الْكَوْكَبُ الْعَابِرُ
محمد محمود
قشمر
صَبِيحَةَ هَذَا الْيَومِ
الْأرْبِِعَاءِ السَّادِسِ مِنْ أيَارَ سَنَةَ أَلفْيَنِ وأثْنَتِي عَشَرَة؛
أَيْقَظَنْي أَبِي السَّاعَةَ السَّادِسَةَ وَخَمْسَ دَقَائِقَ قَائلِاً لِي:
ـ اِنْهَضِي يَا
زَهْرَاءُ لتَِرِي مَنْظَرَاً نَادِرَ الْوُقُوعِ.
نَهَضْتُ بِتَثَاقُلٍ
وَأَبِي يُتَابِعُ كَلَامَهُ مُحَفِّزَاً:
ـ هَيَّا قُومِي
لَقَدْ سَبَقَتْكِ الْعَصَافِيرُ..
أَخَذَ بِيَدِي
وَسَحَبَنِي مِنْ بَيْنِ أَطْيَافِ الْكَرَى, وَخَرَجَ بِي إِلَى بَاحَةِ الدَّارِ
وَأَنَا شِبْهُ مُغْمَضَةِ الْعِيْنِين.
كَانَتْ أَنْفَاسُ
الصَّبَاح ِاللَّطِيفَةِ مَعْ بِدْءِ تَسَلُّلِ أَصَابِعِ النَّهَارِ مُنْتَشِيَةً
بِزَقْزَقَاتِ الْعَصَافَيرِ وَصِيَاحِ الدِّيَكَةِ؛ هِيَ أَوَّلُ مَا دَغْدَغ َ
حَوَاسِّيَ.
قَادَنِي إِلَى رُكْنٍ قَصِيٍّ فِي الدَّارِ,
ثُمَّ لَفَّنِي بِابْتِسَامَتِهِ الْعَذْبَةِ, وَطَوَّقَنِي بِيَديِهِ
الْحَانِيَتِينِ وهُوَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ كُرْسِيٍّ قَائِلاًً لِي:
ـ دَعِي الشَّمْسَ
تَطْبَعُ قُبْلَةً عَلَى جَبْيِنِكِ, ثُمَّ َرُدِّي لَهَا قُبْلَتَهَا بِنَظْرَةٍ
مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْبِلّوْرَةِ الَّتِي قَدْ عَرَّضْتُهَا لِهُبَابِ
الشَّمْعَةِ.
فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا
أَتَنَاوَلُـُها مِنْ يَدِهِ:
وَلِمَاذَا
عَرَّضْتَهَا لِهُبَابِ الشَّمْعَةِ يَا أَبِي؟
فَأَجَابَنِي
مُوَضِّحَاً:
ـ كَي لا تُؤْذِي
الشَّمْسُ أَعْيُنَنَا, وَلِكَي تَبْدُو الْرُؤيَةُ وَاضِحَةً.. أَغْمِضِي
عَيْنَاً وَدَقِقِي بِاْلأُخْرَى, وَأَخْبِرِيِنِي مَاذَا تَرَينَ؟
وَبَعْدَ أَنْ
نَظَرْتُ نَظْرَةً عَاديَّةً قُلْتُ بِعَفْويِّةٍ:
ـ أَرَى الشَّمْسَ
كَقُرْصٍ بُرْتُقَاليٍّ مُعَلَّقٍ فِي السَّمَاءِ.
فَقَالَ أَبِي
مُتَأَفِّفَاً:
ـ لا يَا زَهْرَاءُ
لَمْ أَعْنِ هَذَا.. لَقَدْ عَنَيْتُ تِلْكَ النُّقْطَةَ السَّوْدَاءَ الْتِي
تَبْدُو مِثْلَ الشَّامَةِ عَلَى خَدِّ الشَّمْسِ, دَقّقِي النَّظَرَ بِالْجِهَةِ
الْيُسْرَى لِقُرْص ِ الشَّمْس ِ.
دَقَّقْتُ النَّظَرَ
وَقُلْتُ فَرِحَةً:
ـ لَقَدْ رَأَيْتُهَا..
وَتَابَعْتُ
مُتَسَائِلَةًً وَأَنَا أَتَأَمَّلُهَا مَلِيّاً:
ـ مَا هَذِهِ
الْبُقْعَةُ الْمُلْتَصِقَةُ بالشَّمْسِ؟ وَكَيْفَ لا تُحْرِقُهَا؟
فَأَجَابَنِي
بَاسِمَاً:
ـ كَلَّا يَا
زَهْرَاءُ, لَيْسَتْ كَمَا تَظُنِّينَ.. إنَّهَا كَوْكَبُ الزُّهْرَةِ ثَانِي
كَوَاكِبِ الْمَجْمُوعَةِ الشَّمْسِيَّةِ بَعْدَ عُطَارِدَ, وَهُوَ يَبْعُدُ
كَثِيَراً جِدَّاً عَنِ الشَّمْسِ, وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي تُشَاهِدِينَ
تُدْعَى بـِ((عُبُوْرِ الْزُّهْرَةِ)).
فَسَألْتُهُ
بِحِيرَةٍ:
ـ لِمَ لَمْ
تُخْبِرْنِي بِهَا مِنْ قَبْلُ؟
فَأَجَابَ وَالاِبْتِسَامَةُ
تَعْلُو قَسَمَاتِ وَجْهِهِ:
ـ الْحَقُّ مَعَكِ..
سَأَقُولُ لَكِ: هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي تَرَيِنَ تَحْدُثُ كُلَّ مِئَةٍ وَعَشْرَةِ
أَعْوَامٍ تَقْرِيبَاً, وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ المْرّةِ الأُوْلَى
وَالْثَّانِيَةِ؛ ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ فَقَطْ, وَقَدْ كَانَتِ الْمَرَّةُ
الْأُوْلَى وَأَنْتِ تَحْبِينَ سَنَةَ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَع, أَمَّا الْعُبُورُ
الْمُوَالِي فَسَيَكُونُ عَامَ أَلْفَيْنِ وَمِئَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ.
اِزْدَدْتُ نَهَمَاً
لِلتَّعَلُّمِ فَسَأَلْتُهُ :
ـ وَمَاذَا يَعْنِي
عُبُورُ الْزُّهْرَةِ؟
فَقَالَ شَارِحَاً:
ـ يَعْنِي بِبَسَاطَةٍ
عُبُورُ كَوْكَبِ الزُّهْرَةِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضِ؛ عِنْدَمَا تَلْتَقِي
الأَرْضُ وَالزُّهْرَةُ خِلالَ الْدَوَرَانِ عَلَى خَطٍّ وَاحِدٍ أَمَامَ الشَّمْس
ِ.
فَقُلْتُ
مُسْتَرْجِعَةً مَحْفُوظَاتِيَ الْمَدْرَسِيَّة َ:
ـ إِنَّهَا تُشْبِهُ
إِلَى حَدٍّ مَا ظَاهِرَتيِّ الْكُسُوفِ واْلخُسُوفِ للشَّمْس ِوالْقَمَرِ.
فَقَالَ أَبِي وَهُوَ
يَتَنَاوَلُ الْبِلّوْرَةَ مِنِّي لِيْرقُبَ:
ـ نَعَمٌ إِلَى حَدٍّ
كَبِير ٍ.. فَكُسُوفُ الشَّمْسِ أَنْ يَقَعَ الْقَمَرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الأَرْضِ عَلَى خَطٍّ وَاحِدٍ فَيَسْقُط ُ ظِلُّ الْقَمَرِ عَلَى الأَرْضِ,
وَخُسُوفُ الْقَمَرِ أَنْ تَقَعَ الأَرْضُ بيَْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ عَلَى
خَطٍّ وَاحِدٍ فَيَسْقُطُ ظِلُّ الأَرْضِ عَلَى الْقَمَرِ, لَكِنَّ هَاتَينِ
الْظَّاهِرَتَينِ أَكْثَرُ حُدُوثَاً بِكَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي
تَحْدُثُ الْيُومَ.
فَقُلْتُ بِتَعَجُبٍّ
وَيَقِين ٍ:
ـ سُبْحَانَ اللهِ
الَّذِي يُرِيْنَا إِبْدَاعَهُ فِي كُلِّ مَا حَوْلَنَا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق