ملك البحار
طلال حسن
منذ أن رآها هذا الميجالودون ، قبل أيام عديدة ، وهو يحوم حولها ، ولا يسمح لأحد غيره الاقتراب منها ، صحيح أنه لم يقل لأحد ، لا تقترب منها ، لكن مجرد حومه حولها ، وتقربه منها ، يجعل الآخرين ينسحبون بعيدا ، دون أن يتفوه أحدهم بكلمة .
وخرج الميجالودون اليوم ، وراح يتجول هنا وهناك ، بحجة البحث عن الطعام ، وهو في الحقيقة يريد أن يراها ، وأبصر في طريقه أكثر من خنزير بحر ، وأكثر من فقمة ، وسلحفاة بحرية ضخمة ، وأسماكاً ضخمة كثيرة ، لكنه لم يلتفت إلى أيّ منها .
وعند منتصف النهار ، اشتد جوعه ، فطارد فقمة ضخمة ، وبفكيه الواسعين القويين المليئين بأسنان حادة ، أطبق عليها ، ومزقها بسهولة ، وافترسها .
لم يشبع ، وهو يعرف أن ما يحبه حقا ، ويشبعه هو افتراس حوت ضخم ، وليس شيئاً آخر ، ولاحت له سلحفاة ضخمة ، تسبح ببطء على مقربة من قاع البحر ، فانطلق إليها بسرعة وبأسنانه الحادة القوية ، حطم درقتها الصلبة وافترسها .
وواصل تجوله ، لعله يرى الملكة ، رغم أنه لم يشبع بعد ، وهل يمكن أن يشبع ملك البحر هذا ؟
2
ــــــــــ
بعد منتصف النهار ، لمح الملكة الأنثى تسبح وحدها ، هادئة ، رقيقة ، جذابة ، هكذا رآها ، واقترب منها ، وقال : طاب يومك .
توقفت مبتسمة ، وقالت : طاب يومك .
وتلفت حوله ، وقال : أراك وحدك .
وابتسمت ثانية ، وهي ترمقه بنظرة سريعة ، وقالت : مادمت تحوم حولي ، فلن يجرؤ أحد ، مهما كان ، على الاقتراب مني .
وقال : وهذا ما أريده .
وصمت لحظة ، ثم قال : إنني جائع ، ولابد أنك جائعة أيضاً .
فقالت : أكلتُ سمكة قبل قليل .
وتلفت حوله ثانية ، وقال : سمكة واحدة لا تشبع .
فقالت : تعال لنصطد فقمة .
واندفع يشق الماء ، وهو يقول : تعالي ، سأصطاد لك حوتا ، دخل مياهنا ليلة البارحة .
ولحقت به ، وهي تقول : لا نحتاج إلى حوت ، الحوت كثير جدا .
واستمر يشق الماء ، وهو قال : ليس كثيراً عليك ، تعالي ، وسنشبع معاً .
و أسرعت حتى حاذته ، وقالت : لندع الحوت ، فحيتان الاوركا يسعون إلى اصطياده لأنفسهم .
ومن بعيد ، لاحت نافورة من الرذاذ فانطلق نحوها ، وهو يقول : ذلك هو الحوت ، سأصطاده ، وهو هدية لك ، أنت تستحقينه .
3
ــــــــــ
لم تحاول إيقافه ، فهي تعرف أنه عنيد ، وإنه إذا قال شيئا ، أو نوى على شيء ، فلا أحد يقف في طريقه ، وسيحققه مهما كان الثمن .
ورغم أنها تعرف شجاعته ، وقوته ، وتعرف أن الجميع هنا في المحيط يخافونه ، ويتجنبونه ، إلا أنها كانت خائفة عليه ، لما سيقدم عليه ، فحيتان الاوركا ، التي جاءت لا تعرف من أين ، قوة خطيرة من الصعب مواجهتها ، خاصة وأنها تقاتل مجموعة .
وتقدم الميجالودون نحو الحوت ، الذي كان يسبح في ماء المحيط ، يغوص مرة إلى الأعماق ، ويخرج مرة إلى سطح الماء ، وهو ينفث نافورة من الرذاذ .
وانتهز الوحش فرصة خروج الحوت إلى سطح الماء ، فعمد إلى مهاجمتها ، وبدأ تحطيم زعانفه ، حتى حطمها جميعا ، ثم أنه غاص تحت الحوت الذي أصيب بجروح كثيرة شلته عن الحركة ، وبحركة مباغتة ، وقوية جدا ، اصطدم بقوة أسفل الحوت ، وراح يعمل فيها فكيه الضخمين القويين حتى أجهز عليها .
وطفا الحوت جثة هامدة على سطح الماء ، فانسحب الميجالودون ، ومضى إلى الأنثى ، التي راقبته طوال فترة مهاجمته للحوت ، حتى صرعه ، وقال لها : المأدبة جاهزة ، تفضلي .
4
ــــــــــ
في اليوم التالي ، خرجا يتجولان في المحيط ، ويلهوان بصيد السمك على أنواعه ، وأكله ، ريثما يصطادان فقمة ، يمكن أن تسكت بعض جوعهما الذي لا يسكت أبدا .
وقبيل منتصف النهار ، والشمس تسطع في السماء، توقفت خائفة ، وقالت : فلنهرب .
وتوقف هو الآخر ، وتساءل : ماذا !
وأشارت إلى حيث تنظر ، وقالت : انظر ، إنها حيتان الاوركا القاتلة .
ونظر حيث تنظر ، وإذا حوالي عشر من حيتان الاوركا ، تشق الماء نحوهما ، وزعانفها الظهرية تبرز فوق سطح الماء ، وتراجعت خائفة وقالت : إنهم قادمون ، تعال نهرب ، وإلا فتكت بنا .
وظل في مكانه ، وعيناه الغاضبتان ثابتتان على حيتان الاوركا ، وقال : اذهبي أنت ، هيا ، اذهبي .
وتراجعت أكثر ، وهي ترتعش من الخوف ، وقالت : سيقتلونك ، إنهم كثر ، وأشرار ، ولن يرحموك .
وهز رأسه ، وقال : من العار أن أهرب ، سأواجههم ، وأقاتلهم حتى النفس الأخير .
وصمت لحظة ، ثم التفت إليها ، وقال : اذهبي أنت ، وانتظريني عند المساء قرب الصخور المرجانية .
وعند المساء انتظرته ، وانتظرته طوال اليوم التالي ، لكنه لم يأت ، وكيف يأتي ، وهو نتف ممزقة في أحشاء حيتان الاوركا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق