لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأحد، 15 أبريل 2012

"شهيــــد القـــدس" قصة للأطفال بقلم:منيرة بوكحيل

*شهيــــد القـــدس*
محـمد الـدرة
منيرة بوكحيل / فرنسا
في مدينة من مدن الجزائر الفاتنة يعيش رائد الصغير رفقة عائلته في سعادة كبيرة لا ينقصه شيء أبدا , و لكن هذا الطفل الصغير الذي هو في الثامنة من العمر لا يعرف عن هذه الحياة القاسية شيء فلم يكن راضيا بما فيه من نعمة و هناء و سعادة في ظل حنان أسرته الملتفة حوله و في كنف الحرية و الاستقلال .

و كالعادة اليوم رائد عاد من مدرسته غاضبا ساخطا على المدرسة و المعلمة و متاعبهما رمى المحفظة بقوة من باب المنزل و دخل كالمجنون سأل المجنون والدته قائلا:

-ماذا طهوت للغذاء ؟ ماذا يوجد للأكل ؟

فردت الأم المسكينة بإنفعال المنهكة من تعب تنظيف المنزل و تحضير الطعام في الوقت المناسب لعائلتها طوال , و هذا السؤال يرهقها يوميا من طرف رائد و قالت :

-لقد طهوت ما رزقنا الله به و الحمد لله على هذا .

فأخذ رائد يصرخ بأعلى صوته و يقول : لقد كرهت ما تطهينه لنا و كرهت المدرسة و هذه الحياة المملة و خرج إلي الشارع مغلقا الباب بقوة في وجه أمه و هو يردد تلك العبارات السخيفة بين شفتيه , و في المساء عاد والد رائد من العمل و قرر معاقبته على تصرفاته الشيطانية الطائشة بعدما اشتكته زوجته .

لكن الجدة الحنونة تدخلت و أرادت أن تحل المشكلة بحكمة و ذكاء وتقدم النصح و الإرشاد لحفيدها بطريقة تربوية سليمة هادفة و أساليب هادئة ثم جمعت العائلة ونادت على رائد المختبئ في مكان ما بعيدا عن والده مخافة من العقاب و الحساب , و بدأت تقص على مسامعهم قصة الشهيد الصغير شهيد القدس " محمد الدرة " و كم كان أسلوبها مشوق ممزوج بالذكاء و الحكمة و قالت :

يحكى منذ زمن بعيد و إلي يومنا هذا لا يزال يحكى انه بلؤلؤة الشرق الأوسط بفلسطين الغالية الساحرة مثل سحر اسمها و طيبة أصلها و كرم شعبها نعم هي عروس المدائن عريقة بتاريخها فالعالم كله يتلهف لزيارتها و كل هذا جعلها فتنة العيون الحاقدة على جمالها وعلوها و شموخها , فداس اليهود على كرامتها و حريتها و دمروها بكل الطرق الوحشية و القمعية .

و في إحدى مدنها الجميلة يعيش الفتى إبراهيم مع عائلته الكريمة في حب ووئام , بالرغم من المسلسل القهري الذي يشهدونه يوميا : دوي المدافع و الرشاشات و الصواريخ ينامون عليه و يستيقظون على الممارسات الوحشية التي يمارسها عليهم العدو بما فيها الحواجز الأمنية التي تعطلهم عن الدراسة و المستشفى و العمل و بل تمنعهم أحيانا و في يوم حزين طرق الجنود الإسرائيليين الباب و اعتقلوا والد إبراهيم بدون سبب و زجوا به في السجن , و ليس هذا فقط بل و بعدها بمدة قصيرة وصلهم إنذار بإخلاء و ترك المنزل خلال مدة زمنية محددة أو هدمه فوق رؤوسهم مثلما فعلوا بغيرهم من إخوانهم الفلسطينيين .

رسم الحزن ملامحه القاسية على وجه إبراهيم الصغير و اغتال طفولته و براءته و هجرته السعادة و الراحة لأن منزله الذي يؤوي إليه طوال حياته سوف يدمر في لحظة واحدة و تصبح الأرض الفراش و السماء الغطاء و العذاب الغذاء , و في المدرسة لاحظ

" محمد " صديقه و زميله في الدراسة حزنه و عذابه فاحتضنه و سأله بكل حب و حنان قائلا :

-ما بك يا أخي إبراهيم و ما سر كل هذا الحزن العميق الذي يظهر على وجهك ؟ .

فأجابه إبراهيم بكل ما يختلج به صدره من قهر و حزن , فنظر محمد إليه بكل حنان و خاطبه بنبرة الشجعان يخنقها الحزن و قال :

-ما بك يا صديقي هل نسيت أن الفلسطينيون لا يعرفون الألم و لا يركعون للظلم و لا شيء يفرق شملهم حتى و لو كان الموت منذ الآن منزلي هو منزلك و اليوم بالذات أنا و جميع الزملاء سوف نقوم بترحيلكم إلى منزلنا و نعيش تحت سقف واحد , و لا مفر للعدو من إرادتنا و الحرية هي هدفنا .

انتقل إبراهيم و عائلته للعيش مع عائلة محمد في حب و مودة ناذرة الوجود خاصة في هذه الأيام , و قد شارك إبراهيم غرفة محمد و كانا يدرسان باهتمام معا و يلعبان معا و يصليان كل الفرائض معا .

و في يوم اسود مثل سواد القلب الصهيوني , قصدا الطفلين الصغيرين مدرستهما كالعادة و لكن هذه المرة ليس ككل المرات فقد شاهدا مظرا بشعا و قاسيا فهذه المرة لم تنجوا مدرستيهما من القصف الصهيوني بعدما نجت المرة تلوى الأخرى , للأسف دمرت كليا .

عادا الطفلين الصغيرين إلى المنزل و الحزن يعصر قلبيهما الصغيرين , و لما وصلا إلى المنزل ارتمى كليهما في حضن والدته و بكيا طويلا , ثم خاطب محمد والدته بنبرة الشهداء الشرفاء قائلا :

-أريد الاستشهاد اليوم قبل الغد .

فرحت الأم كثيرا لما سمعته من ولدها الشجاع الذي تربى على حب الوطن و الشهادة و الحرية و ردت بصوت يخنقه الحزن أتمنى من الله عز وجل أن يكرمنا جميعا بالشهادة و لكن فراقك بني سوف يقتلني حزنا و ألما ثم قبلته و حضنته بقوة , و في المساء عاد والد محمد من العمل و علم بما حدث لمدرسته قرر أن يخرج ابنه و صديقه من دائرة الحزن التي فرضت عليهما و طلب منهما مرافقته لزيارة بعض الأصدقاء إبراهيم اعتذر منه لأنه قرر مساعدة إخوته في فهم بعض الدروس و محمد رافق والده و في طريقهما حاصرتهم مجموعة من الدبابات الصهيونية من كل جهة فإرتميا على الأرض و احتميا وراء برميل و صرخ والد محمد قائلا : لا تطلقوا الرصاص لا تقتلونا نحن مدنيين لا سلاح لنا و محمد يصرخ : احميني يا أبي , احميني يا أبي احميني .....

و لكن لا حياة لمن تنادي فانطلق الرصاص ليعلن عن ولادة الأسطورة الشهيد الصغير محمد الذرة في أحضان والده الجريح و الذي نجا من الموت بأعجوبة من الله عزوجل و هكذا تحققت أمنية محمد الذرة و استشهد أمام مرأى العالم كله و نقلته القنوات الأجنبية و العربية مباشرة و شيعت جنازته مثل باقي الشهداء بحشد كبير من الإخوان الفلسطينيين بكل حماس و فخر و عزيمة بنيل الحرية و ووعد بالثأر .

و بهذه العبارة انتهت الجدة من كلامها , طأطأ رائد رأسه خجلا من تصرفاته السيئة و اعتذر من والديه و قرر أن يتمتع بنعمة الحرية و الدراسة و كل النعم التي انعم الله عليه بها و منذ تلك الليلة و هو يصلي و يدعوا لإخوانه الفلسطينيين رفقة الجدة الغالية .

و ذات ليلة قرر رائد كتابة قصة الشهيد الصغير ثم قصها على زملاءه بالمدرسة بإذن من معلمته لكي يقتادوا بحكمتها و نال جائزة تقديرية من مدير المدرسة على هذا المجهود المبذول في سبيل تنوير أجيال الجزائر و غرس بذور الرحمة و الحنان و الشفقة و التعاطف و الحب و التعاون في قلوب *براعم الجزائر* ليصبحوا رجال تفخر الجزائر بأخلاقهم و عملهم إن الحرية كنز عظيم .

س : القصة تحتوي على حكم كثيرة فاختبر ذكائك و استخرجها ؟.




هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

شكرا على هده القصة