الحلاق العشرون
قصة : طلال حسن
هبّ جحا من النوم ، عند
منتصف الليل ، مدمدماً بكلمات مخبولة : لا .. لن أكون التاسعة عشر .. مهما كلف
الأمر .
وفزت زوجته ، أم جحيح ، خائفة ، وقالت : جحا ، أفق
، أنت تحلم .
فقال جحا بصوت منهار : أنا لا أحلم .
وقبل أن ترد زوجته عليه ، طرق الباب الخارجي ،
وتساءلت أم جحيح : ترى من يكون ؟ونهضت من مكانها ، واتجهت نحو النافذة ، فقال جحا
: إنه رسول تيمورانك .
وفتحت أم جحيح النافذة ، وصاحت : من بالباب ؟
وجاءها الجواب ، بصوت خشن أجش : أنا رسول مولانا
.. تيمورانك .
وتساءلت أم جحيح ثانية ، بكلمات بلهاء : ماذا تريد
؟ نحن في منتصف الليل .
ونزل جحا من السرير متمتماً : يريدني أنا .
وجاءهما الردّ بصوت خشن أجش : مولانا تيمور لنك
يريد جحا في الحال .
وارتدى جحا ملابسه على عجل ، وأسرع إلى رسول
تيمورلنك ، الواقف بالباب ، ورمحه في يده ، وقال بصوت مرتعش : خذني إلى مولاي .
وسار رسول تيمورلنك ، دافعاً جحا أمامه ، وقال :
تعجل ، فمولانا ينتظرك .
وسار جحا متعثراً ، وهو يتمتم : لن أكون التاسعة
عشر ، لن أكون ..
وقاطعه الرسول قائلاً : بل ستكون العشرين .
وتوقف جحا ، وتأت قائلاً : العشري !
فدفعه الرسول بخشونة ، وقال : تحرك ، فقد قطع رأس
التاسع عشرة بعد صلاة العشاء .
وسار جحا متعثراً ، وهو يقول : الويل لي .
ووصل جحا إلى قصر تيمورلنك ، وقاده الرسول عبر
ممرات القصر ، حتى وصل قاعة العرش ، حيث ينتظره تيمورلنك .
ودخل الحاجب على تيمورلن ، وانحنى بين يديه ، وقال
: مولاي ، الحلاق جحا بالباب .
فقال تيمورلنك : دعه يدخل ، واغلق الباب ، ولا
تفتحه حتى أناديكَ .
وانحنى الحاجب بين يدي تيمورلنك ثانية ، وقال :
أمر مولاي .
وتراجع الحاجب ، ورأسه إلى الأرض ، حتى وصل الباب
، ففتحه برفق ، وقال لجحا : ادخل ، مولاي تيمورلنك ينتظركَ .
ودخل جحا ، دون أن ينبس بكلمة ، وارتجّ قلبه ، حين
سمع الباب يغلق ، وعلى الفور جاءه صوت تيمورلنك قائلاً : تعال ، يا جحا .
وتقدم جحا خطوات ، وكأنه يمشي على خناجر ، وقال :
أمر مولاي .
وتوقف على بعد خطوات من تيمورلنك ، فقال تيمورلنك بصوت آمر : مدّ يديكَ ، يا جحا ،
وارفع التاج عن رأسي .
وجحظت عينا جحا ، وتساءل مذهولاً : ماذا !
وقال تيمورلنك بنبرة حازمة : سمعتني ، يا جحا .
وعلى الفور ، مدّ جحا يديه المرتجفتين ، إلى التاج
، ورفعه ببطء شديد عن رأس تيمورلنك ، وتجمدت يداه
بالتاج ، حين نظر إلى رأس تيمورلنك .
وقال تيمورلنك : أريد أن تحلق شعري .
ولاذ جحا بالصمت ، وقد جمدت عيناه ، فقال تيمورلنك
: جحا .
فردّ جحا بصوت متحشرج : مولاي .
وقال تيمورلنك بنبرة وعيد : أنت تدقق النظر في
رأسي .. ماذا ترى ؟
وتمتم جحا ، وعيناه جامدتان فوق رأس تيمولرلنك ،
مولاي ..
وتابع تيمورلنك بنفس النبرة قائلاً : كلّ حلاق
قبلك ، رأى غير الشعر الأبيض والأسود قطعتُ رأسه .
فقال جحا : مولاي ، لا يوجد في رأسكَ الكريم ، غير
الشعر الأبيض والأسود .
وتساءل تيمورلنك : فقط ؟
وعلى الفور ، قال جحا : فقط يا مولاي .
وقال تيمورلنك : لعلكَ رأيت شيئاً آخر .
فردّ جحا قائلاً : لستُ مجنوناً ، يا مولاي .
وهمهم تيمورلنك قليلاً ، ثم ألقى كيساً مليئاً
بالنقود إلى جحا ، وقال : أنت حلاقي الخاص منذ الآن ، خذ مكافأتكَ .
وتلقف جحا كيس النقود ، وقال : هذا شرف كبير لي ،
يا مولاي .
ورفع تيمورلنك التاج ، وأعاده برفق فوق رأسه ،
وقال لجحا : اذهب يا جحا ، وتذكر ما رأيت ، وإلا ..
وغادر جحا قصر تيمورلنك ، والفجر يطل من وراء
الأفق ، وامتطى حماره ، وقلبه مازال يخفق بشدة ، وفي الطريق ، خيل إليه أن حماره
يرمقه بنظرة خاصة ، كأنه يسأله ماذا رأى على رأس ييمورلنك ، عندما رفع عنه التاج ،
فقل في نفسه ، وقد استبد به الخوف ، لعل حماري جاسوس من جواسيس تيمورلنك ، فانفجر
به صائحاً : أيها الحمار ، ليكن في علمكَ ، إنني لم أرَ غير الشعر الأبيض والشعر
الأسود .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق