فى استطاعتنا أن نتوقع تطور الأمور ، فى مجال مشاهدة التليفزيون ، باتجاه
مشاركة أكبر وتفاعل أكثر للمشاهد ، وأن هناك تجارب فى أطوارها الأولى الآن فى هذا
المجال ) [رينيه بلند وآخر:" مخاطر الشاشة" ].
فى حين أن " التفاعلية " هى
الخاصة الرئيسية للحاسبات ، فجهاز الكمبيوتر لن يعطيك إلا ما تطلب منه ،
وبالقدر الذى تطلبه ، ولا يفرض عليك شيئًا معينًا ، وهو ما يجعله يختلف جذريًّا عن الأشكال الأخرى لوسائط الاتصال
وتقديم المعلومات والمعرفة .
* هذه
التفاعلية انتقلت أهم عناصرها إلى متاحف الأطفال الحديثة ، مع إمكانات أكبر
بالنسبة لحواس صغار الأطفال .
إن مجموعة الأجهزة والمعدات " التفاعلية
" داخل متاحف الأطفال الحديثة ، والتى نجد أمثلتها النموذجية شائعة
فى إنجلترا ، وكثير منها حاليًّا فى الولايات المتحدة ، من نوع " اضغط على هذا الزر " - أو " العب
بهذا الجهاز " - أو " اكشف عن هذا الغطاء لترى ما تحته " - أو
" المس جلد التمساح واعرف الفرق بينه وبين ملمس جلد الثعبان " - أو تحسس
جمجمة الفيل هذه " - أو " المس أسنان سمكة القرش " - كلها
وسائل تفاعلية مصممة خصيصًا للأطفال ، ( وقد انتقل
عدد من هذه الوسائل إلى كتب صغار الأطفال ، عن طريق التطور الهائل فى تكنولوجيا
صناعة كتب الأطفال ) .
* إن بعض
التربويين يطلق على مثل هذا التعلم التفاعلى " تعليم ترفيهى " ، أو
" تعليم من خلال اللعب " ، والمقصود بهذا أن يتم تقديم
المعرفة والتعليم بالوسائل التى هيأت بها الطبيعة الأطفال لاكتشاف العالم ،
واكتساب الخبرة ، وتوسيع التجربة ، ومواجهة الجديد .
* ومن
المهم أن نلاحظ أن معروضات هذه المتاحف التفاعلية الحديثة ، مصحوبة كلها بنصوص
مكتوبة واضحة ومختصرة .
- ففى
قاعات خاصة لاستقبال الأطفال عند دخول المتحف ، ينبه العاملون فى المتحف الأطفال
إلى وجود تلك النصوص ، أو يعطونهم نُسخًا منها .
- وعندما
يصحبونهم أثناء الزيارة ، يقرءونها عليهم ، ويدعونهم إلى قراءتها ، ويستمعون
إلى أسئلتهم عنها ، ويدعون من يريد منهم أن ينقلها إلى دفتر ملاحظاته
الذى يحمله كل طفل ، أو يرسم ما تشير إليه تلك النصوص من
معروضات ، أو يقوم بتصويرها بجهاز هاتفه المحمول ، فيسهل عليه
الرجوع إليها بعدئذٍ من جديد ، وبهذا يتأكد الربط بين المتحف والمعرفة والقراءة والكتابة .
( يراجع كتاب " الأطفال والتكنولوجيا والثقافة –
تأثير الوسائل التكنولوجية على الحياة اليومية للأطفال " )
القسم
الثالث
** استفادة المراجع
الأساسية من موسوعات ودوائر معارف وأطلس وقواميس ، بإمكانات النشر الإلكترونى
والوسائط المتعددة :
* اتجه من ينشرون الموسوعات والمراجع الكبرى مثل
الأطالس والقواميس ، إلى الاستغناء عن النشر الورقى الضخم المتعدد الأجزاء ،
واستبداله بصورة أرخص وأسهل حملاًّ وأقل حجمًا ، عن طريق النشر الإلكترونى ، وتخزين تلك المراجع
الأساسية كاملة على شريحة أو عدد من الأسطوانات المدمجة محدودة العدد ، بل أصبح فى
الإمكان الوصول إلى تلك المراجع عن طريق شبكة الإنترنت ، للوصول إلى أية معلومة
وبسرعة داخل تلك المراجع التى يصل عدد صفحاتها الورقية إلىالآلاف .
* بل أصبح فى إمكان
المتصفح ، ليس فقط قراءة النص ، بل أيضًا التفاعل معه من خلال الوسائط المتعددة ،
من صوت وصورة وشرائط فيديو أو سينمائية أو رسوم متحركة ، أو حتى مقطوعة موسيقية
كخلفية ، بل أحيانًا سماع صوت واضح يقرأ النص .
* ويشير بعض المؤلفين إلى أنه" ليس هناك -
من ناحية المبدأ - أى سبب يجعل من غير الممكن دمج وسائل أخرى : لمسية
وشمية وتذوقية " . [ ديفيد كريستال : " اللغة وشبكة المعلومات
" ] .
وبهذ أصبح الوصول إلى أهم وكل
المعلومات ، سهلاً وسريعًا ، بل شيقًا وجذابًا ، وبهذا يتحول البحث عن المعلومات
وقراءتها إلى عادة يمارسها الصغار من تلقاء أنفسهم ، بل يسعون إلى ممارستها
ويشغفون بها .
* لـكــن لابــد أن نــؤكــد أن عــادة الاستعــانــة
بالمــوسـوعـات ودوائــر المـعــارف والقواميس وكتب الخرائط ( الأطلس
) ، لابد
أن تساهم الأسرة فى تنميتها منذ الصغر .
* فلا بد أن تقتنى الأسرة دوائر معارف مناسبة لسن
صغارها ، وكلما سأل الأطفال سؤالاً ، يتجه المربى إلى جهاز الكمبيوتر الشخصى
للبحث عن الإجابة ، أو إلى جهاز الهاتف المحمول ، مع إشراك الصغير فى
البحث للوصول إلى المعلومة التى تجيب عن تساؤله – ويكون هذا تمهيدًا لترك
الصغير يبحث بنفسه عن الإجابات والمعلومات .
* وبنفس
الطريقة ، لا بد أن تساهم روضة الأطفال وفصول المدارس الابتدائية فى تشجيع الصغار
على اللجوء إلى الإنترنت لتصفح المراجع الرئيسية فى كل مرة يُثار فيها
تساؤل ، وأن تُعَوِّدهم على هذا ، بل على المربى أن يلقى مزيدًا من الأسئلة ليثير
لدى الأطفال الرغبة الدائمة فى البحث عن الإجابات والمعلومات .
* وقد وجدنا فعلاً
فى
كل فصل من فصول المرحلة الابتدائية بمدينة نيويورك ، دوائر
معارف ورقية كاملة ، يتعلم كل طفل كيف يجيد استخدامها . كما
بدأ تزويد بعض الفصول بأجهزة كمبيوتر متصلة بشبكة الإنترنت ، للوصول إلى المراجع
الأساسية على الشبكة .
* إضافة
إلى ما سبق ، فقد أصبح فى الإمكان ، عن طريق الكمبيوتر ، الوصول
بسرعة إلى كافة المعلومات حول الموضوع الذى
يتم البحث عنه ، مهما كان المكان الذى توجد به تلك المعلومة فى الموسوعة .
- كما أصبح من
السهل تجميع
ونقل تلك المعلومات ، وترتيبها فى ملف خاص على الكمبيوتر ، للرجوع إليها
عند الحاجة إليها ، بدلاً من معاودة البحث فى كل مرة .
- كذلك أصبح من السهل
الاستفادة بأية فقرة من تلك المعلومات ، عند الاستشهاد بها فى أى دراسة ، مع الإشارة إلى
مصدرها حفاظًا على حقوق المؤلف .
القسم
الرابع
** التنبه إلى ضرورة
الإسراع فى زيادة المحتوى الإلكترونى العربى والارتفاع بمستواه ، وخطورة
التأخر فى مواجهة هذه القضية الحيوية بالغة الخطورة :
* أهم التحديات
التى يفرضها مجتمع المعلومات والمعرفة الإلكترونية على لغتنا العربية ، أنه لأول
مرة فى التاريخ ، توضع قيود على استخدامنا للغتنا فى حياتنا .
فقد اعتاد أسلافنا أن يستخدموا اللغة العربية فى محيطهم
من أجل التواصل مع مجتمعهم ، الذى كان محميًّا بمحيط جغرافى تُستخدم فيه اللغة
العربية كلغة أساسية فى التعامل .
إلا أنه من أهم ما واجهنا به مجتمع المعلومات
، كسر الحواجز الجغرافية بين الدول والأقاليم .. لقد اخترق الحماية والحدود .
ولما كانت السلعة الأساسية فى مجتمع
المعلومات هى " المعلومة " ، فقد أصبحت اللغة التى تُقّدَّم بها هذه
المعلومة هى اللغة التى سيتم فرضها على طالب هذه السلعة ومُستخدمها .
وفى مجتمع المعلومات ، إذا كانت السلع بغير لغة الأمة ،
فإن هذه الأمة ستذوب وتنصهر ضمن المجموعة التى تستخدم تلك اللغة ، وهى ليست
العربية .
ومن هنا ، فإن العمل على توفير محتوى إلكترونى عربى ضمن
مجتمع المعلومات - يقدم ويوفر احتياجات العرب من السلع ( المعلومات المتنوعة )
بلغتهـم العربيــة أساسًــا - يعتبــر عنصرًا أساسيًّا وحاكمًا فى الحفاظ على الوجود
العربى فى العصر الحالى .
* إن إلقاء
الضوء على واقع المحتوى الإلكترونى العربى ، يبين مدى الخطر الذى تتعرض له أمتنا
العربية فى مجتمع المعلومات والمعرفة ، إذا لم يتم بسرعة وعلى مستوى
المرتبة الأولى من اهتمامنا ، اتخاذ التدابير التى تتيح للعرب أن يكونوا منتجين
للمعلومات التى تهم مواطنيهم .
فالتقديرات العالمية عن المحتوى الإلكترونى
العربى ، تتراوح بين ( 5,0 % ) و ( 1 % ) من المحتوى العالمى ، حسب تقديرات نشرها
مؤتمر ذاكرة العالم العربى ( يراجع كتاب " المحتوى الرقمى العربى على الشابكة - الإنترنت
" - نشر " المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ) .
* ولإعطاء فكرة
أفضل بالأرقام ، نستشهد بموقع الموسوعة الحرة
" ويكيبديا " :
فقد بلغ عدد المقالات المنشورة باللغة
الإنجليزية ( 3 ) ملايين و 413 ألف مقال ، أما باللغة البولونية التى يستخدمها أقل
من ( 40 ) مليون نسمة فبلغ ( 728 ) ألف مقال
- فى حين بلغ عدد المقالات المنشورة إلكترونيًّا باللغة العربية (100) ألف مقال
فقط (وعدد سكان العالم العربى حوالى 300 مليون).إن هذه الأرقام تدل على تواضع
المحتوى العربى على الإنترنت ، إذا وضعنا فى الاعتبار عدد السكان ، بل عدد
الناطقين باللغة العربية ، وكذلك مدى إمكانات الدول العربية مجتمعة .
إنها أرقام مخيفة ، تدق ناقوس الخطر على وجودنا كأمة ، إذا
لم نتحرك بغير إبطاء لاحتواء هذا الموقف قبل فوات الأوان .
* وهناك إحصاء تم فى 3 / 9 / 2009 ، تبين منه أن اللغة
العربية يستخدمها حوالى ( 292 ) مليون شخص ، لا يستخدم منهم على
شبكة الإنترنت إلا حوالى ( 50 ) مليون شخص ، بنسبة (
17 % ) تقريبًا من عدد الناطقين بالعربية ، يمثلون 9,2
% ممن يستخدمون الإنترنت فى العالم ، وذلك فى مقابل عدد
من الناطقين بالإنجليزية تبلغ نسبتهم ( 6,27 % ) ممن
يستخدمون الإنترنت فى العالم ، وفى مقابل عدد من الصينيين تبلغ نسبتهم ( 1,22 % ) ممن
يستخدمون الإنترنت فى العالم .
أما فى اسرائيل فتبلغ نسبة من
يستخدمون الإنترنت ( 8,72 % ) من عدد السكان - وفى
إيران ( 5,48
% ) - وفى تركيا ( 5,34 % ) - وفى الولايات المتحدة وكندا معًا (
2,74 % ) .
ونلاحظ أن أكبر نسبة استخدام بين سكان الدول العربية
نجدها فى الإمارات والبحرين وقطر ، بنسبة من عدد السكان أكثر من ( 50 % ) .
* وهنا لا بد من
مراجعة كتاب : "
المحتوى الرقمى العربى على الشابكة " ، الصادر عن المنظمة العربية للتربية
والثقافة والعلوم ، ففيه يوجد تفصيل للتجربة الكورية الجنوبية فى تنمية المحتوى
الرقمى . ومن المهم دراسة هذه التجربة ، لأن كوريا الجنوبية كانت
تواجه منذ عقود قليلة نفس مشكلة البلاد العربية فى قلة المحتوى الإلكترونى الخاص بلغتها
] .
* وهناك تقرير أطلقته
عام 2013 " مؤسسة الفكر العربى " عن " المرصد الإحصائى : مأرب
"، وهو أول مرصد للمحتوى العربى الرقمى على الإنترنت .
وقد شملت هذه الدراسة فترة زمنية تمتد من
عام 1990 حتى 31 ديسمبر 2011 ، وتغطى المحتــوى
المكتوب باللغة العربية والمُنْتَج من ( 22 ) دولة عربية ( صحيفة الأهرام ملحق
الجمعة 15 مارس 2013 ) .
* واتضح من التصنيف
" الموضوعى " للمحتوى العربى ، أن مقدمى المحتوى
أصحاب المواقع والمدونات والمنتديات ، والمتلقين للمحتوى من الجمهور بمختلف شرائحه
، يغلب عليهم الميل نحو المحتوى الرقمى الاستهلاكى الترفيهى سطحى النزعة ، وأن المحتوى
الرقمى العربى يركز فى معظمه على العناصر والمواد التى يمكن توظيفها فى الاستهلاك
السريع ...
* وفى مقابل ذلك ، يخفت إلى
حد كبير إنتاج واستهلاك عناصر المحتوى التى تساعد فى بناء المعرفة وتنمية العقل
وترشيد التعامل مع التحديات الكبرى والحاسمة على الساحة العربية وفهمها ، أو التى يمكن القول إن
العلاقة فيها تنتقل بين المُنْتِجِين والجمهور مِن مستوى "
المُنتِج - والمُسْتَهْلِك السلبى " ، إلى مستوى " الشريك ، والشريك
الإيجابى " اللذين تقوم بينهما علاقة تفكير وفهم مشترك للواقع العربى
ومستقبله .
* ومن المشكلات الحادة التى كشفها
التقرير مشكلة " جودة المستوى " - فقد
وجد أن نسبة المحتوى الأصيل المتفرد غير المتكرر فى
المحتوى الرقمى العربى ، يصل إلى ( 5,20 % ) فقط - أما الباقى فهو يعانى من
التكرار والنسخ والنقل .
ووَجـِـد أن ( 4,90 % ) من
المواقع العربية مهملة وزيارتها لا تستحق الرصد .
ووجد أن ( 3,53
% ) من المواقع العربية غير متوافقة مع شروط ومتطلبات محركات البحث ، ومن ثم فهى عرضة
لأن تكون غير مرئية ، أو تواجه صعوبات وعقبات فى الوصول إليها عن طريق محركات
البحث .
* وانتهى التقرير إلى عرض بعض "
نقاط القوة " التى يتمتع بها المحتوى العربـى الرقمــى ، فى
مقدمتها
أنه محتوى يعبر بوضوح عن الواقع العربى ويرتبط به ، فهو تارة يعكس ما فيه من
تيارات فكرية وعقائدية وميول اجتماعية ، وتارة يعكس ما به من تفاعلات سياسية
وأحداث كبرى جارية .
بل واستطاع فى كثير من الأحيان أن يحقق
تعبيرًا " حيًّا " ولحظيًّا عن هذا الواقع ، ويكون ساحة
للتنفيس والبوح بما يختلج فى عقل وفكر الإنسان مما لا يستطيع التعبير عنه فى
الواقع الفعلى ، وقد تجسد ذلك فى الشريحة الواسعة من
المحتوى التى حملت خواطر العرب ومشاعرهم وآلامهم وطموحاتهم ، وكذلك
الشريحة التى تمحورت حول " الشأن الخاص " وقضاياه .
* ومن
النقاط الإيجابية المهمة فى المحتوى العربى ، أن جمهور هذا المحتوى ، على قلته
ومزاجه الحاد ، يتسم بكونه جمهورًا نشطًا ، يتجاوز فى نشاطه ما يقوم به
مقدمو المحتوى .
ويتمثل هذا النشاط
فى التفاعلية العالية مع المحتوى ، كما هو الحال فى "
المدونات " ، التى اتضح منها أن ردود فعل
وتعليقات الجمهور وتفاعلهم مع بعض المدونين والنشطاء ، يفوق كثيرًا تفاعلية المدون
نفسه مع الجمهور وردوده عليهم .
وبرزت هذه النقطة بجلاء وقوة عند مناقشة
الحضور الحكومى والحضور الجماهيرى فى المحتوى العربى الرقمى على الإنترنت .
فنحن بإزاء شعوب تقفز فى كل اتجاه
وبسرعات كبيرة وعلى ارتفاعات عالية داخل ساحة الإنترنت ، لتحتل وتستحوذ على مساحات
واسعة تتزايد بسرعة من هذا المحتوى ، وفى المقابل هناك حكومات تحتل مساحــات أقــل
يصعــب أحيانـًـا تصويرهــا
إحصائيًّا ، ومن ثم فالجمهور
يملك ويبادر ، والحكومات تقوم فقط بردود أفعال قليلة .
القسم
الخامس
** ضرورة سرعة مواجهة
التحدى الذى تواجهه اللغة العربية من سيطرة اللغة الإنجليزية على عوالم شبكة
الإنترنت :
هناك مشكلة تعانى منها جميع دول العالم ،
وعلى وجه خاص دول العالم النامى مثل البلاد العربية ، وهى سيطرة اللغة الإنجليزية
على التعاملات التجارية والاقتصادية ، وعلى النسبة الأكبر من المحتوى الإلكترونى
العالمى المتصل بالعلوم .
* إن
الأرقام تكشف بوضوح عن مدى سطوة اللغة الإنجليزية فى مجال الإعلام عالميًّا :
- ( 65 % ) من برامج الإذاعة ( عالميًّا ) باللغة
الإنجليزية .
- ( 70 % ) من الأفلام السينمائية ناطقة بالإنجليزية .
- ( 90 % ) من الوثائق المخزنة فى الإنترنت بالإنجليزية .
- ( 85 % ) من المكالمات الهاتفية الدولية تتم
بالإنجليزية .
وقد أصبح على من يريد العمل فى البنوك والمؤسسات المتعددة
الجنسيات ، وكافة المؤسسات التى تمارس أعمالها فى أكثر من دولة ، أن يتقن اللغة
الإنجليزية .
كما أن هذا الوضع فرض على الشركات والمؤسسات الكبيرة
ضرورة إتقان اللغة الإنجليزية لمن يعملون بها من موظفين ، أو لطالبى التوظف لديها
. [ بالإضافة طبعًا إلى إتقانهم التعامل مع الكمبيوتر ومختلف الوسائط الإلكترونية
، لأنها أصبحت الوسيلة الوحيدة للتواصل فى عالم التعاملات الاقتصادية والتجارية
الدولية ] .
* وإذا
ألقينا نظرة على دليل المواقع الإلكترونية العربية ، نلاحظ أن القسم الذى يحتوى
على أكبر عدد من المواقع هو الشركات ( حوالى ( 4800 ) موقع ) [ الكتاب الصادر من
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بعنوان " المحتوى الرقمى العربى
على الشابكة ( الإنترنت ) " - الجدول صفحة 58 - بيانات عام 2010 ] ومعظم
هذه الشركات تعمل باللغة الإنجليزية .
وهذه الشركات ، حتى عندما تعلن عن وظائف خالية ، ومع أن
هذا الإعلان يتم فى القسم العربى من مواقع تلك الشركات ، نفاجأ
بأن مواصفات الوظائف مكتوبة باللغة الإنجليزية ، وبيانات استمارات التقدم لهذه
الوظائف مكتوبة أيضـًـا باللغة الإنجليزية .
* وبالنسبة
للمواقع الإلكترونية الخاصة بالعلوم ، فإنه بالرجوع إلى دليل معروف للمواقع
العربية ، هو دليل " عجيب " ، اتضح أن عدد المواقع الخاصة بالعلوم هو (
190 ) موقعًا فقط ، تتناول موضوعات علمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء
والهندسة والجغرافيا والفلك والحاسوب .
وهذا العدد ( 190 ) قليل جدًّا مقارنة بالأرقام فى
التصنيفات الأخرى .
وهناك جامعات عربية تنشر بعض الدراسات ومشاريع التخرج ورسائل
الطلاب على موقعها ، لكن هذا غير متاح فى مواقع عدد كبير آخر من الجامعات .
وتضيف دراسة المنظمة العربية تعليقًا على هذا
المحتوى العلمى الفقير : " ولا يزال هذا القطاع ( الخاص بالعلوم ) بحاجة إلى أدوات أكثر ، من
أجل تبسيط وتوضيح الأفكار العلمية - كما يحتاج إلى وجود مكتبات ومواقع للدوريات
العلمية بشكل أكثف وأغنى من أجل توفير الذخيرة العلمية للراغبين " .
وتضيف الدراسة : " ولا غنى عن
الإشارة إلى مشروع مكتبة الإسكندرية الإلكترونى ، وهو مشروع ضخم من شأنه أن يُغْنِى
المحتوى العربى ( العلمى ) على الشابكة ( على الإنترنت ) " .
القسم
السادس
** الترجمة إلى العربية هى الحل
لإثراء المحتوى الإلكترونى العربى العلمى :
وفى هذا ينبهنا الأستاذ الدكتور نبيل على فى كتابه " الثقافة
العربية وعصر المعلومات " إلى هذه
النقطة بقوله :
" كل هذا الاهتمام الذى توليه اليابان
" للترجمة الآلية " ، من أجل كسر عزلتها اللغوية ، بعد أن أيقنت أن
مصيرها فى عصر المعلومات يتوقف على نجاحها فى التصدى لهيمنة اللغة الإنجليزية فى
تكنولوجيا المعلومات عمومًا ، والإنترنت بصفة خاصة " .
ويوضح ( وهو مِن أهم الخبراء العرب فى هذا المجال ) أن هذا الاهتمام
من جانب اليابان :
" يفسر محاولاتها ( يقصد اليابان ) لتتزعم الدول غير
الناطقة بالإنجليزية ، عاقدة العزم على تكوين " حلف لغوى " للدفاع عن
مصير اللغات القومية ، ضد الخصم اللغوى الأمريكى " .
ويكشف الدكتور نبيل على أنه :
" صاحَبَ
انتشار ظاهرة العولمة ، نزعة إلى التكتل الإقليمى ، ولم يكن ذلك لمجرد المحافظة
على الهوية والخصوصية الثقافية ، بل تحركه دوافع اقتصادية وسياسية وأمنية فى
المقام الأول . وفى هذا الصدد تشهد أوربا توجهين متناقضين : أحدهما يقوم
على أساس التنوع اللغوى ، والآخر يميل إلى الانغلاق فى إطار التوجه اللغوى "
.
" فبينما تعتبر
كتلة " الوحدة الأوربية " التنوع اللغوى لدولها ( 17 لغة ) مصدرًا
لقوتها الاستراتيجية فى مواجهة القطب الأمريكى المتشبث بأحاديثه اللغوية ، تسعى
ألمانيا إلى إقامة حلف لغوى ألمانى يجمع بينها وبين النمسَا وسويسرا " .
* وفى هذا
المجال ، يذكر " ديفيد كريستال " فى كتابه " اللغة وشبكة المعلومات
العالمية " ( 2010 ) ، أنه
" وفقًا لمؤلف الإنترنت اليابانى " يوشى ميكامى " ، فإن ( 90 % )
من مواقع الشبكة العنكبوتية فى اليابان ، هى الآن باللغة اليابانية " .
* ويقول الدكتور عبد
الله بن أحمد الفَيفى ، فى دراسته حول " مستقبل الثقافة العربية فى ظل
الوسائط الاتصالية الحديثة " :
" اللغة (
العربية ) إذا استطاعت أن تتغلب على أدوائها الذاتية ( جمع داء ) ... ستجد نفسها
فى مأزق آخر ، تدافع فيه عن وجودها ضد غزو خارجى ، مُتمثلةً أولى درجاته فى
الازدواج اللغوى بين العربية وغيرها من اللغات " .
"
والتنبؤ بمصير العربية فى هذا المعترك عسير ، من حيث هو مرتبط بمكانة العرب من
العالم ... بالنظر إلى إخفاقاتهم فى التقدم خطوة نحو ما يحمى اللغة حقًّا من غائلة
اللغات الأخرى ، التى تستفحل مع الوسائط الاتصالية القائمة على تلك اللغات "
.
ويضيف : "
والعلاقات بين اللغات كالعلاقات بين الدول ، منها علاقات مشروعة وضرورية ونافعة ،
ومنها ما هو نوع من التدخل فى الشئون الداخلية وانتهاك للسيادة ، وهذا هو ما يترصد
العرب كما يترصد لغتهم " . [ كتاب العربى – جزء (2) - أكتوبر 2010 - " الثقافة العربية فى ظل
وسائط الاتصال الحديثة " - صفحة 189 ] .
* ويقول الأستاذ عبد
السلام المسدى ، أحد وزراء التعليم العالى والبحث العلمى السابقين :
"هناك
تمويلات ضخمة لتشجيع اللهجات المختلفة ، وإحياء المندثر منها ، واللعب على وتر
الخصوصيات ، كتكتيك مرحلى للقضاء على اللغة الأم أولاً ، ثم تعميم اللغة الكونية
الأقوى (
الإنجليزية ) ثانيًا " .
ويضيف : " إن
المثقف العربى قد يعرف لغة أجنبية ويتقنها كأهلها ، ولا يعرف لغته العربية بالقدر
نفسه - وهذا هو المُستَهْدَف بنا فى ظل الكونيَّة الثقافية المزعومة : أن نتحدث
لغة واحدة ، وننتمى إلى ثقافة واحدة ، هى ثقافة الأقوى بالتأكيد " .
[ المرجع السابق -
صفحة 193 / 194 ] .
* كما يقول الأستاذ
" محمود أمين العالم " فى صدد دفاعه عن الخصوصية اللغوية :
"
أخذت العولمة تفضى بالضرورة إلى سيادة لغة من لغاتِ الدول المهيمنة فى العلاقات
التجارية والاقتصادية ، وما يتبع ذلك من سيادة ثقافتها وقيمها الخاصة . إن معنى
ذلك تهميش اللغات والثقافات القومية ، واحتواؤها ، كمدخل لتكون تابعة اقتصاديًّا
وثقافيًّا " .
ويعلق د .
نبيل على هذا قائلاً : " وجاء الإنترنت ليفتح بوابات الفيضان أمام تدفق
معلوماتى هادر ، تطغى عليه اللغة الإنجليزية ، وهو الأمر الذى أثار
الفزع لدى جميع الأمم غير الناطقة بالإنجليزية ، وقد انتابها قلق شديد على مصير
لغاتها القومية " .
خاتمة :
إن كل
قضية من القضايا التى أثرناها فى هذه الدراسة ، أصبحت عاملاً حاسمًا فى نجاح لغتنا
العربية لتتغلب على ما يواجهها - الآن وفى المستقبل القريب - من تحديات هائلة ،
وذلك حتى يُتاح لأدب الأطفال العربى أن يواصل الازدهار والتألق ، والوصول إلى
صغارنا بسلاسة وكفاءة .
إن اللغة
هى أداتنا الأساسية التى نتواصل عن طريقها مع أطفالنا عندما نكتب لهم ، فكل جهد
نبذله للحرص عليها ، ولدرء الأخطاء عنها ، إنما هو دفاع عن مستقبل أدب الأطفال ،
وعن مستقبل صغارنا وثقافتهم ، ومكانتهم التى يستحقونها فى العالم وحضارته وتقدمه .
أهم المراجع
- ديفيد كريستال : " اللغة وشبكة
المعلومات العالمية " ( 2006 ) - ترجمة : أحمد شفيق الخطيب - الناشر : المشروع القومى للترجمة -
( 2010 ) .
- رينيه بلند وميكافيل
بول : "
مخاطر الشاشة " ( 2008 ) - ترجمة : د . حسن حتاحت - الناشر : العبيكان - (
2008 ) .
- إيان هاتشباى ، وجو
موران - إليس : " الأطفال والتكنولوجيا والثقافة – تأثير الوسائل
التكنولوجية على الحياة اليومية للأطفال " ( 2001 ) - ترجمة : دعاء محمد
صلاح الدين الخطيب- الناشر : المشروع القومى للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة -
مصر .
- د . سليمان إبراهيم
العسكرى : " عالمنا العربى ومستقبل الثورة الرقمية " - كتاب العربى ( 55 )
: " مستقبل
الثورة الرقمية .. العرب والتحدى القادم " - ( 2004 ) .
- د . محمود أحمد السيد وآخرين : " المحتوى
الرقمى العربى على الشابكة [ الإنترنت ] .. مشروع النهوض باللغة العربية
للتوجه نحو مجتمع المعرفة " - الناشر : المنظمة العربية
للتربية والثقافة والعلوم -
( 2010 ) .
- صحيفة الأهرام المصرية - 15 مارس 2013 - ملحق
الأهرام : " أول مرصد إحصائى يكشف عجز الحكومات على الإنترنت " .
- د . نبيل على : " الثقافة
العربية وعصر المعلومات .. رؤية لمستقبل الخطاب الثقافى العربى " - الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة ، مصر -
سلسلة " الثقافة الرقمية " - ( 2012 ) .
- دون تابسِكوت : " جيل
الإنترنت .. كيف يغير جيل الإنترنت عالمنا " - ترجمة : حسام بيومى محمود –
الناشر : كلمات عربية للترجمة والنشر - ( 2012 ) .
-
د . عبد الله بن أحمد الفَيفى : " مستقبل الثقافة العربية فى ظل الوسائط
الاتصالية الحديثة " - كتاب العربى ( 82 ) : " الثقافة العربية فى ظل
وسائط الاتصال الحديثة " - [ الجزء الثانى - ( 2010 ) ] .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق