وداعاً
بقلم: طلال حسن
منذ أيام ، وهذه التلميذة
الصغيرة ، تتابعني حيثما أتنقل أثناء الفرص ، بين التلاميذ والتلميذات ، وعصاي
الخيزران في يدي .
يبدو أنها جديدة ، فأنا لم ألاحظها من قبل
، رغم أن شكلها يلفت النظر ، صحيح إنها
صغيرة ، وضعيفة الجسم ، لكنها جميلة ، ولها عينان واسعتان سومريتا السواد .
والغريب أنني كلما حاولت أن أقترب منها ، وبشكل لا يبدو متعمداً ، كانت
تتراجع ، ثم تتسلل بين التلاميذ ، وكأنها تلوذ بهم مني .
وذات مرة ، اقتربت منها ، والعصا الخيزران في يدي ، فتراجعت قليلاً ، ثم
همت أن تتسلل كالعادة بين التلاميذ ، فأشرتُ لها بعصاي أن تعالي .
وتوقفت مذهولة ، وقد اتسعت عيناها السومريتان ، وتمتمت بصوت غير مسموع :
أنا !
فقلت لها : نعم ، أنتِ ، تعالي .
واقتربت التلميذة الصغيرة مني على خجل وتردد ، وتوقف أمامي ، وقال : نعم ،
ست .
سألتها : ما اسمكِ ؟
أجابت : زهرة .
قلت : اسم جميل .
وبدا الارتياح على التلميذة الصغيرة ، فقلتُ : يبدو أنك جديدة هنا ، يا
زهرة .
أجابت التلميذة الصغيرة : نعم ست ، أنا من العمارة .
وحدقت في زهرة ملياً ، ثم قلت : زهرة ألاحظ أنك تتابعيني دائماً .
ونظرت زهرة إليّ ، وقالت : ست ، أنا معجبة بك جداً .
لم أتمالك نفس ، فابتسمت ، ها هي تلميذة صغيرة تعجب بي ، بالتأكيد لم تعجب
بنظارتي الطبية ، أو عينيّ الصغيرتين ، أو شعري .. ، وقاطعت زهرة أفكاري قائلة :
أتمنى في المستقبل أن أكون مثلك ، معاونة مدرسة ، أسير بين التلاميذ ، وعصاي
الخيزران في يدي ، فيخافني الجميع ..
وسكتت زهرة ، بل وتراجعت إلى الوراء ، وتسللت بين التلاميذ ، حتى اختفت ،
فقد رأت الابتسامة تنطفيء في وجهي ، وتلوح في عينيّ غيوم تنذر بالمطر .
منذ ذلك اليوم ، وأنا أتجول في الفرص ، بين التلاميذ والتلميذات ، بدون
عصاي الخيزران ، فأنا أريد أن تحبني كل الأزهار في المدرسة ، لا أن يخافوني ، لأي
سبب من الأسباب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق