الدب الكسول
بقلم: طلال حسن
خرجت السلحفاة البحرية ، من
أعماق البحر ، قبل منتصف النهار ، وراحت تسير ببطئها المعهود على الشاطىء الرملي ،
باحثة عن بقعة جافة ، لا يصلها ماء المد ، لتحفر عندها حفرة ، تضع فيها بيضها .
وفي أعلى الشاطىء ، قرب حافات الغابة ، وجدت البقعة المناسبة ، وحفرت حفرة
بأرجلها الخلفية ، وتهيأت لوضع البيض ، حين تناهى إليها صوت أشبه بالأنين ، فرفعت
رأسها ، وراحت تنصت متوجسة .
ولعلها خشيت أن يكون أحد المتربصين ببيضها ، يكمن وراء شجرة من الأشجار ،
فأرجأت وضع البيض ، وتوغلت ببطء وحذر في الغابة ، متعقبة مصدر الصوت ، وتحت شجرة
ضخمة ، رأت دباً صغيراً ، أسمر اللون ، ذا بقعة بيضاء على صدره ، وقنزعة من شعر
على عنقه ، يتمدد متوجعاً فوق الأرض .
وحامت السلحفاة حوله ، تدقق فيه النظر عن كثب ، ثم توقفت على مقربة منه ،
وخاطبته بصوت رقيق : أيها الدب .
وفتح الدب الصغير عينيه بصعوبة ، وتطلع إليها ملياً ، ثم تمتم بصوت واهن :
أريد .. ماما .
فمالت السلحفاة عليه ، وقالت : انهض ، يا صغيري ، سآخذك إلى ماما ، إذا كنت
تعرف مكانها .
لم ينهض الدب الصغير ، بل تنهد بصوت أشبه بالأنين ، وقال : ابتعدتُ عن ماما
، وعن أخي الصغير ، منذ أكثر من يومين ، وقد تهتُ ، وانهارت قواي ، ولم أعد أقوى
على السير ، من شدة الجوع والتعب .
ومالت السلحفاة عليه ثانية ، وقالت : لا عليك ، يا صغيري ، سآتيك بشيء من
الطعام ، تسد به بعض جوعك ، ريثما تلقى أمك .
ولاذ الدب الصغير بالصمت ، فقالت السلحفاة : أعرف ما تحب ، سآتي كبه ، قرص
عسل حلو ولذيذ ، ها .. ماذا تقول ؟
فقال الدب الصغير بصوت واهن : عفواً ، إنني لا آكل العسل .
واستبدت الدهشة بالسلحفاة ، يا للعجب ، دب لا يأكل العسل ، أهذا ممكن ،
وتطلعت إليه ، ثم قالت : لا بأس ، لنترك العسل ، سأنزل إلى البحر ، وأصطاد لك سمكة
كبيرة تشبعك .
فقال الدب الصغير بنفس الصوت الواهن : عفواً ، إنني لا آكل السمك أيضاً .
ولاذت السلحفاة بالصمت حائرة ، أهذا دبّ أم ماذا ؟ ومرة أخرى مالت عليه ،
وقالت : حسن ، سآتيك ببعض الثمار أو الجذور أو ..
فقال الدب الصغير بصوت واهن متوجع : أرجوك ، لا تتعبي نفسك ، إنني لا آكل
أي شيء مما ذكرته .
ولاذت السلحفاة بالصمت مفكرة ، ثم صاحت بنبرة انتصار : يا لله ، كيف فاتني
هذا ، أنت مازلت صغيراً ، ولا تتناول غير حليب أمك .
فرد الدب الصغير بصوت يزداد وهناً : لا ، أبداً ، إنني لا أتناول حليب ماما
، لقد فطمت .
وبشيء من الحيرة والقلق ، قالت السلحفاة : أيها الصغير ، أنت جائع ، جائع
جداً ، فقل لي ماذا تأكل ، وسأحاول أن آتيك به .
فرفع الدب الصغير رأسه قليلاً ، ثم قال بصوت لا يكاد يُسمع : إنني .. آكل
..
وهنا صمت منصتاً ، وقد التمعت عيناه ، ثم صاح متهللاً : جاءت ماما .. جاءت
ماما .
وبأقصى ما تستطيعه من سرعة ، توارت السلحفاة بين الأعشاب ، لكنها لم تستطع
أن تقاوم فضولها طويلا ، فرفعت رأسها بحذر ، وإذا دبة سوداء اللون ، تبرز من بين
الأشجار ، وتندفع متلهفة نحو الدب الصغير ، وقد امتطى ظهرها ـ ويا للعجب ـ دب صغير
كأنه فارس يمتطي صهوة فرسه ، وحين رأى الدب الصغير أمه تقترب منه ، حاول أن يعتدل
، وهو يصيح : ماما .. ماما .. ماما .
وصاح أخوه ، من فوق ظهر أمه : ماما ، ها هو أخي ، أسرعي يا ماما ، أسرعي .
وأسرعت الدبة السوداء ، واحتضنت الدب الصغير ، وهي تقول بصوت دامع : أخيرا
، يا بني، كدت أموت من الحزن والقلق .
ورفع الدب الصغير عينيه إلى أمه ، وقال بصوت واهن : ماما ، إنني جائع .
وابتسمت أمه من بين دموعها ، وقالت : يا لك من أحمق ، تقول إنك جائع ،
والطعام وفير قربك .
وصاح الدب الصغير : ماذا! لقد بحثت طويلاً في الجوار ، دون جدوى .
واستدارت الدبة السوداء ، وسارت ببطء ، وفارسها الصغير ثابت فوق صهوتها ،
وقالت : يا بنيّ ، تعال معي ، وستأكل حتى تشبع .
وتحامل الدب الصغير على نفسه ، وسار وراء أمه ، ونهضت السلحفاة ، وسارت في
أثرهم ، بأسرع ما تسمح به قوائمها المفلطحة .
وفي مكان قريب ، وسط فسحة بين الأشجار ، توقفت الدبة السوداء ، وخاطبت الدب
الصغير قائلة : انظر ، ها هو الطعام .
واندفع الدب الصغير ، ومعه اندفع أخوه ، بعد عن ترجل عن ظهر أمه ، وراحا
ينبشان بمخالبهما القوية هذا المرتفع ، وعلى الفور ظهرت مئات من " النمل
الأبيض " ، تتراكض خائفة في شتى الاتجاهات ، فأخذ الدبان الصغيران ينفخان
الغبار عن " النمل الأبيض " ، ثم يمتصانه بلسانيهما وشفاههما الطويلة ،
ويلتهمانه بنهم وتلذذ كبيرين .
وهزت السلحفاة رأسها ، وهي تنسحب بهدوء ، أهذا هو إذن الطعام ، الذي يريده
الدب الأسود الصغير ؟ يا للعجب ، يترك العسل .. والسمك .. والثمار .. والجذور ..
وو .. ويأكل النمل الأبيض .. والنمل الأبيض فقط .. آه من يعش يرَ .
ومهما يكن ، وبأسرع ما تستطيعه ، مضت السلحفاة إلى الحفرة ، التي حفرتها في
أعلى الشاطىء ، لتضع فيها بيضها ، ومن ثم تعود إلى أعماق البحر .
الدب الكسول : هذا الدب يعيش في الهند وسيرلنكا ، أسود اللون ، له
بقعة بيضاء على صدره ، وقنزعة من شعر على عنقه ،
ولشدة ضعف أسنانه ، فإنه يأكل الأرضة " النمل الأبيض
بقعة بيضاء على صدره ، وقنزعة من شعر على عنقه ،
ولشدة ضعف أسنانه ، فإنه يأكل الأرضة " النمل الأبيض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق