ملك الجزر قصير النظر
سماح أبو بكر عزت
«صديقى الوحيد هو الجزر، أحبه لأنه سبب قوتى، لكن بسببه فقدت قوتى واهتزت صورتى وصار اسمى.. سارق الجزر قصير النظر»
أملك جوهرتين ليس لهما مثيل، بهما أقترب من أجمل وأبعد نجمة تنير السماء فى ليالى الشتاء، أطارد أصغر فراشة تتلون بكل ألوان الطيف، وتطير فى الفضاء.
أنا أقوى أرنب فى الغابة منذ صغرى، أحب الجزر الذى منحنى التفرد فصرت ملكاً على كل الأرانب وأصبح اسمى.. ملك الجزر حاد البصر.
ولكنى للأسف برغم بصرى الحاد هزمنى طائر صغير ضعيف البصر، رأى ما لم أستطع رؤيته، لأكتشف أننى طوال حياتى لم أرَ ولم أفكر إلا فى نفسى فقط، لم أنظر يوماً أبعد من صورتى التى كنت أعشق رؤيتها تتلألأ على صفحة مياه البحيرة الصغيرة. صديقى الوحيد هو الجزر أحبه لأنه سبب قوتى، لكن بسببه فقدت قوتى واهتزت صورتى وصار اسمى.. سارق الجزر قصير النظر!
بدأت حكايتى يوم أن قرر الأسد الملك أن يقسم الأرض التى تقع بجانب البحيرة بالتساوى على كل الطيور والحيوانات ليتغلب على مشكلة نقص الغذاء، وقال: «ليزرع كل منكم ما يحبه من الثمار فى أرضه، وبقدر ما يعتنى بأرضه ويعطيها من الجهد ستعطيه الأرض الخير الذى يكفيه ويزيد»
وقال الوزير النمر: «وليضع كل منكم فى البداية لافتة باسمه على حقله حتى يميزه عن غيره من الحقول، وبمرور الوقت سيميز كل حقل صاحبه وسيظهر جهد من اجتهد وزرع وحصد أجمل الثمار».
تحمست جميع الحيوانات وبدأت العمل بنشاط، كنت أراهم يمسكون بالفأس يقلبون الأرض، وينقونها من الحشائش والحشرات الضارة.
وبدلاً من أن أقلب أرضى مثلهم انشغلت بأن أبحث وأقلب فى صورى لأختار منها أجمل صورة أضعها على اللافتة فى أرضى، اهتم جيرانى باختيار البذور الجيدة الصالحة للزراعة، وكان اهتمامى باختيار الألوان التى سأكتب بها اسمى على اللافتة.
ومرت الأيام، وكسا اللون الأخضر كل الأراضى، كنت أمر على الحقول الخضراء، فأجد الفيل يسقى الأرض بخرطومه يتحرك بنشاط ويساعده القرد، وبالمثل كان الفيل يساعد القرد فى رى حقله الذى زرعه بالفول السودانى.
انتهيت من رسم وتلوين لافتة حقلى، كانت أجمل لافتة فى كل الحقول، أنظفها كل يوم وأقف بجانبها حتى لا يقترب منها أى طائر أو حيوان يشوه جمالها، واكتشفت أننى نسيت أن أزرع حقلى بالجزر، ماذا سأفعل؟ لا بد أن أجد حلاً، وفى يوم كنت أسير بجانب أحد الحقول فجذبتنى رائحة الجزر الشهية فى حقل تسكنه أجمل الألوان، ولكن للأسف كانت لافتته صغيرة كتب عليها بخط ردىء: «حقل الأصدقاء الخمسة»..
وفجأة رأيتهم حولى، ديكا صغيرا وعصفورا وضفدعة وبومة ومن داخل شجرة صغيرة خرج نقّار الخشب، كانوا سعداء يعملون بنشاط.
قال الديك: «أهلا بك يا ملك الجزر، ما رأيك فى حقلنا الصغير؟»
سألته فى دهشة: «لماذا زرعت الجزر؟»
قال الديك: «لا أملك بصراً حادا مثلك يا ملك الجزر، لكنى ملكت البصيرة التى جعلتنى أتعاون مع أصدقائى ونعمل معا بحب وصبر وإخلاص، فأثمر حقلنا بالخير الوفير، الذى سيكفينا، والفائض نبيعه ونشترى أجود البذور لنزرعها من جديد»
قلت له ساخراً: «وملكت حماقة ستفقدك كل ما زرعته، الطيور التى سمحت لها أن تشاركك حقلك ستأكل المحصول»
قال الديك بثقة: «لا أحد يستطيع أن يقوم بكل شىء وحده، لكل واحد منا عمل يؤديه؛ نقار الخشب يأكل الديدان التى تؤذى الشجرة، والعصفور ينقل البذور»
قالت الضفدعة: «وأنا ألتهم الحشرات الضارة التى تأكل أوراق النبات»
وقال الديك: «ولا أنسى صديقتى البومة الساهرة بالليل تحمى الحقل من الفئران التى تأكل المحصول».
غادرت حقل الأصدقاء الخمسة وقد قررت أن يكون هذا الحقل ملكى أنا وحدى، ذهبت لحقلى وبسرعة انتزعت لافتتى، وعندما حل الظلام جريت حتى وصلت إلى حقل الأصدقاء الخمسة وخلعت لافتته لأضع مكانها لافتة ملك الجزر حاد البصر.
أصر الأصدقاء على ملكيتهم للحقل، وبكل ثقة أصررت أنا على ملكيتى له وها هى لافتتى دليل على صدقى.
قرر الأسد الملك أن يعقد محاكمة فى الحقل المتنازع عليه؛ وقف الديك وحوله أصدقاؤه، ووقفت أنا فى منتهى الثقة، سألنى الملك: «بماذا زرعت حقلك يا ملك الجزر؟»
قلت دون تردد: «بالجزر»
قال: «الجزر فقط؟»
قلت: «طبعا فهو مصدر قوتى»
وعندما سأل الديك قال: «قسمت حقلى أربعة أجزاء، وزرعت الجزر والذرة والبطاطا والفول السودانى، وها هى أوراق البطاطا الخضراء وأعواد الذرة»
ضحك الأسد ساخراً وقال: «هذا ليس حقلك يا أرنب»
قلت: «كيف؟! ها هى لافتتى»
رد الأسد بعتاب: «أنت يا أرنب لم تهتم سوى باللافتة، لم تنظر إلا للمظاهر فقط، أهملت حقلك وأردت أن تسرق مجهود الديك وأصدقائه، صحيح أنك حاد البصر لكنك للأسف قصير النظر، لم تتأمل الحقول من حولك وتعرف أنواع المحاصيل التى زرعها جيرانك، لذلك لم تميز أوراق البطاطا والفول السودانى وبالطبع لم تعرف أن ثمارها تنمو تحت الأرض، لم ترَ فى الحقل سوى الجزر الذى تحبه وبسببه كذبت وسرقت وأصبحت.. سارق الجزر قصير النظر».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق