لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الثلاثاء، 8 مايو 2018

الأطفال كمشاهدين لسينما الطفل دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى

الأطفال كمشاهدين لسينما الطفل 
 يعقوب الشارونى

عندما نقدم أفلامًا للأطفال ، يجب أن نساعدهم على صقل تذوقهم للفنون ، فنمزج المغزى بالمتعة الفنية ، وهو ما يؤهلهم فى مستقبل أيامهم إلى أن يصبحوا قادرين على تمييز الأصيل والجيد والثمين من الغث والمزيف . إن الأزمة الحقيقية للسينما العربية ، تكمن فى أن الأجيال التى تشاهدها اليوم لم تتدرب فى طفولتها على تذوق الدراما وكشف روعتها وسحرها. وعندما نرى مئات الأطفال ممن لا يعرفون الهدوء عادة ، جالسين ما يقرب من ساعة أو ساعة ونصف الساعة يتابعون بشغف ما يعرض على شاشة السينما وهم مأخوذون مسحورون ، لابد أن نسأل : " ما الذى جعل العرض يسيطر عليهم بهذا الشكل ، الذى يمكن أن يؤدى بالتالى إلى أن يحقق العمل الفنى الأهداف التى نبتغيها منه ؟ " مادة هذه الدراسة : من الملاحظات التى جمعناها من خلال مراقبة مباشرة لجمهور المشاهدين من الأطفال ، فى حفلات نوادى الأطفال فى قصور الثقافة خلال سنوات متوالية ، وعلى الأخص خلال العروض السينمائية المستمرة التى قدمها يوميًّا خلال سنة كاملة المركز القومى لثقافة الطفل بجاردن سيتى بالقاهرة ، ومن مناقشة المشرفات على عروض السينما للأطفال ، وأمهات الأطفال اللاتى اعتدن متابعة العروض فى مركز الطفل ، خرجنا بمجموعة من الملاحظات ، التى يمكن أن تعد مؤشرات لاستجابات الأطفال لعروض السينما الخاصة بهم . ** الحكاية هى العنصر الرئيسى الذى يذكره الأطفال كسبب لإقبالهم على الأفلام : لاحظنا أنه فى معظم الحالات تكون الحكاية المحبوكة البسيطة الواضحة ، هى السبب الرئيسى فى إقبال الأطفال على فيلم معين ، مع ملاحظة أن هذا الإقبال لا يبدأ إلا من سن معينة . إن الأطفال يسألون دائمًا : وماذا بعد ؟ وطالما هناك إجابة مستمرة مُقْنِعة بالنسبة لسن وخبرة وخيال الأطفال على هذا التساؤل ، يستمر اهتمامهم بمتابعة الفيلم . ولعــل هذا هـو السبــب فى أن الأفــلام التسجيليـة التى لا تحتوى على حكاية ، قد فشلت بوجه عام فى جذب اهتمام الأطفال . مثال ذلك فيلم عن السد العالى ، وفيلم يابانى عن دورة طوكيو الأوليمبية ، وفيلم كندى عن استخدام الطائرات فى صيد الذئاب التى تقتل الغزلان فى المناطق الثلجية . وإن خـَـفّف من هذا إلى حد ما ، قيام المشرف أو المشرفة على العرض بالتعليق على هذه الأفلام ، بما يربط أحداثها بخبرات الأطفال المشاهدين . السن التى يبدأ عندها الأطفال فى فهم حبكة القصة : وقد لاحظنا أيضـًـا أنه ، كنتيجة لمشاهدة الأطفال للأفلام الموجهة للكبار فى التليفزيون ، وذلك بسبب إهمال الكبار وتركهم الأطفال يشاهدون برامج التليفزيون دون رقابة ، أو نتيجة إذاعة هذه الأفلام فى أوقات هى أكثر فترات النهار يقظة بالنسبة للأطفال مثل وقت بعد الظهر يوم الجمعة ، فقد بدأ الأطفال فى سن مبكرة نسبيًّا ، حوالى ست سنوات ، وأحيانـًـا خمس سنوات ، فى فهم ومتابعة حبكة القصة . لكن فهمهم يكون إجماليًّا ومختلطًا ، فهم يخلطون بين الشخصيات إلا إذا كانت قليلة ومتميزة كل منها عن الأخرى خاصة فى شكلها الخارجى ، كما يخلطون فى ترتيب الأحداث . لذلك يجب أن تكون حركة الفيلم وتسلسله بشكل يسمح للطفل بأن يستوعبه بسرعة ، وذلك بمراعاة المنطق الداخلى لأحداث القصة من وجهة نظر وخيال الطفل ، لأن كثرة الشخصيات أو تشابهها ، وانتقال المشاهد السريع ، أو وجود عقدة ثانوية بجوار العقدة الرئيسية للقصة ، أو سرعة الحوار ،أو النهاية المقتضبة للحوادث ، كل ذلك من شأنه أن يربك الطفل ، ويؤدى إلى انصرافه عن متابعة العمل المعروض أمامه. أثر طول البرنامج فى إقبال الأطفال عليه : وفى هذا لاحظنا أن طول الفيلم لم يكن له أثر على نجاحه فى جذب انتباه المتفرجين طوال مدة العرض . فقد لاحظنا أنه بالنسبة للأفلام الروائية يمكن لمن تزيد سنهم على السابعة أن يتابعوا فيلمًا تصل مدة عرضه من ساعة إلى ساعة وربع ، بل كانت أكثر الأفلام التى أحبها الأطفال هى الأفلام ذات القصة البسيطة المترابطة التى يبلغ طولها ساعة فى المتوسط . ويقل اهتمام الأطفال بالفيلم كلما قل طوله ، وهذا يظهر من متابعة طلباتهم لإعادة عرض الأفلام الطويلة ، وعدم اهتمامهم بطلب إعادة عرض الأفلام كلما قصر طولها ، مع بعض الاستثناءات القليلة . ولعل هذا يرجع إلى أنه فى الفيلم الروائى الطويل ، توجد إمكانية ارتبــاط الأطفــال وجدانيًّا ببعض أبطاله ، لمعايشتهم لهم فترة زمنية طويلة نسبيًّا بسبب طول مدة العرض - رغم أن إيقاع السينما يتميز بسرعة أكثر بكثير من إيقـاع أحــداث الحيــاة اليوميــة - لهذا فإن قصة الفيلم الطويل تجد الوقت الكافى لإثارة خيال الأطفال وتعايشهم مع أحداثه ، بدرجة أكبر مما هو متاح لقصة فيلم قصير . الأطفال الصغار يصعب عليهم متابعة حبكة القصة : وإذا كانت أفلام الأطفال تتميز عن أفلام الكبار بأنها يجب أن تراعى التسلسل والترتيب المنطقى فى الزمان والمكان ، وبأنه من الضرورى أن تكون واضحة بسيطة مما يستلزم إيقاعًا أهدأ من إيقاع أفلام الكبار ، فقد وجدنا أنه من الصعب على الأطفال الأقل من خمس سنوات ، وأحيانـًـا الأقل من 6سنوات ، أن يتابعوا الأفلام ، حتى لو كانت ذات قصة بسيطة أو ألوان بهيجة ، لأنهم لا يفهمون الصورة بنفس السرعة والسهولة التى يفهمها بها الكبار ، وينصرفون عن الموضوع الرئيسى إلى الاهتمام بالجزئيات ، مثل السؤال عن : " لماذا ترتدى البنت هذا الرداء الأحمر ؟ " أو يسعدون ويهتفون للطائرة التى صعدت إلى السماء ، أو يقلدون كلبًا ينبح ، أو يتحولون عن شاشة العرض كلية ليراقبوا مشرفة العرض . كل هذا دون أية محاولة لمتابعة الأحداث حتى لو كانت المشرفة على العرض تحاول أن تـُـقَـرِّب إلى أفهامهم قصة الفيلم . إنهم يسعدون بالاستطرادات الغنائية أو الراقصة التى قد تقطع سير الأحداث ، والتى تقلل عادة من تركيز الأطفال الأكبر سنـًّـا على القصة الأساسية . إن عيون صغار الأطفال تستأثر بالجزئيات دون أن تترك لعقولهم أن تربط بينها فى وحدة متكاملة . ففى فيلم العرائس اليابانى (30 دقيقة ) " مغامرات توبى " ، الذى يحكى قصة لعبة على شكل كلب ضاعت من صاحبتها ، وكيف ساعدتها اللُّعَب الأخرى على العودة ، كان أكثر ما اهتم به الصغار هو لِعْب الكلب مع اللُّعَب الأخرى دون ربط ذلك ببقية أحداث الفيلم . أثر البيئة فى قدرة استيعاب صغار الأطفال للقصة : كذلك هناك فرق بين أبناء الطبقات المتوسطة الذين تراقبهم عيون الوالدين فى كل لحظة من لحظات النهار ، وأطفال البيئات التى ينخفض فيها مستوى المعيشة بشكل ملحوظ . لقد لاحظنا فى عروض تمت فى قرى الوادى الجديد ، وفى دار حضانة شعبية بحى "ساقية مكى " بمحافظة الجيزة ، أن المشاهدين الصغار جدًّا كانوا أكثر استجابة لموضوع أفلام لم يستطع متابعتها أبناء الطبقات المتوسطة فى دار حضانة فى شارع قصر العينى أو فى الدقى بالقاهرة يماثلونهم فى العمر . ولعل هذا راجع الى كثرة الخبرة العملية التى يكتسبها ابن البيئـة الفقيــرة ، نتيجــة تركه ليُعنـَـى بنفسه ، أو لتـُـعنـَـى به أخت أكبر منه بعام أو بعامين ، مما يجعله على صلة يومية مباشرة بمختلف خبرات الحياة . فحتى لو كانت خبرته باللغة السينمائية منعدمة ، فهو يستطيع اكتساب الخبرة بما هو مجهول لديه أسرع من الطفل الذى لا تتاح له عادة أن يكتسب إلا الخبرة التى يقدمها له الوالدان جاهزة . دور شرائح الفانوس السحرى بالنسبة لصغار الأطفال : وقد وجدنا فى عرض قصص الأطفال بشرائح الفانوس السحرى ( البروجكتر ) بديلاً ناجحًا إلى أقصى الحدود بالنسبة للأطفال الصغار ، ابتداءً من سن 3 سنوات ، وأحيانـًـا أصغر من ذلك . إن تثبيت الصورة مدة كافية يسمح للطفل أن يُشـْـبــِـع منها عينيه ، وينطلق مع تفاصيلها بخياله . ثم يسمح له أيضـًـا بأن يستوعب موضوعها الذى تحرص مشرفة العرض على أن تقدمه إلى الصغار بلغة وأسلوب يقتربان من محصولهم اللغوى والعقلى ، حريصة فى ذلك على أن تربط القصة بتفاصيل اللوحة المعروضة وبخبرات الأطفال المشاهدين . بل إن القصص التى تعرض بشرائح الفانوس السحرى تنجح مع الأطفال حتى سن 12 سنة ، وهم أطفال المرحلة الابتدائية كلها ، مع مراعاة التدرج فى تعقد موضوعات تلك القصص ، وذلك لقدرة هذه الطريقة على إشباع حواس الطفل البصرية والسمعية معًا ، وهو ما لا يتيحه الإيقاع السريع لتتابع الحركة أو الحوار فى الأفلام . البداية المشوقة : ويرتبط بإقبال الأطفال على العمل الفنى الذى يحتوى على حكاية محبوكة ، أن تكون البداية سريعة ومثيرة لانتباه الأطفال ، لكى تستحوذ على اهتمامهم طَوالَ العرض . إن الأطفال يحبون الدخول فى موضوع الفيلم على الفور ، لذا يجب أن تكون الأحداث ممتعة مشوقة منذ البداية . الألوان كعنصر جذب : ولاحظنا أنه إذا كانت الألوان عاملاً مساعدًا على جذب انتباه الأطفال فى اللحظات أو الدقائق الأولى لعرض الفيلم ، فإن هذا العنصر يفقد تأثيره بتقدم العرض . فالفيلم الملون التسجيلى الخالى من الحكاية لا تضيف إليه الألوان أى عنصر جذب بالنسبـة للأطفال ، بينما الفيلم الـروائى الأسود والأبيض سرعان ما يسيطر على انتباه الأطفال بموضوعه ووضوحه ، مثل فيلم " المعلم " ، وهو فيلم روائى طويل من إنتاج الهند ، يدور حول رجل عَلَّم أطفال قرية بعض الصناعات الفنية الشعبية ، فرد له الأطفال الجميل عندما ساءت حالته المالية ، وذلك ببيعهم ما كانوا يعتزون به من إنتاجهم . لكن لاشك أن الألوان تمثل عنصرًا هامًّا من عناصر استمتاع الأطفال بما يقدم إليهم من أعمال فنية . العروسة كعنصر جذب : والعرائس فى هذا مثل الألوان ، إنها تشد انتباه الأطفال فى اللحظات الأولى من العرض ، لكنها فى حد ذاتها ليست كافية ليتابع الطفل ما يقدم له ، إذا صعب عليه فهم القصة أو متابعة الحوار ، أو اختلطت عليه الشخصيات . ويُلاحَظْ أنه من الصعب جدًّا على الأطفال أن يتابعوا أفلام العرائس إذا كان معظم حوارها أغانى مُلَحَّنـَـة ، وذلك لصعوبة فهم الألفاظ التى تقتضى ضرورات اللحن دغمها ، أو تغيير مخارج حروفها ، أو بسبب طغيان صوت الموسيقى على الكلمات . كذلك فإن الاهتمام الفائق بالتشكيل بالتجسيم لن يكون عنصر جذب بالنسبة لأفلام العرائس ، إذا كانت موضوعاتها مملة أو مليئة بالحشو . ** روح المرح أو الفكاهة هى العنصر الثانى الذى يذكره الأطفال كسبب لإقبالهم على ما يقدم لهم من أعمال سينمائية : وهناك عنصر آخر يشد اهتمام الأطفال ، ويكاد يتساوى مع تقديم حكاية مترابطة محبوكة بطريقة بسيطة مشوقة منذ أول لحظات العرض ، هو ضرورة احتواء العرض على قدر كافٍ من المرح أو الفكاهة ، أو على الأقل من المواقف الطريفة . فمثلاً فى فيلم " الأميرة والأقزام السبعة " ، كانت تصرفات الأقزام الساذجة أحيانًا والغبية أحيانًا أخرى مصدرًا لا ينتهى لابتسامات وضحكات الأطفال . حدود المرح والفكاهة : لكن يجب الحرص على ألا ينقلب عنصر المرح هذا إلى جعل العمل الفنى نوعًا من السيرك ، وإلا انصرف الطفل عن تتبع موضوع العمل الفنى إلى انتظار المواقف المثيرة للضحك ، مع ما فى هذا من تجاهل للواقع وتزييف له عندما ينقلب كل شىء فى الحياة إلى "نكتة " . لهذا كان التأكيد الدائم على من يمثلون للأطفال ألا يبالغوا أو يكثروا من الحركات أو أساليب الإلقاء التى لا يُقصَد بها إلا إضحاك الأطفال ، وإلا كانت النتيجة أن أكثر ما يسيطر على الأطفال بعد انتهاء العروض هو الرغبة فى تقليد تلك المواقف وبكثرة . إن نجاح الممثل مع الطفل لا يكون بقدر ما يثير من ضحك ، بل بقدر ما يترك فى نفس الطفل من أثر إيجابى . والأفضل دائمًا للأطفال أن تجىء الفكاهة عَرَضـًـا فى الموضوع المعروض ، ولا يكون الفيلم مقصورًا على الفكاهة وحدها . ومن أكثر الأفلام التى فازت بإعجاب الأطفال ، فيلم كندى اسمه " حركة الكائنات الحية " ، وهــو فيلم من أفــلام الرســوم المتحركة . ورغــم أنه يهــدف إلى تقديـم المعرفة العلمية ، ولا يتضمن قصة ، إلا أنه نجح بسبب ما حرص عليه مخرجه من تضمينه روح الفكاهة ، التى أثارها فضول الطفل ، الذى جعل همه الأول التعرف على حركات الحيوانات وتتبعها . وكذلك فيلم " الوزة الذهبية " ، وهو فيلم روائى ملون طوله ساعة ، يؤدى أدواره ممثلون بالغون ، يدور حول قصة الأميرة التى لم تكن تضحك ، والتى أضحكها منظر جماعة الناس التى التصقت بريش الأوزة الذهبية . لقد كان هذا الفيلم من أكثر الأفلام التى فضلها الأطفال حتى سن عشر سنوات ، بسبب روح الفكاهة فيه ، وإن كانت فكاهة متوازنة مع ما تضمنه الموضوع من قصة مشوقة واضحة ، وقيم تربوية تدور أساسًا حول التأكيد على أن الحظ لا يأتى جزافًا ، بل يأتى لأصحاب الذكاء والخلق المتين . أما فيلم " مملكة العجائب " كمثال ( مدته ساعة ونصف - بشرى - أبيض وأسود) فرغم موضوعه الجيد ، الذى تدخل فيه طفلة عالم المرايا فتجد الأوضاع كلها مقلوبة - نتيجة أن المرايا ليست مستوية بل مقعرة أو محدبة بأمر الحاكم الظالم ، الذى حكم على الباحث الصغير بالموت لأنه يبحث لكى يكتشف المرآة المستوية - فإنه ، لخلوه من عنصر الفكاهة ، لم يتحمله الأطفال إلى النهاية ولم يهتموا برؤيته مرة ثانية . لكن لعل جزءًا من سر استقبال الأطفال الفاتر لهذا الفيلم ، أنه يقوم على فكرة رمزية لا ترتبط بخبرات الأطفال المباشرة (الحاكم الذى يرفض أن يعرف حقيقة نفسه وشكله ، ويريد أن يفرض هذا النهج على شعبه ) ، أو لأن الشخصيات الشريرة فيه قبيحة السحنة وغبية ، خاصة أنها الشخصيات التى تطالعنا فى معظم لقطات الفيلم . المواقف العنيفة والقاسية : وفى مقابل اهتمام الأطفال بتذكر كل ما هــو ســار ومــرح وطيــب ، لا يعيــش فى ذاكرتهم ما هو شرير أو قاسٍ ، وهو الأمر الذى أجمعت عليه الأمهات اللاتى أدرنا معهن مناقشات طويلة حول أكثر الأشياء أثرًا فى نفوس الأبناء ، وذلك من واقع سلوكهم بعد العروض السينمائية ، خاصة ما يُكْثِرون من إعادة قصه على الأصدقاء من مواقف أو مشاهد الأفلام التى شاهدوها . لكن يجب التحفظ هنا ، فمن المعروف أن الطفل العاطفى قد ينفعــل بعنــف أثنــاء العرض ، فيذرف الدموع ، أو يخفى وجهه بين يديه . وقد لاحظنا فعلاً أطفالاً فعلوا ذلك عند رؤية منظر قتل الذئاب برصاص القناصة فى الفيلم الكندى الذى كان يدور حول تطهير المناطق الثلجية من أعداء الغزلان . وبالنسبة للشخصيات الكريهة ، يجب أن نثير السخرية منها بدلاً من إثارة الكراهية نحوها ، لأن الكره يمكن أن يجعلنا نرهب عدونا ، وهذا قد يجرنا إلى اليأس من مقاومته والتخلص منه ، ( أو يَدفع الأطفال إلى الانبهار به فيقلدونه ) ، كما أنه قد ينفرنـا من العــرض . أما السخريــة فهــى تجعــل هــذا العــدو فى متناول أيدينا ، وتجعلنا على ثقة من أننا أفضل منه ، وبالتالى تؤكد قدرتنا على مقاومته والانتصار عليه . قوة تأثير الأفلام : وتؤكد الأمهات أن للأفلام قوة إيجابية على الطفل تفوق بكثير قوة الإذاعة ، حتى إنهم يتأثرون بفيلم سينمائى واحد فى الأسبوع أكثر من تأثرهم بالاستماع إلى الإذاعة ساعات متتالية كل يوم . إن السينما تطبع الصورة بقوة فى ذهن الأطفال لأنها تخاطب العين والأذن معًا . هذا بالإضافة إلى جو قاعة السينما الذى يجعل الفيلم كأنما هو حلم يقظة جاهز . لقد أكدت الأمهات أنه بمجرد ذكرهن المثال الطيب الذى أحبه الطفل فى فيلم من الأفلام ، فإنهن لا يحتجن إلى إقناع الطفل بشىء آخر . مثلاً ، فى كل مرة يسلك الطفل سلوكًا يؤدى إلى خسارة مادية فى البيت ، تذكره أمه بسلوك " المعزة الشقية " التى أحبها الأطفال لخفة ظل حركاتها ، والتى كانت مخالفتها لنصائح أمها سببًا فى أن أكلها الذئب . لقد كان حافزًا للطفل ليتبين بسرعة عاقبة ما يفعل ويكف عنه .( المعزة الشقية - فيلم رسوم متحركة - ملون - مدته 15 دقيقة ) . الأفلام التى يمثلها ممثلون بالغون : وتحوز الأفلام التى يمثلها ممثلون بالغون أكبر الإعجاب من الأطفال المشاهدين ، مثل أفلام " الأميرة والأقزام " و" الشجرة المغردة " و " طفلة تبحث عن والدها " ، وفيلم "ذات الرداء الأحمر " الذى قام فيه ممثلون بالغون بأدوار الحيوانات. اشتراك الأطفال فى العروض المقدمة : وقــد اختلــف الأطفـال فى تأكيد أهمية تضمين الفيلم بطلاً فى سن الطفولة ، وإن كان هذا هو أحد التصورات التى يعتقد كثيرون من الكبار ضرورة توافرها فى أفلام الأطفال . لكن إذا راعينا كل ما نعرفه عن نفسية الأطفال ، واستجاباتهم لتصرفات الكبار ، ورغبتهم فى تقليد والديهم وقدرتهم على هذا التقليد ، بل وحاجتهم إليه ، أمكننا القول إن الأطفال أكثر تأثرًا بالبالغين الذين يمثلون أدوار البالغين ، أكثر من تأثرهم بسلوك طفل فى مثل سنهم . وفى كل ما قدمنا من أفلام حازت إعجاب الأطفال ، لاحظنا أن أبطالها ممثلون بالغون ، باستثناء فيلم " طفلة تبحث عن والدها " . وإن كان معظم أفلام الأطفال يشترك فى بطولتها من يبدو مظهرهم كأنهم فى سن الخامسة عشرة أو ما حولهــا . فرغــم أن السن الحقيقية للممثل قد تتجاوز العشرين ، فإن مظهره وأداءه يمكن أن يوحيا بسن أصغر من ذلك بكثير . أفلام العرائس والرسوم المتحركة : وتلى أفلام التمثيل البشرى فى الاستحواذ على اهتمام الأطفال ، أفلام العرائس ، مثل فيلمى " عقلة الصباع " و " مغامرات توبى " ، وهما من إنتاج اليابان . تليها أفلام الرسوم المتحركة ( الكارتون ) التى تحقق أكبر نجاح كلما كان طولها يدور حول 10 - 15 دقيقة ، وبشرط أن يكون إيقاعها معقولاً ، وأن يكون موضوعها مرتبطًا بخبرة الأطفال ، مثل فيلم "المعزة الشقية " الذى يدور حول أثر عدم احترام الابن لنصائح الأم . ولعل تفوق أفلام العرائس فى الاستحواذ على اهتمام الأطفال عند المقارنة بأفلام الرسوم المتحركة ( الكارتون ) يعود إلى أن تجسيم العروسة يجعلها أقرب إلى النموذج الحى ( بعكس تسطيح شخصيات الكارتون ) وهو ما يساعد على ارتباط الأطفال وجدانيًّا بأبطال أفلام العرائس فى شدة وسرعة أكثر مما يحدث لشخصيات أفلام الكارتون ، التى يصعب على الأطفال أن يتمثلوا أنفسهم فيها لتسطيحها . ولعل هذا هو ما دفع شركات إنتاج أفلام الكارتون إلى تثبيت أبطال تلك الأفلام مثل " توم وجيرى " و " ميكى ماوس " وذلك فى سبيل خلق ارتباط وجدانى بين الأطفال وأبطال تلك الأفلام . الأفلام التسجيلية : أما الأفلام التسجيلية ، حتى لو كانت عن موضوع متداول بكثرة مثل " السد العالى " أو كان موضوعها عن " الأطفال " فهى تثير ضجر الأطفال فى مختلف الأعمار ، إلا إذا تم ربط موضوعها بحكاية ، مثل الفيلم الكندى " رحلة بادل " الذى يحكى فى 30 دقيقة بالألوان قصة نموذج لقارب صغير جدًّا من الخشب صنعه صبى ، وتركه على شاطئ إحدى البحيرات العظمى بين كندا والولايات المتحدة ، ثم تتبع الفيلم قصة القارب إلى أن وصل إلى المحيط الأطلنطى ثم إلى المحيط المتجمد الشمالى ، مع بعض المواقف المثيرة والمضحكة مثل خروجه فى شبكة صيد صبى آخر ، وقيام ذلك الصبى بإعادة طلاء القارب بالألوان قبل أن يتركه ليستمر فى رحلته . أو أفلام " صيد السمك " و " صناعة الخزف " وهما فيلمان كنديان أيضًا يقدمان المعلومات العلمية فى صورة حكايات . وقد سبق أن أشرنا إلى قيام المشرف على العرض بالتخفيف من انصراف الأطفال عن الأفلام التسجيلية ، وذلك بقيامه بربط أحداث الفيلم بخبرات الأطفال المشاهدين ، فالفيلم التسجيلى فى هذا مثله مثل الفيلم التعليمى الذى لا يمكن عرضه دون أن يكون مدرس المادة بجانبه . ومن المعروف بالنسبة للأفلام التربوية ، أن التلاميذ يختلفون فى درجة تقبلهم لها وفقـًـا لاختلاف الفروق الفردية بينهم ، وهو الأمر ذاته بالنسبة لجمهور الأطفال من مشاهدى الأفلام التسجيلية ، التى لا يعد معظمها خصيصًا للأطفال ، وهنا يقوم المشرف على العرض والذى يعرف سلفًا مستويات جمهوره من الأطفال ، بتقريب موضوع الفيلم من أذهان مختلف فئات الحاضرين . شخصيات الحيوانات : وتفوز الأفلام التى يكون أبطالها من الحيوانات بإعجاب الأطفال دون سن التاسعة أو الثامنة ، وتفقد تمامًا اهتمام الأطفال فوق سن الحادية عشرة ، مثل فيلم " ذات الرداء الأحمر" . لقد كان أوضح ما تذكره طفل صغير ( أقل من سبع سنوات ) من فيلم " الأميرة والأقزام " ، هو مشهد إهداء الأقزام سنجابًا إلى الأميرة فى نهاية الفيلم . وصرح كثيرون فى هذه السن بأن أكثر الشخصيات التى أحبوها فى فيلم " ذات الرداء الأحمر " هى شخصية الأرنب ، وهى شخصية غير رئيسية . وفى مقابل هذا لاحظنا انصراف الأطفال ممن يتجاوزون سن 11 سنة عن مشاهدة فيلم " ذات الرداء " حتى نهايته ، لاشتراك عدد كبير من الممثلين يقومون بأدوار الحيوانات فى بطولته . أفلام المغامرات : وفى مقابل اهتمام أصغـر الأطفــال بأفـلام الحيوانــات ، فإن أفـلام المغامـرات تثيــر اهتمام من تجاوزوا سن 11 أو 12 سنة ، بينما يمل منها من هم دون هذه السن ، وذلك مثل فيلمى " طفلة تبحث عن والدها " ، و " النسور تطير مبكرًا " الذى سميناه " مغامرات الفدائيين الصغار " ، ويحكى هذا الفيلم الأخير قصة أطفال هربوا من مدرستهم ليساهموا فى مقاومة الغزو النازى لبلدهم خلال الحرب العالمية الثانية ، ويمدوا شباب المقاومة بالسلاح الذى سرقوه من الأعداء حتى يتم النصر . وهو فيلم فيه حركة ممتازة ، ومستوى إخراجه جيد . إلا أننا وجدنا أن الأطفال الأقل من 11 سنة لا يهتمون بمتابعته حتى النهاية ، وإذا تابعوه لا يهتمون بتكرار مشاهدته ، بينما الأطفال الأكثر من 12 سنة وبالذات الأولاد لا البنات ، يطلبون إعادة عرضه أكثر من مرة ، وكانوا يظهرون شغفًا حقيقيًّا بمتابعته فى كل مرة يعاودون فيها مشاهدته . الأفلام ذات النزعة الإنسانية والفنية : أما البنات الأكبر من 11 أو 12 سنة ، فهن يفضلن الموضوعات ذات النزعة العائلية أو الإنسانية ، أو التى تـُـبْـرز روح التعاطف ، أو تدور حول موضوع فنى . وخير مثال على ذلك الفيلم الهندى الملون الطويل " الخطاب سيصل غدًا " ، الذى يدور حول ابن عامل فى مزرعة ، تساعده ابنة صاحب المزرعة فى الاشتراك برسومه الجميلة فى مسابقة قومية لرسوم الأطفال . الموضوعات العاطفية : وهناك شبه إجماع ممن تابعوا أثر السينما على الأطفال ، على أن الأفلام العاطفية تضايق الأطفال وتـُـشـْـعرهم بالضجر ، وأن مناظر القبلات تثير فيهم عاصفة من الصفير والاستهجان . وقد لخص كاتب هذه الظاهرة بقوله : " إن الأطفال الصغار لا يعيرون مشاهد الغرام أى التفات ، أما الأطفال من 8 إلى 12 سنة فينظرون إليها بازدراء ، والأطفال من 11 الى 15 سنة يخجلون من رؤيتها ، وإن كان هذا لا يمنع أن تتزوج " الجميلة النائمة " من " الأمير " فى نهاية العرض ، فالأطفال يحبون النهايات السعيدة الواضحة الشاملة العادلة " . وقد لاحظنا فعلاً أن الأطفال أقل من 10 سنوات يصابون بالملل عند مشاهدة الأفلام العاطفية فى التليفزيون ، وإن كانوا لا يقابلون مناظر القبلات والعناق بأى رد فعل واضح . لكن لحرصنا على عدم تقديم أفلام تحتوى على مثل هذه الموضوعات فى نوادى الأطفال ، لا نستطيع أن نؤكد أو ننفى الملاحظات المتعلقة بأسلوب استجابة الأطفال " الجماعية " لمثل هذه المواقف . فالطفل الذى يجلس بين أطفال آخرين ، يختلف تأثره بالمشاهد التى يراها عما إذا كان يجلس بين أهله البالغين . أكثر المواقف تأثيرًا على الأطفال : ولعل أكثر المواقف تأثيرًا على الأطفال ، هى المواقف التى تحسم الصراع بانتصار الخير على الشر ، مثل نجاح حيلة الحيوانات الأربعة فى التغلب على عصابة اللصوص فى قصة " فريق الحيوانات الموسيقى " ، التى أرعب فيها حمار وكلب وقط وديك عصابة اللصوص ، عندما أطلوا فجأة برؤوسهم من نافذة بيت العصابة وأطلق كل منهم صوته بأقوى ما يستطيع . وبالتالى فإن أكثر الأفلام فوزًا بإعجاب الأطفال كانت هى الأفلام التى تدور بوضوح حول صراع الخير ، والشر وتنتهى بانتصار الخير انتصارًا حاسمًا كاملاً ، مثل فيلم " الأميرة والأقزام " ، وفيلم " عقلة الصباع " وهو فيلم عرائس يابانى ملون ، يدور حول طفل صغير الحجم جدًّا ظن والداه يوم مولده أنه أصغر من أن يفيد بشىء ، ثم اتضح فى النهاية أنه استطاع بذكائه التغلب على قطاع الطرق العمالقة الذين دأبوا على تدمير وإحراق قرية الأميرة . كذلك يتحمس الأطفال للحظات الخطر ، أو الانتصار على الصعوبات ، مثل نجاة " روبنس كروزو " من الغرق " . لقد طلبنا من الأطفال بعد عرض قصتى " روبنسن كروزو" و " ذات الرداء الأحمر " أن يرسموا بعض مشاهدهما ، وبعد أسبوع أحضر كل طفل الرسم الذى رسمه فى منزله دون تأثر بما رسمه الآخرون ، فكانت معظم الرسوم تدور حول منظر العاصفة تلعب بالسفينة التى كان يركبها " روبنسن كروزو " ، ومنظر مقابلة " ذات الرداء الأحمر " للذئب . كذلك يهتم الأطفال جدًّا بالمواقف المثيرة للخيال ، مثل عودة " هانزل وجريتل " إلى منزلهما على ظهر بطة عبرت بهما النهر . لكن هناك دائمًا حدود لما يقبله الأطفال من خيال ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك موقف الأطفال فى نهاية فيلم " ذات الرداء الأحمر " . فلم يقبل الأطفال أن يظل الذئب حيًّا بعد أن أخرج الأب الجدة وحفيدتها من بطنه ، وفى نفس الوقت لم يناقش نفس هؤلاء الأطفال كيف كانت الفتاة وجدتها أحياء فى بطن الذئب ، لأن هذا حقق للأطفال انتصار الخير على الشر . التعبير عن الإعجاب : وكانــت أظهــر الوسائــل التـى يعبــر بهــا الأطفــال عن استجابتهـم لما أعجبهم هى التصفيق ، ثم الوقوف فى أماكنهم وتجاهلهم النصائح المستمرة لهم بالجلوس ، وذلك فى اللحظات التى يثير فيها العمل الفنى أقصى اهتمامهم . كذلك ترتفع أصواتهم تتعجل الأحداث خوفًا على البطل أو البطلة ، أو يتساءلون فى إلحاح ولهفة عما سيحدث بعد ذلك . حرص الأطفال على معاودة رؤية ما أعجبهم من أفلام : ويتميز الأطفال بأنهم لا يملون من معاودة سماع الحكايات التى تعجبهم ، وهى ظاهرة تتكرر أيضًا بالنسبة للأفلام وقصص الفانوس السحرى التى تثير إعجاب الأطفال . ولكن لوحظ أن إقبال الأطفال من مختلف الأعمار على معاودة مشاهدة " المسرحيات " التى أعجبوا بها يفوق بكثير إقبالهم على معاودة مشاهدة " الأفلام " التى لاقت كل تقديرهم . ولعل السبب فى هذا يكمن فى أن كل عرض مسرحى يتضمن بذاته جديدًا لا يوفره الفيلم المعاد عرضه . وقد لاحظنا انه كلما صغرت سن الطفل ، زادت رغبته فى معاودة مشاهدة الفيلم الذى أعجبه . ولوحظ أنه عندما يكتشف الأطفال أن الفيلم المعروض هو من الأفلام التى سبق أن أعجبتهم ، ترتفع منهم هتافات الترحيب الحار مع التصفيق الشديد ، ثم يحاولون فى حماس أن يشرحوا لمن حولهم ما سيأتى من أحداث أو مواقف . التعبير عن عدم الاهتمام : أما إذا لم يثر العمل اهتمام الأطفال ، فإن أصوات حديثهم تعلو ، وتكثر حركاتهم ، وتتوالى فجأة طلبات الذهاب إلى دورة المياه ، أو يغادرون قاعة العرض دون أية محاولة لضبط شعورهم بالملل . وقد لوحظ هذا بالذات أثناء عرض الأفلام التسجيلية التى تكون قد أعدت أصلاً للكبار . وفى هذه الحالات يبرز بوضوح الدور الذى يقوم به تعليق المشرف على العرض. دور المشرف على عروض الأفلام للأطفال فى التعليق عليها : لكن دور المشرف على العروض السينمائية للأطفال فى التعليق على الأفلام المعروضة ، لا يبرز فقط فى حالات عدم إثارة الفيلم المعروض لاهتمام الأطفال . فالأطفال الذين بلغوا السن التى تمكنهم من قراءة الترجمة العربية على الأفلام ، أو السن التى تمكنهم من فهم التعليق المصاحب للفيلم والمنطوق بالعربية الفصحى ، تكون متابعتهم أقوى وفهمهم أوضح ، إذا قامت المشرفة على العرض بالتعليق على أحداث الفيلم وشرحها للأطفال ، على أن يكون ذلك بلغة تناسب مختلف مستويات السن التى تحضر العرض ، مع ربط أحداث الفيلم بخبرات الأطفال الحاضرين . وليس صحيحًا ما يقوله البعض من أن هـذا التعليــق يفســد على الأطفــال متعتهــم ، بدليل أنه فى كل مرة تكف المعلقة عن الحديث ، ترتفع أصوات الأطفال تطالبها بالاستمرار . ولا شك أن استمرار صوت مألوف يقوم بالتعليق فى العروض المتوالية ، يخلق أُلفة بين الطفل وصوت المعلق أو المعلقة ، وهو ما يجعل الطفل أكثر ارتباطًا بالفيلم الذى يقدم إليه وبالمكان الذى تعرض فيه الأفلام . وإذا كانت هذه الملاحظات صحيحة بالنسبة لأفلام الأطفال الأجنبية ، أو الأفلام التسجيلية العربية ، فلاشك أنه إذا وُجدت أفلام روائية عربية للأطفال - وهى لم توجد للأسف حتى الآن رغم الحاجة الملحة والعاجلة إليها - فلن تكون هناك حاجة إلى أى تعليق أثناء عــرض الفيلم ، وإن كانــت الحاجــة إلى وجود المشرف على عروض الأطفال ستظل دائمة وضرورية لخلق الألفة بين الأطفال ومكان العرض . أماكن عروض الأطفال وكيف تساهم فى خلق جو الألفة : ومما يخلق هذه الألفة بين الأطفال والأعمال الفنية المعروضة ، أمور ترتبط بنظام ومكان العرض . إن القاعات التى تتم فيها بصفة منتظمة العروض الفنية للأطفال، يجب أن ترتبط قدر الإمكان بأكثر من جانب من حياة الأطفال ، بحيث لا تقتصر علاقة الأطفال بها على الساعة التى يستغرقها وقت العرض . لقد صرحت أمهات كثيرات بأن أولادهن أصبحوا يرفضون الذهاب الى حفلات سينما مترو السينمائية صباح يوم الجمعة ، ويفضلون الذهاب إلى حفلات السينما بمركز الطفل التى تـُـقَـدَّم فى نفس الوقت صباح كل جمعة ، وذلك لأنهم وجدوا صحبة من الأطفال ، وإمكانيات متجددة للتعبير عن طاقاتهم المتنوعة التى يقدمها المركز قبل وبعد العروض السينمائية والمسرحية ، من ألعاب وتدريب على المسرح وتشكيل وموسيقى وغناء وغيرها . كما يساعد على خلق هذه الألفة ، أن نترك جمهور الأطفال فى مواجهة العمل الفنى ، دون أن يفرض عليهم الكبار من أهلهم وجهة نظرهم أثناء العرض ، ويكون ذلك بتخصيص مقاعد منخفضة فى الثلثين الأماميين من قاعة العرض للأطفال ، وتخصيص الثلث الخلفى لمقاعد عادية يجلس عليها الكبار ممن جاء الأطفال فى صحبتهم ، مع الحرص على أن تكون كافة مقاعد الأطفال بحيث تـُـمَـكِّن كلاًّ منهم من رؤية الشاشة بوضوح كامل . لقد تم اتباع هذا النظـام فى قاعة المركز القومى لثقافة الطفل بجاردن سيتى ، فجعل الأطفال يشعرون أن القاعة قاعتهم ، وأنهم وحدهم أصحاب الحق فى الحكم على ما يقدم فيها: يبقون فى مقاعدهم برغبتهم حتى نهاية العـرض أو يتركونهــا إلى خارج القاعــة إذا لم يعجبهم ما يشاهدون ، دون أن يؤثر على إعجابهم ما قد يظهر من ملل على وجه أب يجلس بجوارهم ، أو دون أن تضطرهم يد أم الى الاستمرار فى الجلوس إذا فقدوا الاهتمام بما يشاهدون ، ولن أنسى العشرات من أصدقائى الصغار فى مدينة بنى سويف ، الذين لم يكن يستر أجسادهم إلا جلابيب ممزقة وإن كانوا يحرصون على نظافتها ، وكانوا يضعون فى أقدامهم أشياء لا شكل لها بحيث كانوا يفضلون عليها الحفاء لولا شعورهم بالاحترام لقاعة العرض ، وقد تابعوا بانتظام وحرص عروض السينما والفانوس السحرى التى كنت أقدمها مرة كل أسبوع على مدى عامين 67 / 1968 فى قصر الثقافة ببنى سويف . ومن خلال مواظبتهم الدقيقة على الحضور ، وإصغائهم ( وقد كانوا يتجاوزون ألف طفل صباح كل يوم جمعة من الساعة 9 إلى 11 ) وإجاباتهم عن الأسئلة أثناء التعليق على العروض ، ومناقشتهم بعد العروض ، ورسومهم ، والمواقف التى أبرزوها عندما كانوا يقومون بكتابة موضوعات مستمدة من القصص التى شاهدوها ، من خلال كل هذا ، كان يبدو واضحًا أن العروض قد أثرت تأثيرًا عميقًا فى قيمهم وشخصياتهم واهتماماتهم . ولن أنسى كذلك الندوات التى كنا نعقدها عقب العروض التى تقدم بقاعة المركز القومى لثقافة الطفل بجاردن سيتى ، وما كان يظهر فيها من وعى كامل لدى الأطفال يستطيع بسرعة أن يدرك مختلف مضامين العمل المقدم . * * * إن الأطفال فى كل مدينة وفى كل حى وفى كل قرية ، على امتداد الوطن العربى ، فى حاجة ماسة إلى عديد من الأفلام وقصص الشرائح نقدمها إليهم ، فنمنحهم ونثقفهم ونسليهم وننمى شجاعتهم ، نـُـضْحِكهم ونثير اهتماماتهم الفنية ، نملأ حياتهم بالبهجة ونعطيهم أيضـًـا المثل والقيم والإحساس بالمسئولية تجاه مجتمعاتهم وأوطانهم .

ليست هناك تعليقات: