جئت إلى أدب الأطفال، من أدب الكبار
شهادة
طلال حسن
يختلف الكثير من النقاد والباحثين والأدباء ،
حول ماهية وأهمية أدب وأدباء الأطفال وفنانيهم ، كما اختلفوا ويختلفون حول العديد
من أنماط الأدب عند الكبار .
وعلى هذا ، فأن البعض منهم ،
وهم لحسن الحظ الأغلبية العظمى ، يرون أن أدب الأطفال ـ قصة ، شعر ، مسرحية ،
رواية ـ له أهميته الكبيرة ، ودوره الأساس في تربية الأطفال وتعليمهم ، وتنمية
أحاسيسهم الجمالية في شتى المجالات ، وإعدادهم للمراحل اللاحقة من أعمارهم ،
وصولاً إلى سن الرشد .
وبالعكس من ذلك ، يرى البعض
الآخر ، وهم لحسن الحظ قلة قليلة ، لا تكاد تذكر ، بأن أدب الأطفال أكذوبة ، ووهم
وخداع ، وأن أدباء الأطفال ، فشلوا في الكتابة للكبار ، فلجأوا إلى " السهل
غير الممتنع " وهو أدب الأطفال ، وهم كما يقول البعض ، أطفال أدب لا غير .
ووسط هذه الآراء المتضاربة ،
يتقدم أدب الأطفال ، وكذلك فنون الأطفال المختلفة ، ليس في العالم المتقدم فقط ،
بل في عالمنا العربي نفسه ، رغم ما يعتريه من هزات وتراجع ، على شتى الصعد ، منها
، وفي الأساس ، الصعيد الثقافي .
ومن الطريف ، أن أديبين أخوين ،
في إحدى الدول الأوربية ، وربما في القرن التاسع عشر ، أحدهما شاعر ، والآخر كاتب
أطفال ، دُعيا إلى حفل أدبي ، وفي الطريق ، قال كاتب الأطفال لأخيه الشاعر : لا
تنسَ ، قدمني لهم ، وقل لهم ، هذا أخي ، إنه كاتب أطفال .
وحين وصلا مكان الحفل ، التف
العديد من المحتفلين بأديب الأطفال ، يحيونه ويرحبون به ، فاقترب منه أخوه الشاعر
، وهمس له : قدمني لهم ، قل لهم ، هذا أخي ، إنه شاعر .
ومن المؤكد أن الكتابة للأطفال
، كما الكتاب للكبار ، أساسها الموهبة ، فالكاتب النرويجي هانز اندرسن ، وهو من
أشهر كتاب الأطفال في العالم ، كتب أول الأمر الشعر والقصة والمسرحية والرواية ،
لكنه لم يحقق النجاح المطلوب في أيّ منها ، لكنه عندما كتب للأطفال ، كتب البلبل
وملابس الإمبراطور وبائعة الثقاب والحورية الصغيرة ووو.. وصار هانز اندرسن .. الذي
يعرفه العالم كله .
وهذا ما حدث لي ، ولابني الفنان
التشكيلي عمر ، فقد كان عمر في البداية ، يحاول السير على خطى الفنانين التشكيلين
الكبار عربياً وعالمياً ، وذات يوم ، أعطيته قصة للأطفال من تأليفي ، وطلبت منه أن
يجرب ، ويرسمها لي .
أخذ عمر القصة على مضض ، لكنه
ذهب إلى أمه ، وقال لها : إن أبي يريد أن أرسم له بطة .
ورسم ابني " البطة "
، وهو منذ ذلك الحين ، وبشغف وإبداع كبيرين ، لا يرسم غير " البطة " ،
وقد رسم لأفضل المجلات ودور النشر العراقية والعربية ، العشرات من القصص
والسيناريوهات والكتب .
وأنا نفسي ، جئت إلى أدب
الأطفال ، من أدب الكبار ، فقد كتبت في بداياتي ، منذ أوائل الستينيات ، القصة
والرواية والمسرحية ، وكذلك المقالة النقدية ، وخاصة حول المسرح ، كما عملت في
الصحافة سنين عديدة ، لكني لم أبدأ خطواتي الأولى إلى النجاح والتقدم ، إلا عندما
بدأت الكتابة للأطفال .
وأولى خطواتي على طريق الألف
ميل ، بدأت بخطوة مشجعة ، ففي أوائل السبعينيات كتبتُ مسرحيتي الأولى للأطفال
بعنوان " الأطفال يمثلون .. " وقد نشرت فيما بعد في مجلة " النبراس
" التي كانت تصدر عن مديرية التربية في الموصل ، أعقبتها بمسرحية حول القضية
الفلسطينية بعنوان " الوسام " ، وقد مثلت هذه المسرحية مرات عديدة ، في
المدارس المتوسطة والثانوية داخل الموصل وخارجها ، وكذلك في العديد من مراكز
الشباب ، بل وعرضت مرتين من تلفزيون الموصل ، وخلال هذه الفترة كتبت العديد من
مسرحيات الأطفال منها " المؤتمر الأول للسلام في الغابة " والأسد والثور
" و" الصخرة " التي أخرجها الفنان التشكيلي المعروف ستار الشيخ .
وفي عام " 1975 "
نشرت أول قصتين للأطفال في مجلة " المزمار " وكانتا على التوالي "
العكاز " و " البطة الصغيرة " وكانتا حول القضية الفلسطينية ، كما
نشرت عدة قصص في صفحة " مرحباً يا أطفال " في جريدة " طريق الشعب
" ، وفي السنة التالية " 1976 " نشرت لي دار ثقافة الأطفال كتابي
الأول " الحمامة " ، وكان أيضاً حول القضية الفلسطينية ، ورسمها لي
الفنان المبدع صلاح جياد .
ومنذ ذلك التاريخ ، منذ بداية
السبعينيات ، وأنا منغمر في أتون الكتابة ، الممتعة والصعبة والعذبة والمعذبة ،
للأطفال ، حتى إنني أحلت نفسي على التقاعد عام " 1986 ، و" لأسباب صحية
" كي أتفرغ للكتابة للأطفال .
ووراء إحالتي على التقاعد حكاية
طريفة ، فقد رفض مدير عام التربية وقتها طلب إحالتي على التقاعد ، إلا بتقرير طبي
، فذهبت إلى طبيب أخصائي في الفقرات ، وقلت له إنني أعاني من آلام في الظهر .
وفحصني الطبيب ، وقال لي :
فقراتك سليمة .
فصارحته بأني في الحقيقة ، وإن
كنت أعاني فعلاً من آلام في ظهري ، إلا أن هدفي الأساس أن أحال على التقاعد لأتفرغ
للكتابة للأطفال ، وتعاطف الطبيب مع طموحي ، فكتب تقريراً أكد فيه إنني أعاني من
مرض شيرمان ، وعلى هذا الأساس أحلت على التقاعد ، والفضل في ذلك يعود إلى الطبيب
المختص و " مرض شيرمان " ، الذي فهمت أنه يعني ، انحناء في العمود
الفقري .
في مسيرتي ، التي استغرقت حتى
الآن ، ما يزيد على الأربعة عقود ، واجهت الكثير من العنت والصعوبات ، لكني أيضاً
حققت الكثير من النجاح والتقدم داخل العراق وخارجه .
لقد رفضت لي الكثير من القصص
والمسرحيات ، وكذلك العديد من الكتب ، بحجة أو أخرى ، داخل العراق وخارجه ، لكن
هذا لم يحبطني ، بل زادني إصراراً على المواصلة ، والكتابة المستمرة ، مهما كانت
الظروف .
ففي عام " 1979 "
سُحب كتابي " الزهرة " من ا0لطبع ، بعد أن رسُم وصُمم ، بل ودفعت لي
مكافأته ، وقال لي الأستاذ الراحل شريف الراس ، أنه أرسل الكتاب للنشر في بيروت ،
ويبدو أنه احترق مع ما احترق في الحرب الأهلية اللبنانية في ذلك الوقت ، وفي أواخر
أعوام الحصار ، طبع لي كتاب بعنوان " وردة من بلاط الشهداء " ، يتناول
الجوانب المأساوية للحرب ، لكنه لم يوزع بأمر من أحد المسؤولين ، وفي عام "
1999 " طبع لي كتاب في عمان في دار كنده ، بعنوان " حكايات ليث " ،
ويضم أكثر من " 30 " قصة حول الانتفاضة ، لكن مكتبات عمان جميعها رفضت
توزيعه ، بسبب التطبيع مع " اسرائيل "
.
لكني مع كلّ ذلك ، استطعت أن
أنشر داخل العراق وخارجه ، حوالي "
35 " كتاباً للأطفال ، وأكثر من " 1700 " قصة وسيناريو ومسرحية
ورواية للأطفال والفتيان ، بينها أكثر من " 270 " مسرحية للأطفال
والفتيان ، ولي تحت الطبع ، في دار البراق لثقافة الأطفال " ، التي أصدرت لي
ستة كتب عام " 2013 " ، وأصدرت لي ستة كتب أخرى هذا العام " 2014
" ، رشحت في القائمة الطويلة لنيل جائزة الشيخ زايد لكتاب الطفل ، ولدي في
دار " البراق " عشرة كتب ، ستة للأطفال ، وأربعة روايات للفتيان .
كما أنني ، وبفخر واعتزاز ،
أستطيع أن أقول ، إنني وضعت اللبنات الأولى لأساس واعد لصحافة الأطفال في محافظة
نينوى ، ابتدأت بزاوية ـ نصف صفحة ـ للأطفال في جريدة " نينوى " عام
" 200 " ، وفي تموز عام " 2003 " بعد التغيير ، أصدرت أول
مجلة للأطفال في العراق ، بالتعاون مع مطبعة الزهراء في الموصل ، وتلاها ملحق
جريدة عراقيون " براعم عراقيون " الشهري عام " 2004 " ،
وتتالت زوايا متعددة في صحف ومجلات موصلية منها ، جريدة الحقيقة ، وجريدة المسار ،
وجريدة دجلة ، ومجلة الأسرة والطفل ، ومجلة زرقاء ـ نت ،وغيرها ، وفي عام "
2010 " أصدرت مجلة " ينابيع " بالتعاون مع جريد عراقيون ، والآن ،
وعن المركز الثقافي والاجتماعي ، تصدر مجلة واعدة للأطفال بعنوان " بيبونة
" ، يعمل معي فيها نخبة من أدباء الموصل ، المعنيين بأدب الأطفال ، من بينهم
الكاتب المسرحي الكبير ناهض الرمضاني ، والأستاذ فارس السردار ، والدكتور أحمد جار
الله ، مع نخبة من الفنانين يأتي في مقدمتهم حكم الكاتب ، وليث عقراوي ، ومحمد
العدواني ، وعمر طلال .
وخلال مسيرتي الطويلة هذه ،
حصلت على العديد من الجوائز العربية والعراقية ، في مجال السيناريو والمسرح ، كما
كرمت مرات كثيرة ، من أطراف عديدة ، من داخل مدينتي الموصل ، ومن بغداد ، كتبت عني
وعن أعمالي الكثير من المقالات والبحوث ، كما اهتم بها طلبة وطالبات الدراسات
العليا ، فكتبت عن أعمالي القصصية ومسرحياتي للأطفال والفتيان العديد من رسائل
الماجستير وأطاريح الدكتوراه .
وما أقوله في النهاية ، إنني
كنت وسأبقى سعيداً ، لكوني واحداً من كتاب أدب الأطفال في العراق ، وسأبقى كذلك
حتى النهاية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق