يمامة تتعلم الطيران
يمام خرتش
أصبحَ اليوم َعُمري ستةَ أسابيعَ، هكذا قالَتْ
لي أمّي، وأصبحَ باستطاعتي أنْ أُحرِّكَ جَناحايَ لأعلى وأسفلَ مثلَ فراشةٍ خرجَتْ
للتوِ من شرنقة ، فجَناحايَ الآن قويَّان وصارَ يغطيهما ريشٌ جميلٌ وطويلٌ . لكنني
لا أستطيعُ الطيرانَ بعدُ ...
نسيتُ أن أعرِّفكم عن نفسِي ! أنا حمامةٌ
صغيرةٌ ، لوني رماديٌ ، عدا صدري ورقبَتي، فلونهما أبيضُ اللونِ ، عيناي واسعتانِ
وليَ منقارٌ صغيرٌ .
أعيشُ مع أمّي في عُشٍ صغيرٍ مصنوعٍ من القَشِّ
والأغصانِ الصغيرةِ اليابسةِ ، بنتْهُ أمّي على غصنِ شجرةٍ واقفةٍ في أحدِ شوارعِ
هذه المدينةِ الصغيرةِ . تذهبُ أمّي كلَّ
صباحٍ لتُحضرَ لي بعضاً من الحبوبِ ، فانتظرُها بفارغِ الصبرِ وأنا أراقبُ
المارّةَ والسياراتِ وهي تسيرُ في الشارعِ .
عادتِ اليومَ أمّي حاملةً في منقارِهَا بعض
حباتِ الأرُّزِ ، وبعدَ إطعامِي إياها ، قالَتْ لي: لقد حانَ الوقتُ لكي تتعلمي
الطيرانَ يا صغيرتي يمامة، ألا تحبينَ أنْ تُحلّقِي في السماءِ مثلَ باقي الطيورِ ،
وأنْ تشاهدي الشوارعَ والأشجارَ من الأعلى ، وأنْ تلتقطِي طعامَكِ بنفسِكِ
فتتناولي الذي تشتهينه ؟! فأجبتُها : بلى
يا أمّي ، ولكنّني أخافُ السقوطَ على الأرضِ .
ربتتْ على كتفِي بجناحِها الحانِي وقالَتْ : لا
تخافي يا بُنيّتي ، كوني شُجاعةً وقَويةً ، انظري إلى هذهِ الفراشةِ البيضاء ،
التي تحلّقُ بينَ الزهورِ على ناصيةِ الطريقِ ، كم هي صغيرةٌ ! لكنّهَا شجاعةٌ ولا
تخافُ الطيرانَ ! الآن سأطيرُ إلى الغصنِ على الشجرةِ المقابلةِ لنا ، وعليكِ أنْ
تطيرٍي إليّ .
طارتِ الأمُّ إلى لشجرةِ المجاورةِ ، فاستجمَعَتْ
دودي قواها ، وأخذتْ تنظرُ إلى عيني أمِّها، ثمَّ هزًّتْ جناحِيها هزَّاتٍ خفيفةٌ ،
وما لبِثَت أن صارتِ الهزّاتُ أقوى وأقوى ، فأخذَ الجناحانِ يعلوانِ ويهبطانِ بسرعةٍ
، وما هي إلا ثوانٍ قليلةٍ حتى طارتْ يمامة ، ثم حطّتْ بسرعةٍ بجوارِ أمِّها على
الغصنِ ، كان قلبٌها يخفِقُ بقوةٍ ، لكنّهَا كانت مسرورةً جداً ، وراحَت تقولُ :
لقد فعلتُهَا يا أمَّي ، لقد طِرتُ حقاً ، ما أسعدني هذا اليوم ! فقالَتْ أمُّها :
هيّا بنا لنحلّقَ فوقَ المبانِي والشوارعِ ، فوقَ الأشجارِ والتلالِ المجاورةِ ،
فوقَ الأنهارِ وجداولِ الماءِ الصغيرةِ، هيّا لنُلقي التحيةَ على باقي الطيورِ
والفراشاتِ ... كم أنا فخورةٌ بكِ يا صغيرتي الحلوةِ !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق