العُصْفُورُ والشَّجَرَةُ
لبنى صفدي عباسي
عَلَى إِحْدَى التِّلالِ الْبَعِيدَة، نَبَتَتْ شَجَرَةٌ وَحِيدَة، اِمتَدَّتْ جُذُورُهَا عَميقًا فِي التُّرَاب، وَشَمَخَتْ عَالِيًا نَحْوَ السَّحَاب.
تَمَتَّعَ بِظِلِّها الزُّوَّار، وَعَانَقَتْ أَغْصَانَهَا الأَطْيَار...
لكِنِّها كَانَتْ تَتَسَاءَلُ وَتَحْتَار، وتُفَكِّرُ فِي أَمْرِهَا لَيْلَ نَهَار:
- لِمَاذَا أَقْضِي عُمْرِي فِي هَذا الْمَكَان؟
أُرِيدُ الانْطِلاقَ كَالطَّيْرِ وَالإِنْسَان!
ذَاتَ يَوْمٍ، وَبَيْنَمَا كَانَتِ الشَّجَرَةُ مُسْتَغْرِقَةً فِي التَّفْكِير، حَطَّ عَلَى غُصْنِهَا عُصْفُورٌ صَغِير. قَالَ الْعُصْفُورُ:
- مَا بَالُكِ أَيَّتُهَا الشَّجَرَة؟ أَرَاكِ مَهْمُومَةً وَمُتَحَيِّرَة!
تَنَهَّدَتِ الشَّجَرَةُ، وَقَالَتْ:
- حَيَاتِي تَخْلُو مِنَ التَّغْيِير، وَأَشْعُرُ بِقَلَقٍ كَبِير، أَرْغَبُ فِي التَّنَقُّلِ وَالسَّفَر، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْوِحْدَةِ وَالضَّجَر!
صَمَتَتِ الشَّجَرَةُ قَلِيلاً، ثُمَّ قَالَتْ:
-وَأَنْتَ أَيُّهَا الْعُصْفُور، لِمَاذَا أَراكَ مُتَأَلِّمًا وَغَيْرَ مَسْرُور؟
أَجَابَ الْعُصْفُور:
- لا أَعْتَقِدُ بِأَنَّنِي أَحْسَنُ مِنْكِ حَالاً، وَلاَ أَهْدَأُ مِنْكِ بَالاً!
قَالت الشَّجَرَةُ:
- وَلكِنَّكَ عَلَى الأَقَلِّ تَتَمَتَّعُ بِنِعْمَةِ الطَّيَرَان، وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ مَكَان!
نَزَلَ الْعُصْفُورُ إِلَى جِذْعِ الشَّجَرَةِ، وَقَالَ:
-لَمْ أَعُدْ قَوِيّا كَالأَمْسِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُ عَجْزِي.
اِبْتَعَدَ الْعُصْفُورُ عَنِ الشَّجَرَةِ، وَأَخَذَ يُفَكِّرُ...
وَبَعْدَ لَحَظَاتٍ، رَفْرَفَ بِجَنَاحَيْهِ وَحَلَّقَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ سَأَلَهَا:
- هَلْ تَسْمَحِينَ لِي بِأَنْ آخُذَ مِنْكِ بِضْعَةَ بُذُور؟
أَجَابَتِ الشَّجَرَةُ:
- بِكُلِّ سُرُور.
تَنَاوَلَ الْعُصْفُورُ بِذْرَةً بِمِنْقَارِهِ، وَطَارَ بِهَا إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَ التَّلَّةِ، وَأَلْقَى بِهَا فِي الأَرْضِ.
ثُمَّ رَجَعَ وَالْتَقَطَ بِذْرَةً أُخْرَى، وَحَمَلَهَا إِلَى الْبُحَيْرَةِ،
وَأَلْقَى بِهَا قَرِيبًا مِنْ إِحْدَى ضِفَافِهَا.
عَادَ الْعُصْفُورُ لِيَجْمَعَ بُذُورًا أُخْرَى مِنَ الشَّجَرَةِ، وَيَنْثُرَهَا فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ...
مَرَّتِ الأَيَّامُ، وَشَقَّتِ الْبُذُورُ طَرِيقَهَا مِنْ تَحْتِ التُّرَابِ، وَنَمَتْ شُجَيْرَاتِ صَغِيرَةً، وَأَخَذَتْ تَكْبُرُ وَتَكْبُرُ حَتَّى أَصْبَحَتْ شَجَرَاتٍ كَبِيرَةً.
كَانَ الْعُصْفُورُ يَزُورُ الشَّجَرَاتِ جَمِيعَهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَيَعُودُ لِيُخْبِرَ الشَّجَرَةَ عَنْ فُرُوعِهَا الَّتِي انْتَشَرَتْ فِي التِّلالِ وَالْجِبَالِ وَالْوِدْيَانِ...
مُنْذُ ذلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَشْعُرِ الْعُصْفُورُ بِالتَّعَبِ أَوْ الْعَجْزِ، وَلَمْ تَعُدِ الشَّجَرَةُ وَحِيدَةً لأَنَّهَا وَجَدَتْ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَكَان...
هناك 5 تعليقات:
قصة جميلة جدا
واو روعه
نص مقود و قحبة
طويلة جدا جدا جدا جدا
ممكن الدار الالفتها و ثمنها وكود بار
إرسال تعليق