أذكرُ أنَّني
سمِعتُ أختي
الكبيرة ذاتَ
يومٍ تقولُ:
"الفيل
حيوان يشبه
البرميل".
تضايقتُ من
هذا التشبيه،
فالفيل في
نظري حيوان
يشبه "البالونة"
في رشاقتها،
وعندما
يمشي أتخيَّلُهُ
راقصًا.
الفيلُ الصغيرُ
الذي أحكي
حكايتَهُ، أرادَ
أن يجرِّبَ
اللعبَ مع
حيواناتٍ وطيورٍ
مختلفة.
ذاتَ يومٍ،
قرَّرَ تركَ
زملائه يلعبونَ،
وابتعدَ
عنهم دونَ
أن يعرفَ
في أيِّ
اتجاهٍ سيذهبُ
.. ولا
مع من
سيلعبُ وتركَ ما قد
يحدثُ للصدفةِ.
فجأةً، توقَّفَ
الفيلُ الصغيرُ
عن السيْرِ
عندما شاهدَ عصفورةً
ملوَّنةً تتحرَّكُ
أمامَهُ ..
وكذلكَ توقَّفَتِ
العصفورةُ، لأنَّها
خافت من
ظلِّهِ الضخم الذي يشبهُ
السحابةَ ..
فطارت إلى
أقرب شجرة ووقفتْ
عليها وهي
ترتعش.
نظرَ الفيلُ
إليها وحاولَ
مداعبتَها بزلومتِهِ
فخافت أكثر،
واختارتْ
غصنًا أعلى
تقفُ عليهِ.
قالَ الفيلُ:
- يا
عصفورة ..
من فضلِكْ
أريدُ أن
ألعبَ معكِ.
قالت العصفورة
لنفسها:
- كيف
ألعبُ معه
.. إنَّ
حجمَهُ أكبر
من مائة بطيخة
وأكبر
من ألف
وخمسمائة
حبَّة من
الطماطم وأكثر
من عائلتي وأصدقائي
كلّهم.
انتبهتْ إلى
صوت الفيل
يناديها:
-
هيَّا لا تخافي
يا عصفورة
.. انزلي
إلى الأرض
لنلعب معًا.
قالت العصفورة:
-
لن ينفع أن نلعب
مع بعضنا.
فأنتَ كبيرٌ
جدًّا .. وأنا
صغيرة جدًّا
..
وأنتَ
لا تملكُ أجنحةً
تطيرُ بها
مثلي فوقَ
الأشجار.
في هذه
اللحظة لمحَ
الفيلُ كُرَةً بلاستيكيَّةً
ملوَّنة على
الأرضِ، فأشارَ
إليها بزلومتِهِ
وهو
يقولُ للعصفورةِ
في تساؤل:
-
هل تملكينَ هذه الكُرَة الجميلة؟
أخبرَتْهُ العصفورةُ
أنَّها ملكُ
لبعضِ الأولاد الذينَ
كانوا يلعبونَ
بها.
قالَ الفيلُ
وقلبُهُ
يرقصُ من
الفرحِ:
-
صُدْفةٌ طيِّبةٌ
.. فالآنَ
يمكننا أن
نلعبَ بها
بعض الوقت.
ردَّت العصفورةُ
عليه:
- أنتَ
يمكنُكَ أن تلعبَ
الكرةَ، ولكن
ليسَ كما
يلعبُ بها
البشر. أمَّا
أنا، فمن
الصعبِ جدًّا اللعب
بها، لأنَّني
لن أتمكَّنَ
من تحريكِها
أبدًا.
ضحكَ الفيلُ
قائلاً وهو
يهزُّ أذنيهِ:
- فعلاً
.. من
الصعبِ جدًّا
أن تلعبي
بالكرةِ ..
أو دحرجتِها
على الأرض
لأنَّها في
حجمِ عشرةِ عصافير
أو أكثر،
ولهذا
أقترحُ أن تنادي
بعضَ أصدقائك
لمساعدتك لنلعبَ
جميعًا معًا.
ولكنَّ
العصفورةَ طارت
مبتعدةً وهي
تؤكِّدُ لنفسِها، أنَّ
الفيلَ قد
أصابَهُ الجنون
.. وأنَّهُ
لا فائدةَ من
الحوارِ معه.
أمَّا الفيل، فقد
حاول أن
ينسى .. وسارَ
في طريقِهِ،
فشاهدَ غرابًا
يتحرَّكُ .. ثم
طارَ كأنَّهُ
يرقصُ، ففرِح
به ورفعَ
زلومتَهُ لتحيَّتِهِ
ثم ألقَى
عليهِ السلامَ
.. وقد
اندهشَ الغرابُ
من أدبِ
الفيل فردَّ
تحيَّتَهُ، ولكنَّهُ
كانَ خائفًا
وخصوصًا
أنَّهُ هرِبَ
منذُ لحظاتٍ
من بعضِ
الأولادِ الذينَ
يضايقونَهُ ولا يعرفُ
لماذا!
قالَ الفيلُ
للغراب:
- يسعدني أنَّ
لونَكَ قريبٌ
من لوني،
كما أشعرُ
بأنَّكَ طائرٌ
يحبُّ المرحَ،
فهل تسمح
لي بدعوتِكَ للعبِ
معي أيَّ
لعبة تختارُها.
فجأةً، توقَّفَ
الغرابُ عن
الحركةِ، وفردَ
جناحيهِ وهو
ينظرُ إلى
الفيلِ هامسًا
لنفسِهِ وهو
يرتعدُ:
-
هذا الفيلُ
جاسوسٌ أرسلَهُ
بائعُ الجُبْنِ
الذي سرقتُ
من دُكَّانِهِ
منذُ أيَّامٍ
قطعةً كبيرةً
من الجُبْنِ.
أمَّا الفيلُ،
فقد كانَ يبتسمُ
لتشجيعِ الغرابِ
على الموافقةِ للعبِ
معه ..
ولكنَّ
الغرابَ تصوَّرَ
أنَّ الفيلَ
يعملُ مُخْبِرًا
خاصًّا عندَ
بائعِ الجُبْنِ،
وأنَّهُ
بالتأكيدِ جاءَ للقبضِ
عليهِ فانكمشَ
في مكانِهِ،
وأخذَ
"يبرطِمُ"
بصوتِهِ وكأنَّهُ
يدافعُ عن
نفسِهِ:
-
صدِّقني أيُّها الفيل
.. أنا لم أسرقْ شيئًا.
طمأنَهُ الفيلُ
قائلاً:
- اسمعني
يا غراب ..
أنا لم أتهمك
بالسرقة ولم
يرسلني أحدٌ
للإمساكِ بكَ
وكلُّ
الحكاية أنَّني
أبحثُ عن حيوانٍ
.. أو
طائر ..
ألعبُ معه.
حرَّكَ الغرابُ
جناحيهِ استعدادًا
للهربِ وهو
يقولُ:
- يا عزيزي
الفيل:
أنا لا
يمكنُني الوقوفَ
كثيرًا على
الأرض، لأنَّ
بعضَ الأولاد
يحلو لهم
مضايقتي والاعتداء
عليَّ كُلَّما
شاهدوني وأنتَ لن
تتمكَّنَ من
الصعودِ معي
لأعلى الشجرةِ،
ولهذا
ففكرةُ اللعب معك
فكرة غير ممكنة، فوداعًا.
مرَّةً أخرى،
وجدَ الفيلُ نفسَهُ
وحيدًا، فأمسكَ
بالكُرَةِ وأخذَ
يدحرجُها على
الأرضِ إلى أن
أحسَّ بالتعبِ،
فجلسَ بجوارِ شجرةٍ ليستريحَ
فلمحَ أحدَ
الفئرانِ وهو
يتحرَّكُ بسرعةٍ
في كُلِّ
اتجاهٍ كأنَّهُ
يحاولُ الهروبَ
من شيءٍ،
فاستوقفَهُ طالبًا
منه أن يلعبَ
معه .. ولكنَّ
الفأرَ نظرَ
إليهِ وهو
لا يصدِّقُهُ
وتراجعَ
للخلفِ قائلاً:
- آهٍ
.. من
الواضحِ أنَّكَ
تسخرُ من
ذكائي أيُّها
الفيل .. فأنتَ
أحدُ جواسيسِ
القطط ..
وبالمصادفة،
شاهدَ الفأرُ
ثلاثَ قططٍ
تتلصَّصُ عليهِ
من بعيدٍ
كأنَّها تراقبُهُ،
فتأكَّدَتْ ظنونُهُ،
فهرْوَلَ مُبْتَعِدًا
دونَ أن
يوجِّهَ أيَّ
كلمةٍ للفيل،
واختفى.
لمحَ الفيلُ
القططَ الثلاثَ وهي
تقتربُ منه
غاضبةً.
قالت القطةُ الأولى:
-
لقد استأجرَكَ
الفأرُ لحمايتِهِ
وتحذيرِهِ
من وجودِنا.
وقالت
القطةُ الثانية:
-
عيْبٌ عليكَ وأنتَ
في هذا
الحجمِ الكبير
أن تعملْ
عندَ فأرٍ
تافه!
أما القطَّةُ الثالثة،
فقد هزَّت
ذيلَها وقالت:
- لا
يهمُّنا، ولا
نخافُ من
حجمِكَ الكبير
.. فنحنُ
لنا أساليبُنا السريَّة
في القبضِ
على الفئران،
لأنَّها ضارَّةٌ
وتنقلُ
الأمراضَ للإنسانِ
والحيوان.
بكَى الفيلُ
.. وأحسَّ
أنَّهُ متَّهَمٌ
.. وحاولَ
أن يوضِّحَ
موقفَهُ للقططِ الثلاث
التي كانت
قد اختفت.
-
لن أياَسَ. سأجدُ أحدَهُمْ
وألعبُ
معه.
فجأةً، وجدَ
رجُلاً يسدُّ
الطريقَ عليهِ
وهو
يهدِّدُهُ بعصا
في يدِهِ،
صارخًا فيه:
- أخبرني
بسرعة .. هل
رأيتَ أحدَ
القرودِ يمرُّ
من هُنا؟
استفسرَ الفيلُ
من الرجل:
- أيُّ
قردٍ يا سيِّدي؟
أخبرهُ الرجلُ
بأنَّهُ أحدُ
الحُواةِ .. وأنَّ
القردَ الذي يستخدمُهُ
في العمل
تسلَّلَ هاربًا
منه.
هزَّ الفيلُ
رأسَهُ وقالَ:
- فهمتُ
أيُّها الحاوي
سبب غضبك
.. ولكنَّني بصدقٍ
لم أشاهِدْهُ ..
ولم
يصادفني أيُّ
قردٍ اليوم
وإلاَّ كنتُ
قد طلبتُ
منه أن
يلعبَ معي.
نظرَ الرجلُ
إلى الفيلِ
في غيظٍ، ثم
قالَ في
لهجةٍ غاضبة:
- آه
.. أنتَ
تقولُ "يلعب معي"
.. إذًا أنتَ
الذي قمتَ
بتسهيل هروبه
واختفائه.
ثم
صرخَ في
وجهِ الفيل
وهو
يرفعُ عصاهُ:
-
أشكُّ في صدقِ
كلامك، فشكلُكَ
يؤكِّدُ أنَّكَ
عضوٌ هامٌّ
في جمعيةِ
الرفقِ بالحيوان التي
لا تشجِّعُ
استخدامَ بعضِ
الحيوانات في
العمل.
ثم رفعَ
الرجلُ عصاهُ،
فخافَ الفيلُ
وأسرعَ
مبتعدًا.
انزعجَ الفيلُ من اتهامِهِ
بالجاسوسية ومن
اتهامِهِ بأنَّهُ عضوٌ
في جمعيةِ
الرفقِ بالحيوان، وكادَ
ييأسُ من
فكرةِ اللعبِ
مع ..
ولكنَّ
الأملَ دبَّ
فيه وهو
يرى سُلحفاةً
تحاولُ الاقترابَ
منه دونَ
خوفٍ، وتلقي
عليهِ بالتحيَّةِ
فرحَّبَ بها قائلاً:
-
أهلاً بكِ يا
سلحفاة .. لقد
سعدتُ بلقائكِ ..
ولا بُدَّ أنَّكِ
ترغبينَ في اللعبِ
معي .. آه
.. نعم .. نعم
.. أنا
موافق، فهيَّا نتسابقُ
لنعرفَ من
الفائز في
السباق!
نظرتْ السلحفاةُ
للفيلِ وقالت في
لهجةٍ واثقة:
- لقد
استمعتُ إلى
كلامِكَ مع
الغرابِ ..
والعصفورة
.. والفأر
.. والقطط
.. ومع
الرجلِ الحاوي الذي
هرِبَ قردُهُ.
قالَ الفيلُ
في أسَى
وحزن:
- أعتقدُ
أنَّني كنتُ رقيقًا
ومهذَّبًا
مع الجميع
ولكنّهم
عاملوني بإهمالٍ ..
وقسوة.
أنهَى الفيلُ
كلامَهُ بينما
كانت دموعُهُ تتساقطُ وكان
متأثِّرًا لما
حدثَ له،
فأسرعت السلحفاة
في توضيحِ
الموقف له:
- يا عزيزي
الفيل:
أنتَ حيوانٌ
طيِّبٌ ..
وبالطبعِ
أنتَ بريءٌ
من كلِّ
الاتهاماتِ التي
قالوها عنكَ، فاسمح
لي أن
أطرحَ عليكَ سؤالاً تجيبُ
عليه:
هل يصِحُّ
أن يلعبَ
الأسدُ مع أرنبٍ
.. أو
كلبٍ ..
أو خروف
.. أو
دجاجة؟
أو تلعب
القطط مع
الفئران!
فكَّرَ الفيلُ
وهو
يهرشُ أذنيهِ
بزلومتِهِ وقالَ:
-
بالطبعِ، لن يلعبَ
الأسدُ معهم
لأنَّهُ سيفترسهم.
أما عن
القطط، فهي
عدُوَّة الفئران
.. والأعداءُ
لا يلعبون ..
وإنَّما
يتقاتلون.
هزَّتِ السلحفاةُ
ذيلَها القصير
..
وقالت:
-
برافو .. لقد
أجبت على
ما يدهشك، وما
يحيِّرك ويحزنك،
فأنتَ أيضًا
لا تصلحُ
أن تلعبَ
مع العصافير
ولا
الغربان، ولا
الفئران ولا
مع سلحفاة
مثلي وأيضًا
لا يمكنك اللعب
مع البشر.