أم فاشلــــــــــة
منيرة بوكحيل/ فرنسا
في البلدة البعيدة , في ذلك المنزل الصغير الجميل و تحديدا من ذلك السرداب ينبعث صوت خافت يتألم
يخترق الظلام الدامس و البرد القارص , نعم انه صوتها صوت السيدة لونه, تلك الفأرة التي هجرها زوجها دون رجعة و هي حامل بخمسة توائم يا لها من مسكينة , آه , آه , آه طوال تلك
الليلة الباردة لا نسمع سوى هذا للأسف.
أشرقت الشمس في الصباح , و فتحت السيدة لونه عينيها المتعبتين ببطء
من الألم و التعب و سهر الليل الطويل زيادة على البرد القارص و الجوع , كم
تمنت أن الليل لم ينقضي و أن لا تشرق الشمس بنورها و ترى أولادها الخمسة فكل
هذه الظروف القاسية جعلتها تحزن برؤيتهم على غرار كل الأمهات ليس لأنها
غير طبيعية أو أم قاسية بالعكس فهي أم حنونة جدا و لا تريد أولادها
يذقون العذاب ألوانا و فنونا مثلها , و لكن السيدة لونه قوية جدا مسحت دموعها و تجاهلت ألمها و احتضنت أبناءها الصغار الأبرياء و أطعمتهم على عكس بعض البشر يرمون أولادهم لحظة ولادتهم خشية الفقر أو شيئا آخر يالها من أم عظيمة .
مرت الأيام على حالها و السيدة لونه تجتهد كل يوم في جلب الرزق لأولادها دون كلل أو ملل مثل كل الأمهات , لكن المسكينة كم من مرة تنجوا من الموت بأعجوبة مرة تنجو من دهس سيارة لها في الشارع و أخرى من محاولة قتلها من طرف سيدة المنزل الذي تسكنه و هذا الحدث الأخير كان يضايقها جدا , جدا و كانت تفكر في طريقة تخلصها من
هذا , خاصة بعد الحفلة الضخمة التي أقامتها سيدة المنزل و بعد انتهائها و غادر الجميع للنوم , خرجت السيدة لونه من سردابها رفقة صغارها الخمسة لتناول
بقايا الوليمة الضخمة و فجأة سيدة المنزل تفاجئهم بالضرب بالمكنسة و لاذوا
جميعا بالفرار و لكن للأسف أصيب احد الأبناء بجرح بليغ جدا , لكن السيدة لونه كانت تعالجه دون كلل أو ملل حتى شفي تماما , و منذ ذلك اليوم لم تتهاون السيدة لونه في تعليم
أولادها و إخبارهم عن كل الطرق و الحيل التي يجب أن يحترفوها لتفادي مثل هذه المشاكل الخطيرة منها : ) اختيار
الطرق المظلمة و الضيقة , الهروب بطريقة سريعة جدا , عدم أكل الأطعمة
المشبوهة و المشكوك في أمرها خاصة التي يقدمها الإنسان بيديه دون لبس
القفازات فهذا يسهل لنا معرفة وجود السم بالطعام , و طبعا الحذر من جميع
أنواع المصائد لأنها تجلب لنا كل
المصائب و المصاعب .....................الخ (
ثم خاطبت السيدة لونه صغارها قائلة :
إن
الإنسان لا يكل و لا يمل من البحث عن الطرق المبتكرة للقضاء علينا وضع
الطعام دون السم عدة مرات بواسطة القفزات لكي لا نتحسس رائحته و لكي نطمئن و
بعدها يضع السم هذه احدث الطرق اطلعت عليها عبر الانترنيت و هذا لا
يفوتوني أبدا , هل فهمتم يا صغار أم أعيد الدرس من جديد و بدون ملل .
رد الأولاد بصوت واحد :
الأولاد: نعم ماما , لا داعي لإعادة الدرس فهذا مفهوم .
السيدة لونه إذا لا داعي للأخطاء الصغيرة أو الكبيرة فأنا لا احتمل بعد كل هذا التعب منذ ولادتكم أن أكون أما فاشلة فهذا لا يروق لي .
أما في الجانب الآخر ,
سيدة المنزل اليوم بالذات اشترت أجود أنواع السموم للتخلص من الفئران التي
تقلق راحتها و تضايق عيشها , خاصة أن إحدى صديقاتها المقربات نصحتها بهذا
النوع من السموم لأنها قرأت مؤخرا في إحدى الجرائد عن امرأة فارقت الحياة منتحرة بهذا النوع من السموم
فقالت في نفسها و هي تضع السم في الجبن اللذيذ :
إذا كان الإنسان قد مات بمفعول هذا السم فأنا متأكدة لن أرى تلك الفئران المزعجة مجددا و إلى الأبد إنشاء الله .
و ما إن انتهت من ذلك نزعت القفازات و غسلت يديها بالصابون جيدا و ذهبت تحضر العشاء في هدوء و سكينة .
أما السيدة لونه بسرعة البرق غطت انفها بقناع لتبعد الجبن المسموم عن صغارها ووضعته في مكان بعيد عنهم في المنزل , ثم عادت إلى السرداب و حينها سألها صغارها عن سبب وضع القناع على انفها فقالت و هي سعيدة
لحدة ذكاء أطفالها :
السيدة لونه
: هذا القناع يا صغار الأحباء وضعته لأن السم الموضوع في الجبن له رائحة
شهية لا تقاومها الفئران و هذا من مميزاته لقتل اكبر عدد من الفئران و لو
أنني لم أغطي انفي لما تمالكت نفسي و أكلت الجبن المسموم دون أن اشعر و الحمد لله فانا خبيرة هذه السموم و العلم ليس
حكرا على الإنسان فقط .
ورد الصغار دفعة واحدة :
الأولاد : ماذا لو لم تكوني هنا لأكلنا هذا الجبن المسموم يا ماما الغالية .
ضحكت مطولا ثم قالت :
السيدة لونه : لا تقلقوا يا صغاري هذا لا يفوتوني أبدا , الحمد لله لأنني البارحة اشتريت لكل واحد منكم قناع و وضعتهم جميعا بالخزانة و استعينوا بها في الخطر المناسب , لقد وفرت لي ربة المنزل اليوم درسا تطبيقيا و تابعتم تفاصيله ليبقى راسخ في أذهانكم هل من احد
لديه سؤال أو استفسار يا صغاري فالخطأ غير مسموح في مثل هذه الأمور الخطيرة فأنا لا اقبل أن أكون أم فاشلة .
رد الصغار دفعة واحدة :
الأولاد : لا , لا مشكلة لدينا في فهم دروسك ماما , حفظك الله لنا يا حبيبتي الغالية .
و فجأة قطع حديثهم صراخ متواصل : النجدة , النجدة , النجدة ماذا حدث لإبني .
النجدة أسرع يا عمار أسرع ..........
للأسف
كان هذا صوت سيدة المنزل تنادي زوجها لأن ابنها الصغير أكل القليل من
الجبن المسموم الذي وضعته أمه أمام السرداب و أبعدته السيدة لونه عن صغارها دون أن تقصد هذا )لكي يجده الطفل الصغير و يأكله ( هذا ليس من أخلاق السيدة لونه , المشكلة في أمه هي أم فاشلة
لم تراقب جيدا صغيرها فهو لا يزال صغير و يجهل أمور كثيرة , و عليها
بمراقبته و حمايته و كم من حوادث كثيرة تحدث جراء الإهمال و عدم المراقبة
مثلا هناك أطفال يشربون مواد التنظيف , يغرقون بالمسابح و بأحواض الحمامات
...............الخ .
لكن الحمد لله الطفل الصغير نجا من الموت لحسن حظه والده عمار طبيب أطفال و أسعفة في الحال و لكن والدته أم فاشلة هذا ما قاله لها زوجها , و كان لها أن تتعلم درسا لكي لا تخطئ مرة أخرى في حماية عائلتها من أي خطر .
و قالت السيدة لونه:
ليس العيب أن نخطئ ولكن العيب أن نستمر في الخطأ.
تفسير الكلمات :
سِرْدَابُ الدَّارِ " : بِنَاءٌ أرْضِيٌّ يُلْجَأُ إلَيْهِ مِنْ حَرِّ الصَّيْفِ .
لا يروق لي : لا يعجبني .
العذاب ألوانا و فنونا : أنواع و أشكال كثيرة .
هناك 3 تعليقات:
j'aime ton style de narration , c'est beau et ton histoire sert de morale
Jaime b1 ton histoire tata hanan
Balle histoir machalah
إرسال تعليق