مكابدات جحا
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــــــــــ
هزّته زوجته " أم جحيح " ، كما
تهزّ قربة مليئة بالحليب ، وصاحت به : جحا .
فتح جحا عينيه ، لكنه لم ينظر
إليها ، لسبب يعرفه هو ، وتساءل : ما الأمر ؟ إياكِ أن تقولي لي ، إن الحمار قد مات .
فقالت " أم جحيح " :
بل ينتظرك في الحوش ، وعلى ظهره كيس من الحنطة .
وتلفت جحا حوله ، حتى دون أن
يعتدل ، ولاحظ أن الفجر لم يكد يطلّ بعد ، ثم قال بحنق : أيتها الحمقاء ، إن ديكنا
المجنون نفسه ، لم ينهض بعد .
فمدت " أم جحيح "
يدها ، وجرته بعنف من الفراش ، وقالت : الحمار في الحوش ينتظرك ، وكيس القمح على
ظهره ، هيا اذهب إلى المطحنة ، لم يعد لدينا حفنة واحدة من الطحين .
" 2 "
ــــــــــــــــــ
سار الحمار بتثاقل وبطء ، فكيس القمح على ظهره
، وفوق الكيس يجلس جحا ، وهو ينوس يميناً ويساراً دون توقف ، والنعاس لم يفارق
عينيه بعد .
واعترضه في بعض الطريق ، شيخ ذو
لحية بيضاء ، وقال له : أيها الكافر الظالم اللعين ، أنت والزمن على هذا الحمار
المسكين .
وتأفف جحا منزعجاً ، فهو لا
يرتاح لأصحاب اللحى البيضاء ، وقال : أعوذ بالله .
فتابع الشيخ ذو اللحية البيضاء
قائلاً : ليكن في قلبك رحمة ، أنت وكيس القمح على ظهر الحمار ، لو كنتَ أنتَ
الحمار ..
وأبعد جحا الشيخ ذا اللحية
البيضاء بعصاه عن طريقه ، وهو يقول : لستُ أنا الحمار بل هو ، ابتعد .
وحثّ جحا حماره ، فسار متثاقلاً
يئن ، ووسط السوق المزدحم ، استوقفت امرأة لعوب ، وقالت له : جحا ، أحزر ، لماذا
يذهب بعض الناس إلى اليمين ، ويذهب البعض الآخر إلى اليسار ؟ ها ، أخبرني .
وفكر جحا ، ثم قال : الأمر واضح
، لو سار الناس في اتجاه واحد ، لفقدت الأرض توازنها .
وأطلقت المرأة ضحكة رنانة ،
ومضت مبتعدة وهي تقول : حقاً أنتَ جحا .
والتفت الحمار ، ونظر إلى جحا ،
فتساءل جحا : ترى ماذا تعني هذه المرأة ال .. ؟
لكن الحمار أشاح عنه بنظره ،
دون أن يجيبه ، وواصل السير بتثاقل ، وهو يئن .
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
دخل جحا إلى المطحنة ، بعد أن ربط حماره إلى
شجرة في الخارج ، ووضع كيسه بين الأكياس ، وجلس جانباً ، ينتظر دوره .
وراح يراقب الطحان ، ولاحظ أنه
منشغل في عمله ، دون أن يلتفت إليه ، فنهض بهدوء ، وتسلل إلى حيث ألأكياس ، وراح
يأخذ القمح من أكياس الناس ، ويضعه في كيسه ، وسرعان ما جاءه صوت الطحان الغاضب
يقول : ما هذا ، يا جحا ؟
واعتدل جحا محرجاً ، وقال : لا
تؤاخذني ، إنني كما تعرف رجل أحمق .
فقال الطحان : لو كنتَ أحمق ،
لأخذت من كيسك ، ووضعته في أكياس الناس .
فقال جحا : ويحك ، أنا أحمق
واحد ، ولو صنعت ما تقول لكنتُ أحمقين .
" 4
"
ــــــــــــــــ
مرّ جحا في السوق ببائع خيار ، بعد أن انتهى
من طحن قمحه ، ووضع الكيس على ظهر الحمار ، وتوقف عند البائع ، واشترى خيارة ضخمة
.
وقسمها بالعدل إلى نصفين ، قدم
نصفها للحمار ، واحتفظ بالنصف الآخر لنفسه ، وجلس في ظل شجرة توت ضخمة ، وانهمك في
أكل حصته من الخيارة ، والحمار يأكل حصته هو الآخر .
وتوقفت على مقربة منه امرأة ،
وكانت جارة له ، وقالت : جحا ، أنت هنا
تأكل الخيار مع حمارك ، وامرأتاك تقطع إحداهما الأخرى .
ورفع جحا عينيه إليها ، دون أن
يتوقف عن أكل حصته من الخيارة ، وقال : أقالت إحداهما للأخرى شيئاً يتعلق بالعمر .
فقالت المرأة : كلا .
واستمر جحا في أكل حصته من
الخيارة ، وقال : إذن لا داعي للقلق ، فالأمر يسير .
" 5 "
ـــــــــــــــ
جحا وحماره دخلا البيت ، الحمار أولاً يحمل
كيس الطحين ، يتبعه جحا ، وكالعادة استقبلتهما " أم جحيح " بسحنة عابسة
متورمة ، محملة بالغيوم .
وألقى جحا العصا جانباً ، وقال
: أنزلي الطحين عن ظهر الحمار ، وأعدي لنا شيئاً من الخبز .
ومن غير أن تنطق " أم جحيح
" بكلمة ، أنزلت كيس الطحين عن ظهر الحمار ، وانهمكت في عجن بعض الطحين ،
لتعد الخبز ، الذي أراده جحا .
وتوقف جحا وسط الفناء ، متلفتاً
يميناً ويساراً ، ثم قال : إنني لا أرى البقرة ، ضرتك .
فقالت " أم جحيح " ،
وهي منهمكة في عجن الطحين : أمها سقطت من السطح ، وانكسرت ساقها .
وحدق جحا في " أم جحيح
" ة، وقال : ذهبت البقرة ، وبقيت ال ..
وتوقفت " أم جحيح "
عن العجن غاضبة ، وقالت : إيكَ أن تقول .. الجاموسة .
ومضى جحا إلى غرفته ، وهو يقول
: لا .. الغزالة .
" 6 "
ــــــــــــــ
تمدد جحا في فراشه ، وقد خيم الليل ، وقال
لزوجته " أم جحيح " ، التي وقفت والمرآة في يدها : أطفئي القنديل ،
دعيني أنام ، إنني متعب .
وبدل أن تطفىء " أم جحيح
" القنديل ، رفعت المرآة ، وراحت تتأمل وجهها ، ويا له من وجه ، خاصة وأنها
خاضت اليوم معركة حامية مع ضرتها .
آه وجه قاتم ، متورم ، مزرقّ ،
من أثر لكمات ضرتها الشابة القوية ، وأبعدت المرآة بسرعة ، فقد تراءى لها فيها وجه
قردة عجوز ، وتمتمت قائلة : يا ويلي ، لو أن جحا رآني في المرآة ..
وصمتت " أم جحيح " ،
فقد خيل إليها أنها تسمع صوت بكاء ، والتفتت إلى جحا ، وإذا هو يبكي فعلاً ، فقالت
متسائلة : ما الأمر ، يا جحا ؟
فقال جحا ، دون أن يكفكف دموعه
: سمعتكِ تتحدثين عن وجهك ، وقد رأيته في المرآة ، ماذا أقول وأنا أراه حقيقة ليل
نهار .
9 / 11 / 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق