شيء من النظام يريح
السن من 9 الي 12 سنة
فاطمة هانم طه محمد
ظلت امي تردد جملتها التي حفظناها عن ظهر قلب ولم نعمل بها ابدا (نظموا اغراضكم ... رتبوا مقتنياتكم حتي يمكنكم العثور عليها ... شي من النظام يريحكم ).
كان الصباح في بيتنا هو مسابقة بيننا لكي يجد كل منا ملابس المدرسة و نتصايح متسائلين اين كتابي ؟.. اين كراستي ؟.. اين قلمي ؟.. اين حقيبتي ؟.. اين حذائي ؟...اين شرابي ؟... اين ردائي ؟..اين لعبتي ؟ ...
وهكذا كنا ندور حول انفسنا وننفق كثيرا من الوقت حتي نكون مستعدين للذهاب الي المدرسة او حتي الي نزهتنا الاسبوعيه ، كل هذا وكانت امي المسكينه تدور معنا هنا وهناك تساعدنا في العثور علي اغراضنا .
يأست امي من حالنا... نحن ثلاث صبيه لا نحب النظام ولم نتعود وضع اغراضنا في اماكنها الصحيحه أي اننا لم نحب ابدا ان ننفذ اوامر امي او ان نسمع نصيحتها فيما يتعلق بحفظ اشياؤنا في مكانها الصحيح ..ابدا ولم نفعل ما لا يكلفنا أي مجهود دون التفكير في تنفيذ نصيحة امي لنا...فكنا حين نعود من المدرسة او الخارج تتحول حجرتنا بل منزلنا كله الي ساحة من الفوضي فتجد كل قطعة من الملابس في مكان..كذلك حبن ننتهي من انجاز واجبتنا المدرسية .. تجد كتبنا وكراسات الواجب المنزلي والاقلام والمساطر وممحاه او الاقلام الملونه ملقاه في كل مكان.
كانت امي في البداية تدور خلفنا لتصلح ما افسدناه و تضع كل شيء مكانه... وتعلق الملابس علي الشماعة وترتب الحقائب المدرسية وما هي سوي ساعة واحدة فقط حتي تجد ان الفوضي قد عمت كل المنزل باللعب و عادت الفوضي الي منزلنا مرة اخري.. وانا ايضا كثيرا ما تعرضت للمشاكل في المدرسة بسبب عدم عثوري علي كراسة الواجب المنزلي او كتاب كان من الضروري ان يكون معي خلال الحصة ولم اضعه في حقيبتي... وبعد ان انال عقابي من معلمي اعود الي المنزل لابحث عنه وكثيرا ما اجده في حقيبة اخي او تحت وسادة السرير او حتي تحت السرير...وربما لا اجده ابدا ،تعبت امي من اصلاح حالنا فكفت عن متابعتنا وتركتنا نتحمل نتائج تصرفاتنا الفوضوية .
هكذا كان حالنا حين جأت جدتي لتعيش معنا ولاحظت ما كنا عليه من فوضي فقررت مساعدة امي علي اصلاح حالنا
وذات يوم سمعت اخي الاكبر يسأل ( اين ردائي الرياضي ؟ ... اين هو ؟.. لقد خلعته هنا بالامس ؟ ) جاء صوت جدتي تقول... هل علقته علي شماعة الملابس في حجرتك ؟
اجاب اخي: ... لا.. كان هنا علي هذا الكر سي... ابتسمت جدتي وقالت : اذا هو في البرميل
نظرنا كلنا اليها في دهشة.... تساءل اخي : برميل .. أي برميل ؟
قالت جدتي : البرميل الموجود في حجرة الخزين اعلي المنزل.... صحنا جميعا في دهشة واستنكار ؟ في حجرة الخزين ؟!!
اسرعنا جميعا نصعد الي هناك... وجدناه .. برميل كبير وضع في اخر الحجرة وبصعوبة كبيرة استطعنا الوصول اليه .. حاول اخي ان يقلبه علي جانبه ليصل الي ما بداخله ولكنه لم يفلح فقد كان البرميل عميقا جدا اكبر من قامتنا الصغيرة و مثبتا الي الارض ولم نستطيع ان نقلبه.... تدلي اخي في جوف البرميل ..وهناك وجد رداءه في القاع... بذلنا جهدا كبيرا في مساعدته حتي خرج من البرميل اللعين ومعه الرداء .
في اليوم التالي ....بحثت انا عن كتاب المطالعة الذي كنت اقراء فيه أمس ، ولكني لم اجده تذكرت انني رميت به من يدي بعد ان قرأت الدرس و .... تري اين تركته ؟ او بالاصح اين رميت به ؟... هنا... بالحجرة... لا....هنا في الصالة... لا... هنا بالــ..... اه تذكرت كنت اجلس علي طاولة الطعام ... نعم هنا.... ولكني لا اره.... تري اين هو؟ صحت اسأل امي ...أين كتاب المطالعة ؟....لم اسمع اجابه من امي... لم تعد تساعدنا في البحث عن اغراضنا.... صرخت بصوت أعلي ...أين كتاب المطالعة ؟... جاء صوتها من المطبخ.. ابحث عنه، نظرت الي جدتي .. الم تري كتابي يا جدتي؟... ابتسمت جدتي وقالت : عادتا اين يوضع
الكتاب ؟ قلت : في ...في...في الحقيبة تساءلت جدتي : او ؟
قلت :او علي المكتب .... قالت :هل وضعته هناك؟ .... قلت : لا.... قالت : اذا ابحث عنه في البرميل...صرخت في تزمر.... البرميل ثانيا ؟ ...... اسرعت الي حجرة الخزين .. وهناك وجدته في قاع البرميل اللعين ... حاولت ان امسك به، ولكن قامتي مازالت صغيره علي اجتياز تلك المسافة، بين حافة البرميل وقاعه....خجلت ان اطلب المساعدة.... نظرت حولي لم اجد سوي كرسي قديم مستندا علي الحائط ....اسرعت بإحضاره وتسلقه، وتدليت داخل البرميل ، حتي لامست يدي الكتاب وأمسكت به .... وحاولت الاعتدال لأغادر البرميل ولكني لم أستطيع رفع قامتي مرة أخري..... صحت أنادي أمي .... ولكنها للأسف لم تسمعني، لانني كنت في أعلي المنزل بعيدا عنها .....كررت ندائي وانا متدلي داخل البرميل مرة ومرات ... لكن لا فائدة .... لم يسمعني أحد .. عانيت الكثير حتي خرجت من البرميل...... أف أسلوب متعب (هكذا هتفت وانا أتنفس بصعوبة ) .
بعد أيام قليلة جاء أخي الصغير يبكي، باحثا عن لعبته المفضلة التي كان يلعب بها امس نظرت الي جدتي فوجدتها تبتسم.....فعرفت أين سأجد اللعبة ...قلت لأخي: تعالي معي سنجد لعبتك صعدنا الي حجرة الخزين ، وهناك في قاع البرميل وجدنا اللعبه ....ساعدت اخي علي التقاطها .
بقينا علي هذا الحال اكثر من شهرين .... ويوما بعد يوم اعتدنا علي تجنب التعامل مع البرميل بوضع اغراضنا في مكانها المناسب بدلا من الصعود الي حجرة الخزين والبحث في البرميل... لكي نتجنب المعاناة التي نتكبدها حتي نستعيد اغراضنا... لقد وعينا الدرس الذي ارادت جدتنا ان تعلمنا اياه.... عودنا انفسنا علي نتفيذ نصيحة امي ( شيء من النظام يريح ) ولم يمض وقت طويل حتي اصبحنا نضع كل شيء في مكانه الصحيح .... و كلما اراد احدنا ان يؤجل وضع شئ في مكانه المناسب ... يتخيله ملقي في قاع البرميل....
فيسرع بوضعه في مكانه الصحيح... وهو يردد :(شيء من النظام يريح).
يونيو 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق