رسومات ندى
نعمات البحيري
"ندى" تحب الرسم والألوان.
يحلو لها في أوقات الفراغ أن تغمس فرشاتها في الألوان، وترسم رسومات متنوعة. ترسم شجرة وزهرة، وترسم قطة وبطة، وترسم نخلة وتلونها بألوان طبيعية جميلة. وحين تنظر "ندى" إلى رسوماتها ذات الألوان الزاهية، تشعر بفرحة وبهجة، وتجلس إلى رسوماتها، وتتبادل معها الحديث.
وذات صباح وكان ذلك في يوم العطلة المدرسية، غمست "ندى" فرشاثها في اللون الأبيض، ورسمت على الورقة الخضراء قطة بيضاء كبيرة. ثم رسمت بيتا بنوافذ مفتوحة للهواء والشمس، ونخلة ذات جريد أخضر. نظرت "ندى" إلى رسوماتها، وراحت تتحدث إليها.
غضبت القطة من "ندى" وقالت لها: "أترسمينني وحيدة، لابد أن يكون معي قطط صغيرة أحبها وتحبني".
وغضب البيت من "ندى" وقال لها: "أترسمينني دون حديقة واسعة، ذات أزهار وأشجار، ليتنسم الناس هواءها؟".
وغضبت النخلة ذات الجريد الأخضر من "ندى"، وقالت لها: "أترسمينني نخلة لا تطرح بلحا أحمر أو أصفر؟".
تركت "ندى" رسوماتها الملونة فوق الورقة الخضراء وجلست في الشرفة.
نظرت "ندى" للشارع الواسع الممتد، والعربات، والناس يروحون ويجيئون. ث
م فكرت "ندى" أنها لابد أن ترسم الشارع كما تراه.
بدت "ندى" حزينة لأن رسوماتها غاضبة منها.
قالت "ندى" في نفسها: "ما هذا؟ لا أحد يعجبه ما أرسم، سوف أجرب أن أرسم أناسا عاقلين، يرضون بأشكالهم التي أرسمهم عليها".
دخلت "ندى" إلى حجرتها، وغمست فرشاتها في الألوان، ورسمت على الورقة البيضاء بنتا صغيرة، ذات شعر أسود وعينين سوداوين. كما رسمت طفلا قصيرا نحيلا، ورجلا أسود.
وحين انتهت "ندى" من الرسم نظرت إلى رسوماتها.
غضبت البنت الصغيرة من "ندى" وقالت لها: "كنت أود لو ترسمينني بشعر أصفر وعينين خضراوين مثل أطفال الإعلانات في الثليفزيون".
وغضب الطفل القصير النحيل من ندى وقال لها: "كنت أود لو ترسمينني طويلا، عريضا مثل نجوم السينما وكرة القدم".
وكذلك غضب الرجل الأسود من "ندى" وقال لها: "كنت أحب لو ترسمينني رجلا أبيض".
تركت "ندى" رسوماتها الغاضبة فوق الورق، وجلست في الشرفة.
ودت "ندى" لو تستنشق بعض الهواء العليل، ثم قالت "ندى" في نفسها: "ما هذا؟ الجميع غاضبون، ولا أحد يعجبه ما أرسم".
فكرت "ندى" قليلا وقالت في نفسها: "لابد أن أواجههم جميعا".
دخلت "ندى" لرسوماتها وراحت تتحدث إليها وهي تقول: القطة الكبيرة سوف تلد قططا صغيرة مع الوقت.
والبيت حين يسكنه الناس، سوف يزرعون حوله حديقة، تنمو فيها الأزهار والأشجار.
والنخلة سوف تطرح بلحا أحمر أو أصفر في موسم البلح.
كما فكرت "ندى" في البنت الصغيرة التي ترغب في أن يكون لها شعر أصفر، وعينان خضراوان، والطفل الذي يرغب في أن يصبح طويلا عريضا، كما فكرت في الرجل الأسود الذي يود لو يصبح رجلا أبيض.
نظرت "ندى" من الشرفة إلى السيارات الصغيرة والكبيرة، تلك التي تنقل الناس من مكان إلى آخر، ورأت الشمس في السماء، ترسل أشعتها فتملا النهار نورا، وتبعث في الناس دفئا.
رأت "ندى" الناس على اختلاف أشكالهم وأحجامهم، منهم القصير، ومنهم النحيل، ومنهم الأسود ومنهم الأبيض، كانوا جميعا عائدين من العمل.
قالت "ندى" في نفسها: "ليس المهم أشكالنا ولكن المهم ماذا نعمل".
ثم قررت "ندى" أن تدخل إلى غرفتها، لتجلس إلى رسوماتها الغاضبة وتقول لها: "ليس المهم أشكالنا، ولكن المهم ماذا نعمل".
غير أن الرسومات الغاضبة، ظلت غاضبة وهي تنظر إلى "ندى " في غير اقتناع.
هناك تعليق واحد:
جزاكم الله كل خير على هذه القصة الجميلة
إرسال تعليق