قصص قصيرة
جداً للأطفال
بقلم: طلال حسن
الهدية
في طريق عودته إلى البيت ، عثر
أرنوب ، فوق أكوام الثلج ، على جوزة كبيرة ، وتراءى له صديقه سنجوب ، فالتقط
الجوزة ، وهمّ أن يأخذها هدية له ، لكنه توقف ، فقد تذكر أن سنجوب ينام الآن ،
وأنه كالعادة لن يستيقظ قبل حلول الربيع .
فكر ، ما العمل ؟
وفي الحال ، حفر حفرة ، ووضع الجوزة فيها ، ثم غطاها بالتراب ، وقال
مبتسماً : هذه هديتي إليك ، يا صديقي العزيز سنجوب .
الجدول
أمرتْ البومة البلبل قائلة : لا
تغرد .
فصمتَ البلبل ، ولم يغرد .
وأمرتْ العصفور قائلة : لا تزقزق .
فصمتَ العصفور ، ولم يزقزق .
وأمرتْ الحمامة قائلة : لا تهدلي .
فصمتتْ الحمامة ، ولم تهدل .
وأمرتْ الجدول قائلة : اصمت ، وكف عن الخرير .
لكن الجدول لم يصمت ، وظل يُسمِع خريره للبلبل والعصفور والحمامة ، وهو
يركض مرحاً ، فوق الرمال والصخور والحصى .
الحياة
عند مدخل البيت ، وعلى ضوء
القمر ، جلس نميل ونميلة ، يصغيان إلى تغريد البلبل .
وتطلع نميل إلى القمر ، وقال : آه ما أجمل القمر .
وتطلعت نميلة إليه ، وقالت : تصور الحياة بدون قمر .
ولاذ نميل بالصمت ، فقالت نميلة : وبدون بلبل .
ومرة أخرى لاذ نميل بالصمت ، فتابعت نميلة قائلة : وبدون نميلة .
والتفت نميل إليها ، وحدق فيها ، وقال : عندئذ ، يا نميلة ، لا تكون حياة .
دجّ العواصف
مثلما يعوي قطيع من الذئاب ،
راحت العاصفة تعوي ، مقبلة من بعيد ، وقبع العصفور الصغير مرتجفاً ، تحت جاح أمه .
وارتفعت خلال عواء العاصفة ، تغريد طائر ، فأطل العصفور برأسه ، وقال :
ماما ، اسمعي ، هذا طائر غريب يغرد .
فقالت الأم : إنه دجّ العواصف ، وتغريده يرتفع بالتدريج ، كلما ارتفع عواء
العاصفة .
فخرج العصفور الصغير ، من تحت جناح أمه ، وأصغى إلى تغريد الدجّ ملياً ، ثم
قال : لتعو هذه العاصفة قدر ما تشاء ، فلن يخيفنا عواؤها ، مادام بيننا طائر الدج
.
الفراشة
تلك الفراشة ، ربما كانت تخدعني
، أو تسخر مني ، لقد قالتْ لي : كنتُ طفلة مثلك ِ ، ورأيتُ الحمامة ، وتمنيتُ أن
أطير مثلها ، فصار لي أجنحة ، ورأيتُ قوس قزح ، وتمنيتُ أن تكون لي ألوانه ، فصارتْ
لي هذه الألوان ، وأحسستُ أنسام الربيع ، وتمنيتُ أن أصير رقيقة مثلها ، فصرتُ كما
ترين .. فراشة .
ولذتُ بالصمت مفكرة ، ثم ابتسمتُ ، إنها تمازحني تلك الفراشة ، لكن لمَ لا
؟ إنني أيضاً مثلها .. فراشة ، فأنا فنانة صغيرة ، أطير على أجنحة الحلم ، وأصنع
بألواني قوس قزح قزح ، وأكون بفني رقيقة .. ودافئة .. كأنسام الربيع .
حفيدة أشور بانيبال
وقفت زينب مبهورة ، في قاعة من قاعات المتحف
، تتأمل تمثال أشور بانيبال ، حتى إنها لم تنتبه إلى المعلمة، وأخيها قيس ،
ورفاقها التلاميذ ، وهم يغادرون القاعة .
وصمتت زينب إذ تململ التمثال ،
وقال : من حقكِ أن تبهري ، فقد حكمتُ أربعين سنة ، فتحتُ خلالها بلاد العيلاميين
والفينيقيين والفراعنة و ..
وبدا الضيق على زينب ، فقال
أشور بانيبال : لقد أخضعتُ شعوباً كثيرة ، وبنيتُ إمبراطورية تمتد من ..
ورمق زينب منزعجاً ، ثم قال :
لا يبدو أنك من أحفادي ، فحتى النساء في إمبراطوريتي ..
وصمت لحظة ، ثم قال : لا عليك ،
يا بنية ، أنت تشبهين .. سميراميس .وتطلع إلى زينب متأففاً ، ثم قال : أخشى أن لم
يبقَ مني بينكم غير تمثالي هذا .
وعندئذ خرجت زينب من صمتها ،
وقالت : بل بقي الكثير .
ونظر إليها متسائلاً ، فقالت :
مكتبتك .
وأشرق وجهه ، وتمتم فرحاً :
مكتبتي !
واستطردت زينب : لقد عثرنا
عليها في جناح من قصرك ، وهي تضم آلاف الرقم الطينية ، في الأدب والحكمة والدين
والطب والفلك و ..
وتمتم أشور بانيبال : حقاً أنت
حفيدتي . وهنا ارتفع وقع أقدام ثقيلة ، فأفاقت زينب ، وإذ بحارس المتحف العجوز
يقترب منها ، ويقول متسائلاً : من أنتِ ؟
فأجابت زينب : أنا حفيدة أشور
بانيبال .
ومن القاعة المجاورة ، ارتفعت
ضجة التلاميذ ، فلوحت زينب للحارس العجوز ، وهي تسرع نحو رفاقها ، وتقول : إلى
اللقاء ، يا عم ، إلى اللقاء .
الطفل وآشور بانيبال
خرج الملك
آشور بانيبال ، ذات يوم ، إلى الصيد ، لعله يخفف قليلاً من متاعب الحرب ، وتوقف
بعربته الملكية قرب كوخ صغير ، فخرجت إليه امرأة شابة ، وطفل في الخامسة من عمره .
نظر الملك إلى الطفل ، وقال : بنيّ ، إنني عطشان .
فقال الطفل : لدينا حليب طازج .
وابتسم الملك ، وقال : ليتك تسقيني قليلاً منه .
وأسرع الطفل ، وجاء بالحليب ، وقدمه للملك ، وشرب الملك
حتى ارتوى ، وأعاد الإناء إلى الطفل ، وتساءل : أتعرف من أكون ؟
فردّ الطفل قائلاً : نعم ، أنت الملك .
وأشرق وجه المرأة الشابة ، وقهقه الملك ، وقال : أحسنت ،
أنت طفل ذكيّ .
وصمت لحظة ، ثم قال : أطلب ما تريد ، وسأعطيك إياه في
الحال .
فقال الطفل : أريد أبي .
ولاذ الملك بالصمت ، وقد علاه الوجوم ، ثم تطلع إلى
المرأة الشابة في تساؤل ، فقالت بصوت دامع : لقد ذهب أبوه إلى الحرب ، ولم يعد .
وأطرق الملك آشور بانيبال رأسه ، دون أن يتفوه بكلمة
واحدة ، ثم أدار عربته الملكية ، وعاد من حيث أتى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق