النظارة
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــ
تفقدتُ نظارتي ، حين استيقظتُ صباحاً ، فلم
أجدها في مكانها ، وبحثتُ عنها في كلّ مكان ، دون أن أعثر لها على أثر ، يا إلهي ،
كيف سأخرج اليوم من البيت ، وأواجه النهار .
وتناهى إليّ من
الخارج ، صوت نقار الخشب ، فوق جذع شجرة قريبة .فأسرعتُ إلى الباب ، وفتحته ، وإذا
ضوء النهار يبهر بصري ، فأغلقتُ عينيّ ، وهتفتُ : أيها النقار ، أين أنت ؟
فأجاب نقار الخشب
قائلاً : إنني أمامك ، ألا تريني ؟
وحاولت عبثاً أن أفتح
عينيّ ، وأنا أقول : عفواً ، لا أستطيع أن أفتح عينيّ ، إن الضوء يعميني .
فقال نقار الخشب :
هذا طبيعي ، يا عزيزتي ، فأنت لم تضعي نظارتك الشمسية .
وتراجعتُ قليلاً ،
وقلتُ : لقد اختفت نظارتي .
فتساءل نقار الخشب :
اختفت ! ماذا تقولين ؟
وبدل أن أجيبه ، قلتُ
: أرجوك ، ابحث لي عن نظارتي ، إنني لا أستطيع الخروج من دونها .
ولاذ نقار الخشب لحظة
، ثم قال : حسن ، ابقي أنت في البيت ، وسأبحث لك أنا عنها .
ومضى نقار الخشب ،
فأغلقتُ الباب والنافذة ، وقبعتُ في الظلام ، يا للغرابة ، إنني أرى في الليل
أيضاً ، أوه .. كلا .. إنني أحب النهار ، وأحبذ أن أطير دوماً في النور مع رفاقي ،
إنني لا أحب الليل ، ولا أريد أن يكون الظلام عالمي ، ترى أين اختفت هذه النظارة
اللعينة ؟
" 2 "
ـــــــــــــ
عاد نقار الخشب
متعباً ، قبل المساء ، وقال لي : آسف ، يا عزيزي ، سألتُ عن نظارتك الطيور جميعاً
، لكن أحداً منهم لم يرها .
فأطرقتُ برأسي برهة ،
ثم قلتُ : أشكرك ، يا عزيزي ، سأبحث عنها بنفسي ليلاً .
واتسعت عينا نقار
الخشب دهشة ، وقال : ليلاً !
وقبل أن أجيبه ، مضى
على عجل ، وهو يقول : عفواً ، صغاري ينتظرونني الآن ، إلى اللقاء .
وابتسمتُ بمرارة ،
نقار الخشب المسكين ، لابد أنه يظن أنني جننتُ .
" 3 "
ـــــــــــــ
حلُ الليل ، فمضيتُ
إلى بيت صديقي الأرنب ، وطرقتُ بابه ، وخرج الأرنب ، وهو يئن ، فقلتُ له : لقد
فقدتُ نظارتي ، يا صديقي ، فهل رأيتها ؟
فأجاب الأرنب ، وهو
يئن : لم أخرج اليوم من البيت ، إنني مريض .
واعتذرتُ منه قائلة :
عفواً ، يا صديقي ، لم أعرف بمرضك .
فقال الأرنب : لا
عليك ، اذهبي إلى القنفذ ، لعله يعرف .
" 4 "
ــــــــــــــ
أسرعتُ إلى القنفذ ،
وما إن رآني حتى صاح بدهشة : صديقتي البومة ! ما الذي أتى بك في هذا الليل ؟
فأجبته قائلة : لقد
فقدتُ نظارتي ، يا عزيزي ، وقد جئتُ إليك ، عسى أن تكون قد رأيتها .
وهزّ القنفذ رأسه ،
وقال : للأسف لم أرها ، هل سألت السنجاب عنها ؟
وأجلته : لا لم أسأله
.
فقال لي : اذهبي إليه
، واسأليه ، فهو كثير التنقل ، لعله رآها .
" 5 "
ـــــــــــــــ
مضيتُ إلى السنجاب ،
وطرقتُ باب بيته ، فجاءني صوته الغاضب من الداخل : كفى ، لستُ أصماً .
لكنه حين فتح الباب ،
ورآني ، قال معتذراً : صديقتي البومة ! عفواً ، لم أتوقع زيارتك ، في مثل هذا
الوقت .
وابتسمتُ بخجل ،
وقلتُ : لقد فقدتُ نظارتي ، يا عزيزي، ولم أجد من يدلني عليها .
فقال السنجاب بأسف :
كان بودي أن أساعدك ، لكني ..
وأطرقتُ لحظة ، ثم
قلتُ ، وأنا أهمّ بالذهاب : عفواً للإزعاج ، سأعود إلى البيت ، طاب مساؤك .
وقبل أن أمضي ، قال
السنجاب : مهلاً ، يا عزيزي ، مهلاً .
وصمت لحظة ، ثم قال :
لقد رأيتُ الثعلب اليوم يضج بالضحك ، وحين سألته عما به ، أخبرني وهو يضحك ، بأنه
رأى أحد الجرذان يعدو مترنماً ، وقد وضع نظارة على عينيه ، و ..
" 6 "
ــــــــــــــ
حلقتُ كالريح إلى بيت
الثعلب ، وطرقتُ الباب ، فجاءني صوت الثعلب متسائلاً : من بالباب ؟
فأسرعتُ بالابتعاد ،
ووقفتُ فوق غصن يطل على الباب، وصحتُ : أنا بومة ..
وسرعان ما فتح الثعلب
الباب ، وتساءل بلهفة ، وهو يتلفتُ حوله : البومة ! أين أنت ؟
فأجبته قائلة : أنا
هنا .
ورفع الثعلب رأسه
إليّ ، وقال : انزلي ، إنني لم أتعشَ بعد .
وأجبته ، دون أن
أتحرك من مكاني : من الأفضل أن أبقى هنا ، فأنا لا أريد أن تتعشى بي .
واحتج الثعلب قائلاً
: يا إلهي ، ماذا تقولين ؟ أنت صديقتي .
فقلتُ له : دعك من
هذا ، أصدقني ، هل صحيح أنك رأيت الجرذ يضع نظارة على عينيه ؟
لم يتمالك الثعلب
نفسه ، فغص بالضحك ، وهو يقول : هاهاها .. أهي لك إذن ؟ هاهاها كدتُ أموت من الضحك
اليوم .. هاهاها .. لو رأيته وهو هاهاها .
وصحتُ بغضب : الويل
له ، أتعرفه ؟
فأجاب الثعلب ، وهو
مازال يقهقه : لا .. لا أعرفه .. هاهاها ولم أره من قبل .. هاهاها .
الجرذ اللعين ، ولكن
أي جرذ ؟ هناك المئات من الجرذان ، تعيش في جحور تحت الأرض ، ما العمل ؟ آه الخلد
، لن يعثر على نظارتي أحداً سواه .
وكالسهم مضيتُ إلى
الخلد ، دون أن ألتفت إلى صياح الثعلب الماكر : لا تمض ِ ، يا عزيزي ، فقد يقتنصك
ثعلب جائع ، ويتعشى بك .
" 7 "
ـــــــــــــ
رحب الخلد بي ، وما
إن أخبرته بأمر نظارتي ، حتى مضى مسرعاً للبحث عنها .
ورغم الأنفاق الكثيرة
، التي حفرها الخلد تحت الأرض، لم يعثر لنظارتي على أثر ، إنها الحرب إذن ؟
ومنذ ذلك اليوم ،
وأنا أطارد الجرذان ليلاً ، لعلي أعثر على نظارتي ، وأعود ثانية إلى النهار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق