اليوم الصحي المفتوح
- كتبها: د. طارق البكري
- رسمها: أحمد فايد أعلنتْ مَدرستي أنَّ مجموعةً من الأطباءِ سَتزورُنا لتعريفِ الطلبةِ في يوم صحي مفتوح بأهم الأمراض التي تُصيبُ الإنسان وكيفية الوقاية منها، وقضيت نهاية الأسبوع كله وأنا أقرأ وأدون ملاحظات صحية مختلفة. وعندما جاء اليوم الموعود ذهبتُ مبكراً، فوجدتُ أنَّ الجميعَ قد سبقني بِحماسةٍ كبيرة. اقتربتُ من طبيب شاب، وسمعته يقول لمجموعة من الطلبة: «إنَّ الوعي الصحي للفرد ضروري من أجل رفع المستوى الصحي للمجتمع، والحد من انتشار الأمراض».
وبعد أن استمعتُ إلى ملاحظاته المُهمَّة استأذنته وقلتُ: «إنَّ الثقافة الصحية تحقق الهدفَ بنشر المفاهيم الصحية السليمة في المُجتمع، وتعريف الناس بأخطار الأمراض، وإرشادهم إلى وسائل الوقاية منها، ويُستعان على ذلك بوسائل مختلفة، مثل هذا اللقاء وكذلك المُحاضرات وَالنَّدوات، والأفلام، والنَّشرات الصِّحية والكتيبات والصحف والمجلات وغيرها».
فرحَ الطبيبُ الشاب بكلمتي القصيرة، فبادرَ مصفقاً ومهنئاً. وكنتُ فخوراً جداً بنفسي وأنا أشاهد فرحة المدرسات بي، وسمعتُ بعضهن يقلن: «إنَّه إبراهيم.. تلميذي».
وأخبرتني المعلمة بأنَّ هناك طبيبة مختصة بالصحة العامة، اسمها الدكتورة بدور. وعلى الفور قصدنا مكانها فوجدنا بعض الطلبة متحلقين حولها، اقتربنا منها وانتظرنا دورنا ثم قالت الأستاذة باسمة: «هذا تلميذي إبراهيم وهو تلميذ مجتهد، ولديه بعض الأسئلة».
قالت: «أهلا بك يا إبراهيم وبكل الأسئلة المهمة.. هات ما لديك؟».
شكرتها وقلتُ: «مَا المقصود بِكلمة صحة؟».
ابتسمت وقالت: «هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليست مجرد غياب المرض أو العجز، وصحة الجسم تنتج بشكل أساسي عن ممارسة الرياضة لأنها تؤدي إلى زيادة تدفق الدم من القلب وإليه. أمّا اللياقة البدنية فهي نتيجة للممارسة الصحية الطبيعية، والتغذية السليمة، والراحة عند الحاجة. وتشيرُ الصحة العقلية إلى صحة الإنسان نفسياً وفكرياً».
وبعد ذلك توجهتُ نحوَ قاعة المَسرح حيث كان مسؤولُ التوعية الصحيِّة وخلفه شَاشةَ عرضٍ مكتوبٌ عليها بخط عريض: «فوائد اكتساب المعلومات الصحية».
وبادر المسؤول إلى القول: «إنَّ اكتسابِ المعلومات يقضي على حَواجز الجَهل والمفاهيم الخطأ، لكن مجردَ معرفة الصحة العامَّة ليسَ كافياً، ويجبُ أنْ يوفرَ التثقيف الصحي التجاربَ التعليمية.. والوقاية من العدوى تقلل وتحد من انتشارها».
سألته: «وكيفَ تنتقلُ العَدوى؟».
قال: «أحياناً يكونُ العاملونَ في مجال الرِّعايةِ الصحية همْ قنَاة انتشار هذهِ العَدوى؛ ويمكن أن تحدث في صالات السينما والطائرات والمدرسة... وَتروي إحدى المدرِّسات أنَّها قامت بِمراقبة طالبات مُصابات بالجدري المَائي في امتحانٍ خاصٍ بهن، وَبعد أيَّام ظهرت أعراض المرض على أولادها الصغار».
وَهنا رفعت يدي وسألته: «وكيف أحمي نفسي من العدوى يا دكتور؟».
ابتسمَ وقال: «أولى الوسائل غسل اليدين بطريقة سليمة للقضاء على معظم الميكروبات التي تنتقل إلى أجسادنا عن طريق اليد إلى الفم أو بلمس العينين أو الأنف. كما أنَّ على كلِّ فردٍ أنْ يَحرصَ على سَلامةِ جِهازه المَناعي ويزيد من فاعليته».
جِهازُ المَناعة
سَألهُ أحدُ الطلبة: «ومَا مَعنى الجهاز المناعي؟».
كنتُ قد دونت في كراستي معلومات حول هذا الموضوع، فاستأذنتُ الدكتور لكي أقرأ مَا كتبت، فقال لي: «تفضل، أنا مسرور لأنك تريد ذلك، لنستمعْ جميعاً».
صَعدتُ خشبة المسرح العالية وبدأت أقرأ بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت، وقلتُ:
«يتمتعُ كلُّ إنسانٍ بجهاز مناعي يَحميهِ من كثير من الأمراض، وَلجهاز المناعة أهمية خاصَّة في تعزيز قدرات الإنسان على مقاومة عدوى الأمراضِ النَّاجمة عن الفيروسات والبكتيريا والفطريات والديدان والطفيليات. كذلك له أهميته الحيوية في مقاومة الجسم لتأثيرات العوامل البيئية الضارة، كالإشعاعات والتلوث، وإذا تَعرضَ جهاز المناعةِ لأيِّ ضرر، فإنَّ الأمراضَ الميكروبية ستهاجم الجسمَ لتنهشَ في قِواه وسَلامة أعضائه».
وَهنا ضَجَّت قَاعة المَسرح كلها بالتصفيق، وقررت مديرةُ المدرسة أنْ تمنحني شهادةَ تقدير، وقرَّر الفريقُ الطبي إهدائي سَمَّاعة طبية حقيقية ودعوتي لزيارة كلية الطب تَشجيعاً لِي عَلى مَا جَمعته مِنْ مَعلومات. واليومَ أنَا سَعيدٌ جداً، فقد أصْبحتُ طَبيباً مُتخصِّصاً في الأمراضِ المُعدية، وَأدرِّس في الكلية نفسها التي جِئتها صغيراً، وَغالباً مَا أحدِّث طَلبتي عنْ ذلكَ اليوم الصِّحي المَفتوح.٭ القصة (مختصرة)، وهي من إصدارات مجلة (التقدم العلمي) التابعة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، عدد يوليو 2015.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق