العصا والحمار
خير الدين عبيد
الحمار الأبيض مربوط بشجرة جوز، إنّه يأكل البرسيم، وأذناه الطويلتان مرخيّتان، ومقوّستان كمقود درّاجة.
فجأة.. وقع بصره على العصا المرميّة بجواره، فبصق اللقمة من فمه، وقال:
- إلى متى ستلاحقينني أيّتها الأفعى، لقد كرهت حياتي، صرت أراكِ في منامي!؟
تململت العصا وقالت:
- حمار... لا تنفعل، كي لا يذهب صوابك فأنا لست إلاّ أداة يستخدمها صاحبها، دون إرادتها!!
- تمسكني، أيّتها الممثلة، هل نسيت آثار ضربتك على عنقي وجنبي، أليس لديكِ عمل سوى ضربي؟
- افهمني أرجوك، الذنب ليس ذنبي، فكم أحبّ أن تحرقني النار وتحوّلني إلى رماد، بدل أن أضربك!!
- وهل تظنينني ساذجاً إلى هذا الحد، كي أصدّق كلامك، وكيف أفعل ما دام أنّ قلبك قد تيبّس؟
أخذت العصا نفساً عميقاً، فطقطقت، وتشقّق لحاؤها، ثمّ قالت:
- صدّقني أيّها الحمار الصبور، أرجوك، فأنا أعرف كم تقاسي، نعم، لأنني أرى العقور الموزّعة على جسدك، وأسمع صوت الذباب اللحوح، الذي يقرصك.
هدأ الحمارُ، ثمّ حكّ رأسه بحافره، وقال:
- الظاهر أن كلامك صحيح، ولكن، لماذا لا تعصين صاحبك؟.
تأوّهت العصا، وقالت:
- الأجدر بك أن تعصيه أنت، لأنّك قوي وتستطيع أن ترفس.
نظر الحمار بقسوة، إلى صاحبه النائم في ظلّ شجرة زيتون، ثم نتر الرسن بقوّة، فانقطع.
نهق الحمار نهقات فرحة، ثم أمسك العصا بشفتيه برفق، واتّجه إلى حقل بعيد، وهو ينطّ برشاقة وسعادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق