بين الأرض و السماء
سماح أبو بكر عزت
أنا الحائر بين
الأرض و السماء .. لا اعرف لي وطناً و لا أشعر بأي انتماء ...
هل أنا طائر أم حيوان ؟ سؤال حاول اجدادى البحث عن إجابته من قديم الزمان
.. الكثير منكم يعرفني أسماً فقط ، لم يرانى و لن يرانى حتى لو ذهب لحديقة الحيوان
.
لا اظهر إلا فى الليل ... هكذا كان الحكم الذى أصدرته محكمة الطير و
الحيوان ...
أنا الخفاش .. كنت أعيش في الغابة وسط الطيور و الحيوانات أراهم برغم اختلافهم
أصدقاء ، فالغراب كان صديقاً للحمار يتقاسمان الطعام و الإحساس بالظلم والهوان
تجمعهما الطيبة و سخرية البشر منهما من قديم الزمان ..
بالرغم من إن الغراب من أطيب الطيور و الحمار ليس غبياً كما يصفه الإنسان ،
كنت أراه في الحقول يسير وحده يعرف طريقه دون مساعدة ، يتحمل العمل الشاق صيفاً
وشتاء .
أما الكلب فكان صديقاً للكروان ، يجمعهما الليل فيغرد الكروان ليؤنس وحده
الكلب الحارس الأمين السهران ..
وسط كل هؤلاء كنت اشعر اننى وحيد ، أتأملهم في حزن و ابتعد .. لا اعرف لأي
فريق منهم انتمى ..
تزداد دهشتي عندما أرى العصفور الصغير صديقاً للفيل .. يمرح و يلعب و ينزلق
على زلومته مثلما يشاهد الأطفال في
الحدائق يلعبون ، و كم استمتعت بعزف طائر الكناري و رقص الحصان بخفة ورشاقة على أنغامه
...
كان الكل يعيش في ألفة و يشعر بالأمان ..
و في يوم من الأيام قامت الحرب بين الطيور و الحيوانات ، اختلف النسر ملك
الطيور مع الأسد ملك الحيوانات كل منهما يريد أن يكون ملك الغابة و اختلط الصفير بالزئير ...
بدأت المعركة و من بعيد وقفت وراء جذع شجرة كبيرة ، كانت الطيور تنقض على
الحيوانات و الحيوانات تهاجمها بكل قوة و شراسة .. انتهت المعركة بهزيمة الطيور أمام
الحيوانات .
بهدوء تسللت من وراء الشجرة و هنأت الأسد بالنصر، رأتني الحيوانات فقالت في
غضب: أنت من الأعداء ألست طائرا و لك جناحان ؟
قلت بثقة: لا أنا واحد منكم انظروا إلى اسنانى .. هل رأيتم من قبل طائراً
له أسنان ؟
أخيرا عرفت مكاني ، عشت مع الحيوانات على الأرض لكن في نفس الوقت كانت عينى
على السماء ..
ومرت الأيام و من جديد اختلف الملوك ، ملك الحيوانات و الطيور، و اختلط
الزئير بالصفير و دارت الحرب بين الفريقين .
كعادتي وقفت وراء جذع الشجرة الكبيرة ارقب الفريقين ، كانت الطيور هذه
المرة أكثر استعدادا للقتال فقاومت الحيوانات بكل ضراوة و شجاعة ، و انتصرت الطيور
على الحيوانات .
بسرعة تسللت و اقتربت من النسر ملك الطيور و ما إن رأتني بقية الطيور حتى
تعالت صيحاتها و قالت: ابتعد من هنا ، أنت عدونا لست معنا ، تعيش على الأرض مع
الحيوانات.
قلت في ثقة: وهل هناك حيوان له جناحان ، أنا منكم و معكم طائر مثلكم ..
و مرت الأيام و أنا أعيش مع الطيور في السماء لا اشعر بسعادة ولا تجمعني
بهم صداقة.
تكررت الحروب و فقد الفريقان كثير من الطير والحيوان ..
و في يوم قرر الجمل اكبر الحيوانات سناً ، أن يجتمع بالفريقين ليوقعا معا
معاهدة سلام ، فرحت الطيور و الحيوانات و اختلط الصهيل بالهديل ، و النعيق بالنهيق
، و التغريد بالنباح ، والصفير بالزئير تعبيرا عن السعادة بالسلام ..
و فجأة توقفت الأصوات و تنبه الجميع لوجودي بينهم .. قال الجمل: لماذا جئت
يا خفاش ؟ لا نعرف هل أنت من الطير أو الحيوان ، أنت منافق ليس لك أمان ، لذلك
ستظل وحيداً تعيش في الظلام .
و قد كان .. أردت أن أكون الفائز دائماً فكنت الخاسر الوحيد ..
الحائر بين الجناحين والأسنان في عالم الطير والحيوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق