علم الأميرة الحسناء
منيرة بوكحيل *
استيقظت ملاك اليوم سعيدة كعادتها و لكن اليوم سعادتها تفوق سعادة كل الأيام الماضية ترى لماذا و ما السر في ذلك يا ترى ؟!.............
-نعم اليوم هو أول يوم دراسي لها , لأن ملاك لا تنتمي لفئة الأطفال الذين ينفرون و يخافون من هذا اليوم المبارك , فملاك تحب أن تعرف و تتعرف على كل شيء يحيط بها دون تردد أو خوف .
و بعدها قامت ملاك بما يقوم به جميع الأطفال كل يوم غسلت وجهها بالماء و الصابون و أسنانها بالفرشاة و المعجون ثم تناولت فطورها و ارتدت أجمل ثيابها و رافقت والدها مودعة والدتها , و في طريقها للمدرسة رسمت ملاك في خيالها الواسع كل شيء جميل تراه في مدرستها التي سوف تزورها لأول مرة.
و ماهي إلا لحظات ليست بطويلة وجدت ملاك نفسها وسط زملائها و زميلاتها في ساحة المدرسة مصففين بانتظام أمام علم المدرسة و هو يرفع و بصوت واحد يرددون النشيد الوطني , و بينما العلم يعلوا رويدا , رويدا مرفرفا و الحناجر تملأ المكان بالنشيد بقيت ملاك المسكينة حائرة تطرح على نفسها ألف سؤال و سؤال ما الذي يحدث حولها يا ترى ؟!.......
فهي لا تفهم ما معنى هذا المشهد الغير مألوف بالنسبة لها و لكن ملاك ككل الأطفال لا تعرف ما معنى السكوت أمام شيء تجهله و المجهول لديها يصبح معلوم .
و لم تجد ملاك حلا سوى أنها رفرفت مثل الملائكة و حامت حول العلم و خاطبته قائلة بنبرة الاستغراب و الإعجاب في آن واحد : مهلا من أنت و لماذا أنت هنا و لماذا الجميع يقدسونك هكذا و لماذا ا.......................
و قبل أن تكمل كلامها قاطع العلم هطول أسئلتها قائلا و هو يبتسم :
-مهلا مهلا يا ملاك اعرف أن هذا أول يوم دراسي لك و اعرف كذلك لأول مرة تشاهدين هذا المنظر , و لكن لا أظن انك لأول مرة تتعرفين على العلم الوطني .
ملاك: نعم أيها العلم لقد كنت أراك في كل مكان و في كل زمان و لكن كنت اعتقد انك للزينة و اجهل تماما قيمتك التاريخية و دخولي للمدرسة و هذا النشيد الوطني و الجميع ينظرون إليك بخشوع و بعينﹴ واحدة جعلني اطرح على نفسي ألف سؤال و سؤال
- نعم اعرف هذا و لست أنت الوحيدة التي تجهلين هذا , فهناك أطفال كثيرون مثلك أيتها الصغيرة الجميلة .
-ملاك : إذا من أنت ؟!.....................
-ضحك العلم قليلا و قال لملاك : أنت دائما على عجالة , حفظك الله على هذا الذكاء و الدهاء اسمعي يا ابنتي الغالية أنا علم بلاد الشرفاء , أنا علم الأميرة الحسناء واحمل على ظهري ثلاثة ألوان و يرافقني نشيد أعذب الألحان و نرفرف بشموخ في كل مكان و نحكي حكايتنا عبر الزمان و نقول أن اللون الأحمر هو دم الشهداء الذي تخضب بأرض الأتقياء ليتحدى الأعداء و خلص الأميرة الحسناء من قبضة فرنسا العجوز الخرساء و كم كانت حمقاء حين استهزأت بقدرة و عزيمة الشرفاء فحب الجزائر ولد في قلوبنا جميعا حتى الفناء و هكذا نحيا سعداء و لا خوف علينا من قهقهة الضعفاء لأننا بحب وطننا أقوياء نعم اتحدنا مع بعضنا مثل الإخوة فذهب البلاء عن ارض الشرفاء وقطعنا الأرجل السوداء و مددنا أيدينا للأصدقاء .
-أما اللون الأخضر يا ملاك فهو ثروة الجزائر الخضراء التي تعلوا نجمة حرة مرفوعة الرأس في السماء , تبعث للعالم بنور حريتها في الفضاء معلنة عن أسطورة الشهداء , فهي لوحة فنية رائعة الجمال رسمها الخالق فلا مثيل لها طول البقاء سيولها لا يوجد نظيرها في النقاء و سماءها الزرقاء و أرضها الفتية الخصباء ولا مثيل لسحر الصحراء و ماضيها الذي يشهد لانتصار الأتقياء و حاضرها الذي يعبر عن الهناء فحفظها الله من كل شر و بلاء فلم ترى عيني أجمل منها فهي مليئة بالورود الملونة و الأشجار الجميلة و الجبال الشامخة و سهولها الشاسعة وحضارتها العريقة و ثقافتها المتنوعة وثرواتها الغنية و عادتها المختلفة و شعبها طيب و تقي مثل صفاء الماء .
-أما اللون الأبيض يا ملاك فهو رمز الحرية و الاستقلال و السلام الذي يرفرف على أجنحة الحمام في كل مكان و مقام ليعلن الالتحام و الحب و الوئام بين أبناء الجزائر و هذه حقيقة و ليست أوهام و أحلام لأن أعين رجالها تسهر على سلامتها و لا تنام.
فصاحت ملاك بأعلى صوتها و قالت : سبحان الله , الله اكبر كل هذا التاريخ العريق تحمله بين طياتك و أنا كنت اعتقد انك تستعمل للزينة فقط , و بقيت ملاك تنظر للعلم و هو يرفرف في ساحة المدرسة مرفوع الرأس لا ينحني أبدا و تقول بداخلها و تقول : بسم الله ما شاء الله كيف لقطعة القماش هذه الخفيفة تحمل ثقل هذا الكنز العريق و لا تتعب و لا تمل أبدا , و كيف لا و هو علم الأميرة الحسناء .
-و كان أول درس تلقته ملاك في مدرستها هو أن تاريخ بعض الأمم كتب بالحبر لكن تاريخ الجزائر كتب بدم القلب الأحمر.
* فرنسا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق