أرض الأبطال
خيري عبدالعزيزطارد الكابوس عمر في نومه, في تلك الليلة الشتوية شديدة البرودة: نباح كلاب, عويل نساء, صراخ أطفال, أصوات أعيرة نارية, وطائرات يضج بها المكان, تمخر كبد السماء, وتلهب الأرض بالقنابل والنيران...
استيقظ عمر من نومه فزعا, فهرع
إليه أبيه من الحجرة المجاورة على كرسيه المتحرك, وقال بينما يربت على رأس صغيره:
ماذا بك يا عمر؟!
أجاب عمر والدموع تغرق وجهه:
شاهدت مشهدا آلمني كثيرا بالأمس -يا أبي- ذكرني بأمي رحمها الله, وذكرني بكل
الذكريات الموجعة, منذ أرغمنا العدو الصهيوني على ترك منزلنا في الضفة الغربية,
واستشهاد أمي على أيدي جنودهم, وإصابتك, ثم نزوحنا إلى مخيم اللاجئين, حتى يومنا
هذا..
امتقع وجه الأب, والتزم الصمت,
وبدا الألم جليا على وجهه, وقد تصلبت قبضتيه على عجلتي كرسيه المتحرك, وتفاصيل
معركته الأخيرة في الضفة الغربية مع جنود العدو تبرق في ذهنه, والتي انتهت
باستشهاد زوجته, وإصابته بطلق ناري في ظهره, أصاب عموده الفقري, وأقعده الكرسي
المتحرك ما بقي له من عمر...
في حين استطرد عمر: أنت تعلم يا
أبي أن المحتل الإسرائيلي قد هاجم المخيم بالأمس...
هز الأب رأسه, ولم يجب, فاستطرد
عمر: لقد شاهدت جنديا إسرائيليا يطلق كلبا مرعبا شديد السواد في آثر سيدة ممن
يسكنون المخيم معنا, ورأيت الفزع والهلع على وجهها, بينما تحاول عبثا الهرب من
أنياب الكلب الذي مزق ثيابها, وألحق بها جروحا عديدة...
جز الأب على أسنانه وقال: هذه
هي أخلاق اليهود يا بني.. يداهنون الأقوياء ويفترسون الضعفاء..
قال عمر بصوت خرج محملا
بالمرارة: ولماذا نحن ضعفاء يا أبي؟ لماذا نحن الفلسطينيون مهانون في أرضنا يا
أبي؟
صمت الأب قليلا قبلما يجيب: لن
يستمر هذا الوضع طويلا -يا بني- بإذن الله تعالى.. وإن غدا لناظره قريب .. إن غدا
لناظره قريب..
* * *
ومرت الأيام والسنين, في البدء
تعلم عمر كيف يرجم جنود الاحتلال بالحجارة مع رفاقه من الصغار, وعندما كبر, وصار
شابا قويا, حمل السلاح, وانضم لشباب المقاومة, وكله عزم على القصاص لروح أمه
الشهيدة, وعذابات أبيه القعيد, وتحرير فلسطين من قيد الاحتلال..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق