الحروف الغاضبة
كفاح إبراهيم
حسام ولد في الصف الخامس الاساسي، لا يحب المدرسة، ولا يحب عمل الواجبات المدرسية، وعندما يقوم بكتابة دروسه يكتبها بخطٍ سيء، ويكتب الحروف بطريقة خاطئة، وها هو كعادته ترك دفتره مهملاً فوق الطاولة بعد أن كتب درسه بصعوبة، وانطلق مسرعاً لمشاهدة التلفاز..
إن من يقترب من دفتر حسام قليلاً؛ يستطيع أن يسمع الحروف وهي تئن بالشكوى والألم، لأن حسام قد كتبها بشكل غير مرتب، فها هو حرف اللام ملتوياً، والتاء المفتوحة مربوطة، والمربوطة فقدت نقطها، أما حرف الشين فمصيبته مصيبة لأن حسام قد كتب له نقطتين بدلاً من ثلاث نقاط، وهو يختبئ ويتمنى أن لا يراه أحدٌ من الحروف، هذا غير حرف الدال الذي أصبح بنقطة ثقيلة فوق رأسه، وحرف الذال الذي فقد نقطته، وحرف السين أصبح بأربعة أسنان بدلاً من ثلاثة، هذا بالإضافة إلى الحروف التي تتألم عندما يخطها حسام، وهو يضغط على القلم بشدة، حتى يظهر أثر الحروف بارزة في الصفحات التالية .
ولأن حروف لغتنا جميلة، وتحب أن تظهر بشكل مرتب، وأن تخطها يدٌ ماهرة، فقد قررت أن تلقن حسام درساً، حتى يعطي بعض الوقت والأهمية لواجباته المدرسية.
في الصباح أخذ حسام دفتره الملقى على الطاولة، ووضعه في حقيبته بشكل فوضوي، ثم انطلق إلى المدرسة، وفي حصة اللغة العربية أخرج دفتره ،وفتح على الواجب الذي طلبه منه المعلم، ويا لهول ما رأى!! لقد كانت الحروف مبعثرة هنا وهناك، كأنها كلمات متقاطعة شكلها مكسر ومفكك، وعندما رأى المعلم دفتر حسام بهذا الشكل قام بمعاقبته، لأنه ظن أنه يسخر منه بهذا العمل، حاول حسام أن يشرح للمعلم، لكن المعلم لم يقتنع بما قال، وطلب منه أن يقوم بنسخ درسه ثلاث مرات عقاباً له.
عندما عاد حسام إلى البيت متذمراً من المدرسة والمعلم، قام بنسخ درسه ثلاث مرات بشكل منفر، وكانت الحروف متعبة مثقلة من حسام وأفعاله، لقد كان خطه سيئاً جداً، وحروفه متكسرة، ومعظمها مكتوب بطريقة خاطئة، لذلك قررت الحروف أن تنتقم من حسام أيضاً هذه المرة.
في اليوم التالي فتح حسام دفتره، ويا لهول ما رأى.. لقد كانت الكلمات المكتوبة على الدفتر غير مفهومة المعاني، فجملة كتب خالد أصبحت (كبت حالذ)، وجملة السيارة الحمراء أصبحت (الشنازة الخمزاء) وهكذا.. ومرة أخرى لم يصدق المعلم حجج حسام الواهية التي اخترعها، فعاقبه وطلب منه أن ينسخ الدرس ثلاث مرات بالإضافة لدرس جديد.
شعر حسام بالحزن والغضب، وظن أن هناك من يتآمر عليه، وتسائل لماذا يحدث هذا معه.. المهم أنه كان يفكر كيف سينجز كل هذه الواجبات المتراكمة عليه، ولن يساعده أحد عليها.
كما أن المعلم سيعرف إذا قام أحدهم بالكتابة بدلاً عنه، فما كان منه إلاَّ أن سهر الليل كله، يكتب الحروف المكسرة، وذات الشكل المنفر والمزعج.
كانت الحروف هذه المرة منزعجة بشكل كبير، حتى أنها لم تعد تستطيع تمييز بعضها، حتى الحروف التي لا نقاط لها أصبحت بنقطتين أو ثلاث، وتم وصل الحروف التي لا توصل، وضاعت النقاط الخاصة بالحروف ذات النقاط، وأصبح كل سطر من السطور كأنه كلمة واحدة طويلة، وبعد أن انتهى حسام من واجبه، قام بوضع دفتره في حقيبته المدرسية، وفي الصباح انطلق إلى المدرسة، وعندما فتح دفتره في حصة اللغة العربية أمام المعلم، وجد أن الحروف قد شكَّلت فيما بينها جملة:
- عليك أن تكتبنا بشكل صحيح ومرتب، وإلاَّ فإنك لن ترانا بعد اليوم..
ابتسم المعلم لهذه العبارة وسُرَّ بها، وسط دهشة حسام واستغرابه، ثم توجه المعلم إلى السبورة، وقام برسم الحروف بخطه الجميل، ووضَّح للطلاب كيفية كتابة كل حرف، وقال لهم:
- تعلموا أن تكتبوا الحروف بالطريقة الصحيحة، وإلا فإنها ستهرب منكم كما تفعل مع حسام.
فهم حسام سبب ما حصل معه، وعرف سبب اضطراب الحروف وانزعاجها، إنها تريد أن تظهر واضحة وجميلة -وهذا حقها- وأن يحفظ كل حرف شكله الخاص المميز له.
لذلك قرر حسام أن يتمرن على الكتابة بشكل يومي، وأن يتعلم الطريقة الصحيحة لرسم الحروف، ومن أجل ذلك فقد اشترى كرَّاسة من المكتبة فيها طريقة رسم كل حرف، وكيف يكون شكله في بداية الكلمة أو وسطها أو نهايتها.
لم يمضِ العام الدراسي إلى وقد تعلم حسام فن كتابة الحروف، وها هو يُعلم اخوته كيف يكتبون الحروف بشكل جيد وصحيح، وبالطبع لقد أصبح خط حسام أجمل خط في المدرسة.
هناك تعليق واحد:
قصة رائعة ومشوِّق. بارك الله بك.
منى أبو الحلق
إرسال تعليق