لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 19 مايو 2018

"السلحفاة الخطافة" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



السلحفاة الخطافة

بقلم: طلال حسن
   " 1 "
ـــــــــــــــ
     منذ الصباح ، والظربان يقف وراء شجرة ضخمة ، تطل على البركة ، وعيناه لا تغفلان لحظة عن كل ما يدب على الشاطئ .
ولمح الثعلب العجوز ، يخطف مرات بين الأشجار ، القريبة من الشاطئ ، وفكر : أهو يبحث عما أبحث أنا عنه ؟ من يدري .
وقبيل الظهر ، تناهى إليه وقع أقدام ثقيلة ، وخمن أنها العمة دبة ، فلا أحد يهز الأرض هكذا غيرها . وكان تخمينه صائباً ، فقد أقبلت العمة دبة ، حاملة سلتها ، وبطنها تختض ، مثل القربة .
وتوقفت العمة دبة على مقربة منه ، وقالت بحنق : أهذا أنت ؟ الويل لك ستنهشك هذه السلحفاة ، ذات يوم ، ولا تبقي منك أي شيء .
فرد الظربان قائلاً : يفترض أنك أول من يتصدى لها ، ويقضي على نسلها ، فقد نهشتك مرة ، وكادت تقطع ساقك .
وقالت العمة دبة منزعجة : ربما كان الذنب ذنبي ، فأنا فضولية ، وقد أردت أن أتفحصها عن كثب .
وسكتت لحظة ، ثم قالت : أنصحك أن تذهب من هنا ، يا عزيزي ، هيا ، اذهب .
ولاذ الظربان بالصمت ، وذهب مبتعداً ، على مضض ، وأخذت العمة دبة تتابعه بعينيها الكليلتين ، ثم قالت : رغم رائحته ، فهو ضروري للغابة ، إن غابة بلا ظربان ليست بغابة ، ترى من قال هذه  الحكمة ؟ من يدري .

    " 2 "
ــــــــــــــــــ
     انحدرت العمة دبة ، تدب بأقدامها الثقيلة على رمال الشاطئ ، حتى انتهت إلى حافة البركة . وتوقفت متلفتة ، فلم ترَ أحداً ، على امتداد الشاطئ ، وهزت رأسها ، إن الجميع يتجنبون هذا المكان ، خوفاً من السلحفاة الخطافة. وارتفع ، فوق الأشجار ، خفق أجنحة ، ورأت العمة دبة ، بطة صغيرة ، تحوم مرفرفة ، ثم تحط وسط البحيرة .
وراحت تتأملها ، معجبة بريشها الملون ، المتلامع تحت أشعة الشمس ، وسرعان ما تذكرت السلحفاة الخطافة ، ففتحت فمها ، وهمت أن تصيح محذرة البطة الصغيرة ، وإذا الماء يرتج ، وتُجذب البطة الصغيرة إلى الأعماق ، وتختفي في لمح البصر .
وتراجعت العمة دبة مرعوبة ، إنها السلحفاة الخطافة مرة أخرى ، وتهالكت جالسة تحت إحدى الأشجار. وأطل الظربان من أعلى الشاطئ ، وقال : مسكينة هذه البطة ، إنها لم تعش طويلاً .
ولاذت العمة دبة بالصمت ، فتابع الظربان قائلاً : سيختفي الأحياء تماماً من البركة ، وما جاورها ، إذا تكاثرت هذه السلحفاة القاتلة .
والتفتت العمة دبة إليه ، وقالت : أعرف نواياك ، امضِ.
ومضى الظربان مبتعداً ، وهو يدمدم : لابد أن أحمي أحياء هذه المنطقة ، وسأحميها .

   " 3 "
ـــــــــــــــ
 نزلت العمة دبة بحذر إلى البركة ، بعد أن تركت سلتها على الشاطئ . وحاولت جهدها أن تصطاد ، ولو سمكة واحدة ، لكن دون جدوى .
وشعرت بشيء من التعب ، والانزعاج ، وهمت أن تغادر البركة ، حين ارتفعت ، من بين الأشجار ، صرخات رهيبة . فهبت ملتاعة ، وقالت : يا ويلي ، لابد أنه الظربان .
وأسرعت مولولة نحو مصدر الصوت ، وإذا بها ترى السلحفاة الخطافة ، برأسها القبيح البشع ، وذيلها المسنن كالمنشار ، ودرفتها القرنية ، التي نمت عليها بضع من الطحالب ، تنحدر ببطء نحو البركة ، وفمها وأسنانها ملطخة بالدماء .
وقبل أن تنزل إلى البركة ، توقفت ، والتفتت إلى العمة دبة ، وحدقت فيها بنظرة ثابتة قاسية ، وتمنت العمة دبة للحظة ، لو أنها لا تكتفي بفعل ما أراد الظربان فعله ، بل أن تنقض على السلحفاة الخطافة ، وتسحقها بأقدامها الثقيلة .

  " 4 "
ــــــــــــ
   مرت أيام عديدة ، والعمة دبة ، تقف طول النهار ، وراء شجرة ضخمة ، تطل على البركة ، مراقبة الشاطئ.  لعلها ترى السلحفاة القاتلة ، وتقضي على الحياة في البركة وما جاورها .
وذات يوم ، وقد انتصف النهار ، لمحتها تخرج من البركة ، بكل قبحها وبشاعتها ، وتراءى لها الظربان ، فتمنت مجدداً لو أنها تنقض عليها ، وتسحقها بأقدامها الثقيلة .
وزحفت السلحفاة الخطافة ، مبتعدة عن البركة ، وتوقفت عند بقعة رملية جافة ، وتلفتت حولها ، ربما لتطمئن إلى أن أحداً لا يراقبها . وأخذت تحفر برجليها الخلفيتين جحراً واسعاً ، وضعت فيه أكثر من عشرين بيضة ، ثم غطتها بتراب ناعم ، دكته بدرفتها القرنية السفلى ، وقفلت راجعة إلى البركة .
وخرجت العمة دبة من وراء الشجرة ، واندفعت نحو الجحر ، الذي وضعت فيه السلحفاة النهاشة بيضها ، لتنفذ ما أراده الظربان قبل مقتله . لكنها راحت تتباطأ ، كلما  اقتربت من الجحر ، مراجعة ما صممت عليه ، وأخيراً توقفت .
واستغرقت في تفكير عميق ، حتى أفاقت على الثعلب العجوز ، يقترب منها قائلاً : رأيت السلحفاة الخطافة تخرج من هنا ، وتعود إلى البركة .
وأدركت العمة دبة ما يرمي إليه ، إنه لا يريد غير البيض ، فردت عليه بجفاء : أنا أيضاً رأيتها .
وحدق الثعلب العجوز فيها ، وقال : يبدو لي ، أنها وضعت بيضها في مكان قريب .
وسكت لحظة ، ثم قال : أنتِ تعرفين ، أكثر مني ، أنها سلحفاة متوحشة ، مؤذية ، وأن بيضها لن يفقس إلا أذى مثلها .
فردت العمة دبة قائلة : أنصحك أن تبتعد عن هذا المكان ، فقد قابلت السلحفاة الخطافة قبل قليل ، وسألتني عنك .
وتراجع الثعلب العجوز ، وقد اتسعت عيناه رعباً ، وسرعان ما استدار ، ومضى مسرعاً ، لا يلوي على شيء .
ووقفت العمة دبة حائرة مترددة ، وتراءت لها البطة الصغيرة والظربان ، وإذا بها تنحني على الرمال ، وتنبش الجحر بغضب وهي تدمدم سحقاً للسلحفاة الخطافة وبيضها التي لا تفقس غير سلاحف خطافة .

ليست هناك تعليقات: