جرة وشعاع القمر
أحمد زحام
جرة بنت كبيرة مثل كل البنات ، تعيش فى قرية صغيرة تبعد عن المدينة بمسافات .
قرية ليست مثل
كل القرى المجاورة ، بناتها الكبيرات لا تساعدن أمهاتهن فى أعمال البيت ، فلماذا
يعملن ، وفى القرية بنت مثل البنت جرة .
فجرة تساعد
الأمهات فى الطهى ، والكنس ، وحلب الأبقار .
فعند كل صباح
تنزل إلى النهر ، تملأ جرار القرية بالماء ، جرة ، جرة ، وجرار القرية لاتفرغ من
الماء ، فجرة تنزل إلى النهر وتطلع بالماء وتكمل الماء المنقوص منه فى الجرار .
وجرة بنت تعيش
فى القرية منذ زمان ، بعدد سنوات عمرها ، وكانت أمها السيدة الطيبة ، تقوم
بكل أعمال نساء القرية من كنس ، وطهى ، وحلب الأبقار ، والخبز وملأ الجرار ،
وعند أطراف القرية كان بيتها ، كوخ ليس مثل كل الأكواخ فكوخها صغير ، وعندما كبرت
فى السن ، وأصبحت امرأة عجوز ، لا تقوى على أعمال بيتها ، وبيت غيرها ، كانت جرة
قد كبرت فى أعوامها و أصبحت بنتا كبيرة ، فقامت بكل أشغالها .
وجرة كما أمها
تتعب طول النهار ، و تأخذ مقابل أشغالها كسرة خبز ، وجلباب قديم تركته صاحبته
لقدمه .
يحكون أن أسمها
كان سعاد أو إبتسام أو عزة ، لكن بنات القرية كن يلقبنها بإسم جرة ، لكثرة
ما يرونها حاملة الجرار ، فأصبح جرة أسمها و عملها ، ولم تغضب منه ، ومنهن ،
واستمرت فى أعمالها اليومية يوما بعد يوم .
وذات يوم جاء
الى القرية منادى ينادى عن حفلة ستقام فى عيد الربيع فى قصر الأمير بالمدينة
البعيدة عن القرية المجاورة ، و السبب فى الدعوة أن ابن الأمير سيختار عروس له من
بنات إمارة أبيه .
-
ما أحلا ه خبر !!!
صاحت البنات
الكبيرات فى القرية ، فهذا الحدث يحدث كل عشرين عاما يقل أو يزيد ، عندما يكون
هناك أميرفى الأمارة بلا عروس .
وخلال الثلاثة
أيام التالية لحضور المنادى ، راجت تجارة القماش والعطور والأحذية فى المدينة ،
وكانت البنات الكبيرات تذهبن بصحبة أمهاتن الى المدينة وترجعن محملات بالمشتريات
الكثيرة ، وظلت البنت جرة تعمل طوال النهار والليل فى تفصيل ملابسهن ، حتى جاء أخر
يوم ، فأكتملت زينتهن مع إكتمال القمر بدرا.
وفى عربات صغيرة
تجرها الخيول والحمير ، خرجت بنات القرية الجميلات ، حتى خلت القرية منهن جميعا .
وكانت جرة البنت
الوحيدة التى بقيت داخل القرية ، بعد أن ودعتهن بنتا ، بنتا ، والدعاء لهن
بالتوفيق ، واختيار إبن الأمير لكل واحدة منهن عروسا له .
وعند النهر
جلست جرة وحدها تضع رأسها على كفها ، تنظر كثيرا إلى ماء النهر ، فرأت
صورتها على صفحته مرسومة ، كانت حزينة ، فحركها ماء النهر ، فضحكت ، كانت الأسماك
الصغيرة تقفز منه وتصنع دوائر فى الهواء ، وتلقى بنفسها تحت قدميها مستكينة ،
فتعيدها الى النهر واحدة ، واحدة .
قالت سمكة صغيرة
:
- رأينا صورتك
فى الماء حزينة ، فجئنا نلعب معك .
وقالت سمكة أخرى
صغيرة :
-
ولماذا أنت حزينة ؟
وحكت الحكاية
للأسماك الصغيرة ، ورغبتها الغير ممكنة فى الذهاب الى الحفل الذي يقيمه إبن
الامير، ويختار فيه عروسه .
قالت سمكة بعد
أن هزت ذيلها فى الماء :
-
بسيطة أترين هذا القمر الموجود فى
الماء ؟
قالت جرة :
-
نعم
قالت السمكة
وكانت لا تزال تهز ذيلها فى الماء :
-
سنذهب اليه ونحكى له حكايتك ، قد
يساعدك .
والتفت الأسماك
الصغيرة حول القمر فى الماء ، تحكي له حكاية البنت جرة التى تتعب طول النهار
وترغب في الذهاب الى حفل ابن الأمير ، وأن تكون الأميرة المختارة من بنات المدينة
، والقرية ، والقرى المجاورة .، ورغبة الجميع في مساعدتها
هز القمر رأسه
بالموافقة ، فقفزت الأسماك تزف إليها الخبر السعيد ، فنزلت البنت جرة فرحة إلى
النهر واغتسلت ، وقامت أسماك النهر الصغيرة بتزيينها ، والبستها رداءا جميلا من
جلد الأسماك الفضى ، ورصعته باللؤلؤ والمرجان .
وتبقى
الحذاء !!
وكان تمساح النهر
الكبير يقف على مقربة من الجميع ، فأحضر حذاء من جلده وأهداه إلى البنت جرة وطلب
أن يحملها على ظهره ، ويوصلها إلى القمر .
وبعد أن أكتملت
زينة البنت جرة ، ركبت فوق ظهر التمساح وحولها الأسماك الصغيرة فرحة و مسرورة .
قال القمر للبنت
جرة :
-
ستركبين على شعاعى وسأوصلك الى الحفل
أن شاء الله بأمان ولكن احرصى على أن تغادرى الحفل قبل منتصف الليل ، ميعاد
انصرافى من السماء .
هزت البنت جرة
رأسها موافقة .
أنزل القمر
شعاعه ، وركبت جرة وهى فى أبهى زينة ، وطارت فى الهواء ، وسط صياح الأسماك ،
وبسرعة الضوء كانت جرة على باب قصر الأمير .
تصدح الأبواق ،
ويصفق كبير الحجاب ، ويعلن عن وصول أميرة مجهولة من خارج البلاد فيتقدم إبن الأمير
لاستقبالها .
تدخل جرة
الأميرة المجهولة فى أبهى زينة ، فيعطيها إبن الأمير يده ويقدمها للأمير و الأميرة
.
وتلاحظ بنات
القرية الشبه الواضح بين هذه الأميرة المجهولة وبين جرة التى تركوها فى القرية
وحدها .
ويدعو ابن
الأمير الأميرة المجهولة جرة للجلوس الى جواره ، واصبح غير مهتم كثيرا ببنات
القرية .
ويأمر الأمير
رئيس التشريفات بأن يفتتح الرقص ،ويرقص ابن الأمير مع الأميرة التي هي البنت جرة ،
ويواصل الرقص معها دون سواها .
وفجأة تدق ساعة
كبيرة معلنة انتصاف الليل ، و الأميرة المجهولة جرة مستغرقة فى الحديث مع إبن
الأمير ، لقد نسيت تحذير القمر ، وعندما دقت الساعة دقتها الأخيرة ، تذكرت
تحذير القمر لها ، فأصابها الخوف والهلع ، وجرت مسرعة خارجة من القصر دون سلام أو
حتى تفسير .
وينتبه الأمير
وإبن الأمير وكل الحضور الى اختفاء الأميرة المجهولة ، فيأمر رئيس التشريفات بأن
يتبعها ،
و يدخل
أحد الخدم وفى يده فردة حذاء من حذاء الأميرة المجهولة وجدها على درج السلم ،
ويعجب إبن الأمير بالحذاء ، ويعلن على الملأ أنه سوف يتزوج أية فتاة ينطبق
الحذاء على قدمها تماما، وتتشوق جميع الفتيات لقياس الحذاء .
ويدعو إبن
الأمير كل البنات الى تجربة قياس الحذاء على أقدامهن ، فلا ينطبق الحذاء على أية
قدم .
وترجع البنات كل
البنات الى قراهن مخيبات الآمال فى الزواج من ابن الأمير .
وكانت جرة قبلهن
قد لحقت باخر شعاع للقمر فركبته وعادت بسرعة الضوء الى دارها حزينة ولم تهتم كثير
بفقدانها لفردة حذائها .
وعند الصباح
عادت جرة الى عادتها القديمة تساعد الامهات في الطهى ، والكنس ، وحلب الابقار وملأ
الجرار ، وسماع حديث بنات القرية عن الاميرة المجهولة التى تشبه جرة ، وفردة
الحذاء التى يبحث ابن الامير عن صاحبته .
وعندما نزلت جرة
الى النهر لملا جرارها وجدت ابن الامير واقفا بجوار حصانه وفى يده حذائها ، خافت
وجرت راجعة الى القرية ، لكنه لحق بها وطلب منها ان تجرب الحذاء فقد أخبرته
الأسماك بحكايتها عندما توقف عند النهر كى يسقى حصانه ، وطلب منها أن تكون زوجته ،
وغادرا القرية وسط دعوات أهلها لهما بالتوفيق .
ومنذ ذلك
اليوم وبنات القرية يقمن باعمال البنت جرة من طهى، وكنس ، وحلب الأبقار، والنزول
الى النهر لملأ الجرار ، عسى أن تكون كل واحدة منهن مثل البنت جرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق