مغامراتي
بقلم: رولا حسينات
عندما تسمع صوت الريح محملة بنغمات ربيعية،
ويتدلى حينها من ضوء القمر جدائل حمراء، وينبس موج البحر في صمت، تكون قد وقفت
قبالة بوابة الأحلام..
وعند اكتمال مجيء رياح
الشمال الباردة تجتمع حوريات العالم الآخر، حيث تجتمع المزامير لتصدح ترانيم إكمال
الأميرة الصغيرة الرابعة عشر، لتتوج ملكة على بلاد الحكايات، وتكون أنت من اختير
ليشهد هذا الحدث الذي لا يعاد إلا كل أربع سنوات، فعندئذ عليك أن تتجهز لتنطلق في
موكب مهيب، تحملك فيه الغزلان الذهبية إلى حيث تغيب شمسك وتشرق شمس بلاد
الحكايات.....
هبت
نسمات الهواء باردة من النافذة المطلة على الحديقة الغناء، حيث تزقزق العصافير
وتذرف حبات الندى دموعها لتسقي أجنة الزهور..
ما كان
ليوقف صرخات عصام وهو يلملم أوراقه المتطايرة إلا ذلك اللحن الغريب، الذي ما بارح
مسامعه منذ أن أحتفل بعيده الرابع عشر، لم يكن بإمكانه حينها أن يفكر حتى بطرح
الفكرة أمام إخوته الذين يكبرونه بسنوات، فقرر أن يبقي على ما يحيط فيه في خزانة
الأسرار ويضعها في قلبه..
لكنه اليوم لم يكن ليستطيع أن يلقي بشباك تفكيره
أبعد من استعداداته للامتحانات، فوالده الدكتور فهمي قد وعده بجهاز (GPS)، وهو يعرف جيدا ولعه برصد الاتجاهات وقراءة الإحداثيات
من الأقمار الصناعية، لكن كل هذا مشروط بتفوقه في تحصيله الدراسي.
وكيف له أن يفوت هذا الحلم، ولكن ما يراوده في
حلمه كان قد جعله يشعر أن هناك من يراقبه وأن هناك نداءات خفية تحتاج إليه..
ولكنه
لم يستطع تحديدها أو حتى معرفتها..
لقد كانت هناك أمور غريبة تحدث ويراها، ولكنه
يراها وحده وهذا ما كان يثير لديه الريبة...
إما أن يكون قد أصابه مس من الجنون أو أنه قد
دخل دائرة زمنية تختلف أبعادها عن واقعه؟؟
ربما يكون قد قرأ شيئا كهذا في مكان ما ولكنه لا
يستطيع أن يتذكره بالضبط، لكنه لم ينسى أن هناك فرضية العوالم الأخرى التي يتحدث
عنها الكتاب..
"
والتي لا يمكن للشخص العادي أن يدركها، فقط أولئك من يملكون حواسا تفوق أقرانهم.
هم أنفسهم لا يشعرون بها، ولكن مجموعة من الأمور
تراود عالمهم هم دون غيرهم.
..وأن
إمكانية توافقهم الزمني مع هذه الدائرة تكون في مناطق ذات أمواج مغناطيسية، ذات
تردد منخفض، حيث أن هذه العوالم لا تمكن أجهزة الرادارات من التقاط إشارتها..
والمناطق المفتوحة هي أفضل مكان تتوزع الإشارات
فيه..
وتعصف الريح هناك فتبعثرها الأمواج
الكهرومغناطيسية..
وتكون قادرة على المثول بهيئتها واختيار من تريد
لدخول بوابتها الزمنية...
ولكن شخص واحد فقط من يستطيع الدخول عبر هذه
البوابة، ولا يسمح له بالخروج إلا بعد أن يتم مهمته فهو حينئذ السجين أو البطل..
وقد يختفي أثره ولا يعود أحد ليتذكره فسوف يتبدل
كتاب الأرواح..
ويتوقف الزمن بعد وجوده ..."
ولكن
العالم حينذاك رفض فكرة العالم الذي اعترف بوجود هذه النظرية، واتهمه بالجنون بعد أن
اقسم:" أنه قد عبر هذه البوابة الزمنية وتمكن من حل..
شيفرة (سانتوس 23).. الذي كان يحاول السيطرة على
بلاد الحكايات...
لم
يكن ليعطي أحدا اسمها ولا بعدها الزمني..
واكتفى بابتسامته الساحرة...
وألمح أن أحدا ما سيخوض هذه التجربة لا محالة..."
بدأت الرعشة تتخلل أوصاله فكل ما قد رآه، لم يكن قد رآه أحد سواه ذلك
الاختفاء المفاجئ لقرص الشمس..
والدخول في عتمة كاملة..
كان ضربا من الجنون..
عندما عاد حينها من البساتين وهو
يحاول جمع ثمار العليق لوالدته، لم تكن حينها والدته تشعر بالاضطراب ولا أيّاً من إخوته..
حتى شاشة التلفاز لم تنبئ شيئا ..
أعينهم حينها ترمقه ضاحكة كعادتها..
ولكنه حاول التمسك برباطة جأشه، ودخل غرفته وأغلق الباب وانزلق على أرض
الحجرة التي أخذت تتمايل أمامه..
سراب يتمثل بمخلوقات لم يتملك
القدرة على تمييزها..
غشاوة ما تغطي المسافة بينهما.. لم
يكن ليلمسها أو حتى الولوج فيها..
كما يقرا في كتاب الأطفال..
ما الذي حدث له؟؟
أشياء تظهر ثم ما تلبث أن تختفي، وهو
الوحيد الذي يراها ..!
ألذلك علاقة بتعلقه بكتب الخيال العلمي التي يقرأها ويعشقها؟؟
ألذلك علاقة بما يقوم به من تجارب
علمية في مختبر المدرسة حول إمكانية تذويب الأمواج فوق الحمراء وتحت البنفسجية،
واختزالها وجعلها مادة سائلة يمكن حجزها لآلاف السنين؟؟
أم لذلك علاقة بولعه برصد الإحداثيات
والتقاطها من الأقمار الصناعية؟؟
أي كان الذي يتحكم بعالمه فهو يشعر
أن الوقت قد حان، ليدخل تلك التجربة التي لا يعرف متى وأين ستكون بدايتها...
مرت الأيام عصيبة عليه ولم يكن بمقدوره تغيير أي شيء، لم تعد تلك الأحداث
تراوده عن نفسه بل ما عاد ذلك السراب يتراءى أمام ناظريه..
عادت أيامه إلى رتابتها المعهودة
الكثير من المضايقات من إخوته..
والده وأبحاثه..
والدته وأعمالها المنزلية..
وأوراق امتحاناته التي أزفت على
الانتهاء..
وهو ما زال يحلم بل يمني نفسه بأن
تحلم..
أيام العطلة دقت ناقوسها والملل
والفراغ بشحناتهما السلبية يتفوقان على قدرته، في احتساب الزمن ..
الريح تعصف في الخارج وحبات البرد تطرق مسامعه، وكما تهشم سكون بيتهم
الريفي المطل على مساحات واسعة من الحقول، وحديقة منزلهم التي ما شارفت على أن
تبرز ينعها إلا وقد ذوت خانعة أمام هذه الحبات المتراشقة..
المصابيح ذبلت..
ضعف التيار الكهربائي..
أخذ يبحث في درج مكتبه الصغير عن
مدخرته لإضاءة مصباحه اليدوي الصغير، كانت حقيبته التي تمنى أن يحملها ليقوم
بتجربة جهاز GPS الذي قدمه إليه والده..
ولكن الأجواء العاصفة التي هبت
فجأة جعلته يتوقف حتى عن مجرد التفكير فيه، بل وصادرت فرحته ..
شيء ما جعله يحمل حقيبته المجهزة
بكل شيء..
أهو دافعه لأن يخوض تجربة جديدة أم
أن هناك نداء خفيا وأيادي القدر تتلاعب بمصيره؟؟
ما عليه فعله أن يحملها وينزل إلى
الطابق السفلي حيث يجتمع مع جميع أفراد عائلته إلى حيث يفضون جميعا إلى عالم
الظلام، والحكايات المضحكة وتشكيل الأخيلة على الجدران..
ابتسامات إخوته بل ضحكاتهم ستسرق
الصمت لأسابيع مقبلة عندما يرونه حاملا هذه الحقيبة، وسط الظلام والعاصفة
المفاجئة، والأخيلة المتراقصة على الجدران..
لكنه مع هذا كله سيفترض انطفاء الأضواء
التي تنوس بنزرها الأخير، ليجلس ساكنا وكأن على رأسه الطير..
محملقا بتلك الغشاوة التي يتمنى أن
تشاغله..
أن تتلاعب بشخوصها الذين عجنوا
بماء السراب..
لكنه أمام كل هذه الأمور المعقدة بقي صامتا.. مندهشا..
لم يستطيع أن يرد إليه جفنه..
أن يفكر في الوقوف ساهما..
ظنا منه أن هكذا أمور لا تحدث إلا
في روايات الخيال العلمي..
أو في بنات أفكاره..
كان كل منهم على هيئته دونما أن
يحرك ساكنا..
دون أن تند منه التفاتة أو تنبس
شفتاه عن ابتسامة خاطفة..
وأن تقدح شرارة الكلمات صدره الصغير
وجسمه النحيل...
وأن تصفق أخيلتهم وجهه الدائري وعيناه الزرقاوان تتربعان على وجنتيه،
حمراوين توشحان وجهه الأبيض بحمرة داكنة..
ما كان أي من هذا ليحدث معه لأن
الزمن قد توقفت عقاربه..
عند كل منهم..
لم تكن لعبة لأن أحدا منهم لا
يجيدها ولو فكر في ذلك..
وأبخرة الطعام متطايرة كأجنحة طير
بيضاء..
عقارب الساعة اللذان يشيران
للتاسعة مساء ينبضان بالحياة..
تلك التكة تتلوها الأخرى تجعله
ينتظر حدثا ما..
وانطفأت المصابيح وتعلقت عيناه
بمقبض الباب..
لما اختار الفرار من وسط الخوف إلى
وسط العاصفة؟؟
لما اختار أن يبدأ زمنا آخر ظنه أنه
بداية لرحلته الخيالية في بوابة قد سميت ببوابة الحكايات...
انتظروني في الجزء الثاني...
الأميرة نادين قد اختفت..........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق