نجمة البستان
سماح أبوبكر عزت
اليوم فقط عرفت اسمى و رأيت ملامحى ، إنطفأ من عينى البريق وما كنت اظنه غناء لم يكن سوى نقيق .
فى هذا البستان تفتحت عيناى على الحياة و الجمال ، و سط الزهور و النباتات بألوانها الرائعة ، الأشجار العالية بأغصانها التى تحمل احلى الثمار ، تحلق الطيور فوقى تغرد اعذب الألحان ، فرح الكل بوجودى ، و تسابقوا فى اختيار اسم يليق بى ، بهرتهم عيناى الواسعتين تتحركان فى كل اتجاه وارى بهما كل الأشياء على الأرض و فى السماء ، يشع منهما ضوء و بريق ينير حتى للحشرات الطريق ، قالت النخلة ، اقدم سكان البستان: سيكون اسمك هو نجمة البستان .
و مرت الأيام ، تساقطت اوراق الأشجار و ذبلت الأزهار ، جاء خريف بعده شتاء عاصف ثم اشرقت شمس الربيع وعاد للأزهار جمالها و تألقها ، و كبرت وتعلمت كثير من الأشياء كان اهمها كيف احمى كل الأزهار من الحشرات و الديدان التى استطيع رؤيتها مهما اشتد الظلام ، بسرعة التهمها قبل ان تلتهم اوراق النبات و الأشجار .
كل الزهور احبتنى ، الفل الأبيض و الورد البلدى الأحمر و القرنفل حتى زهرة النرجس تنازلت عن انانيتها و اعترفت بأهميتى ، كنا نعيش معا فى حب وسلام تحمينى اوراق النبات من العواصف و قطرات المطر فى الشتاء ، اغنى مع الطيور فى الربيع و نسهر مع ضوء القمر الفضى فى ليالى الصيف .
فى احد الأيام رأيت شيئاً مستديراً يقع فجأة فى البستان ، تدحرج بسرعة ثم توقف وراء شجرة الصبار المليئة بالأشواك ، اقتربت اكثر ، سمعت صوت يقول: اين الكرة يا باسم ؟ انا متأكد انها هنا فى البستان.
من وراء الشجرة شاهدت الولدين كان احدهما غاضباً و قال لصاحبه: لقد اضعت الكرة يا كريم سيعاقبنى ابى الآن .
إمسكت هذا الشئ المستدير الذى عرفت اسمه الان ( الكرة) امسكتها بحذر و قذفتها من وراء الشجرة فتدحرجت ، و قلت: لا تغضب يا باسم.
كنت اجيد تقليد اصوات الطيور فاعتقد اننى احد الطيور وقال: هيا يا كريم لنكمل اللعب.
حكيت لأصدقائى الزهور و الطيور عن الكرة ، قال العصفور: انتى رائعة يا نجمة دائما تساعدى الآخرين.
و قالت الشجرة: لولاك يا نجمة لتمزقت الكرة من اشواك الصبار انتى بحق نجمة البستان ، تشعين بالحب و الحنان.
مر يوم و اثنان و فجأة وقع شئ على رأسى ، كانت نفس الكرة و نفس الولدان كريم وباسم.
فى هذة المرة اندفعا يبحثان عنها فى البستان ، كان باسم غاضباً يتحدث بصوت عال : اين الكرة اضعتها مرة اخرى يا كريم.
رد كريم فى غضب: بل انت الذى دفعتها بقوة فطارت و تعلقت بالشجرة.
امسكت بالكرة و قفزت امامهما و انا اضحك قائلة : ها هى الكرة يا اصدقائى.
رجع باسم للخلف فى خوف و قال : لا اريد الكرة انا اخاف منك ، ابعدى عنى يا ضفدعة يا قبيحة.
و قال كريم : هيا نخرج بسرعة يا باسم لن نأخذ الكرة بعد ان امسكتها الضفدعة الدميمة ...
سقطت الكرة من يدى و قلت : انا نجمة البستان ، من اين جئتم بهذا الكلام ؟
قال باسم فى خوف : نجمة ماهذا الكلام، النجوم مكانها فى السماء و انتى تعيشين فى الأرض و الطين.
و قال كريم ساخراً : نجمة ! النجوم جميلة وانتى قبيحة.
قلت له: انا التى قدمت لك الكرة من قبل ، و اليوم وقعت على رأسى لكنى لم اغضب منكما و جئت لأعطيها لكما.
قال باسم : حتى صوتك قبيح.
ضحك كريم و قال : صوتك اسمه نقيق .
تساقطت دموعى فبللت اوراق الأشجار و ذبلت الأزهار ، هل انا فعلاً ضفدعة قبيحة دميمة كما قال باسم الذى لم يبتسم ابداً و دائما كان عابساً و غاضبا ؟
قالت زهرة الفل: انتى نجمة لايهم ملامحك ولا حتى صورتك ، قلبك اجمل و ارق القلوب.
وقال الهدهد: الملامح تتغير و تذبل مثل اوراق الزهور لكن المشاعر الجميلة تبقى مع الزمن و تزداد جمالاً.
صنعت كل الزهور تاجاً لى من اوراقها النضرة ، وو ضعه العصفور على رأسى.
كنت ارى ملامحى فى عيون اصدقائى فأشعر بالسعادة ، لكنى لم انس يوما تلك الكلمات ... ضفدعة ، قبيحة ، دميمة ، لم انس ان البشر تهمهم الملامح لا الصفات ، لذلك قررت ان اظهر فقط فى الليل حتى لا اراهم و
مازلت اعيش على الذكريات ، ذكريات نجمة البستان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق