أرض الزيتون
الطيب أديب
على أطراف مدينة القدس الحبيبة ، كنت أعيش في بيتنا
الجميل ، ورغم صغره فإنه يتسع لنا جميعا، أبي وأمي وإخوتي الخمسة ، وجدتي وجدي
اللذين حباهما الله بحكمة وشجاعة مازلت أستمد منهما إيماني وقوتي ، وكلما نهض جدي
مبكرا يصلي الصبح، أنهض من فوق سريري المجاور لسرير...ه أتوضأ وأصلي الصبح ،
وأشاركه إفطاره فنتناول قطع الخبز والجبن وحبات الزيتون وأكواب الشاي الأخضر ،
وأنطلق معه لمزرعته الجميلة كنت سعيدا وأنا ألعب بين أشجار التفاح والرمان . كان
جدي شديد الحرص على غرس أشجار الزيتون والعناية بها ، فبدت مزرعته تسر نفوس
المتأملين لها ، وتفيض علينا بخير وفير ، وذات مرة سألت جدي عن سر اهتمامه الزائد
بأشجار الزيتون فقال لي : الزيتون يا بني شجرة مباركة ترمز للسلام ، وفوائدها لا تحصى
، فثمارها غذاء لنا ، وزيتها يمنحنا حيوية وطاقة تساعدنا على الصبر ومقاومة كثير
من الأمراض ، ومنذ ذلك الحين أدركت سر اهتمام الفلاحين بأشجار الزيتون في المزارع
القريبة من مزرعة جدي ، وفي يوم لن أنساه كان جدي غاضبا يزأر بصوت عال والفلاحون
من خلفه ، يحملون فؤوسهم ،يتوعدون بمقاومة المغتصبين ، وما هي إلا ساعات حتى جاءت
جحافل الجنود الصهاينة مسرعة كالذئاب المفترسة يقطعون أشجار الزيتون الجميلة
ويجرفون الأرض الطيبة ، بينما جدي يحمل فأسه في شجاعة ، والفلاحون من خلفه يمنعون
الذئاب من جريمتهم البشعة ، الذئاب يطلقون النار هنا وهناك ، اشتدت المقاومة ..
أسرع جدي وثلاثة من رفاقه خلفهم فصدوا إحدى الجرافات حتى خر قائدها صريعا ، بينما
الذئاب خلف جرافاتهم وجهوا فوهات بنادقهم صوب جدي ورفاقه ، وأطلقوا عليهم وابلا من
من الرصاص ، سقط جدي ورفاقه كأشجار الزيتون ، التي تهاوت على الأرض ، أسرعت إلى
جدي وأنا أصرخ : أيها الجبناء لماذا تقتلون جدي، وتقطعون زيتوننا ، وتجرفون أرضنا
؟ إنها أرضنا وأرض أجدادنا ، والله لن تهنأوا في بلادنا، اقتربت من جدي ، وبينما
يلفظ أنفاسه الأخيرة قال لي : الزيتون ، الوطن يا خالد ، ثم نطق بالشهادتين وصعدت
روحه الطاهرة إلى خالقها .. حملت فأسه العزيزة ، وأسرع الفلاحون يحملون جثمان جدي
ورفاقه الشهداء إلى بلدتنا، وهناك اجتمع أبي وإخوتي وأقراني الصغار ، وأقسمنا
جميعا بألا نترك عدونا يهنأ يوما بأرضنا ، وأننا سنثأر لجدي ورفاقه ، وأرضنا
الغالية وأشجار الزيتون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق