التوت الأحمرفي الغابة السوداء
بقلم: ضرغام فاضل
العائلة الصغيرة
في ولاية((بادن فورتن بيرك)) الألمانية,وقريباً من مدينة (شتوتغارد)..تمتدّ الغابة السوداء..أو ((شفارتز فالد))كما يسمّونها الألمان. وفي هذه الغابة.. لاتكاد ترى شيئاً إذا ماتعمّقت في الداخل..ومن هنا اشتقّ اسمها هذا,حيث إنّ الأشجار العالية تتشابك أغصانها في الأعالي, مما يعيق ضوء الشمس من التسلّل إليها.وعلى أطراف هذه الغابة وجد له (جوناس) أو يونس.. ذو الأصل العربي ..بيتاً صغيراً أنيقاً, ليسكن فيه مع عائلته الصغيرة..التي تضمّ إضافة إليه, ولديه:سامر (12 سنة), وسارة (10 سنوات).بعد أن ماتت زوجته التركيّة (يلماز ) نتيجة مرض عضال أصابها.لذلك آثر يونس على تربية ولديه, تربية عربية بحتة..بعيدة عن التقاليد الأوربية..سيّما وأنهما يعيشان في الريف..بعيدين عن أيّ تأثيرات جانبية..باستثناء اختلاطهما بتلاميذ المدرسة..التي تقع في قرية تبعد مسافة بضعة كيلومترات عن بيتهما.والتي ينقلهما الباص إليها صباح كلّ يوم, عندما يقفان في أقرب نقطة للشارع الرئيس المؤدّي للقرية.أغلب سكان هذه المناطق المتنائية الأطراف.هم من جنسيات مختلفة..يتوزّعون على مختلف الأعمال..مابين الزراعة والصناعة والبناء والحراثة ..ويونس ..اختار أن يكون حطّاباً, يعمل مع فريق لتقطيع الخشب .الذي يستخرجونه من الأشجار العملاقة,التي تملأ الغابة السوداء..أشجارالبلوط(آيشه) والجوز(نوسه)وأشجار الكستناء.وفي الوقت نفسة ,يقومون بزراعة أشجار أخرى, بدل تلك التي يقتلعونها من الأرض,هذا هو القانون الذي فرضته وزارة الغابات هناك.
كان (سامر) كثير المشاكسة مع أخته (سارة),وإحداث الشغب وبعثرة أثاث البيت ,وعدم الاعتناء بحاجياته, من ملابس وكتب وألعاب وأغراض أخرى ، وهذا ما يدعو أباه لتوبيخه باستمرار.أمّا سارة.. فبالرغم من أنّها الأصغر سنّاً ,إلا أنها كانت الأكثر إداركاً بالمسؤولية, التي أنيطت لها مبكّراً,وكانت غالباً ماتشكو أخاها وتصرّفاته الطائشة, التي تنمّ عن عدم الشعور بالمسؤولية,وباللامبالاة.كانت تتعب وتشقى في ترتيب البيت وتوظيبه ,ليأتي سامر ويبعثر كلّ شيء..وهذا جانب من حوار لطالما نسمعه في كلّ يوم:
ماهذا ياسامر!!.. لقد بعثرت كلّ شيء.. وعبثت في كلّ محتويات الغرفة، وأنا التي تعبت من أجل ترتيبها وتنظيفها.
لولم تتعبي نفسك لكان أفضل، فقد أضعت القصّة التي كنت أقرؤها.
أية قصّة؟
قصّة ((بطل الأحراش )) كانت على السرير.
تقصد تحت السرير؟.
ربمّا..
تفضّل.. هذه هي القصّة، وضعتها في المكتبة.. لم ترها لأنك لم تتعوّد على النظافة والترتيب. فيحسّ سامر بالخجل كالعادة..ويتمنّى أن يكون مرتّباً أنيقاً..كما أخته..لكن يبدو أن الأمر ليس هيّناً بالنسبة إليه..وبحاجة إلى انقلاب..بل ثورة في تصرّفاته..وسلوكه اليومي .. وينتهي يوم آخر من أيام العطلة الصيفية الطويلة..خمسة وأربعون يوماً..يوم يشبه الآخر بالنسبة لسامر وسارة..يوم, ليله كنهاره..وساعاته تشبه بعضها البعض..إنه روتين يومي.. دأب الأخوان على قضائه مرغمين لامخيّرين..فلاأحد يزورهم..لاأصدقاء ..لاأقارب..لاجيران..أقرب جار لهم ..هو بيت سولان ..وهو فتى من عائلة تركيّة, يسكن مع والده أوغلو, الذي يعمل في محطّة لتعبئة البنزين على الطريق الخارجي..وأمّه السيّدة يلماز وهي ربّة بيت..وكانت على علاقة وطيدة بزوجة يونس, قبل أن تودّع الحياة . لكنّ بيت أوسلان هذا, يبعد مسافة ثلاث كيلومترات تقريباً ..أي أنّه ليس قريباً ,للدرجة التي تجعلهم يتزاورون بينهم ,إلا عند الضرورة القصوى.ولطالما حلموا بزيارة عائلة خالتهم التي تسكن قرية (كاوف بويرن) في مقاطعة بايرن, التي تبعد زهاء الثلاث ساعات عن قريتهم..ولكن سرعان ماتتبدّد أحلامهم بالفشل, أمام زحمة عمل الأب وانشغاله..
هيا ياأحبائي، حان وقت النوم. قالها الأب..وهو يتأكّد من إحكام غلق الشبابيك الصغيرة ,المتوزّعة في صالة البيت . جرّب سامر أن يعيد سؤاله التقليديّ لأبيه..ربمّا يسمع جواباً غير الذي يسمعه في كلّ مرة:
أبي.. هل ما تزال على وعدك باصطحابنا إلى بيت خالتي في قرية (كاوف بويرن) ؟. أجاب الأب وهو يؤشّر بسبّابته:
نعم… ولكن بعد أن تعاهدني بأن تكون ولداً مهذباً نظيفاً مطيعاً، ولن تحدث الثرثرة, وتتجادل مع أختك على أتفه الأسباب. وكالعادة يجيب سامر أباه:
أعدك بذلك ياأبي.. وهل سنسافر في القطار؟. أجاب الأب:
طبعاً..ليس أمامنا سبيل آخر..فالمطار بعيد عن كاوف بويرن مسافة ساعتين تقريباً , أمّا القطار فله محطّة بالقرية نفسها.. قالت سارة:
بالإضافة إلى أن السفر بواسطة القطار السريع له متعة . تمتم سامر وهو يهمّ بدخول غرفته:
كلام الّليل يمحوه النهار. وتبعته ساره وهي تقول:
تصبح على خير ياأبي. ابتسم الأب وهو يهزّ رأسه قائلاً:
وأنت من أهله.
استلقى سامر على فراشه ..وراح يفكّر ..
لا أعرف لماذا يلومني أبي دائماًعلى أفعالي، بينما يمتدح سارة في كلّ ماتقوم به، هل لأنني لا أساعدها في أعمال البيت؟ ولكنّ هذا من اختصاص الفتيات, وليس الأولاد.. ماذا أفعل كي يرضى أبي عني وعن تصرّفاتي؟.
وبعد تفكير ..سحب الغطاء ليغطّي رأسه, وهو يقول :
غداً صباحاً سأجعل أبي يغيّر نظرته ورأيه بي .عندما يرى ما فعلته، وعندهاسيفتخر بي ويقبلّني.. لأنم الآن.. ففي الصباح ينتظرني عمل جميل.
وفي الصباح.. نهض الأب مبكّراً كعادته. ليفتح ستائر الشبابيك ,ويدخل ضوء الشمس إلى أرجاء البيت..وراح ينادي بأعلى صوته:
هيا ياأولاد… لا تتعوّدا الكسل… لقد استيقظت العصافير قبلكما. نهضت سارة ..وراحت توظّب فراشها ..وكانت متيقّنة تماماً من أنها أفاقت من النوم قبل أخيها.مثل كلّ يوم..فطلبت منه أن يستيقظ من نومه..قائلة:
هيا ياسامر، استيقظ وكفاك نوماً. ولكن لاجواب..فكرّرت ذلك..ودون جواب أيضاً..فماكان منها إلا أن تتوجّه إلى سريره ,وتزيح الغطاء من على رأسه قائلة:
أنا أعرف كيف أوقظك أيها الكسول. وإذا بالمفاجأة..
ها.. ما هذا ؟!. أول مرّة يفعلها ويستيقظ قبلي.. إنها بداية طيّبة. توجّهت سارة إلى المطبخ لتساعد أباها في تحضير الفطور الصباحي..
صباح الخير ياأبي.. أجابها الأب:
صباح النور ياسارة، ألم يستيقظ أخوك سامر بعد ؟. استغربت سارة من سؤال أبيها..وأجابته:
لقد ظننته استيقظ قبلي، فهو غير موجود في فراشه. قال الأب ساخراً:
يبدو أنّ أثر النوم ما يزال في عينيك، اذهبي وأيقظيه. عادت سارة لتدخل الغرفة من جديد..ربمّا تكون مزحة من أخيها..فقد فعلها أكثر من مرة واختبأ تحت السرير..أو في خزانة الملابس ليخيفها..
دخلت الغرفة ..وراحت تبحث عنه ..ولأنّ الغرفة صغيرة.. فإنها لم تستغرق وقتاً طويلاً..إذ سرعان مااكتشفت أنه غير موجود فعلاً..فرفعت صوتها وهي تنادي:
إنه غير موجود… تعال وتأكّد بنفسك ياأبي. انضمّ الأب إليها ..وبعد أن تأكّد من عدم وجود سامر في غرفته..قال مستغرباً:
عجيب!!. أين ذهب ياترى فأنا مستيقظ منذ ساعة ؟. ثم خرج ليبحث حول البيت ..وتبعته سارة قلقة..دارا حول البيت..وتفقّدا المكان من كلّ الجهات..لاأثر له أبداً. سألت سارة بصوت مرتعش:
ما العمل الآن ياأبي ؟. أجاب الأب وهو يهمّ بمغادرة المكان:
سأذهب إلى بيت صديقه سولان، ربما أجده هناك. سألته:
هل أرافقك؟.
أجابها الأب مبتعداً:
لا..ابقي أنت ..لن أتاخّر. عادت سارة ودخلت البيت وهي قلقة على أخيها سامر..إنه فعل طائش آخر, يندرج ضمن القائمة الطويلة العريضة من أفعاله الطائشة..ولكن ماباليد حيلة.. لايدري كيف قادته يونس قدماه إلى بيت السيّد أوغلو ..وعندما طرق الباب خرجت له السيّدة هوليا لتجيب عن سؤاله:
سولان ما يزال نائماً، ولا أعتقد أنه سيصحو, إلا بعد ساعة في الأقل.
قال الأب وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:
أرجوك ياسيّدة (هوليا) أبلغيه أن يزورنا حالما يصحو, فالأمر هام. ثم رجع من حيث أتى..والأفكار والتخمينات تراوده طوال الطريق..وهو مابين قلق على مصير ابنه ..وغاضب على خروجه من البيت دون أن يستأذن منه, أو يعلمه بالأمر,لكنّه برغم كلّ الانفعالات والأحاسيس, عليه أن يجد ابنه, ويوبّخه على فعلته هذه, علّه يرتدع. وصل إلى البيت, بعد أن حطّم رقماً قياسياً, في ذهابه لبيت أوسلان وعودته إلى بيته.فخرجت سارة متلهّفة لاستقبال أبيها..وقبل أن تسأله هي ..بادرها بالسؤال:
سارة… هل عاد سامر ؟ . خاب أملها وهي تردّ عليه:
لا… ألم تجده ؟.
هزّ الأب رأسه بالنفي..فما كان من سارة إلا أن ترتمي في حضن أبيها باكية..وهي تقول:
لقد اختفى إذن .. ربت الأب على ظهر ابنته..وطمأنها قائلاً:
دعك من البكاء, وتعالي نفكر بأمر أخيك. بخطى متعبة منهكة, قاد يونس ابنته ليدخلا إلى البيت..ولكن قبل أن يصلا, استوقفهما نداء يأتي من بعيد:
سارة..سارة.. التفت الأب ناحية الصوت, ليجد أوسلان راكضاً باتجاههما..قالت سارة:
إنه سولان.عساه يحمل أخباراً عن سامر. وعندما وصل سولان لاهثاً..
صباح الخير ياعم. أجابه الأب:
الحمد لله أنك جئت بسرعة. سأل سولان:
ما الذي جرى ياعمّ ؟. وضع الأب يده على كتف سولان وسأله:
أين سامر ياسولان ؟. تلعثم سولان..لايدري مايقول,لأنه لايعرف شيئاً عن الموضوع.ولايعرف مايقصده العمّ يونس بسؤاله عن ابنه..وبعد لحظات أجاب:
في الحقيقة ياعمّ … أنالا أعرف شيئاً,أرجوك وضّح لي ماجرى. وبسرعة انهمرت دموع سارة صارخة:
ياللمصيبة!!. راح الأب يفرك جبينه بهدوء..مفكّراً بالتصرّف المناسب..ثم نظر إلى سارة ..ثمّ إلى سولان..ويبدو أنه قرّر شيئاً..فتقدّم بضعة خطوات ..وبعدها قال:
سنخرج للبحث عنه، عسانا نوفّق بالعثورعليه . ثم نظر إلى سولان ..وربت على كتفه قائلاً:
أرجوك ياسولان أن ترافقني..ولكن ليس قبل أن تخبر أمّك ..كما أرجو أن تخبرها بأننّا ربما سنتأخّر..كي لاتقلق هي الأخرى. هزّ سولان رأسه بالموافقة.. ثم سأل:
ولكن لحد الآن لم أفهم شيئاً.. أجاب الأب بنبرة يائسة, وهو يضع يده على ظهر سولان متوجّهين إلى البيت ..قائلاً:
ستفهم كلّ شيء.. أما سارة فاقتربت من أبيها, وأمسكت بيده..وخاطبته متوسّلة:
سأرافقكما ياأبي.. أجاب الأب:
طبعاً، وهل أتركك وحدك.
في أعماق الغابة السوداء
في أعماق الغابة المكتظّة بالأشجار الخضراء العالية..التي حالت دون دخول ضوء الشمس بشكل يكشف الطريق ..كان سامر يمشي بخطى قصيرة..متلفّتاًَ إلى جانبيه..وهو يحمل بيمناه سلّة قشّ فارغة..يبدو أنّه يبحث عن شيء ما..ولكن ماهو!!؟..أخيراً قرّر أن يستريح, بعد أن أعياه التعب..فجلس قريباً من شجرة بلّوط كبيرة..سانداً ظهره المتعب على جذعها الفخم..وبعد أن لفظ أنفاسه بصعوبة..راح يفكّر بما آلت إليه حاله..
لقد تعبت رجلاي من كثرة المشي، ولحدّ الآن لم أعثر على شجرة توت بريّ واحدة.. كلّ الشجيرات خالية من الثمر.. ماذا أفعل الآن؟ أنا في حيرة من أمري، فلو رجعت إلى البيت لصرت أضحوكة أبي وسارة، ماذا سأقول لهما, وأنا راجع إلى البيت حاملاً معي سلّة فارغة ؟.
ثم راح يتخيّل المشهد فيما لو عاد خالي الوفاط:
لقد قرّرت أن أخرج صباحاً ,لأقطف التوت البريّ الأحمر من أشجار الغابة .كي تكون مفاجأة لكما عندما تستيقظان ,وعملاً طيباً أقوم به..لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث.. لأنّ أشجار التوت البريّ كانت كلّها خاوية من ثمارها. وراح يتخيّل القهقهات العالية التي تنبعث من أخته سارة..تتبعها توبيخات أبيه .. قهقهات وتوبيخات.. راح يتصوّرها كأنها قريبة من أذنيه..هزّ رأسه منزعجاً .. لكنّه سرعان مانهض من مكانه..كمن قرّر شيئاً مع نفسه..
لا..لن أستريح . سأواصل البحث عن أشجار التوت البريّ الأحمر. ولن أعود للبيت, إلا بعد أن أملأ هذه السلّة بالتوت الأحمر.. وفي مكان آخر من الغابة كان الأب مع سارة وسولان . قد قطعوا مسافة طويلة..متوغّلين في أعماق الغابة السوداء..مابين أرضها السهلة مرّة,والوعرة مرّة أخرى,متلفّتين في كلّ الجهات..وهم ينادون بأعلى أصواتهم المبحوحة,على أمل أن يسمعهم سامر . وبعد رحلة شاقّة من البحث استمرّت الساعتين تقريباً..سحب الأب قدميه بصعوبة متوجّهاً إلى مكان منبسط,وهو ينظر لسولان وسارة, اللّذين يسيران إلى جانبه,قائلاً:
ألم تتعبا من المشي ؟. أجاب سولان لاهثاً:
لا نريد الراحة, إلا بعد أن يهدأ بالنا بالعثورعلى سامر. وبعد قليل أشار سولان بيده صوب جهة ما ..وقال مخاطباً العمّ يونس:
عمّي.. انظر.. هناك شخص ينظّف الأرض من أوراق الأشجار، ربّما يكون قد شاهد سامر في أثناء عمله. أجاب الأب:
فكرة معقولة.. لنذهب ونسأله. تقدّموا باتجاه ذلك الشخص..وعندما صاروا قريبين منه ..بادر يونس بالسلام:
مرحباً. أجاب الرجل:
أهلاً وسهلاً.هل من خدمة؟. اقترب يونس من الرجل ..ثم سأله متلهّفاً:
أخبرني من فضلك ياسيّد ، ألم تشاهد صبياً في الثانية عشرة من عمره.. مرّ من هنا ؟. ابتسم الرجل ..وقال:
طبعاً، فأنا أشاهد يومياً عشرات الصبية يمرّون من هنا.. وما دام في الثانية عشرة من عمره فلِم القلق ؟.. إنه ليس طفلاً صغيراً. ابتسم الأب لسذاجة هذا الرجل..ثم هزّ رأسه..قائلاً:
على أية حال.. شكراً.. فأنت لا تعرف الحكاية.. مع السلامة. أجاب الرجل وهو يواصل عمله في جمع أوراق الأشجار:
مع السلامة.. وأرجو أن تعثروا عليه. وابتعد يونس مع سارة وسولان ,مواصلين البحث عن سامر..
أما سامر فقد أتعبه المشي كثيراً، لذلك قرّر أن يستريح قليلاً تحت شجرة كستناء عالية،.جلس على الأرض..وراح يداعب أوراق الأشجار المتناثرة حوله..والأفكار تترائى في باله..مشتّة مبعثرة ..هل يعود ..أم يواصل البحث عن التوت.. وبعد تفكير ..توصّل للحلّ ..وهو أن يعود إلى البيت, ويقصّ على أبيه ما حصل معه بكلّ صراحة..تمتم مع نفسه:
نعم.. وسيسامحني بالتأكيد. ثم رفع رأسه إلى الأعلى ..كانت الأشجار متشابكة بكثافة..تعيقه عن رؤية السماء في الأعلى..لكنه تيقّن أن الشمس ستشارف على المغيب بعد قليل.فنهض من مكانه ليسرع بالعودة للبيت. في اللّحظة التي قرّر فيها سامر الرجوع إلى البيت, كان سولان في جانب آخر من الغابة ,يتطلّع هو الآخر إلى الشمس التي شارفت على المغيب..كانت خيوطها الذهبية تتسلّل من بين الأشجار العالية..قال سولان:
ستغيب الشمس. وعندها سيكون الظلام دامساً.ولن نتمكّن من مواصلة السير أبداً. أجابه العمّ يونس:
معك حقّ.. ثم نظر إلى ابنته سارة, التي كانت تسحب قدميها الصغيرتين سحباً:
هل تعبت ياسارة ؟. أجابته سارة:
لاتبالي ياأبي.. ما دام تعبي هذا من أجل لقاء أخي سامر. ثم راح سولان يستعرض الأشجار الكثيفة, التي تحيطهم من كلّ الجهات..وقال موجّهاً سؤاله للعمّ يونس:
هل سنبيت ليلتنا هذه بين هذه الأشجارالكثيفة ؟. أجابه يونس:
أعتقد ذلك.. لكنّني أتمنى أن نعثر على سامر, قبل أن يصير الظلام دامساً. أمّا سامر.. الذي قرّر العودة للبيت ,فكان أمام مشكلة جديدة.إذ إنه أضاع طريق العودة..لايدري كيف قادته ساقاه إلى هذا المكان البعيد جداً عن منزله..أيّ الطرق سلك؟؟.. لايدري..من أين مشى..لايدري..يميناً ..أم يساراً..شرقاً..أم غرباً.. وبعد أن أدرك حجم المشكلة التي صار فيها رمى بالسلة على الأرض..وسقط منهاراً..وراح يكلّم نفسه:
ياإلهي!!.. لقد أضعت الطريق التي أتيت منها، يالغبائي.. كان عليّ أن أتخذ من الأشجار دليلاً لعودتي للبيت.. ماذا أفعل الآن ؟ لقد تهت. ثم وضع وجهه على الأرض..وراح يجهش بالبكاء..
فعلاً. تصرّفاتي طائشة، كان عليّ أن أخبر أبي قبل خروجي، لقد أخطأت خطأ كبيراً،لا أعتقد أنّ أبي سيسامحني. ثم رفع رأسه, وراح يستعرض المكان من حواليه..بدأت الظلمة تعمّ شيئاً فشيئاً..المكان صار موحشاً..تمتم سامر مع نفسه بخوف:
يجب عليّ أن أتصرّف بسرعة،كي أرجع إلى البيت, قبل أن تشتدّ حلكة الظلام. لملم سامر نفسه..وتماسك قليلاً..وشجّع نفسه بنفسه..وسار باتجاه ما..علّه يصل إلى شيء يذكّره بالطريق, الذي سيقوده إلى البيت..وبخطوات مرتبكة قادته قدماه..إلى مكان انبعث على بعد منه بصيص ضوء خافت.توقّف سامر..مابين مصدّق وغير مصدّق..وقال لنفسه مستغرباً:
ما هذا!! بصيص ضوء بعيد!!.. يبدو أنّه كوخ..ولكن لم ألاحظه وأنا في طريقي ؟؟. ثم استنتج بعد تفكير بسيط.. أنّه يسير في طريق غير الطريق التي سار فيها ,عندما انطلق من بيته..ومع ذلك قرّر:
لأسِر في اتجاهه..وعندما أصل..سأسأل أصحاب البيت ..ربمّا يدلاني على الطريق الصحيح لبيتنا. ربّما وجد له سامر أملاً في هذا البيت ,الذي ظهر له فجأة..في حين أن ّيونس لم يجد أمامه سوى فسحة صغيرة, فرشت بالعشب الأخضر,يبدو أنّ الشمس على موعد يوميّ بزيارتها كلّ يوم,لذلك قرّر أن يتّخذها موضعاً لأخذ قسط من الراحة.. قالت سارة وهي تتفقّد ساقيها, التي تناثرت في أجزاء متفرقة منها بقع الدم وبعض الخدوش:
آه.. رجلاي تؤلماني كثيراً.لم أعد أستطيع المشي بعد الآن.. قال الأب وهو يستلقي على العشب, واضعاً يديه تحت رأسه:
سنضطرّ للبقاء هنا, ريثما تشرق الشمس ,ونعاود البحث من جديد. بينما أتكأ سولان ظهره على جذع الشجرة القريبة منهم ..وراح يتمتم مع نفسه:
ترى أين أنت الآن ياسامر ؟. وماهي إلا لحظات قصيرة,حتى انبثق صوت أجشّ من بعيد..ينادي:
لاتتحرّكوا..ارفعوا أيديكم إلى الأعلى, وإلا أطلقت النار عليكم. استعدل الأب ..ليتبيّن مصدر الصوت..لكنّ الظلام كان لايسمح بذلك..فطلب من سولان أن يساعده بالنهوض..فمدّ يده ونهض واقفاً..وهو يحاول أن يميّز صاحب هذا الصوت..وبعد لحظات.. همس قلقاً:
ياإلهي!!. قالت سارة مرعوبة:
أرجو أن يكون خيراً. بعد لحظات لاح أمامهم شخص طويل القامة, يحمل بيده بندقية قديمة..صوّبها تجاههم..تقدّم إليهم بخطوات حذرة..وقال مهدّداً:
أيّ حركة تصدر منكم ستكون سبباً في هلاككم.. رفع الجميع أياديهم إلى الأعلى..وعندما صار الرجل قريباً منهم ..وضع فوّهة البندقية على عنق يونس..وسأل بنبرة حادة:
من أنتم ؟ أجبني بسرعة قبل أن أقضي عليكم. أجابه يونس مرتبكاً:
نبحث عن طفل في الثانية عشرة… فهل تساعدنا ياسيّد ؟. ضحك الرجل ساخراً ..ثم اصطكّت أسنانه غضباً وهو يقول:
أنتم الآن على أرض سيدي(( هير مايه)).. وقد أمرني أن ألقي القبض على كلّ من تطأ قدمه على هذه الأرض. استأنف يونس حديثه رافعاً يديه إلى الأعلى..وموجّهاً نظراته إلى الرجل..قائلاً:
لقد أخبرتك بحقيقة أمرنا… وطلبنا منك المساعدة.. فعلامَ تلقي القبض علينا؟!.. لسنا لصوصاً. ثم أخرج الرجل من جيبه حبلاً ..ورماه على الأرض ,وطلب من سولان أن يقيّد أيدي سارة ويونس..وماكان من سولان إلا أن يلتقط الحبل بيدين مرتعشتين..وتحت تهديد بإطلاق الرصاص.. راح سولان يقيّد الأيادي, مبتدءاً بالعمّ يونس..ثمّ سارة ..وعندما انتهى.. اقترب الرجل من سولان..وراح يقيّده بيد..وبالأخرى يصوّب بندقيته إليه..وبعدها أشار لهم ببندقيته صارخاً بنبرة شديدة:
هيا سيروا أمامي..لتنالوا جزاءكم .. سأل يونس:
إلى أين تأخذنا؟. أجاب الرجل:
هير مايه سيقرّر مصيركم. لم يجدوا إلا أن يرضخوا لتهديده ..وراحوا يمشون بخطوات ثقيلة الى مصير مجهول..ووجدوا أنفسهم قد وقعوا في مشكلة جديدة ,لم تخطر على بالهم أبداً.وبعد مسافة من المشي في الظلمة مابين الأحراش والأشواك..وجدوا أنفسهم أمام بيت بسيط..بقربه حظيرةكبيرة.لكنّهم لم يستطيعوا أن يميّزوا المكان جيداً لحلكة الظلام..وعندما صاروا قريبين من باب البيت ..بدأ الرجل بربط الحبل الذي قيّدهم به, بخشبة سور الحظيرة القريبة من الباب..ودخل البيت ..كانت الدموع تنهمر من عينيّ سارة..عندما سألت أباها:
هل يعني هذا أننا حُبسنا ياأبي؟؟..من سيبحث عن سامر إذن؟؟.. وكيف سيعرف أننا هنا؟؟.. قبل أن يجيب الأب عن أسئلة ابنته, خرج الرجل برفقة رجل ضخم الجثّة.. ذي لحية بيضاء كثّة.. رمقهم بنظراته, مستعرضاً إياهم من الأعلى إلى الأسفل..ويبدو أنّه أراد أن يتفحّصهم عن كثب..فاقترب منهم أكثر.. وراح يدور حولهم ..ولاحظ ارتعاش الطفلين.. فسأل هير مايه بسخرية:
أنتم إذن اللصوص؟ لقد أتعبتموني فعلاً. أجاب يونس ..متوسّماً في هيرمايه الشهامة..إذ قال مستهزءاً: - أيّ لصوص ياسيّدي ؟ .. ثم قالت سارة بنبرة متوسّلة:
أرجوك ياعمّ.. كنا نبحث عن أخي الضائع. وأردف سولان:
نعم ياعمّ.. ارجوك أن تساعدنا. راح هيرمايه يداعب لحيته الكثّة..ويفكّر مع نفسه..وبعد قليل قال موجّهاً أمره للرجل ,الذي مازال يحمل بندقيته:
فكّ قيدهم ياهيركراوس، ودعهم يستريحوا حتى الصباح. ابتسم يونس ..وقال لهيرمايه:
شكراً يا (( هير مايه))..أنت صاحب قلب طيّب.. وبعد أن تحرّر الجميع من قيودهم..تقدّم الأب من هيرمايه ..وقال له وهو يتحسّس معصميه الذين حرّرا للتوّ من القيد:
اسمع يا (( هير مايه)).. سأقصّ عليك القصّة, ربّما تساعدنا. قال هيرمايه مبتسماً:
ليس قبل أن تدخلوا إلى البيت,,فأنتم متعبون جداً..يبدو أنكم قد عانيتم كثيراً..تفضّلوا.. تبادل يونس مع ابنته سارة وسولان نظرات الشعور بالراحة والطمأنينة..وشكروا هيرمايه على كرمه ..وتبعوه ليدخلوا إلى منزله. كان المنزل بسيطاً..ذا أثاث خشبي قديم..لكنّه كان يحوي على كلّ وسائل الراحة ,من أرائك وطاولات وأسرّة..وجدرانه مزينّة بأشياء طبيعية, مثل رؤوس الحيوانات, أو تحف منحوتة من الخشب..جلس الجميع..ثم راح يونس يقصّ على مسامع هيرمايه ماجرى لابنه سامر..وكيف أنهم قرّروا البحث عنه في الغابة, إلى أن قادته الأقدام إلى المكان الذي قبض عليهم فيه.قال هيرمايه وهو يستعدّ للنهوض من مكانه:
عن إذنكم، سأحضر الطعام والشراب.. فلا بدّ أنكم جائعون.وبعدها لنا حديث آخر.. ابتعد عنهم هيرمايه بضعة خطوات.. فركت سارة راحتي يديها ..وقالت فرحة:
طعام ؟؟ أسمعتم ..يقول طعام .ما أسعدني . أشار الأب لابنته بالتزام الصمت..ثم راح يفكّر..قطع تفكيره سولان بسؤاله:
أتظنّ ياعمّ يونس أن يكون سامر قد رجع إلى البيت الآن؟. نظر يونس إلى سولان..وأجاب مبتسماً:
أتعرف..أنني كنت أفكّر بالشيء نفسه للتوّ.. نهضت سارة من مكانها ..لتصير قريبة من أبيها ,وتسأله:
هل يمكن باأبي أن يكون قد سافر إلى بيت خالتي في كاوف بويرن.. ربت الأب على كتف ابنته مبتسماً..وقال:
لا..صحيح أنّ سامر مشاكس ومشاغب..لكنه لايتصرّف بهذا الغباء…هذا إضافة إلى أنّ الرحلة إلى هناك بحاجة إلى كثير من المال .
بعد قليل كانت المائدة عامرة بالطعام..ويتحلّق حواليها يونس وابنته وسولان..قال يونس مجاملاً:
شكراً لك يا (( هير مايه))،فأنت طيّب وتستحقّ الخير كلّه. قال هيرمايه خجلاً:
أكرّر اعتذاري لما بدر منّا في البداية.. قالت سارة:
لقد كدت أموت خوفاً ورعباً. وضع هيرمايه يده على كتفها,ثم ضحك قائلاً:
ظننتكم اللّصوص. ثم سأله سولان:
صحيح.. ماحكاية اللصوص؟. سحب هيرمايه نفساً عميقا..وبدأ الحديث قائلاً:
قبل فترة كنت أملك عدداً كبيراً من الخراف والماعز، وكنت قدوضعتهم في الزريبة القريبة من المنزل.أخرج صباحاً كلّ يوم لأستمتع بمنظرهم ,وهم يأكلون العلف من يدي ، ليأتي بعدها (هيركراوس) ويسرح بهم في المزارع المجاورة.لكن في أحد الأيام اكتشفت أنّ عدد الخراف ناقص، فأخبرت ( هيركراوس) بهذا الأمر. وسألته:
ألاتعتقد يا(( هير كراوس))، أن تكون الخراف جائعة ,فكسرت سور الزريبة بحثاًعن الطعام؟. أجاب هيركراوس:
أنت تعرف جيداً أننّي حريص على مسألة إطعامهم. ثم سأله هيرمايه:
أو هل تعتقد أنّ حيوانات مفترسة قد هاجمتهم, وانقضّت على عدد منهم.
هزّ هيركراوس رأسه بالنفي.. ثم أردف قائلاً,بعد أن رأى الحيرة في وجه (هيرمايه):
أرجو أن لا تشكّ يوماً يا (( هير مايه)) في مدى حبي وإخلاصي لعملي. قال هيرمايه:
بل أصدّقك. كان الجميع ينصت بانتباه شديد, للحكاية التي كان يرويها لهم هيرمايه ,عن اختفاء عدد من خرافه فجأة..وعن سرّ هذا الاختفاء غير المسبوق.تبادلوا نظرات الحيرة والدهشة..إنها حكاية غريبة ..ومشوّقة في الوقت نفسه.. استأنف (( هير مايه)) حكايته قائلاً:
وبعد عدّة أيام اختفت مجموعة أخرى من الخراف,,وبعدها بأيام اختفت مجموعة أخرى..وصارت أعداد الخراف تتناقص يوماً بعد يوم. قالت سارة مستغربة:
أيعقل هذا!!؟. ثمّ قال يونس:
ربّما تكون قد ضاعت في أثناء رعيهابالمزارع المجاورة. هزّ هيرمايه رأسه ..وابتسم قائلاً:
كلا.. فالخراف محبوسة داخل الزريبة. ومع هذا كانت الخراف تتناقص يوماً بعد آخر. نظر سولان إلى سارة..ثم إلى العمّ يونس..ثم سأل:
إذن.. كيف تتمّ السرقة ؟. تئاءبت سارة..ويبدو أنّها أحسّت بالنعاس. الذي اختلط مع بوادر الخوف..وهذا مالاحظه هيرمايه..فنهض من مكانه قائلاً:
سأجهّز لكم مكان المبيت..وفي صباح الغد نفكّر بأمورنا.
كوخ جميل…ولكن!!..
أمام كوخ كبير.. تناثرت شبابيكه الصغيرة على طابقيه ..وقف سامر مذهولاً:
فعلاً.. إنه كوخ جميل. ثم تردّد كثيراً قبل أن يقرّر التقدّم نحو بابه ليطرقه..ترى من يكون صاحبه؟!!.وبينما هو كذلك, وإذا بنباح كلب شرس يفزعه من مكانه..التفت ناحية الصوت..ليجد نفسه أمام كلب أسود ضخم, يهجم عليه.لم يجد سامر نفسه إلا وهو ساقط على الأرض,بعد أن رفسه الكلب برجليه الأماميتين.ثم تراجع إلى الخلف, وراح ينبح عليه..مكشّراً عن أنياب لماّعة حادّة.. كان سامر يزحف على مؤخّرته متراجعاً إلى الخلف ..مستنداً بيديه على الأرض..وهو يرتعد خوفاً:
اسكت… لقد أفزعتني. لكنّ الكلب استمر بعوائه الوحشي..محاولاً الاقتراب من سامر.. فكّر سامر بسرعة في الكيفية التي تنقذه من أنياب الكلب الشرس هذا..تلفّت حواليه..لم يجد سوى حجر صغير على الأرض.التقطه ورماه على الكلب, وهو يطلق صرخة قوية:
خذ هذه الحجارة لتحطّم رأسك. ارتطم الحجر الصغير بجسم الكلب الضخم..ممّا زاده وحشية..وارتفع نباحه الشديد,الذي راحت أصداؤه تملأ سكون الغابة الموحش.
إيما..إيما.. هذه الكلمة انبعثت من داخل الكوخ..وحالما سمعها الكلب.. كفّ عن عوائه ..ليتراجع صوب باب الكوخ ,ويقف قريباً منه..بعد لحظات فتح الباب..وإذا بعجوز تنحني لتمسّد على رأس الكلب. الذي تحوّل فجأة من كلب شرس متوحّش, إلى كلب وديع جداً..أمام الأنامل التي تداعب أذنيه السوداوين..ثم رفعت العجوز نظرها إلى سامر وسألته:
ماذا تفعل بإيما؟.لا تؤذه.. إنه كلبي العزيز. تلعثم سامر..لايدري ماالذي يقوله..بعد أن أحسّ بالخجل من تصرّفه مع الكلب, ثم راح يفكّر:
ترى من هذه العجوز؟!.. هل من المعقول أن تكون هي صاحبة هذا الكوخ الجميل ؟. بينما استمرّت العجوز بمداعبة كلبها الأسود الوديع ..ثم وقفت لتوجّه كلامها لسامر:
يبدو أنّك ذو قلب قاسٍ.. ألا ترحم هذاالحيوان المسكين ؟. نهض سامر هو الآخر من الأرض..وراح ينفض ماعلق من تراب بملابسه..وهو يقول:
أنا آسف ياخالة، لكنّه أزعجني بعوائه المستمر . تابعت العجوز كلامها وهي تشير لكلبها:
أنا التي أمرت إيما أن يوقظني, عندما يرى غريباً يقترب من الكوخ. ابتسم سامر قائلاً:
أكرّر أسفي ياخالة. اقتربت العجوز وصارت على مقربة من سامر..ثم قالت:
ما اسمك يافتى ؟. أحسّ سامر ببارقة أمل..فأجاب:
اسمي سامر ياخالة. استدارت العجوز لتعود من حيث أتت ..بينما وقف سامر مكسور الخاطر, بعد أن تبدّد حلمه بدعوته لدخول البيت.. فظلّ واقفاً مشدوهاً….لكن ..بعد لحظات.. وقبل أن تصل إلى باب بيتها.توقّفت لتلتفت إلى سامر وتسأله:
هل ستظل واقفاً هكذا ياسامر ؟. ظنّ سامر أن العجوز تطرده .. فتمتم مع نفسه:
إنّها تطردني بدل أن تدعوني للدخول.. يالحظي السيء!. ثم همّ بمغادرة المكان ..وهو يلوّح لها بيده:
لا تقلقي ياخالة، سأغادر المكان حالاً، مع السلامة . وماهي إلا بضعة خطوات ..حتى استوقفته العجوز قائلة:
انتظر، الوقت الآن متأخّر، فلماذا لا تستريح قليلا ًحتى يطلّ الصباح؟.
التفت إليها سامر..وراح يتظاهر بعدم الرضا..قائلاً:
ولكن ياخالة أخشى أن..أخشى أن.. قاطعته العجوز قائلة:
لن أسمع أية كلمة، فأنت على ما يبدومتعب, وتحتاج للراحة. ثم تابعت خطواتها باتجاه البيت..ثمّ توقّفت إلى جانب الباب, وأشارت إليه بالدخول مبتسمة..وقالت:
تفضّل ياسامر.. دخل سامر إلى البيت..وهو يتلفّت يمينا ويساراً.. منبهراً بكلّ ماحوله .وعندما صار في الداخل اكتشف أنّ بهاء البيت لايقلّ عن بهائه من الخارج..
هل أصدقّ عيني؟ أكيد أنا في حلم، كوخ رائع جميل. وجذّاب، إنه لا يخلو من لون أبداًَ. دخلت العجوز إلى إحدى الغرف , بينما راح سامر يستعرض موجودات البيت مذهولاً..
الجدران ملوّنة، كلّ جدارله لون، الستائر بألوان زاهية وتحف جميلة, تنتشر في كلّ زوايا الكوخ والستائر ملونة. ، التحف ما أبهاها!، كلّ شيء جميل هنا,إنّه شيء لا يصدّق أبداً. ولكنّه فجأة..وقعت عيناه على منظر أفزعه..صعق..وذعر بما رآه أمامه..وأراد أن يتكلّم.. لكنّ هول المفاجأة حال دون ذلك ..لكنّه أخيرا ًبدأ يتأتىء:
م..م..ما هذا! ؟ م..م..من أنت ؟. أجابته:
ما بالك ياسامر؟ ، هل تمزح معي؟ لقد ذهبت لأحضر لك الطعام، وجئت لأسألك: هل تتناول الشاي مع الطعام, أم عصير الفاكهة ؟. تراجع سامر خائفاً:
ماذا ؟! أكاد أجنّ، لقد كنت قبل قليل عجوزاً، وها أنت الآن أمامي فتاة جميلة!! هل.. هل.. هل سحرت نفسك ؟. ضحكت الفتاة..ثم أجابت:
ليس هكذا تماماً، بل تستطيع القول بأنني غيّرت شكلي، لأكون جديرة باستقبالك. ثم صارت تتقدّم نحوه..خطوة خطوة..هي تتقدّم..وسامر يتراجع خائفاً ..مرتعشاً..ثم صار يبحث عن الباب الذي دخل منه.. سألته الفتاة:
لم تجبني..هل تحبّ أن تتناول الشاي..أم عصير الفاكهة الطازج؟.. أجاب سامر بصوت مرتجف:
لا هذا ولاذاك. لأنني سأخرج حالاً. فأنت بالتأكيد الساحرة (هكسه أماندا ) التي طالما سمعت عنها.. ضحكت الفتاة..وقهقهت عالياً..وتحوّل صوتها الشجيّ, إلى صوت مبحوح بشع..ثم توقّفت فجأة عن قهقهاتها..وقالت:
نعم أنا هي..وسترى كم يظلمني الناس بوصفي بالشريرة..فأنا طيّبة القلب..أطيب ممّا تتصوّر..وكريمة أيضاً..وسأضيفك ..فأنت متعب جدا ًوجائع ,وبحاجة إلى الراحة والطعام، ولن أدعك تخرج، اغسل يديك . فالطعام سيكون جاهزا ًخلال دقيقتين. استمرّت الفتاة هكسه أماندا تتقدّم إليه..بينما استمرّ هو بالتراجع..حتى التصق جسمه بالجدار..فوضع يديه على عينيه .كأنّه يريد أن يغلقهما, كي لايرى شيئاً أمامه..وراح يتمتم مع نفسه خائفاً:
حياتي صارت معرّضة للخطر, بعد أن اكتشفت أنّ هذه المرأة هي (هكسه أماندا) الشرّيرة، أنا خائف جداً، ولا أدري ماذا ينتظرني، كان معك الحقّ ياأبي, حينما كنت تلومني على أفعالي وتصرّفاتي, كم يكون الفتى مخطئاً حين يعصي كلام والديه، وكم أنا نادم على فعلتي هذه.
يوم جديد..في بيت (( هير مايه))
يوم جديد..وصباح جديد يشرق على الغابة السوداء.. وخيوط ذهبية دافئة..راحت تداعب واجهة بيت هير مايه, الذي احتضن ضيوفاً لأول مرّة منذ أكثر من عشرين سنة ..وأمام البيت كان هير كراوس منشغلاً بالاعتناء بالماشية ,من ماعز وأبقار وأغنام.. دخل يونس إلى صالة البيت, ليجد هيرمايه وسارة وسولان قد سبقوه في الجلوس إلى مائدة الإفطار..
صباح الخير.. ردّ هير مايه:
صباح النور، أرجو أن تكون قد ارتحت في نومك…تعال لتتناول افطارك. سحب يونس الكرسيّ..وبعد أن جلس ..سحب نفساً عميقاً..ثم قال:
وكيف أرتاح ويهدأ لي بال, وأنا لا أعرف مصير ابني سامر. لاحظ هيرمايه أن عينيّ يونس حمراوان .فتيقّن أنّه لم يغفل له جفن فعلاً.. هزّ هيرمايه رأسه, متأثّراً ..ثم سأله:
أردت أن أسألك عن سامر ، كم عمره ؟. أجاب يونس وهو يبتلع الطعام:
إنّه في الثانية عشرة، ولكن لماذا هذاالسؤال ؟.. ثم شرد ذهن هيرمايه..وراح يسرح مع خيالاته..
في الثانية عشرة.. أوه.. إنهامشكلة فعلاً, لو كان ما أفكّر به صحيحاً. لكنّ صوت يونس منعه من مواصلة تأمّلاته..إذ قال:
لقد أقلقتني جداً ياهير مايه ، ما علاقة أسئلتك هذه عن سامر بموضوع اختفائه؟. أجاب هيرمايه متلعثماً:
لا..لاشيء..
ثم استمرّ بتناول طعامه..وطلب من الجميع أن يواصلوا طعامهم ..فأمامهم رحلة شاقّة.. لكنّ يونس.. عرف أنّ هيرمايه يفكّر بشيء..لايريد أن يطّلع عليه الطفلان..وبعد قليل وبعد أن انتهى هيرمايه من تناول طعامه..غمز ليونس أن يتبعه..وسبقه إلى الخارج.. ليقف قريباً من حظيرة الماشية..وعندما وصل يونس ..راح الاثنان يمشيان بموازاة سور الحظيرة..بدأ هيرمايه حديثه قائلاً: - اسمع يا هيرجوناس، مسألة اختفاء سامر تذكّرني بقصّة عائلة تسكن قريتنا, فقدت ابنها وهو صبيّ بمثل عمر سامر تقريباً، فما كان من أهل القرية, إلا أن يهبّوا للبحث عن الولد الضائع. سأل يونس بلهفة :
وهل عثروا عليه؟؟. أجاب هيرمايه:
نعم، كان محتجزاً في بيت ( هكسه أماندا ),الساحرة الشرّيرة، وهي تبحث عن الفتيان في مثل هذه السنّ, لتسخّرهم في أعمال سيئة، كالسرقة والنّهب.. وما شابه ذلك. قال يونس مندهشاً:
هكسه أماندا!!..كثيراً ماسمعت عنها, من خلال أحاديث سارة وسامر..وظننتها شخصية أسطورية. سأل هيرمايه:
يعرفانها إذن؟؟.. هزّ يونس رأسه قائلاً:
نعم.. فأردف هيرمايه:
أرجو أن لا يكون سامر عند هكسه أماندا الشرّيرة هذه. سأل يونس:
أهي شرّيرة إلى هذا الحدّ؟؟. أجاب هيرمايه:
بل أكثر.. سحب يونس نفسه بعمق..وقال:
سنواصل بحثنا عنه في كلّ الظروف، عسانا نوفّق في العثور عليه، ولكن أرجو أن تدلّني على بيت هكسه أماندا. توقّف هيرمايه عن مشيه..وقال:
للأسف يا هير جوناس ، إنها ماكرة, ولن تستقرّ في مكان معلوم. شعر يونس باليأس..لكنّ هيرمايه..وضع يده على كتفه, وطمأنه قائلاً:
لاتقلق..سيكون كل ّشيء على مايرام..ولكنّ الأمر يحتاج إلى الصبر,والتحلّي بالشجاعة. هزّ يونس رأسه مستحسناً ماسمعه من هيرمايه.. بعد أقلّ من ساعة..كان الجميع يقف عند باب البيت استعداداً للرحيل..مدّ يونس يده ليصافح هيرمايه قائلاً:
شكراً لك (( هير مايه))، على كرمك وطيبتك ونصحك، لقد أتعبناك كثيراً، وكم أتمنى أن نجد سامر لنأتي إليك ونحتفل بلقائه. ابتسم هيرمايه وقال:
أتمنّى أن يتحقّق ذلك.
هكسه أماندا ..وخططها الخبيثة
حملت هكسه أماندا صينية الطعام, ووضعتها على المائدة..ثم راحت توزّع مابها على مساحة الطاولة..أما سامر فكان لايأبه بكلّ مافرش أمامه مما لذّ وطاب من طعام وشراب..لأنّه كان قلقاً وخائفاً .نظرت هكسه أماندا..وخاطبته مبتسمة:
هذا هو الفطار جاهز ياسامر. أجابها سامر:
لا أستطيع أن آكل.. سأخرج الآن ,وأشكرلك عطفك ياهكسه أماندا. ضحكت مستهزئة..وقالت:
تخرج؟!!..لا هذا مستحيل.. قال سامر بنبرة حادّة:
بل سأخرج..مادام النهار بأوّله..وعليّ أن أعود لبيتي.. ثم توجّه نحو الباب..فما كان من هكسه أماندا إلا أن تقف أمامه ,لتسدّ عليه الطريق..مكشّرة عن أنياب بشعة..وهي تقول مهدّدة:
لا… لن تخرج، ويجب أن تطيع أوامري . لملم سامر كلّ مايملكه من شجاعة وجرأة..واستطاع أن يرفع صوته صارخاً بوجه هكسه أماندا :
ما هذا الهراء ؟. ضحكت هكسه أماندا..ثم قالت متوعّدة:
تقول هراء ياببغاء!! ؟. قال سامر مندهشاً:
ببغاء!! يبدو أنّك جننت . واصلت هكسه أماندا ضحكاتها الخبيثة ..ثم فجأة توقّفت, لتكشف عن وجه بشع..وقالت له :
اخرس ياولد، فعندما أريدك أن تكون ببغاء, سيكون ذلك سهلاً.. هل تريد أن تتأكّد بنفسك ؟. تراجع سامر..وراح يتوسّل:
كلاّ… أرجوك ياهكسه أماندا.أرجوك..لاتفعلي هذا.. مدّت هكسه أماندا ذراعها ,وأشارت بسبّابتها إلى سامر قائلة:
ليس هناك شيء صعب على هكسه أماندا ياغبيّ.. هزّ سامر رأسه ..ليهدّيء من روعها..بينما استمرّت هي قائلة:
إذن.. ستبقى هنا في البيت، ستصير خادماً، تنفّذ ما آمرك به.. سمعت ؟. قال سامر بلهجة حادّة:
لاتقولي غبيّاً..ولاحتى خادماً.. ضحكت هكسه أماندا قائلة:
بل غبيّ..ولكني مضطرّة أن أشغلّك خادماً, ريثما أعثر على من هو أذكى منك.. صرخ سامر بوجهها:
ولكن هذا ظلم .. ضحكت هكسه أماندا بخلسة..ثم راحت تفكّر..
لن أترك خروفاً واحداً على قيد الحياة، ولا بقرة ولا ماعزاً، هذه الحيوانات تعطي للناس الحليب واللّبن واللّحم، وأنا أكره الناس.. كلّ الناس، إذن عليّ أن أتخلّص من هذه الحيوانات. أما سامر فراح يأكل مضطرّاً من الطعام الذي قدّمته له هكسه أماندا.وهو يبحث مع نفسه عن طريقة تنقذه من هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه. نظرت هكسه أماندا إلى سامر,فوجدته واجماً شارد الذهن..فتساءلت مع نفسها:
ترى بماذا تفكّر أيها الشقيّ؟ كيف سأقنعه بتنفيذ خطّتي ,لسرقة خراف من (( هير مايه)) ؟. أمّا سامر فكان يفكّر في شيء على النقيض تماماً من تفكير هكسه أماندا:
آه يا أبي لو تعرف أين أنا الآن. أمنيتي الوحيدة الآن أن أعود إلى بيتنا سالماً , فأنا مشتاق إليك وإلى وسارة… تصرّفاتي الطائشة.. هي التي أوصلتني إلى ما أنا عليه الآن، أنا في حيرة من أمري، ماذا أفعل ؟.. بدأت هكسه أماندا بالتودّد إلى سامر ,لتصل إلى ما تبتغيه.فاقتربت منه ..وجلست إلى جانبه..انتبه إليها..فحاول أن ينهض مبتعداً عنها ..لكنّها أمسكت به ..وخاطبته بضحكة مصطنعة:
ما بك ياسامر؟… أراك واجما!!.. أجابها سامر:
لقد اشتقت إلى أبي وأختي سارة وصديقي سولان،اشتقت إلى كلّ شيء يذكّرني بهم. ضحكت هكسه أماندا وضعت يدها على كتف سامر. وهزّت سبّابتها قائلة:
ستراهم ..ولكن فيما بعد. سألها سامر متلهّفاً:
متى ؟ وكيف؟ لقد أضعت بيتنا، كان عليّ أن أنتبه, وأنا أقطع المسافات تلو المسافات. سألته هكسه أماندا مستهزئة:
كلّ هذا من أجل أن تقطف ثمار التوت البريّ؟.. سحب سامر أنفاسه بعمق..وراح يتمتم :
كنت أظنّ أنّ أبي سيفرح عندما يراني قد جمعت ثمار التوت.. ظننتها ستكون مفاجأة.
قرّبت هكسه أماندا وجهها من سامر لتسرّ في أذنه.
اسمع، سأجعلك ترى أباك وأختك بعد أن تنفّذ ما آمرك به. فرح سامر حالما سمع من هكسه أماندا ماقالته..وسألها:
أصحيح ما تقولينه ياهكسه أماندا ؟ هل رقّ قلبك؟. اقتربت منه هكسه أماندا, وراحت تكلّمه بلطف ورقّة.. قائلة:
وهل تظنّني بهذه القساوة,كي أحرمك من رؤية أبيك وأختك؟؟.. فرح سامر..وشكرها قائلاً:
أنت طيّبة ياهكسه أماندا..وأعتذر إن رفعت صوتي عليك قبل قليل.. أجابته هكسه أماندا:
لاتبالي..والآن تعال معي لأرسم لك طريق العودة لبيتكم.. سبقته إلى طاولة صغيرة..وضعت عليها أوراقاً صغيرة..وريشة ودواة.. جلست إليها ..وجلس سامر قريباً منها.سحبت الريشة..وراحت تخطّط بها ببعض الرسوم..وسامر يراقبها متلهّفاً..لكنّها توقّفت, ونظرت إلى سامر وقالت له:
قبل أن أرسم لك طريق العودة للبيت..سأرسم لك طريق بيت هيرمايه.. سألها سامر مستغرباً:
ومَن هيرمايه هذا؟؟وماعلاقته بالموضوع؟!. غيّرت هكسه أماندا من نبرتها.لتكون أكثر إقناعاً قائلة :
مارأيك في أن نتبادل المساعدات فيما بيننا؟.. لم يفهم سامر ماتعنيه هكسه أماندا فسألها :
لا أعرف ماتقصدين.. ابتسمت هكسه أماندا موضّحة:
أنت تحتاج لمساعدتي في أن أدلّك على طريق العودة لبيتكم ..وأنا بحاجة إليك لأن تعيد إليّ خرافي التي سرقها مني هيرمايه. سألها سامر:
كيف سرقها؟ ..ومتى؟..ولماذا؟.. أجابته هكسه أماندا:
هذا شيء حصل منذ زمن ..لاتشغل بالك فيه..وحاول أن تستغلّ الوقت للعودة إلى بيتكم..المهمّ أنّني أريد استعادة خرافي المسروقة.. سألها سامر:
ومالذي يبرهن لي أنّ هذه الخراف هي فعلاً خرافك ..وقد سرقت منك؟. أجابته هكسه أماندا:
أنا التي أؤكّد لك ذلك..ألا تصدّقني؟؟.. تأتأ سامر وهو غير مقتنع بكلامها:
بصراحة..في الحقيقة.. قاطعته هكسه أماندا :
على أية حال ..أنت حرّ..المهمّ أنّ هذا هو شرطي ,مقابل أن أطلق سراحك, وأدلّك على طريق العودة لبيتكم.. ثم أعادت الريشة إلى مكانها, ونهضت لتلملم صحون الطعام من على المائدة..نظر إليها سامر..فانتبهت إلى نظراته..ابتسمت مع نفسها ..وكأنها متأكّدة من أنّه سيضطرّ للموافقة في النهاية. كان سامر على يقين من أنّ هكسه أماندا كاذبة..وأنها تريد منه أن يسرق الخراف..مقابل إطلاق سراحه..فخاطبها قائلاً:
هل تظنّينني غبياً..أنت تريدين أن تسرقي الخراف..لا أن تستعيديها..أليس كذلك؟..
ضحكت هكسه أماندا باستهزاء قائلة:
وأنت تريد أن تبقى حبيساً عندي ماتبقّى من عمرك..أليس كذلك؟. جهش سامر بالبكاء.. بينما دخلت هكسه أماندا إلى المطبخ ..لتعود بعد قليل..بوجه أكثر مكراً. اقتربت منه وسألته:
ألم تخبرني بأنك تحبّ أباك وأختك وتشتاق لرؤيتهما؟ سأجعلك تراهما بعد أن تنفّذ ماأمرتك به. صرخ سامر بوجهها:
ولكنّك أبقيتني في بيتك على أساس أن أخدمك, لا أن أكون سارقاً. أشارت هكسه أماندا بإصبعها ..وقالت:
ووعدتني أن تطيع وتنفّذ أوامري، وها أنت تعصيها. ثم دخلت إلى غرفة صغيرة,وعادت بعد قليل وهي تحمل بيدها عصا سوداء..في مقدّمتها نجمة فضيّة برّاقة.. مدّت هكسه أماندا عصاها السحرية ..وأشارت بها إليه ,مطلقة ضحكة خبيثة بشعة ..لتتوقّف بعدها وتقول بصوت أجشّ بشع :
لقد حكمت على نفسك بالموت حرقاً بالنار. أصابت سامر الهستيرية..وهو يرى تلك العصا, التي طالما شاهدها في الصور والقصص, التي قرأها مع أخته سارة..وراح يتراجع إلى الخلف وهو يفتح كفّيه ..يحاول أن يغطّي وجه هكسه أماندا البشع..وهو يصرخ:
لا… أرجوك. لا..لا.. ثم انفجر باكياً وهو يقول :
أبي و سارة سيحزنان كثيراً، لا أستطيع أن أتخيّل هذا، أرجوك.. أتوسّل إليك أن تتركيني.. قالت هكسه أماندا وهي تهزّ بعصاها:
لا تحاول أن تثير فيّ الشفقة، فأنا لا أعرفها أبداً، إذا أردت حياتك, فعليك أن تنفّذ أوامري.
رحلة البحث مستمرة
رغم أنّ الجوّ ليس شديد الحرارة إلى درجة كبيرة…لكنّ الجهد والإرهاق الذي عاناه سولان في المشي..وبالنزول مرّة..وبالصعود مرّة أخرى….جعله يشعر بالعطش الشديد..فتوقّف عن مشيه وراح يلهث.. سألته سارة:
هل تعبت ؟. أجابها لاهثاً:
لا.. بل عطشت . تناولت سارة قربة الماء من حقيبة صغيرة, أعطاها لهم هيرمايه .بعد أن زوّدهم بشيء من الماء والطعام..وقالت لسولان:
خذ اشرب، ولكن قليلاً أرجوك. ارتشف سولان جرعة صغيرة..ثم أعاد القربة لسارة..وقال لها :
يالك من بخيلة جداً. انتبه يونس لحوارهما..فتدخّل ليقول:
معها حقّ ياسولان.. كي يكفينا فترة أطول. قال سولان مبتسماً:
أعرف هذا ياعمّ ..ولكنّني أحببت أن أمزح معها. بعد أن أخذ الجميع قسطاً من الراحة .. أشار يونس إلى إحدى الجهات ..وقال :
سنسير في هذه الطريق، ونسأل من نصادفه في طريقنا. وبعد مسافة قصيرة..لمح الجميع شخصين يعملان في حقل..فتوجّهوا إليهما. وعندما صاروا على مقربة منهما,بادرهما يونس بالسلام:
مرحباً أيها السيّدان. أجابه المزارعان:
أهلاً .. اقترب منهما أكثر ..ليسألهما:
من فضلكما، أردت أن أعرف منكما.. أين يمكنني أن أجد مكان السيّدة هكسه أماندا؟؟.. ثم أردفت سارة موضّحة:
الشرّيرة التي تخطف الصبيان.. ثم قال سولان:
يعني الساحرة الشمطاء ..التي تحرّض الفتيان على السرقة. تبادل المزارعان نظرات الاستغراب فيما بينهما..وقال أحدهما موجّهاً كلامه لرفيقه المشدوه بما سمعه:
هل سمعت ما قاله ؟..
ابتلع المزارع الثاني ريقه بصعوبة..ثم رمى المعول من يده ..واقترب من زميله, وهو يشعر بالخوف ممّا سمعه ..وقال له هامساً:
عن أيّ شيء يتحدّثون؟. وخزه رفيقه..وهو يوجّه كلامه للعمّ يونس والطفلين اللّذين معه:
عفواً ياسيدي.. يبدو أنّك مخطيء بالعنوان..ابحث في مكان آخر.. ابتسم يونس موضّحاً:
بل إنّني أعني ما أقوله، لقد أخبروني أنّها تسكن في هذه المنطقة. اقترب منه أحد المزارعين,وأشار بيده إلى ناحية ما..وهو يقول:
اسمع مارأيك أن تذهب إلى أندرياس..عمدة القرية..هو يعرف كلّ صغيرة وكبيرة..سَلهُ ماشئت..أمّا نحن.. فإننا مزارعون, نعمل هنا منذ فترة قصيرة..ولانعرف شيئاً عن سكّان هذه القرية أبداً. ردّ الثاني:
ولكن أرجوك أصدقني القول..هل صحيح ماقلته لنا؟. سأل يونس:
ماذا تقصد؟. أجابه المزارع:
يعني..الساحرة التي تسكن هذه القرية..لقد أرعبتني بهذا الكلام.. قال يونس:
أنا مثلك تماماً ..سمعت فقط.. لذلك سأضطرّ للذهاب للعمدة ..ومنه سأفهم كلّ شيء.
سار يونس وسولان وسارة,في الجهة التي أشار إليها المزارع .. يبحثون عن بيت أندرياس العمدة.. وبعد قليل وصلوا فعلاً لمبتغاهم.إذ كان بيت العمدة واضحاً للعيان.,وكان أندرياس منشغلاً بتنظيف جرّار بالقرب من بيته…وبعد أن ألقوا التحيّة.وشرح يونس غايته…قال العمدة:
نعم.. أنا عمدة القرية أندرياس ، أما هكسه أماندا الشريرة التي تتحدّث عنها ياهير جوناس ,فمن الصعب عليك الوصول إليها. قال يونس:
ولكنّه ولدي ياحضرة العمدة، وما سأناله وألاقيه في سبيل الوصول إليه ,لن يكون أصعب من فراقه. لو فقدته إلى الأبد لا سمح الله . هزّ أندرياس العمدة رأسه متأثّراً بما سمعه..ثم قال:
معك حقّ، ولكن أنصحك بعدم اصطحاب الأطفال معك. سأله الأب:
أين أتركهم إذن؟. أجاب أندرياس:
في مكان أمين، ريثما ننتهي من هذا الأمر، لأنني قرّرت أن أرافقك. لأخلّص القرية برمّتها من هذه الشريرة. فكّر يونس بكلام العمدة..ولم يجد غير بيت هيرمايه ملاذاً..فاستحسن الفكرة..وشكر العمدة أندرياس..وودّعه ..ووعده أن يعود إليه, بعد أن يترك سارة وسولان في بيت هيرمايه,لينطلقا للبحث عن هكسه أماندا.. قال أندرياس:
ولكن أرجو أن لاتتأخّر..كي ننقذ ابنك وبقية الأولاد من بطشها وشرّها..بعد أن تمادت في أفعالها هذه الشمطاء.وأساءت إلى سمعة القرية.
في الوقت الذي قرّر فيه يونس أن يعود بسارة وسولان إلى بيت هيرمايه..لينفرد مع العمدة في إلقاء القبض على هكسه أماندا..كان سامر يقف قبالة بيت هيرمايه..من أجل تنفيذ ماوعد به هكسه أماندا ..ولكن هل يعني هذا أنّه قرّر أن يسطو على خراف هير مايه؟؟..وقف سامر يتأمّل منظر البيت من الخارج..وراح يتمتم مع نفسه:
هذا هو البيت!!، ولكن أين الحظيرة؟ وأين الخراف؟ سأتقدّم وأنفّذ خطّتي. تقدّم سامر بخطوات حذرة ..مرتبكة إلى باب البيت..وعندما وصل..طرق الباب طرقات منتظمة.. فتح (( هير مايه)) الباب, وإذا به أمام صبيّ شاحب الوجه..يبدو عليه التوتّر ..وتلعثم في كلماته عندما ألقى سلامه:
مرحباً ياعمّي (( هير مايه)) . استغرب هيرمايه بعد سماع اسمه على لسان هذا الصبيّ الواقف أمامه,,فأجابه:
أهلاً وسهلاً, من أنت؟ وكيف تعرف اسمي ؟. ابتسم سامر ببراءة ,وهو يشير بيده إلى نفسه قائلاً:
أنا سامر ، ولن تعرفني، ولكنّني أعرفك. ضحك هيرمايه بعفوية ..ثم فتح ردفة الباب أكثر ,وهو يشير بيده لسامر بالدخول قائلاً:
سامر ؟! ومن قال لك إنني لا أعرفك، تفضّل ياسامر ادخل..وسنتكلّم بعد أن ترتاح قليلاً. دخل سامر إلى بيت هيرمايه..وقصّ عليه حكايته مع هكسه أماندا الشرّيرة…وأخبره كيف أنّه قرّر أن يتحايل عليها ويقنعها بأنه سينفّذ أمرها ويسرق لها الخراف..ولكنّه في حقيقة الأمر ..كان قد قرّر غير ذلك تماماً.
قال هيرمايه:
إذن هكسه أماندا الشرّيرة هذه.. هي وراء سرقة خرافي!!.كنت أشكّ في ذلك. ثم التفت ناحية سامر..فربت على كتفه قائلاً:
أما أنت ياسامر ، فحسناً فعلت حينما أخبرتني بالحقيقة، أنت ولد مهذّب حقاً، ومن حقّ أبيك وأختك وصديقك أن يقلقوا عليك كلّ القلق. قال سامر ..وهو يرتعش من الخوف:
ولكنني أخشى أن تكتشف أمري..وأخسر حياتي..كما أخسر أبي وأختي..
ربت هيرمايه على كتف سامر..ليشدّ من أزره ..ويطمئنه قائلاً:
لا عليك، فإنك ستأخذ خروفاً من خرافي, وتذهب إليها متظاهراً بأنك سرقته، أما أنا فسأتولىّ بقية المهمّة. نظر سامر في وجه هيرمايه..وقال له والدموع تترقرق في عينيه:
إنك أطيب مما توقّعت ياعمي (( هير مايه))، ولا أعرف كيف يمكنني أن أشكرك.
داعب هيرمايه شعر رأس سامر بيده..وضحك ..ثم قال :
بل أنت الذي تستحقّ كلّ الخير، لأنك رفضت أن تسرق. رغم تهديدات هكسه أماندا الشرّيرة.وبعد أن ترتاح قليلاً سنبدأ بتنفيذ الخطة.
لو كان يونس وسارة وسولان يعرفون أنّ سامر في بيت هيرمايه في هذه اللّحظة..ماكانوا قرّروا أن يستريحوا لحظة واحدة..فهاهم الآن يفترشون الأرض لأخذ قسط من الراحة, قبل أن يتوجّهوا لبيت هيرمايه.. قالت سارة ..موجّهة حديثها لسولان بحزن:
مضى يومان ولم نعثر على سامر. سحب سولان نفسه بعمق..ثم راح يستذكر الأيام الحلوة التي جمعته مع سامر ..سواء في المدرسة أو غير المدرسة..ثم قال ساهماً:
أتعرفين ياسارة ؟ ، لقد اشتقت إلى أحاديثه الجميلة الشيّقة. وقالت سارة بنبرة حزينة::
كنّا على موعد بأن نذهب إلى بيت خالتنا في قرية (كاوف بويرن) في مقاطعة بايرن. في نفس اليوم الذي اختفى فيه. التفت سولان إليها ..وقال مستنكراً ماسمعه:
اختفى ؟ ما هذا الذي تقولينه؟. نهض يونس من مكانه منهياً فترة الراحة التي منحهم إياها..وليقول لسولان وسارة:
اسمعي ياسارة ، وأنت ياسولان ، أرجو أن تكونا هادئين في بيت (( هير مايه))، وتساعداه في بعض أعمال البيت، يوم واحد فقط وسأعود ومعي سامر. قال سولان وهو يسير خلف العمّ يونس:
لاأدري مالذي ينويه العمدة أندرياس..ومالذي يخطّط إليه ,بحيث إنه استبعدنا من مرافقته.. أجاب يونس:
كي يجّنبكم التعرّض للمخاطر طبعاً. ثم واصلوا سيرهم باتّجاه بيت هيرمايه.ومن بعيد لمح يونس بيت هيرمايه..فتوقّف قليلاً ..وقال لسولان وسارة وهو يشير للبيت:
وصلنا إلى بيت (( هير مايه))، ستبيتون عنده اللّيلة، أما أنا فسأستريح لبضع دقائق ,لأعود إلى عمدة القرية. ثم واصلوا سيرههم باتجاه البيت.وعندما صاروا قبالته..تمتم يونس مع نفسه:
أرجو أن يكون موجوداً. ثم قالت سارة:
أما أنا فلا أرجو ذلك، لأننّي أودّ أن أرافقك ياأبي. هزّ يونس رأسه..ولسان حاله يقول:" هل هذا هو اتفاقنا؟".. بعد قليل فتح الباب..وكان( هيرمايه) يقف مرحّباً: - أهلا بكم، كنت على يقين بأنكم ستعودون إليّ تفضلوا. قال يونس ..وهو يشعر بحرج شديد:
لقد عدنا لنتعبك من جديد. أشار( هيرمايه) لهم بالدخول..وهو يقول:
ما هذا الذي تقوله ياسيد جوناس؟، بل أنا الذي كنت أنتظر عودتكم، فعندي لكم مفاجأة سارّة.
لكلّ بداية.. نهاية
كانت هكسه أماندا أذكى من أن تنطلي عليها حيلة سامر..أو تخطيطات هيرمايه..وهاهي ذي تداعب أصابع كفّها..منشغلة بالتفكير..
قلبي يعلمني بأنّه يدبّر لي مكيدة تودي بي إلى الهلاك.. ثم شدّت قبضة يدها..وراحت تتوعّد بنبرة حاقدة:
اليوم وبعد عودته سأقضي عليه. نعم، لابدّ من القضاء عليه والتخلّص منه، قبل أن يكشف أمري ويفضح سرّي. أمّا في الخارج..وأمام الكوخ بالضبط..فكان سامر يقف متأمّلاً الكوخ..ظنّاً منه أنّها ستكون النظرة الأخيرة..ولايدري ماالذي تدبّره له هكسه أماندا في الداخل..كان يمسك بحبل يجرّ به خروفاً أبيض كبيراً..تقدّم من باب الكوخ..وطرق بابه.. فتحت هكسه أماندا الباب..لتجد أمامها سامر .الذي بادر بالكلام قائلاً:
تفضّلي ياهكسه أماندا ، إنه أكبر الخراف الموجودة. مدّت هكسه أماندا كلتا يديها ,لتمسك بملابس سامر بعنف,وتسحبه بقوّة إلى الداخل,وهي تضحك ضحكة جنونية..وتقهقه قهقهات هستيرية,جعلت سامر يرتعد من الخوف..وكالذي يهذي سألها:
ما..مم..ماذا تفعلين؟؟:: أجابته هكسه أماندا, مكشّرة عن أنياب بشعة..وقد تحوّل وجهها إلى وجه بشع..مليء بالتجاعيد المخيفة..وشعرها الأبيض تدلّى من تحت إشاربها الأسود المخيف..أما عيناها فقد كانت تقدح شرراً..وقالت له بصوت قبيح:
اسمع ياولد ياغبيّ أنت، لقد عرفت كلّ شيء أيّها المحتال، إنّك تدبّر لي مكيدة لتوقع بي.. أليس كذلك ؟. تلعثم سامر..إذ كيف عرفت هكسه أماندا كلّ ذلك..وبدأ يتأتىء:
أ..أأر..رجوك.. ياهكسه أماندا ، لقد نفّذت ما طلبته مني وأتيتك بالخروف.
سحبت هكسه أماندا سامر من ياقة قميصه..وقادته نحو مشعل النار.. وراحت تقرّب رأسه من فتحة المشعل ..ثم ّصرخت بأعلى صوتها:
لقد عرفت حقيقة الأمر، لأنّي أذكى منك. ثم أطلقت ضحكتها القبيحة المعهودة..أمّا سامر فكان مرعوباً..مرتعشاً..لايدري مايفعله..إنه سيهلك لامحالة..ولافائدة من تخطيطات( هيرمايه)..حيث باءت كلّها بالفشل, أمام مكر هذه الشرّيرة..ومثلما توقّع تماماً..فإنّه سيخسر حياته..ولم يعد يرى, لا أخته..ولاأباه..وصار يهذي:
صدّقيني، أنا لا أستطيع عمل شيء.
ضحكت هكسه أماندا ..ثم صرخت بوجهه:
اخرس.. ثم واصل توسّلاته:
كلّ ماأتمناه الآن هو رؤية أبي و سارة. لم تأبه هكسه أماندا لكلّ توسّلاته..وصار صوتها يزداد قبحاً..وشكلها أكثر بشاعة. وأشارت بإصبعها إليه قائلة:
ستموت قبل أن تلقاهما.ستموت.. صرخ سامر:
لا أرجوك، أريد رؤية أبي.. ولو للحظات قليلة، أريد أن أعتذر إليه. فتحت فمها..وظهرت أنيابها..وصار لونها يسودّ شيئاً فشيئاً…ثم أطلقت صرخة مدوّية:
استعدّ للموت، ستموت الآن…ستموت..ستموت..ستموت.. غطّى سامر عينيه ..صارخاً بأعلى صوته:
لا…. لا…. لا. امتدّت يدان تحاول سحب يديه من عينيه..ظنّها سامر أول الأمر, أنّهما يدا هكسه أماندا..
فأحكم إغلاق عينيه, بواسطة يديه التي شدّهما بقوة..وهو يقول:
لا… لا.. أرجوك..
سامر..سامر..مابالك ؟. كانت سارة تجلس على سريره وهي تحاول إيقاظه:
ما بالك ياسامر!!؟ ، استيقظ إنّه كابوس.. بينما ظلّ سامر يصرخ:
أريد رؤية أبي، أريد رؤية سارة.. لن أموت. وأخيراً استطاعت سارة بمساعدة أبيها, من جعل سامر يفيق من الكابوس ,الذي كان يخيّم عليه..أفاق من نومه.. وهو يشعر أنّه يتنفّس بصعوبة..وأنّ قلبه يخفق بسرعة..وكان العرق يتصبّب غزيراً من جبينه .طلب الأب من سارة أن تحضر قدحاً من الماء لأخيها..الذي ترتعد فرائصه.وبسرعة عادت وهي تحمل الماء..شرب سامر..وعندها أدرك أنّه كان يعيش كابوساً مزعجاً..اتّكأ على حافّة السرير. وراح الأب ينشّف العرق المتصبّب من سامر..وليسأله:
ما الذي يحدث ياسامر ؟ هل كنت تحلم؟. قالت سارة وهي تضع كفّها على قلبها:
لقد أفزعتني. ارتمى سامر في حضن أبيه.. ونظر في عينيه..ثم إلى سارة..وراح يبكي..قائلاً:
أبي.. سارة.. هل أنتما بخير ؟ الحمد لله إذن، آه لو تعرفان كم أحبّكما. ربت الأب على ظهر ابنه..ثم راح يداعب شعره الناعم , وهو يقول:
وأنا أيضا أحبّك ياسامر..كما أحبّ أختك سارة..فأنتما كلّ ماأملك في هذه الدنيا الرحبة. قال سامر ..وعيناه ماتزالان مغرورقتين بدموع ناعمة:
لقد حلمت حلماً مزعجاً جداً، لكنّه علّمني درساً لن أنساه . ابتسم الأب ..وكأنّه يعرف مايفكّر به ابنه..وسأله:
وما هو ياسامر ؟. وبعد أن روى سامر لأبيه وأخته ما حلم به…ضمّ الأب ابنه إلى صدره..وهو يقول:
ياحبيبي ياولدي.. ثم قال سامر بنبرة جادّة,لم يتعوّدها من قبل:
آسف ياأبي لكلّ ما بدر مني.. كنت مقصّراً بحقّك وبحقّ سارة. ابتسمت سارة..وعرفت أن أخاها عرف مشكلته بنفسه..وهي خطوة جيّدة في طريق إصلاح نفسه..ثم همّت بمغادرة الغرفة,وهي تقول:
إذن، أنا ذاهبة إلى المطبخ لتحضير الفطار. استوقفها سامر قائلاً:
انتظري ياسارة ، من الآن سأساعدك في أعمال البيت, وبما أقدر عليه ,ولنبدأ من وجبة الإفطار هذه . قالت سارة بفرح:
ياه!!.. ماذا يحدث اليوم ؟. نهض الأب من على السرير, ليحتضن سارة بذراعه,وبالأخرى سامر..وضمّهما إليه..قائلاً:
بارك الله فيكما ياولديّ. وقال سامر..الذي شعر بالراحة تدبّ في كلّ أجزاء جسمه:
أرجو أن أكون عند حسن ظنّك بي دائماً ياأبي . قالت له سارة:
أنت أحسن أخ ياسامر. أجابها سامر:
وأنت أحسن أخت ياسارة.
ضحك الأب سعيداً بهذا الحبّ الذي جمع الأخوين ..ووزّع نظراته عليهما..ووجد الفرصة مناسبة ليزفّ لهما البشرى..إذ قال:
ولأنّكما هكذا، فاستعدّا للذهاب إلى بيت خالتكما إلى (كاوف بويرن) بعد الإفطار مباشرة .
تقافز الشقيقان..سعيدين بهذه المفاجأة الكبيرة..التي لطالما انتظراها بفارغ الصبر.وكانت بالنسبة إليهما كالحلم..وهاهو اليوم يتحقّق.
هناك تعليق واحد:
Oui, probablement il est donc
إرسال تعليق