سعيد ومسعد ومسعود ثلاثة إخوة يتشابهون فى أسمائهم وفى صفاتهم
وعملهم، يعملون بحرفة الصيد مع والدهم شيخ الصيادين الشيخ سعد الحكيم،
يغزلون معه شباك الصيد وفى صبر، يقفون وسط العواصف والأمواج العالية، لا
يفقدون الأمل فيرزقهم الله بخيرات البحر الوفير.
حرص الشيخ سعد الحكيم أن يغرس فى نفوس أولاده صفتين كانتا سر نجاحه،
التفاؤل والتأمل، وفى يوم من الأيام قرر الإخوة الثلاثة القيام برحلة فى
الصحراء يمارسون هوايتهم المفضلة، التأمل وقوة الملاحظة، وفى رحلتهم كانوا
يلاحظون كل شىء حولهم، قال سعيد: لقد مر جمل أعرج من هذا الطريق، قال مسعد:
وكان الجمل أعور، أما مسعود فقال: وكان يحمل جوالاً به أرز وآخر به قمح،
وفجأة ظهر أمامهم رجل يركب جملاً، قال الرجل: كنت أسير بقافلتى وأبحث عن
جمل تاه منها وضل الطريق، سأله مسعد: هل جملك أعور؟ قال الرجل: نعم، فقال
سعيد: وهل كان أعرج؟ اندهش الرجل وقال: وأيضاً كان أعرج، قال مسعود وكان
يحمل جوالين أحدهما به قمح والآخر أرز، قال الرجل فى غضب: أنتم سرقتم الجمل
بما حمل، قال سعد فى دهشة: نحن لم نر الجمل، قال الرجل: لا بد أن نذهب
للسلطان، أنتم سرقتم جملى، قال مسعود: نحن واثقون من براءتنا، قال الرجل:
وأنا واثق من إدانتكم، وانتظر الأخوة الثلاثة فى ساحة قصر السلطان، قال
سعيد: لقد أوقعنا أنفسنا فى مشكلة كبيرة، رد مسعد فى سخرية: هذه نتيجة
التأمل الذى سيوصلنا لقضبان السجن فليس من المعقول بعد كل هذه الأوصاف التى
وصفنا بها الجمل يصدق السلطان أننا أبرياء، قال مسعود: لا بد أن نكون
شديدى الإيمان بالله، دائمى التفاؤل.
كان السلطان جالساً وعلى يمينه قاضى القضاة، وعلى يساره التاجر، وقف
الإخوة الثلاثة أمام السلطان وقال لهم: التاجر سرحان يتهمكم بسرقة جمل من
قافلته فما قولكم؟ رد سعيد: بعد التحية والسلام لعظمة السلطان، نحن لم نر
الجمل المسروق، قال التاجر: لقد وصفتم جملى بأوصاف دقيقة، بل وعرفتم أيضاً
ماذا كان يحمله من غلال، قال قاضى القضاة: إذا لم تكونوا قد رأيتم الجمل
فكيف عرفتم أوصافه؟ قال مسعود: نحن ثلاثة إخوة صيادين، لم نرث عن والدنا
مالاً أو أرضاً، ورثنا عنه التأمل ودقة الملاحظة، وقد لاحظنا أثناء سيرنا
آثار أقدام الجمل فوجدنا أن أثر قدمه اليمنى أعمق من اليسرى، قال سعيد:
فعرفنا أنه جمل أعرج، قال مسعد: وتأملنا الأعشاب التى نسير بجانبها، لاحظنا
أن الجمل أكل من العشب الذى على يساره، وترك الذى على يمينه فعرفنا أنه
أعور، قال سعيد: وعلى الأرض تناثرت بعض حبات القمح والأرز فى نفس المكان
الذى توقف فيه الجمل ليأكل العشب، فعرفنا أنه كان يحمل جوالاً به أرز، وآخر
به قمح، قال السلطان: يالكم من أذكياء، قال التاجر فى غيظ: هل يعقل هذا
الكلام؟ رد القاضى بعد تفكير وقال: إذا كانت عندكم قوة ملاحظة فسأمنحكم
فرصة لتثبتوا فيها صدقكم، خرج القاضى و ما هى إلا لحظات حتى دخل وخلفه
اثنان من الحراس يحملان صندوقاً أحمر اللون، قال القاضى: يا عظمة السلطان
إذا عرف الإخوة الثلاثة ما بداخل هذا الصندوق فهم أبرياء ويقع على التاجر
سرحان الجزاء، نظر الإخوة الثلاثة لبعضهم البعض، صمت الجميع وكان التاجر
سرحان ينظر لهم فى سخرية، ثم وقف سعيد قائلاً: يا عظمة السلطان هذا الصندوق
به بعض حبات الرمان، ظهرت ملامح الدهشة على القاضى وسأله قائلاً: وكيف
عرفت أن به حبات الرمان؟ قال مسعد: ونحن ننتظر فى ساحة القصر رأينا بعض
الحراس يضعون فى طبق كبير بعض حبات الرمان، قال مسعود: وكان هذا الصندوق
فارغاً، لم يجد الحراس أمامهم إلا حبات الرمان، وقد سمعت صوتها وهى تتدحرج
داخل الصندوق فعرفت أن به شيئاً مستديراً، قال سعيد وأقرب شىء كان هو
الرمان، أمر السلطان الحراس بفتح الصندوق الأحمر وفعلاً كانت به بعض حبات
الرمان، انبهر السلطان وأهدى الإخوة الثلاثة كيساً من المال قائلاً: أنتم
تستحقون أكبر مكافأة على ذكائكم وقوة ملاحظتكم، ومن اليوم ستعملون عندى فى
القصر، فأنا أحتاج لشباب مثلكم يتصفون بالدقة وسرعة البديهة، قال مسعد:
شكراً لعظمتكم، ولكننا لا نستطيع أن نترك حرفة الصيد التى تعلمناها وبفضلها
تعلمنا الصبر على الشدائد، وقال سعيد: والتأمل والدقة، وأضاف مسعود:
والثقة بالله الذى منحنا أعظم نعمة وهى القناعة شكرا لك على هديتك وعلى
ثقتك التى ستمنحنا دائما الثقة فى أنفسنا وفيما علمه لنا والدنا الشيخ سعد
الحكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق