لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

" كيف يَتَكَوَّنُ العربِىُّ الصغيرُ " بقلم: يعقوب الشارونى

" كيف يَتَكَوَّنُ العربِىُّ الصغيرُ " 
 " بمناسبةِ الاحتفال بمرور ستين عامًا على صدور ِ مجلةِ العربىِّ "
يعقوب الشارونى

فى بيتِى ، أحتفظُ بكلِّ أعدادِ مجلةِ العربىِّ ، ومعها كلُّ أعدادِ مجلةِ العربىِّ الصغيرِ منذُ بدايةِ صدورِها ، التى استفادَ ويستفيدُ منها الأبناءُ والأحفادُ ، كما بدأ أحفادُ الأبناءِ يعتبرونَها من أهمِّ المصادرِ الأساسيةِ لثقافتِهم ومعرفتِهم . 
فعندما يجتمعُ هذا العددُ الكبيرُ المُتنوِّعُ من المُبدعينَ : مُؤلِّفينَ ورَسامينَ            ومُصوِّرينَ ، على صفحاتِ مجلةِ العربىِّ والعربىِّ الصغيرِ [ 120 ألفَ نسخةٍ شهريًّا ] ، مع انتشارِ التوزيعِ فى أرجاءِ الوطن العربىِّ ، فإن هذا يُقدِّمُ أقوَى النماذجِ الناجحةِ فى قدرةِ الكلمةِ - ثقافةً ومعرفةً وعلمًا وتربيةً - على التقريبِ بينَ الصغارِ ، وبناءِ جسورِ التفاهمِ والتناغمِ بين ملايينَ من الأبناءِ العربِ ، بنينَ وبناتٍ .
إن تعدادَ الأطفالِ فى العالمِ العربىِّ يبلغُ حَوالَىْ 40 % من سُكانِه ، أى حوالَىْ                  (150) مليونًا تقِلُّ سنُّهم عن 15 سنةً . وبناءُ الإنسانِ العربىِّ يبدأ ببناءِ الطفلِ                   العربى - قِيَمِه وعقلِه وعلمِه - وبغيرِ الإعدادِ الواعِى الشاملِ لثقافةِ أطفالِنا ، وبغيرِ توجيهِ طاقاتِ المُجتمعِ كُـلِّه نحوَ الاهتمامِ بهذه القضيةِ ، لن تتمكَّنَ الأمةُ العربيةُ من أن تُواجهَ بنجاحٍ التحدياتِ الهائلةَ التى يفرضُها واقعُ العالمِ اليومَ ، وهو واقعٌ يتغيَّرُ فى سُرعةٍ ، ويتركُ من الآثارِ أعمقَها وأبقاها .
- إننا نُعِدُّهم ليخدموا أوطانَهم ، سواءٌ فى المجالِ الداخلِىِّ عن طريقِ التطوعِ والخدمةِ العامةِ ، أو فى المجالِ الخارجىِّ عن طريقِ الدفاعِ ضدَّ أىِّ اعتداءٍ ، وذلك بتنميةِ إحساسِهم بالمسئوليةِ الاجتماعيةِ والقوميةِ . 
- إننا نُعِدُّهم لكى يُصبحَ كلٌّ منهم عضوًا عاملاً نافعًا فى جماعةٍ تسعَى إلى تحسينِ أحوالِها ، وذلك فى أمةٍ عربيةٍ متعاونةٍ ، يُسعِدُه ما يُسعِدُها ويُشقيهِ ما يُشقيها .
- نُريدُ من كلِّ طفلٍ وطفلةٍ أن يُصبحَ مواطنًا يؤمنُ بالجُهدِ والعلمِ والتجربةِ والتحصيلِ سبيلاً للتطوُّرِ والتقدُّمِ ، مُتَّخِذًا من القِيَمِ الروحيةِ والإيمانِ بالعلمِ سبيلاً للتقدُّمِ.
- وما نُقدِّمُه لأطفالِنا العربِ ، يجبُ أن يحرصَ على خصائصِ الشخصيةِ العربيةِ الأصيلةِ ، مع سلامـةِ البناءِ فى ضَوْءِ التطوراتِ المُتسارعةِ الجديدةِ ، وذلك من مُنطلقاتٍ رئيسيةٍ تكونُ الأُسَسَ القويَّةَ لمضمونِ ما نُقدِّمُه لهم .
- أولُ هذه الأُسسِ ، تنميةُ وتقويةُ الشعورِ بانتماءِ أطفالِنا إلى وطنٍ عربىٍّ واحدٍ ، فنحنُ الآنَ نعيشُ عصرَ التعاونِ العالمِىِّ ، العصرَ الذى لا حيـاةَ فيــه لِدُوَلٍ مُتباعدةٍ . لقد أصبحَ التفوُّقُ السياسِىُّ والعسكرِىُّ والاقتصادِىُّ والثقافِىُّ مُمكِنًا فقط للكياناتِ الدوليةِ الضخمةِ ، واتحادُ دُوَلِ أوربا نَمُوذجٌ ناجحٍ فى هذا المَجالِ .
لهذا ، كما قالَتْ بحقٍّ توصياتُ الحَلَقَةِ الدراسيةِ التى دارَتْ حولَ " العنايةِ بالثقافةِ القوميةِ للطفلِ العربىِّ " ، التى عقدَتْها جامعةُ الدولِ العربيةِ ، فإنه يجبُ أن تعملَ كلُّ الأجهزةِ الثقافيةِ المُوجَّهةِ للأطفالِ على تنميةِ الشعورِ القومِىِّ للطفلِ العربىِّ ، وتكوينِ ثقافتِهِ التاريخيةِ القوميةِ ، حتى يُحِسَّ بمواطَنتِه العربيـةِ ، وعلى غرسِ روحِ الاعتزازِ بالأمةِ العربيةِ ، وبدورِها التاريخِىِّ المُستمِرِّ فـى الحفاظِ  على القيمِ الإنسانيةِ ، والدفاعِ عنها ، وإسهامِها فى تقدمِ الحضارةِ العالميةِ . وعلى تنميةِ ولاءِ الطفلِ العربىِّ للوطنِ العربىِّ ولثقافتِه ، وتحصينِـه ضِدَّ النزعاتِ القَبَلِيةِ والطائفيةِ والإقليميةِ .
- ثم تنميةِ وتقويةِ إحساسِ أطفالِنا بالمسئوليةِ نحوَ المجتمعاتِ التى يعيشونَ فيها ، فلن تتطوَّرَ مُجتمعاتُنا ولن تتقدَّمَ إلا على أيدى أبنائِها ، الذين يجبُ أن يُصبحَ بناؤُهم الفكرِىُّ والنفسِىُّ قائمًا على الشعورِ بالسعادةِ والفخرِ فى التضحيةِ بالراحةِ والمُتعةِ والكسبِ المادِىِّ فى سبيلِ تقدُّمِ بلادِهم ونُمُوِّها ورفعتِها .
لهذا لابدَّ من تنميةِ شعورِ كلِّ طفلٍ بالمسئوليةِ الاجتماعيةِ عن كلِّ فعلٍ يُقدِمُ عليه            أو يُحجمُ عنه ، ولابدَّ من تأكيدِ حقيقةِ كونِه عضوًا فى مُجتمعٍ مُتكاملٍ ، يُسعِدُهُ ويُشقيه ما يُسعِدُ هذا المُجتمعَ وما يُشقيهِ . لابد أن يكونَ واضحًا فى وجدانِ كلِّ طفلٍ أن المُجتمعَ الذى يُتيحُ  له فُرَص النمُوِّ والصحةِ والتعليمِ والعملِ ، ينتظرُ منه فى المُقابلِ أن يؤمِنَ أن مسئوليتَهُ الأساسيةَ هى فى النهوضِ بهذا المُجتمعِ علميًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وحضاريًّا ، بغيرِ أن يربطَ ظُروفَ أداءِ هذه المسئوليةِ بما يُمكِنُ أن يعــودَ عليــه من كســبٍ أو مُتعةٍ أو راحةٍ .
نُريدُهم أن يشعروا بقيمةِ البطولةِ الجماعيةِ والتعاونِ ، بدلاً من الأنانيةِ وتمجيدِ البطولةِ الفرديةِ . مع تأكيدِ قُدرةِ الإنسانِ على المساهمةِ فى صُنعِ الواقعِ والتاريخِ ، ومن ثــَمَّ خلقِ الثقةِ فى نفوسِ الأطفالِ بقدرتِهم على تحقيقِ الأهدافِ التى يصبو إليها مُجتَمَعُهم عندما يبلغونَ سنَّ النضجِ .
- كـذلك لابـد مـن العمـلِ علـى تنميـةِ طـاقـاتِ الأطفـالِ الخـلاَّقـةِ ، ليصبحـوا قادريـنَ على تطويـرِ مُجتمعاتِهم، ذلك أن القيمــةَ الحقيقيَّة لمن يشعرُ بالمسئوليةِ ، هى قُدرتُه على أن يؤدِّىَ ما تفرضُـه عليــه هذه المسئوليةُ من واجباتٍ بكفايةٍ ونجاحٍ . لقـد أصبحْنا نعيشُ عصرَ العلمِ الذى يقومُ على التجريبِ ، ويُؤدِّى إلى الاستفادةِ من مواردِ الطبيعةِ . عصرَ الصناعةِ والاختراعِ والاستخدامِ الواسعِ للنتائجِ العمليةِ لكلِّ اختراعٍ . عصرَ الفضاءِ الذى يغزو فيه العُلماءُ الكواكبَ الأُخرى ، عصرَ ثورةِ الاتصالاتِ الكونيةِ والكمبيوترِ والإنترنت والأقمارِ الصناعيةِ التى قَرَّبَتْ بين الأفرادِ وألغَتِ المسافاتِ بين الدُّوَلِ .
- لذلك يجبُ العملُ على تنميةِ قُدرةِ الأطفالِ على استخدامِ عقولِهم وأيديهم ، وعلى سُرعةِ وسلامةِ استجابتِهم لما يَرَوْنَهُ وما يشعرونَ به وما يلمسونَهُ . نُريد أن ندفعَ أطفالَنا إلى البحثِ والاستقصاءِ ، وما يتبعُه من نشاطٍ ذهنِىٍّ ، وبذلِ جُهدٍ للتعرُّفِ على العالمِ المُحيطِ بهم . يجبُ أن نحوَّلَ الأطفالَ إلى باحثينَ ، بدل أن نُقدِّمَ لهم المعلوماتِ جاهزةً .
وأن نُوجِّهُهم إلى أن يتعلَّموا كيف يُفكِّرونَ ، وكيف يبحثونَ عن المعلوماتِ ، ويتأمَّلونَها بعينٍ ناقدةٍ ، لكى يتوصلوا إلى نتائجَ جديدةٍ وحلولٍ مبتكرةٍ لما قد يواجهُهم من أزماتٍ أو مُعوِّقاتٍ .
- يجبُ أن نوفِّرَ لهم كـلَّ إمكانياتِ البحـثِ والتجريـبِ ، كلَّ إمكانياتِ الرحلاتِ والزياراتِ العلميةِ والفنيةِ ، وكلَّ إمكانياتِ المعرفةِ والاطلاعِ ، من مكتباتٍ عامَّةٍ ، وكُتبٍ ومجلاتٍ ، ونوادى علومٍ ، ودوائرِ معارفَ ومعاجمَ وأطالسَ ، وبرامجَ علميةٍ ومعرفيةٍ على قنواتِ التليفزيونِ وشبكات المعلومات العالمية ، وأنشطةٍ تَحْفِزُ على التفكيرِ المستقبلىِّ الخلاَّقِ ، حتى يجدوا السبيلَ بأنفسِهم للعثورِ على إجابةٍ لكلِّ سؤالٍ قد يثورُ فى أذهانِهم أو يعترضُ خيالَهم الخلاَّقَ .
- كذلكَ لابدَّ من إعادةِ بناءِ الإنسانِ فى ظلِّ مناخٍ عقلىٍّ وثقافىٍّ يؤمنُ بالعلمِ ويتعاملُ به ، لكى يُصبحَ مُسْـتَقْبـِلاً للعلمِ وصانعًا له أو مُشارِكًا فى صُنعِه ، بحيث يُصبحُ مُنْـتِجًـا للتكنولوجيا لا مُجرَّدَ مُستهلكٍ لها ، وهذا يتطلبُ وجودَ مصادرَ للمعرفةِ العلميةِ ، تُساعد الطفلَ مُنذ سنواتِه الأولى على مُعايشةِ مُنجزاتِ العلمِ والاختراعاتِ والتكنولوجيا ، واحتمالاتِ المُستقبلِ العلميةِ ، وذلك لكى ينمُوَ تفكيرُه العلمِىُّ ومهاراتُه العلميةُ واتجاهاتُه العلميةُ نموًّا يتوافقُ مع إيقاعِ العصرِ .
ولاشك أن مجلةَ العربىِّ الصغيرِ أصبحَتْ من أهمِّ الوسائلِ التى تُقدِّمُ الحقائقَ والمعلوماتِ العلميةَ للأطفالِ ، التى تُنمِّى فيهم أسلوبَ التفكيرِ العلمِىِّ ومهاراتِه ومُختلفَ الاتجاهاتِ العلميةِ .
- كذلك يجبُ أن نعملَ على توسيعِ خيالِ الصغارِ ، فبغيرِ الخيالِ الخلاَّقِ المُتَّسِعِ لن يكونَ هناك تقدُّمٌ ولا تطوُّرٌ .
- كما يجبُ أن نُـساعِدَ الصغارَ على صقلِ تذوُّقِهم للفنونِ ، وعلى إشاعةِ الذوقِ والجمالِ فـى كلِّ ما يُحيـطُ بهـم ، حتـى نُؤهِّلَهـم فى مُستقبـلِ أيامِهـم أن يُصبحـوا قادريـنَ على تمييـزِ الأصيـلِ والثمينِ من الغَثِّ والمُزيَّفِ ...
- كذلك لا يكفى الاعترافُ بوجودِ الموهبةِ بعد أن تكونَ قد تَحقَّقَتْ بالفعلِ وتَجسَّدَتْ فى عملٍ إبداعِىٍّ محسوسٍ ملموسٍ ، وإنما ينبغى أن نعملَ منذُ البدايةِ على الكشفِ عن المواهبِ والقدراتِ الإبداعيةِ الكامنةِ فى كلِّ طفلٍ أو طفلةٍ منذُ الميلادِ ، ثم نعملَ بعدَ ذلكَ على تنميةِ هذه المواهبِ والقدراتِ ، وإتاحةِ الفرصةِ لها للتعبيرِ عن نفسِها .
- كذلك فإنه ، من غيرِ أن نعملَ على تعريفِ أطفالِ كلِّ بلدٍ بحقائقِ الناسِ والحياةِ فى البلادِ الأخرى عن طريقِ أدبِ الأطفالِ ، سيكونُ من الصعبِ أن نبنِىَ جسورَ قبولِ الآخرِ والتَّقَبُّلِ بين شبابِ شعوبِ العالمِ . إن بناءَ جسورِ التعاونِ فى المجالاتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ ، لابد أن يَسْبـِقَهُ التعرفُ على ثقافاتِ الآخرِ وتَقَبُّلِها واحترامِها ، وهذا يقتضى أن نتنبَّهَ إلى أهميِة الدورِ الذى تقومُ به الترجمةُ فى التقاربِ بين أطفالِ شعوبِ العالمِ .
- هذه هى الأسسُ التى يجبُ أن تكون المُحتوى الأساسِىَّ لمضمونِ ما نُقدِّمُه لأطفالِنا العربِ . ومن المؤكدِ أن القِيَمَ الدينيةَ والخلقيةَ ستظلُّ دائمًا أهمَّ العواملِ فى تعميقِ وتأكيدِ هذا المضمونِ . مع ضرورةِ أن يُقدَّم المضمونَ الجيِّدَ بأفضلِ الطُّرقِ الفنيةِ ، مع مُراعاةِ أطوارِ النمُوِّ المُختلفةِ للأطفالِ . فلا يشفعُ لهدفٍ نبيلٍ أو مضمونٍ جيِّدٍ أن يُقدَّمَ بطريقةٍ فجَّةٍ أو مُمِلَّةٍ أو سيِّئةٍ ، أو بغيرِ مُراعاةٍ لمرحلةِ النمُوِّ التى يخاطِبُها .
- إن الاهتمامَ بثقافةِ الطفلِ العربىِّ ، يُمكِنُ أن يكونَ الخطوةَ الكُبرى فى سبيلِ وحدةٍ فكريةٍ وعاطفيةٍ وحضاريةٍ قويَّةٍ لم تشهدْ لها البلادُ العربيةُ مثيلاً مُنذ وحَّدَتِ الحضارةُ الإسلاميةُ بينَها .
- لقد أنشأَتْ أوربا جوائزَ سَخِيَّةً للترجمةِ من لغةٍ أوربيةٍ إلى لغةٍ أوربيةٍ أخرى ، إيمانًا بأن الكلمةَ المكتوبةَ من أقوى وسائلِ التقريبِ بينَ الشعوبِ والقومياتِ .
- كذلك علينا أن نَتبنَّى ثقافةَ المشاركةِ والحوارِ والمناقشةِ والإقناعِ فى تعاملِنا مع الآخرينَ ، وأن نَحُلَّ ما ينشأ من مشاكل وخلافاتٍ عن طريقِ التفاوضِ وليس عن طريقِ العُنفِ . علينا أن نقبلَ المُختلِفينَ عنَّا ، ولا نجعلَ أىَّ نوعٍ من الاختلافاتِ بينَنا وبينَ الآخرينَ سببًا لوضعِ حواجزَ بينَنا وبينَ أىِّ شخصٍ . فمهما اختلفَ عنَّا الآخرونَ لابد أن نتعاملَ معهم جميعًا على قدمِ المساواةِ ، بغيرِ أن تؤثرَ هذه الاختلافاتُ فى تعاملاتِنا معهم ، أو فيما يستحقونَ من حقوقٍ أو يلتزمونَ به من واجباتٍ . وأن نحترمَ رَأْىَ الآخرينَ حتى لو اختلفَ عن رأينا ، وأن نحترمَ رَأْىَ الأغلبيةِ حتى لو اختلفَ عن رأينا ، وأن نُقَدِّرَ رَأْىَ الأقليةِ ، وأن نُرحِّبَ بوجهاتِ النظرِ الأخرى حتى إذا اختلفَتْ عن وجهاتِ نظرِنا.
- وأن نعتمدَ على التفاوضِ وحلِّ الصراعاتِ بالحوارِ ، وأن نبحثَ عن الأرضيةِ  المشتركةِ بينَنا وبينَ الآخريـنَ خاصـةً فـى مجـالِ المُعتقـداتِ الدينيةِ والسياسيةِ والاجتماعيةِ ،  ولا نركِّزَ على مواضعِ الاختلافِ ، وأن نحاولَ حلَّ المشاكلِ بطرقٍ سلميةٍ لا تتركُ خلفَها مشاعرَ عدوانيةً .
- وأن نُساهمَ بقدرِ استطاعتِنا فى العملِ التطوُّعىِّ ، خاصةً عن طريقِ المُشاركةِ فى الخدماتِ التى تُقدِّمُها جمعياتُ وهيئاتُ المُجتمعِ المدنِىِّ .
* إن المجتمعَ الذى تسودُه هذه القِيَمُ والسلوكياتُ ، هو المجتمعُ الذى يستفيدُ بكلِّ طاقاتِ أفرادِه وإمكاناتِهم ، ولا يُبدِّدُها فيما لا يُفيدُ .
- ونعودُ فنؤكدُ أنه لابد أن تحرصَ مجتمعاتُنا العربيةُ على أن تُوفِّرَ للطفلِ الحقَّ فى التعبيرِ عن آرائِه ، وفى هذا تُقرِّرُ الاتفاقيةُ الدوليةُ لحقوقِ الطفلِ الصادرةُ عن الأممِ المتحدةِ سنةَ 1989 ، أنَّ " للطفلِ القادرِ على تكوينِ آرائِه الخاصةِ ، الحقَّ فى التعبيرِ عن تلك الآراءِ بحريةٍ ، وأنه يجبُ احترامُ آراءِ الطفلِ وضرورةُ الاستماعِ إليه ، مع مراعاةِ سنِّهِ ونضجه " .
" ويشملُ هذا الحقُّ حريةَ طلبِ جميعِ أنواعِ المعلوماتِ والأفكارِ واستقبالِها  وإذاعتِها ، سواءٌ بالقولِ أو بالكتابةِ أو بالطباعةِ أو بالفنِّ أو بأيةِ وسيلةٍ أخرى يختارُها الطفلُ" .
- ولتحقيقِ أهدافِ الاتفاقيةِ ، فإن التربيةَ داخلَ الأسرةِ يجبُ أن تبتعدَ عن التسلطِ الذى يمنعُ الطفلَ من التعبيرِ عن نفسِه ، وأن تقومَ على أساسِ الحوارِ والمشاركةِ بينَ الآباءِ والأبناءِ ، والاستماعِ إلى رَأْىِ الطفلِ واحترامِه ، لكى ينمُوَ نموًّا صحيحًا ، ويتعوَّدَ احترامَ آراءِ الآخرينَ وتقديرَها ، وتقبُّلَ اختلافِ الآراءِ ، وهذه هى أسسُ ثقافةِ السلامِ .
- كذلك فإن حقَّ الطفلِ فى التعبيرِ يتطلبُ تغييرَ أساليبِ التعليمِ ، والابتعادَ عن التلقينِ  والحفظِ ، وأن تصبحَ حريةُ التفكيرِ والإقناعِ والمشاركةِ والحوارِ والتعلُّمِ الذاتِىِّ والإبداعِ هى الأساسَ فى العمليةِ التعليميةِ . معنى هذا تربيةُ الأطفالِ على أن يكونوا إيجابيينَ ومُشاركينَ فى أمورِ وطنِهم ومستقبلِ بلدِهم .  
- ونُضيفُ ما أكدَتْه الدورةُ الحاديةُ والعشرونَ لمؤتمرِ وزراءِ الثقافةِ العربِ ، المنعقدةُ فى شهرِ أكتوبرَ الماضى 2018 بحضورِ 18 دولةً عربيةً .
- أكدَ هذا  المؤتمرُ دورَ الثقافةِ فى ترسيخِ الهويةِ العربيةِ ، من خلالِ تعزيزِ وحمايةِ اللغةِ العربيةِ ، وتعزيزِ الانتماءِ والولاءِ إلى الذاتِ العربيةِ ، وتعضيدِ التضامنِ العربىِّ ، وجمعِ روافدِ التعدُّدِ الثقافِىِّ فى إطارِ الوحدةِ الوطنيةِ ، وإبرازِ التراثِ الثقافِىِّ العربىِّ كقاسمٍ مشتركٍ بين الدولِ العربيةِ .
- كما أكدَ التضامنَ فى مواجهةِ التحدياتِ الثقافيةِ من خلالِ دورِ الثقافةِ فى مواجهةِ مشكلاتِ التطرفِ والغلُوِّ والإرهابِ والعنصريةِ ، ودورَ الثقافةِ فى معالجةِ القضايا التربويةِ والتعليميةِ ، وتأثيرَ الإعلامِ المرئِىِّ والمسموعِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعِىِّ فى المحتوى الثقافِىِّ العربىِّ .
- كمـا أوصَـى المـؤتمـرُ بتعـزيـزِ الحـوارِ والتـواصـلِ مع العـالـمِ ، مـن خـلالِ استثمـارِ الفنـونِ العربيـةِ( السينما ، التشكيلِ ، الموسيقى وغيرِها ) ، وهو ما يعملُ على تعزيزِ الحضورِ الثقافِىِّ العربـىِّ فى المحافلِ الثقافيةِ العالميةِ ، ومن أجلِ مشاريعَ ثقافيةٍ مشتركةٍ بين الدولِ العربيةِ والعالمِ .
- كما طالب المؤتمرُ بأن يتزايدَ الإنتاجُ الثقافِىُّ العربىُّ المتكاملُ ، من أجلِ صناعةِ المحتوى الرقمِىِّ الثقافِىِّ العربىِّ ، وتجاوزِ الفجوةِ الرقميةِ فى الدولِ العربيةِ . وتفعيلِ مشروعِ السوقِ الثقافِىِّ العربىِّ .
- وفقنا الله إلى النجاح فى بناء أجيالنا الجديدة ، حتى تصلَ بأوطاننا العربية إلى المكانة التى تَستَحِقُّها بجدارة .

ليست هناك تعليقات: