نونو تذهب إلى المدرسة
بقلم : طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــــــــــــ
اليوم تفتح المدارس أبوابها ،
بعد انتهاء العطلة الصيفية ، وهذا ما كانت تنتظره الصغيرة نونو ، وهو يومها الأول
في المدرسة .
وفي وقت مبكر ، من هذا اليوم ، هبت نونو من فراشها ، وحاولت أمها أن تمسك
بها ، وهي تقول : مهلاً يا نونو ، الشمس لم تشرق بعد .
لكن نونو مضت خارج الغرفة ، دون أن تتمهل ، قائلة : الشمس لا تذهب إلى
المدرسة ، يا ماما.
واستيقظ الجميع من النوم ، الأب والجد والجدة ، هذا يوم نونو ، وأعدت مائدة
فطور خاصة ، غنية ، ومبهجة ، حتى إن الجدة أشعلت شمعة ، ووضعتها وسط المائدة ،
فنونو ستذهب اليوم إلى المدرسة .
وتحلق الجميع حول المائدة ، يتناولون معاً طعام الإفطار ، ويتبادلون
الأحاديث الضاحكة الفرحة مع .. التلميذة الجديدة نونو .
ومن الخارج ، ارتفع منبه باص المدرسة ، فهبت نونو من مكانها ، واختطفت
حقيبتها ، وانطلقت راكضة إلى الخارج ، وهي تصيح فرحة : الباص .
وركضت أمها في أثرها ، عبر حديقة الدار ، وأسرع الجميع ، ووقفوا بباب البيت
، يتابعون بأنظارهم المحبة نونو ، وهي تصعد إلى الباص .
وأطلت نونو من النافذة ، مستبشرة ،
فرحة ، وراحت تلوح بيدها للجميع ، والباص يسير بها مبتعداً ، حتى غاب في منعطف
الشارع .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
توقف باص المدرسة في الخارج ،
بعد منتصف النهار ، وهب الجميع إلى الباب الخارجي ، فقد عادت نونو من المدرسة .
لقد ظلوا طول النهار قلقين ، بسبب ما جرى في المدينة ، فقد انفجرت عبوة في
الشارع القريب من المدرسة ، وأختطفت طالبة من أمام مدرستها ، وأطلق مجهولون النار
على شرطي مرور ، وأردوه قتيلاً .
وأمام أنظارهم المتلهفة ، القلقة ، نزلت نونو من الباص ، تسير متقافزة ،
وحقيبتها على ظهرها ، وأسرعت أمها إليها دامعة العينين ، وأخذتها بين ذراعيها .
وقبلتها جدتها ، ثم قبلها جدها ، وقال : مبارك عليك يومك الأول في المدرسة
.
وعانقها أبوها ، وقال : كيف كان يومك الأول ، يا حبيبتي ؟
وردت نونو قائلة : جيد ، جيد جداً .
وطوال اليوم ، راحت نونو تتحدث عن معلمتها ، وكم أحبتها ، حتى أنها قبلتها
من وجنتها المتوردة ، وقالت لها : تفاحة حلوة .
وتحدثت أيضاً عن صديقاتها ، بل وأصدقائها ، وضحكت الجدة ، وقالت : ها قد
صار لحلوتنا نونو أصدقاء أيضاً .
وطوال الوقت ، كانت الأم تنظر إلى نونو ، والدموع تغرق عينيها ، فقد اتصلت
معاونة المدرسة بها ، وأخبرتها بأن المدرسة ، نتيجة للظروف الخطرة السائدة في
المدينة ، أغلقت إلى اشعار آخر .
" 3 "
ــــــــــــــــــــ
منذ وقت مبكر ، صباح اليوم
التالي ، أحست الأم بنونو تعتدل في فراشها ، فاعتدلت هي الأخرى ، وقالت : نونو ،
حبيبتي ، الوقت مبكر .
ونهضت نونو من فراشها ، وقالت : الباص سيأتي بعد قليل .
وقالت الأم : حبيبتي ، لن يأتي الباص اليوم .
وخرجت نونو من الغرفة ، وهي تقول : بل سيأتي ، وستزعل المعلمة مني ، إذا
تأخرت ، أو غبت عن المدرسة .
ولحقت الأم بنونو ، وقالت : المدرسة لن تفتح اليوم أبوابها .
لم تلتفت نونو إلى أمها ، وأخذت تستبدل ملابسها بملابس المدرسة ، وحاولت
الأم أن تمنعها ، فانخرطت نونو بالبكاء ، وهي تقول : دعيني ، يجب أن أذهب إلى
المدرسة .
ورضخت الأم لدموع نونو ، وتركتها ترتدي ملابس المدرسة ، بل وأعدت لها
الفطور ، وجلست نونو وحدها إلى المائدة ، فأبوها ظل في فراشه ، وكذلك الجد والجدة
.
ومرّ الوقت ، ثقيلا ، بطيئاً ، وارتفعت الشمس ، وأطلت من النافذة ، لكن
الباص ، وكما قالت الأم ، لم يأتِ ، فنهضت نونو متثاقلة ، حزينة ، ونزعت ملابس
المدرسة ، وارتدت ملابسها ، وعادت بصمت إلى الفراش .
" 4 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أيام ، أفاقت نونو منشرحة ،
وألقت نفسها بين ذراعي أمها ، وقبلتها ، واحتضنتها الأم فرحة ، فقد عادت نونو إلى
طبعها الأول ، وقالت لها فرحة : ماما ، ذهبتُ إلى المدرسة .
ونظرت أمها إليها مندهشة ، فتابعت نونو قائلة : وقبلتني المعلمة على وجنتي
، وقالت لي ، تفاحة ، تفاحة حلوة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : ولعبتُ مع صديقاتي ، وتمشيت مع أصدقائي في حديقة
المدرسة ، آه ما أروع المدرسة .
وصمتت حالمة ، ثم قالت وكأنها تحدث نفسها : سأنام مبكرة كل يوم ، فقد ذهبت
ليلة البارحة إلى المدرسة ، في المنام ، وسأذهب في المنام إلى المدرسة كلّ يوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق