لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 29 فبراير 2012

"أغنية الحقول"قصة للأطفال بقلم: جمال علوش

أغنية الحقول
جمال علوش
فجأة ، ودون سبب واضح ، قرر النهر الذي يمر بقريتنا أن يحبس ماءه، ويمتنع عن سقاية الحقول.
قال النهر بعجرفة:
- ما لي وللحقول؟! .. منذ زمن وأنا أمنحها الماء كي تعيش .. ولكن هل قابلت كرمي بكرم مماثل؟.. هل منحتني شيئاً؟.
لا .. لن أمنحها الماء ابداً .. أبداً .
وتابع النهر سيره وهو يغني بتكبر واستعلاء.
ومرت الأيام ، وشعرت الحقول التي انقطع عنها الماء بالعطش ، ولوت أشجارها الصغيرة أعناقها ، وراحت تنتحب بصمت.
قال حقل صغير للنهر :
- أنا عطش أيها النهر.. هلا منحتني قليلاً من الماء؟
قال النهر :
- لا .. الماء ملكي ، ولن أبدده عليك وعلى أصحابك .
قال الحقل باستغراب :
- ومن قال أنك تبدد ماءك؟! أنت تمنحنا الحياة التي نمنحها نحن ايضاً للناس بما نقدمه لهم من ثمار وخيرات . قال النهر:
- تمنحون خيراتكم للناس!.. وأنا .. أنا ألا أستحق شيئاً من هذه الخيرات؟!
- تستحق !.. ماذا تقول ؟!.. هل تريد ان تأكل تفاحاً .. أم ماذا ؟!
قال النهر بغضب:
- انظر ! .. ها أنت تسخر مني !!
- ولكن كلامك غريب .. غريب جداً !
- وما وجه الغرابة فيه؟
قال الحقل :
- الحياة يا صاحبي أخذ وعطاء.. ومن الحكمة أن تعطي بقدر ما تأخذ.. هذه سنة الحياة .
قال النهر باستخفاف :
- وماذا أخذت حتى أعطي لغيري؟
قال الحقل :
- الا تمنحك الثلوج ماءها عندما تذوب في نيسان من كل عام .. ألا تمدُّك الأمطار دائماً بالمياه العذبة في فصل الشتاء..
أليس هذا عطاء؟
قال النهر :
- هراء .. أنا قوّي وغزير بدون مياه الثلوج والأمطار.
كانت الشمس تبتسم ، وهي تنصت لما يدون من حوار بين الحقل والنهر ، فتدخلت قائلة :
- تعقّل أيها النهر.. وإلا هلكت الحقول ،رفع النهر رأسه إلى الشمس ، وقال :
- وما دخلك أنت؟
قالت الشمس :
- ستموت الحقول .
قال النهر :
- ما لي وللحقول ؟! .. ثم ألا أكون عاقلاً إلا إذا بدّدت مائي؟!
قالت الشمس :
- ولكن ماءك سيتبدد في النهاية ويذهب إلى حيث لا يُستفاد منه ، قال النهر :
- ماذا تعنين ؟
قالت الشمس :
- ألنْ تصبَّ في البحر؟
- بلى .
- إذن سيذهب ماؤك هباء، وستموت الحقول ، فكَّر النهر لحظات ، ثم هزَّ رأسه ، وقال بتعنت:
- أن أصبَّ في البحر خير لي من أن أمنحَ مائي لهذه الحقول الكسولة البخيلة.
قالت الشمس :
- لا فائدة من الجدل معك.. أنت نهر غبيّ ومتكبر..
سآخذ منك الماء بالقوة لأمنحه لهذه الحقول المسكينة قبل أن تموت.
قال النهر بتحد :
- تسبينني .. وتهينينني !! . هه.. ماذا يمكنك أن تفعلي؟
قالت الشمس :
- سترى .
وسرعان ما ضاعفت الشمس من حرارة أشعتها ، وسلطتها على مياه النهر، فبدأ البخار يتصاعد ويتجمع في السماء غيوماً بيضاء ناصعة ، ثم ما لبثت أن تحولت إلى مطر راح يهطل بغزارة فوق الحقول العطشى.
رفعت الحقول عيونها على الأعلى ، فرأت الشمس تبتسم قبل أن تتوارى خلف تلال الغيوم ..
 فاهتزت أشجارها الصغيرة ، وراحت تغني للشمس والمطر والحياة.


ليست هناك تعليقات: