السلطعون الصغير
بقلم: طلال حسن
اكتمل نمو السلطعون المقوقع ،
بعد أيام من خروجه مع اخوته ، من اليرقانات ، التي كانت ملتصقة بقوائم تجويفات
الأم البطنية ، والتي تستعملها للسباحة في مياه البحر .
وذات صباح ، وعند انتهاء المد ، وجد نفسه على الشاطىء ، بعيداً عن الماء ،
وسط مئات من السلاطعين الصغيرة والمتوسطة الحجم والكبيرة ، وكانت جميعها ، تتسلل
بين الصخور ، أو تحت الأعشاب البحرية ، أو تحفر سراديب في الرمال ، وتختفي فيها .
وتوقف متحيراً ، لا يدري ماذا يفعل ، وهنا أطلت سلطعونة كبيرة ، تشبهه
تماماً ، من قوقعة برونق فارغة ، وخاطبته قائلة : بني ، ابحث عن قوقعة فارغة ،
واختبيء فيها .
ونظر السلطعون الصغير إليها خائفاً ، فصاحت به : هيا .. أسرع وإلا خطفك
نورس أو جرذ أو سلطعون كبير أو ..
ولم ينتظر السلطعون الصغير ، أن تنتهي السلطعونة ، من تعداد المهيئين
لاختطافه ، وإنما انطلق بأقصى سرعته ، يبحث فوق رمال الشاطىء ، عن قوقعة فارغة
لبروق أو ولك ، يتوارى فيها عن أعدائه .
وتوقف مرعوباً ، حين لمح عن بعد ، جرذاً ضخماً ، داكن اللون ، ينتصب على
قائمتيه الخلفيتين ، وعيناه الرهيبتان ، تدوران بسرعة ، فوق الشاطىء ، تبحثان في
كل مكان ، عن صيد يسد به رمقه .
وتراجع إلى الوراء ، باتجاه البحر ، ولاحت قوقعة برونق ، بدت له فارغة ،
فأسرع نحوها بأقصى سرعته ، فهي خلاصه من موت محقق ، بين مخالب الجرذ ، وأنيابه
الحادة .
وما إن وصل القوقعة ، حتى همّ بالاندساس من فتحتها الصغيرة إلى الداخل ،
لكنه توقف متردداً ، حين سمع سلطعونة فتية تصيح به : ابتعد ، هذه قوقعتي .
وردّ السلطعون الصغير ، دون أن يبتعد قيد أنملة : أرجوك ، هناك جرذ ضخم في
الجوار ، وإذا رآني فلن أفلت منه ..
وقبل أن ينتهي من كلامه ، مدت السلطعونة الفتية قوائمها الأمامية الأربعة ،
وسحبته بقوة إلى الداخل ، وهمست قائلة : صه ، إنني أسمع أحدهم يقترب من القوقعة ،
وأخشى أن يكون الجرذ .
وصمت السلطعون الصغير ، وأصغى مرعوباً ، إلى ما يدور في الخارج ، وتناهى
إليه وقع أقدام متعجلة فوق الرمال ، سرعان ما توقفت على مقربة من القوقعة ، وارتفع
صوت الجرذ يشي بالانزعاج : لقد رأيت السلطعون ، يسير هنا بطريقته المعوجة ، ترى
أين اختفى ؟
وصمت الجرذ لحظة ، ثم قال ، وهو يمضي مبتعداً : لعلي واهم ، إن السلاطعين
كثيرة الآن على الشاطىء .
وتنفست السلطعونة الفتية الصعداء ، وقالت : اطمئن ، لقد ولى .
وتراجع السلطعون الصغير قليلاً ، وقال : أشكرك ، ليتني أبقى معك ، ريثما
يبتعد الجرذ .
فردت السلطعونة الفتية قائلة : ابقَ ، فالقوقعة تتسع لنا كلينا .
وعاد المدّ ، بعد ساعات ، وغمر بمياهه الشاطىء ، وما فوقه من رمال وقواقع
وأعشاب بحرية ، وخرجت السلطعونة الفتية من القوقعة ، وقالت : تعال نذهب ، ونبحث في
الجوار عما نأكله .
فأطل السلطعون الصغير برأسه من القوقعة ، وقال : لا، لستُ جائعاً ، اذهبي
أنت .
ومضت السلطعونة الفتية ، وهي تقول : ابقَ داخل القوقعة إذن ، فالمكان يعج
بالأعداء ، من أسماك وإخطبوطات شديدة الخطورة .
وانسحب السلطعون الصغير داخل القوقعة ، وقبع فيها وحيداً ، ينصتُ إلى ما
يدور حوله في الخارج ، حتى غلبه النعاس ، واستغرق في نوم عميق .
واستيقظ السلطعون الصغير ، صباح اليوم التالي ، فلم يجد السلطعونة الفتية
إلى جانبه ، وخفق قلبه قلقاً ، ترى لماذا لم تعد حتى الآن ؟ لعل سمكة جائعة أو إخطبوطاً
، قد .. .. ، وهبّ من مكانه ، وأطل بحذر على الشاطىء الرملي ، كانت الشمس تسطع ،
والريح تداعب الأشجار والأعشاب البحرية ، وارتفعت صيحة نورس ، فانسحب السلطعون
الصغير إلى الداخل ، وقبع في مؤخرة القوقعة .
وهنا اندفع سلطعون فتيّ خائف ، وهمّ بدخول القوقعة ، فصاح به السلطعون
الصغير : ابتعد ، هذه قوقعتي .
وردّ السلطعون الفتي ، دون أن يبتعد قيد أنملة عن فوهة القوقعة : أرجوك ،
هناك نورس ..
وقبل أن ينتهي من كلامه ، مدّ السلطعون الصغير قوائمه الأمامية الأربعة ،
وسحب السلطعون الفتي إلى الداخل ، وقبع السلطعون الفتي إلى جانبه ، داخل القوقعة ،
وهو يقول : أشكرك ، يا صديقي ، لولاك لاختطفني ذلك النورس .
وعند حدوث المدّ ، خرج السلطعون الصغير من القوقعة ، وقال للسلطعون الفتيّ
: إنني جائع ، سأذهب وأبحث في الجوار عما آكله .
وسار متلفتاً ، فوق الرمال المغمورة بمياه المدّ ، باحثاً عن السلطعونة ،
دون جدوى ، ورغم خوفه من الأسماك والإخطبوطات ، ظل يتلفت يميناً ويساراً ، كلما
خرج من قوقعته ، باحثاً عما يأكله ، لعله يراها ثانية يوماً ما ، ويطمئن إلى أنها
.. حية ترزق .
السلطعون المقوقع : جسم طري ، لا صدفة حقيقية له ،
لذلك يبحث عن قوقعة فارغة
لبرونق أو لولك ويختفي في داخلها .
لذلك يبحث عن قوقعة فارغة
لبرونق أو لولك ويختفي في داخلها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق