حوار ساخن
بقلم: طلال حسن
أفاق رافع ، في ساعة متأخرة من
الليل ، على أمه وأبيه يتصايحان منفعلين ، في الردهة ، وعلى ضوء القمر ، المتسرب
من نافذة الغرفة ، رأى أخته رباب ، تجلس في فراشها قلقة حزينة .
وقال رافع : رباب ، اسمعي .
فردت رباب بصوت يشوبه الحزن : إنني أسمع .
وتساءل رافع : ما الأمر هذه المرة ؟
فأجابت رباب : من يدري ، لعل بابا
جاء متأخراً و..
وأنصت رافع ، ثم قال : اسمعي ، ماما تصيح بباب ، أنت مخطىء ، فيصيح بها
بابا ، أنتِ مخطئة .
ووضعت رباب رأسها بين ذراعيها ، وقالت بصوت يشوبه القلق : كم أخشى أن يؤدي
هذا الصياح ، بين بابا وماما ، إلى انفصالهما .
وتساءل رافع : ماذا !
وواصلت رباب حديثها قائلة : أبو حسان ، جارنا ، تصايح مع زوجته أم حسان ،
ثم انفصل أحدهما عن الآخر ،فذهب هو إلى أمه ، وذهبت زوجته إلى أمها .
وتساءل رافع : وحسان ؟
فردت رباب قائلة : ذهب إلى أمه هو الآخر .
وقال رافع : يبدو أن الجميع ، في هذه الحالة ، يذهبون إلى أمهاتهم .
وتطلع عبر النافذة إلى القمر البعيد ، وقال : رباب ، أنا وأنتِ لن نذهب إلى
أمنا بل نهاجر .
وقالت رباب مذهولة : نهاجر !
وتمدد رافع في فراشه ، وقال بصوت يتسلل إليه النعاس : نعم نهاجر مثل
اللقالق .. والبط .. والهررة .
واعترضت رباب قائلة : لكن الهررة لا تهاجر .
وأغمض رافع عينيه ، وقال بصوت يخفت شيئاً فشيئاً : إذا لم أهاجر سأعلن
الإضراب ، لن أذهب إلى الروضة ، ولن آكل أي شيء، حتى لو كان قيمر وعسل ، وإذا مرضت
.. لن أشرب .. الدوا .. ء .
ونظرت رباب إليه ، فوجدته يغط في النوم ، فتمددت هي الأخرى في فراشها ،
وأغمضت عينيها ، وسرعان ما استغرقت في نوم عميق .
وفي صباح اليوم التالي ، استيقظا مبكرين، ونزلا معاً إلى الطابق الأول ،
وهما عابسان متعكران ، وفوجئا بوالديهما يجلسان جنباً إلى جنب في المطبخ ،
يتهامسان ويتضاحكان ، ووقف رافع في مواجهة والديه ، يتميز غيظاً ، فصمتا حائرين ،
وتطلعا إلى رباب متسائلين : ما الأمر !
وجلست رباب قبالتهما ، وقالت : لقد سمعناكما ، ليلة البارحة ، تتصايحان .
وفغر الأب فاه ، ورمق زوجته بنظرة خاطفة ، وقال : نتصايح !
وغالبت الأم ابتسامتها ، قائلة : لا ، يا عزيزتي ، لم نكن نتصايح ، بل ..
نتحاور .
وأيدها الأب قائلاً : نعم ، نتحاور ، ولعل حوارنا ، بدا لكما ، ساخناً بعض
الشيء .
وهنا لم يعد رافع يتمالك نفسه ،
فصاح منفعلاً : أي حوار هذا ، لقد سمعتُ ماما تقول لك ، أنت مخطىء ، فترد عليها ،
أنتِ مخطئة .
ورمقت الأم زوجها بنظرة خاطفة ، وغمزت له خلسة ، وقالت : أنت محق ، يا رافع
، فقد قال أبوك ، ستمطر السماء غداً ، فقلت له ، أنت مخطىء ، لن تمطر ، بل ستثلج .
وصمتت الأم فقال الأب : فقلت لها ، أنت مخطئة .
وابتسمت الأم لرافع ورباب ، وقالت : أرأيتما ، إنه مجرد حوار ، لا أكثر .
وتطلعت رباب ، عبر نافذة المطبخ ، وإذا الشمس تسطع في سماء صافية زرقاء ، خالية من الغيوم ،
فتنفست الصعداء ، وقالت : حمداً لله ، لم تمطر ، ولم تثلج ، بل .. أشرقت الشمس .
والتفتت إلى رافع ، وأضافت قائلة : لا داعي للإضراب ، أو الهجرة ، فلنبقَ
مثل .. الهررة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق