البطة الصغيرة
طلال حسن
فوق السهول والتلال والأنهار ، حلقت البطة
الصغيرة إلى جانب أمها ، وهي فرحة بالحياة . وطوال ساعات وساعات ظلت البطتان
تحلقان ، وكانت البطة الصغيرة تتقدم أمها أحياناً ، وتصيح بجذل ..
ـ ماما .. لقد سبقتك .
أحست البطة الأم
بالتعب ، فصاحت بصوت لاهث ، وهي تراقب ابنتها .. البطة الصغيرة .. وهي تطير أمامها
بخفة ورشاقة :
ـ بنيتي ..
فأجابت البطة الصغيرة
: نعم .. ماما ..
ـ ألم تتعبي ؟
فصفقت البطة الصغيرة
بجناحيها .. وقالت بدلال :
ـكلا ..
قالت الأم في وهن :
ـ أنظري .. هناك بيارة جميلة ..
قالت البطة الصغيرة ،
وهي تطير فرحاً ..
ـ البيارات هنا في كلّ مكان ..
ـ ولكن ليست كهذه ..
ـ كلّ البيارات متشابهة ..
ـ ألا تحبين أشجار البرتقال ؟
ـ نعم ..
ـ هيا نراها إذن ..
ـ ليس الآن ..
ولكن .. يجب أن
ترتاحي .. يا بنيتي ..
ـ أنا لم أتعب بعد .. يمكنني أن أطير حتى المساء
.
فغمغمت الأم وهي تلهث
:
ـ آه منك
التفتت البطة الصغيرة
، وابتسمت لأمها ، وقالت بخبث :
ـ ماما ..
ـ نعم ..
ـ لماذا لا تقولي إنني تعبت .
ابتسمت الأم بحنان ،
وقالت :
ـ آه يا ملعونة ..
فقهقهت البطة الصغيرة
بفرح ، وقالت :
ـ هيا نرتاح إذن .
× ×
×
اتجهت البطتان نحو
البيارة ، لكنهما فوجئتا بأصوات اطلاقات وصراخ يصمّ الآذان ، وبين أشجار البرتقال
، رأت البطة الصغيرة ، جماعة من الرجال ، يهاجمون معسكراً للجنود ، فصاحت وهي
ترتعش من الخوف :
ـ ماما .
ـ لا تخافي ..
ـ ماذا يجري ؟
ـ لعلها .. حرب ..
ـ حرب !
ـ ربما ..
ـ ما معنى .. حرب ؟
ـ إنسان يقتل إنساناً ..
فصاحت البطة الصغيرة
بصوت مرتعش ..
ـ ولكن هذا جنون ..
ـ أجل .. ولكن يا بنيتي هناك حرب عادلة ..
ـ ماما .. لا تقولي لي .. إن القتل عادل ..
ـ ليس كلّ قتل ..
ـ إذا قتلتُ أختي ..
فهل هذا عدل ؟
ـ كلا ..
ـ إذن كيف يكون القتل عدلاً ؟
ـ لا تنفعلي .. دعيني أسألك .. وأجيبيني بهدوء
ـ حسن ..
ـ إذا حاول غراب احتلال عشنا وطردنا منه ، فهل
هذا عدل ؟
ـ كلا ..
ـ ماذا علينا أن نفعل ؟
ـ نمنعه ..
ـ وإذا لم يمتنع ؟
ـ ماذا !
ـ وقتل أباك وإخوتك ..
فصاحت البطة الصغيرة
بغضب ..
ـ نقاتله ..
ـ أرأيت .. هناك حرب عادلة إذن ، أنظري إلى
هؤلاء أ إنهم فلسطينيون ، وهم يقاتلون دفاعاً عن بيتهم ، إن حربهم عادلة ، أما
هؤلاء الجنود ، فإنهم صهاينة احتلوا بيت الفلسطينيين ، وطردوهم منه ، إن حربهم غير
عادلة .
صمتت البطة الصغيرة ،
وراحت تنظر إلى البيارة بأسى، فقالت لها أمها :
ـ والآن .. أنت مع منن ؟
فقالت البطة الصغيرة
بحزم :
ـ إنني أكره الغربان ..
فابتسمت الأم بحنان ،
وقالت لابنتها الصغيرة :
ـ الفلسطينيون يكرهون الغربان أيضاً ، إنهم
يكرهون الحرب ، لأنها دمار ، لكنهم يكرهون الغربان أيضاً .. ولهذا فإنهم يقاتلون .
× ×
×
حلقت البطة الصغيرة
مع أمها بعيداً ، وهي تنظر إلى
الأعداء بغضب وازدراء
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق