أجنحة الأحلام
سماح أبو بكر عزت
مدينة بلا أحلام، تعيش فى ظلام، لا تشعر بالجمال مهما أشرقت فى سمائها الشمس وغمرتها بالنور الباهر، وسطع فوقها القمر وانتشر ضوؤه الفضى الساحر..
مدينة هجرتها كل الطيور بعد أن جفت أرضها، وذبلت أزهارها..
يعيش أهلها فى شجار بعد أن هرب الحب من قلوبهم فصارت قاسية كالصحراء.
ولأنى دائما رمز السلام والوئام، قررت أن أهجر عشى ومدينتى الجميلة الآمنة وأذهب للمدينة الحزينة التى لا تعرف الأحلام.
ودعت أصدقائى الهدهد وعصفور الكنارى والكروان، قال الهدهد: كيف سنعيش من دونك يا حمامة، أنت أقرب صديقة لى؟
غرد الكنارى لحناً حزيناً وقال: أنغامى تشعر بالحزن لفراقها هديلك يا حمامة، كنا نغنى معاً فيكتمل اللحن، نقسم أنغامه بيننا «تغريد وهديل».
وقال الكروان: قلبك بلون ريشك الأبيض الجميل يا حمامة، يحمل الخير والحب للجميع.
قلت لهم جميعاً بابتسامة: أحبكم أصدقائى، سأفتقدكم لكنى سأعود بعد أن يوفقنى الله وأجعل مدينة الأحزان، مدينة السعادة والأحلام.
نعق الغراب وقال: لا تذهبى يا حمامة، إنها مدينة الكسالى لم أجد فيها أى طعام، لا تتركى عشك الآمن وتغامرى، لن تجدى هناك العش الذى تحلمين به..
قلت للغراب: أحلم بعش كبير يضم كل طيور المدينة الحزينة، فتعيش فى سلام..
سخر الغراب وقال وهو يطير: الطيور هجرت مدينة الأشباح، أنت تحلمين بالمستحيل..
لم أهتم بكلام الغراب كنت أفكر فى رحلتى التى ستبدأ مع أول خيوط الصباح، ولم أنس أن أودع أجمل الزهور بهديلى الذى تحبه، أهدتنى كل زهرة ذكرى منها وصارت الذكريات باقة رائعة، كانت هى هديتى للمدينة الحزينة.
بدأت رحلتى ترافقنى الزهور الجميلة وينتشر أريجها العطر يمنحنى الأمل، قابلت كثيراً من الأصدقاء، منهم من شجعنى وملأنى بالأمل، ومنهم من سخر منى فازددت إصرارا على مواصلة رحلتى..
من بعيد رأيتها..
مدينة حزينة لا حياة فيها، السماء ملبدة بالغيوم، البحار ساكنة.. لوحة باهتة بلا ألوان.
بحثت عن الأطفال، أكثر الكائنات التى أحبها ولا أخاف منها، ألتقط الحب من أيديها الصغيرة، يغنون معى ويحبون هديلى، يتجمعون حولى، أعشق نظراتهم البريئة.. تحت شجرة كبيرة، وجدت طفلاً يجلس يمسك بورقة بيضاء، وقفت بجانبه وسألته ما اسمك؟
سمع هديلى، ابتسم وقال بفرحة: أنا عمر.. و لو كان عندى قلم وألوان لرسمت لك أجمل صورة.. لكن كيف أرسم أو أذاكر من دون قلم أو ألوان؟
انتزعت ريشة من جناحى غمستها فى طين الأرض وأعطيتها لعمر.. فرح بها وقال: أشكرك يا حمامة، الآن أستطيع أن أستذكر دروسى وأتفوق
صفقت بجناحىَّ قائلة بفرحة: عقل بلا علم لن يكون قادراً على التفكير والحلم، اكتب يا عمر واحلم.
انتزعت مجموعة من الريش ولونت كل ريشة منها بلون زهرة من باقة الزهور الجميلة ليرسم عمر حلمه بأجمل الألوان..
لمحت حقلا من حقول القمح طرت حتى وصلت عنده لكن سنابله كانت جافة ذابلة، بسرعة انتزعت ريشا من جناحى وغمسته فى مياه النهر القريب ونثرت الريش فوق الأرض الجافة، أرض يسكنها الجفاف لن تنمو فيها بذور الحلم لتطرح سنابل الخير.. انتعشت الأرض العطشى، وتفتحت سنابل القمح الذهبية وابتسمت فنثرت فوقها بعض الزهور تجمعت حولها الطيور، وصار الحقل لوحة تسكنها أجمل الألوان والألحان، كانت الشمس سعيدة بحقل القمح وباللوحة الجميلة التى رسمها عمر لمدينته التى يحلم بها والشمس تشرق فى سمائها..
فقدت الكثير من ريشى ولم أعد أستطيع الطيران، لكن حماسى وسعادتى منحانى القوة فواصلت رحلتى فى المدينة وسمعت تغريداً جميلاً لكنه حزين ورأيت أجمل عصفورين لكنهما كانا للأسف أسيرين فى قفص صغير، فانتزعت من جناحى بعض الريش غمسته فى أشعة الشمس الساخنة، فأذاب قضبان القفص وانطلق العصفوران يحلقان فى سعادة ويغردان أجمل الألحان، فالحلم يحتاج لجناحين ليحلق ويرتفع يلمس السحاب، الحرية والحلم توأمان..
طار العصفوران وحول عنقيهما آخر الزهور هديتى لهما..
بعدها..
وقعت ولم أعد قادرة تماما على الطيران، ضعف جناحاى لكن هديلى ملأ السماء وبرغم ألمى، كانت فرحتى بالمدينة التى صارت سعيدة، أطفالها يمرحون ويتعلمون ويرسمون ويحلمون، أرضها تطرح سنابل القمح والحلم وطيورها تسبح فى السماء، تغرد أغنية الحلم الرائعة.
بحث عنى العصفوران ومن زهورى صنعا لى أجمل عش سكنت فيه، وجاء الهدهد وعصفور الكنارى والكروان ليعيشوا معى فى مدينة الأحلام.
قال الهدهد فى حنان: ما أجملك يا حمامة.
غداً سينمو لك ريش جديد ويصبح جناحاك قادرين على الطيران لأبعد نقطة فى السماء..
وغرد الكنارى بسعادة وقال: يكفى أنك صنعت من ريش جناحيك الجميل أجنحة، منحت الجمال لمدينة كانت حزينة وصارت مدينة السعادة والأحلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق