بيكاسو
العائلة
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن
أوتْ زينب إلى فراشها مبكرة ،
بعد أن أنجزتْ واجباتها المدرسية كالعادة ، وسرعان ما غطتْ في نوم عميق .
وجلس قيس إلى المنضدة ، وأخذ يرسم على ورقة خاصة بالرسم ، فقد طلبتْ معلمة
الرسم ، من تلاميذ الصف ، أن يرسم كلً منهم حداداً يطرق قطعة حديد حامية بمطرقته .
وانهمك قيس في رسم العامل على طريقته ، وتذكر أن أباه قال عن بيكاسو مرة ،
أنه ظلّ يرسم أربعين سنة ، حتى صار يرسم كالأطفال .
وابتسم قيس ، وهو يرى الحداد ، يظهر على الورقة شيئاً فشيئاً ، فقيس لا
يحتاج أربعين سنة ليرسم مثل بيكاسو ، فهو نفسه طفل ، فليرسم إذن الحداد ومطرقته ،
وسيعجب به الجميع .
واعتدل قيس منتشياً ، فها هو الحداد ، الذي أرادته معلمة الرسم ، يشع
بملابسه الزرقاء على ورقة الرسم ، رافعاً يده بالمطرقة ، وأمامه على السندان قطعة
حديد على شكل منجل .
والآن لابد أن يريه لأحدهم ، لعله يبدي إعجابه به ، وهمّ أن ينهض ، ويسرع
إلى زينب ، لكنه توقف متردداً ، فزينب تفقد أعصابها ، حين يوقظها أحد ، ومن يدري ،
فقد تمسك اللوحة ، وتمزقها إرباً .. إرباً .
وتناهى إليه من المطبخ ، صوت أمه ، إنها مازالت مستيقظة ، ترتب المطبخ ،
بينما يجلس أبوه كالعادة ، يرشف شايه أمام التلفزيون .
وعلى الفور ، أمسك قيس بورقة الرسم ، ونزل مسرعاً إلى الطابق الأرضي ، ودخل
المطبخ ، وهو يهتف : ماما ، أنظري إلى لوحتي .
وألقت الأم نظرة سريعة على ورقة الرسم ، دون أن تتوقف عن العمل ، وهزت
رأسها مهمهمة ، وقالت : هذه أفكار أبيك .
وأرخى قيس يده باللوحة ، ماما امرأة ، قد تحب التطريز والخياطة ، وطبخ
العدس ، أما الفن .. ، ومضى إلى الردهة ، ها هو أبوه ، وعلى شفتيه قدح خال من
الشاي ، يحملق مبهور الأنفاس في شاشة التلفزيون ، فتوقف على مقربة منه هاتفاً :
بابا ، رسمت لوحة ..
وأشار له أبوه بيده أن يصمت ، وعيناه المبهورتان تتابعان ما يجري في
التلفزيون ، فقال قيس ، وهو يحاول أن يريه اللوحة : أنظر ، إنها شبيهة برسوم
الرسام .. بيكاسو .
وأبعد أبوه الورقة عن وجهه ، وراح يتابع في التلفزيون ،المجرم يقترب من
امرأة عجوز ، راقدة في فراشها ، والهراوة في يده ، وقال : دعني الآن .
وهنا انقطع التيار الكهربائي ، وانطفأ التلفزيون ، فصاح الأب غاضباً :
اللعنة ، أهذا وقته ؟
وعاد التيار الكهربائي ، بعد عدة دقائق ، وأشعل الأب التلفزيون ، وحين ظهرت
الصورة ، كانت المرأة العجوز ، تجلس في فراشها ، وإلى جانبها يقف زوجها مندهشاً ، وهو يصغي إليها تقول : رأيتك
في منامي ، تتسلل إلى غرفتي ، وفي يدك هراوة ضخمة .
وأقبلت الأم من المطبخ ، وجلست إلى جانبه ، فتلفت حوله ، وقال : قبل أن
ينقطع التيار الكهربائي ، كان قيس هنا ، ولا أدري ماذا أراد أن يريني .
وابتسمت الأم ، وقالت : رسم لوحة ، وأراد أن يريك إياها ، ليعرف رأيك فيها
.
ولاذ الأب بالصمت لحظة ، ثم قال : لا بأس ، سأراها غداً ، قبل أن أذهب إلى الدائرة .
وفي اليوم التالي ، ذهب الأب إلى دائرته ، ونسي أن يرى لوحة قيس ، أما
معلمة الرسم ، فقد رأت اللوحة ، وأعجبت بها ، وأشركتها في مسابقة الرسم السنوية في
المدرسة ، وفازت بالجائزة الأولى ، وعندما سمع الأب بفوز قيس ، قال : منذ البداية
، عرفت أنه سيكون .. بيكاسو العائلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق