النمس والأفعى
قصة للأطفال
طلال حسن
" 1 "
جلس النمس تحت إحدى الأشجار ، يستحم بأشعة الشمس ، بعد أن أكل سقاية مكتنزة
، وعدداً كبيراً من الحشرات .
ورأته العصفورة من بعيد ، فأقبلت عليه
مسرعة ، وحطت فوق غصن من أغصان الشجرة ، وهتفت : أيها النمس .
وردّ النمس مهدداً ، دون أن يلتفت
إليها : ابتعدي عني الآن ، أريد أن أرتاح .
لكن العصفورة لم تبتعد عنه ، وإنما
رفرفت إلى غصن قريب منه ، وقالت : سأقول لك شيئاً ، ثم أبتعد ، إن الأفعى اللعينة
تتقول عليك .
وفحّ النمس قائلاً : أيتها المحتالة
، أنت تريدينني أن أفتك بالأفعى ، لأنها سرقت بيضك .
ولاذت العصفورة بالصمت ، فالتفت
النمس إليها ، وقال غاضباً : ابتعدي وإلا لن تبيضي ثانية .
وعلى الفور ، انطلقت العصفورة مبتعدة
، ومضت لا تلوي على شيء .
" 2 "
أحس النمس بالجوع ، قبيل المساء ، فنهض واقفاً ، ليبدأ البحث عمّا يسد به
جوعه ، وتراءى له بيض التمساح ، فالتمعت عيناه ، وانطلق بسرعة نحو النهر .
لقد رأى أنثى التمساح ، يوم أمس ،
تحفر حفرة قليلة العمق ، في رمال ضفة النهر ، وتضع فيها عدداً كبيراً من البيض ،
ثم تغطيها بالرمال .
وبالرغم من أن أنثى التمساح ، تقيم
قرب الحفرة لحمايتها ، فمن يدري ، لعلها تبتعد عنها بعض الوقت ، عند المساء ،
فيتاح للنمس أن يتعشى اليوم .. بيضاً لذيذاً .
ولمح النمس بين الأعشاب ، جرذاً
ضخماً ، يقف على قائمتيه الخلفيتين ، متشمماً ما حوله ، فنسي بيض التمساح ، وانطلق
نحوه بسرعة البرق .
ولابد أن الجرذ شمّ رائحة النمس ،
قبل أن يراه مقبلاً نحوه ، فقد أطلق سيقانه للريح ، ولاذ ببيته القريب .
ووقف النمس يدمدم غاضباً ، بباب بيت
الجرذ ، فصاح الجرذ من الداخل ، وهو يلهث : اذهب إلى الأفعى ، إذا كنت شجاعاً ،
فهي تتقول عنك ، في طول الغابة وعرضها .
وصاح النمس منفعلاً : تتقول عليّ ؟
أيها الكاذب ، ماذا تقول ؟
فردّ الجرذ قائلاً ، وهو مازال يلهث
: اذهب إليها ، واسألها .
واستدار النمس ، وعيناه تتقادحان
غضباً ، وذهب مسرعاً ، يبحث عن الأفعى ، في كل مكان .
" 3 "
ظلّ النمس عدة أيام ، يبحث عن الأفعى ، حتى وجدها أخيراً ، ملتفة حول نفسها
، تحاول النوم ، تحت أحدى الشجيرات .
وما إن رأته الأفعى مقبلاً ، حتى
رفعت رأسها ، وكشرت عن أنيابها ، المعقوفة إلى الوراء ، وراح لسانها المشقوق ،
يتحرك خارجاً من فمها ، وداخلاً فيه ، بانفعال وقلق .
وتقدم النمس منها غاضباً ، وقد انتصب
ذنبه ، وتحول إلى فرشاة قاسية ، وقال : أيتها اللعينة ، سمعت أنك تتقولين عليّ ،
حيثما ذهبت .
وتراجعت الأفعى قليلاً ، وقالت مهددة
: توقف ، إن أسناني سامة .
فرد النمس قائلاً ، دون أن يتوقف :
سأقتلك .
وبدا الخوف والتردد على الأفعى ،
وقالت بصوت مرتعش : لم أقل أكثر من إنك تأكل الفئران والجرذان والسقايات والحشرات
و ..
وقاطعها النمس قائلاً : وبيض
التماسيح ..
فقالت الأفعى بصوت مختنق : نعم ،
وبيض التماسيح ، وكل ما قلته صحيح ، أليس كذلك ؟
وانقض النمس عليها بسرعة البرق ، وهو
يصيح : وكذلك الأفاعي ، الأفاعي الثرثارة أمثالك .
وغرس أسنانه الحادة ، الشبيهة برؤوس
الإبر ، في قفا عنق الأفعى ، وأخذ في الوقت نفسه ، يحك وجهها بشعر ذنبها القاسي ،
ولم يتركها إلا جثة مدماة .. هامدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق