سميرة الصغيرة
ترجمة: على أحمد ناصر
في يومٍ من الأيامِ ، في قديمِ الزمانِ ، كان هناك رجلٌ و زوجتُهُ يعيشانِ في بلدٍ بعيدٍ.
و كان لديهِما أبناءٌ كثيرون جداً، لم يستطيعا توفيرَ الطعامِ الكافي لهم جميعاً فقررا تركَ أصغرَ ثلاثةِ أبناءٍ في الغابة ليتدبروا حياتهَم، بعد أن أعطيا كلاً منهم رغيفَ خبزٍ واحدٍ.
كانوا ثلاثَ فتياتٍ .
ذهبن في الغابةِ و هنَّ يأكُلنَ الخبزَ حتى دبَّ الظلامُ، و انتهى الطعامُ، فتعبْنَ و تُهنَ و جِعنَ.
أخيراً و بعد مشيٍّ متواصلٍ لاحَ بين الأغصانِ البعيدةِ نورٌ يشعُّ من نوافذِ بيتٍ كبيرٍ، فأسرعنَ حتى وصلنَ إليهِ ، و قرعنَ جرسَ بابِهِ الكبيرِ جداً، فخرجتْ امرأةٌ وسألت:
- مَنْ أنتُنَّ ،و ماذا تُرِدْنَ أيتُها الصغيراتُ؟
قُلنَ بصوتٍ واحدٍ:
- نحنُ تائهاتٌ و جائعاتٌ و تعِباتٌ، دعينا ندخلُ و نرتاحُ و نأكلُ..
قالتُ المرأةُ:
-لا أستطيعُ ، فزوجي ماردٌ كبيرٌ.
سيقتلُكُنَّ عندما يعودُ و يراكَنَّ في منزلِهِ.
قُلْنَ معاً:
- دعينا نرتاحُ قليلاً ، و سنرحلُ قبلَ عودتِهِ.
أشفقَتْ المرأةُ عليهِنَّ لكَثْرةِ إلحاحِهنَّ فأدخلتْهُنَّ، و وضعتْ لهُنَّ بعضَ الخبزِ والحليبِ قربَ الموقِدِ. و عندما كُنَّ يأكُلْنَ سمِعْنَ قرْعاً شديداً على الباب وصوتاً أجشاً يزأرُ:
- فرْرْرْ..فرر..فررر..
إنني أشمُّ رائحةَ بشرْ..
من هناك يا زوجتي؟؟
قالت الزوجةُ:
إنَّهنَّ ثلاثُ فتياتٍ صغيراتٍ، يشعُرنَ بالبردِ و الجوعِ، سيرحلْنَ في الحالِ. لا تؤذِهِنَّ فحِساؤكَ جاهزٌ.
لم يقلْ الماردُ شيئاً، بلْ احتسى حساءَهُ الكبيرَ و طلبَ من الفتياتِ البقاءَ للنَّومِ عندَهُم. لذا أخذتْهُنَّ زوجتُهُ إلى غرفةِ نومِ بناتِهِ الثلاثةِ.
و هكذا نامتْ الفتياتُ السِّتَّةُ في سريرٍ ضخمٍ واحدٍ. ثلاثةٌ منْهُنَّ غريباتٌ ، والثَّلاثةُ الأُخْرَياتُ هنَّ بناتُ الماردِ.
كانت أصغرُ البناتِ الغريباتِ ذكيةً جداً، و اسمها سميرةٌ الصغيرةُ.
قبلَ نومِ الفتياتِ السِّتَّةِ جاءَ الماردُ ، ووضعَ سِلسِلةً مِنَ الذَّهبِ حولَ أعناقِ بناتِهِ ، و حبلاً من القِنَّبِ حولَ أعناقِ الفتياتِ الغريباتِ.
تعجَّبَتْ سميرةٌ منَ هذا الفِعلِ المشبوهِ ، فلمْ تنمْ.
وعندما نامَ الجميعُ نهضَتْ و نزعَتْ حبالَ القِنَّبِ عن عُنقِها و أعناقِ أخَواتِها و وضعتها حول رقابِ بناتِ الماردِ بعد أن نزعتْ السَّلاسلَ الذَّهبيةَ عنْ أَعناقِهِنَّ لتضعَها حولَ عُنقِها و أعناقِ أَخواتِها، ثمَّ استلقتْ على السَّريرِ تراقبُ ماذا سيحصلُ بعدَ ذلك.
عندَ مُنتصفِ الليلِ ، كان َ الظلامُ دامساً ، تسللَ الماردُ إلى غرفةِ نومِ البناتِ الستَّةِ. تحسَّسَ رِقابَهُنَّ جميعاً، و أخذَ البناتِ اللاتي أحسَّ بحبلِ القِنَّبِ حولَ أعناقِهنَّ،وخرجَ منَ الغُرفةِ، ثم نزلَ إلى غرفةِ المَؤونةِ، و وضعَهُنَّ هناك ثم أقفلَ البابَ عليهِنَّ، و عاد للنَّومِ.
و بعد قليلٍ بدأَ يشْخِرُ بصوتٍ عالٍ.
في هذه اللَّحَظاتِ أيقظتْ سميرةٌ الصغيرةُ أخواتِها، و طلبتْ منهُن الهدوءَ، و هُنَّ يهرَبْنَ من بيتِ الماردِ، و يركُضْنَ في الغابةِ.
ركضتْ الفتياتُ في الغابةِ طويلاً ،حتَّى بدأتْ خيوطُ الفجرِ تظهرُ فوقَ قِممِ الأشجارِ و الطريقِ أمامَهُنَّ، و فجأةً وجدْنَ أنفُسَهُنَّ أمامَ قصرٍ كبيرٍ و جميلٍ.
قالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- إنَّهُ قصرُ الملكِ – لا شكَّ – نعمْ، إنَّهُ قصرُ الملكِ.
سأدخلُ و أُخبِرُهُ قِصَّةَ الماردِ.
و هكذا دخلتْ سميرةٌ الصغيرةُ قصرَ الملِكِ العظيمِ ، و أخبرتْهُ قِصَّتَها.
هزَّ الملكُ رأسَه و هو يستمِعُ للقِصَّةِ. وعندما انتهت ، قالَ بصوتٍ جهوريٍّ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ، لقد فعلتِ شيئاً حسناً، و ستفعلينَ أمراً أفضلَ إذا عُدتِِ إلى منزلِ الماردِ و أحضرتِ لي سيفَهُ المُعلَّقَ على الجدارِ، فوقَ سريرِهِ. إذا فعلتِ ذلكَ سأُزَوِّجُ أُختَكِ الكُبرى لابني الأَكبر.
وَعَدتْ سميرةٌ الصغيرةُ الملكَ بأنها ستحاولُ، و بعد استراحةٍ قصيرةٍ عادتْ إلى منزلِ الماردِ و اختبأتْ تحتَ سريرهِ.
عادَ الماردُ إلى بيتِهِ و احتسى حساءَه وذهبَ لينامَ كالعادةِ.
بعد قليلٍ بدأ شخيرُهُ يعلو و يعلو، فخرجتْ سميرةٌ الصغيرةُ من تحتِ سريرِهِ و صعدَتْ على صدْرِهِ، و أخذتْ السَّيفَ عن الحائِطِِ، ثمَّ نزلَتْ فارتَطَمَ السَّيفُ بطرفِ السريرِ المعدني و أحدثَ صوتاً أيقظَ الماردَ، فقفزَ عنْ سريرِهِ و حاولَ الإمساكَ بطرفِ ثوبِ سميرةَ ، لكنَّها أفلتَتْ و هربَتْ، و ما يزالُ السَّيفُ بيدِها، و شرعَتْ تركُضُ في الغابةِ ، والماردُ يركضُ خلفَها....هي تركضُ بسرعةٍ و الماردُ يركِضُ خلفَها، حتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدَةِ، فركضتْ بخِفَّة الرِّيشةِ فوقه وتجاوزته بسرعة أما المارد فتوقف حزيناً، لأنَّهُ لا يستطيعُ تجاوزَ الجسرِ لثِقَلِ جسمه فصاح كاليائس:
- سأعاقِبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ ، إذا عُدْتِ إلى بيتي.
- سأعودُ إلى بيتِكَ قريباً لأراكَ أيُّها الماردُ.
أعطتْ سميرةٌ السَّيفَ للملِكِ ، ففرِحَ كثيراً لأنَّ الماردَ كانَ يقتُلُ الناسَ بالسَّيفِ ويفتك بهم. وأوفىالملك بوعدِهِ فزوَّج أخت سميرة الكبرى من ابنه الأكبر.
قال الملكُ لسميرةَ الصغيرةَ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ ، لقد فعلتِ أمراً حسناً، و ستفعلين أمراً أفضلَ إذا عدتِ إلى بيتِ الماردِ وأحضرت لي جوهرتَه التي يُخفيها تحتَ وسادتِهِ. عندئذٍ سأزوِّجُ أُختَكِ الثانيةَ لابني الثاني.
و وعدتْ سميرةٌ الصغيرةُ الملكَ بتنفيذِ رغبَتِهِ.
عادتْ سميرةٌ الصغيرةُ إلى منزلِ الماردِِ،وتسلَّلَتْ إلى غرفتِهِ، و اختبأتْ تحتَ سريرِهِ،و انتظرتْ حتى أتى و شرِبَ حساءَهُ الكبيرَ و نام،و بدأَ يشخِرُ بصوتٍ عال ٍو هو نائمٌ.
خرجَتْ سميرةٌ الصغيرةُ من مخبئِهَا ودسَّت يدَهَا تحتَ وِسادتِهِ وأخذَت الجوهرةَ،وفتحَتْ البابَ لتهربَ فأصدرَ البابُ صريراً عالياً أيقظَ الماردَ ، فقفزَ يريدُ الامساكَ بها، لكنَّها استطاعتْ الهرَبَ من البيتِ بالركض السريع في الغابة نحو قصر الملك كانت تركض والماردُ يركُضُ خلفَهاهي تركضُ والماردُ يركضُ خلفَهاحتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدةِ، فهرعتْ و تجاوزَتْهُ بخفَّةِ الرِّيشةِ دونَ أنْ تقعَ في النهرِ، أمَّا الماردُ فلم يستطعْ لثِقَلِ جسمِهِ فصاحَ:
- سأعاقبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ إذا عُدتِ إلى بيتي.
- سأعودُ إلى بيتِكَ مرةً أُخرى لأراكَ أيها الماردُ.
أعطتْ سميرةٌ الصغيرةُ الجوهرةَِ للملكِ ، و تزوجتْ أختُها الثانيةُ من ابن الملكِ الثاني.
و قالَ الملكُ لسميرةَ الصغيرةَ:
- حسناً يا سميرةُ الصغيرةُ ، لقد فعلْتِ أمراً حسناً، و ستفعلين أمراً أفضلَ إذا عدتِ إلى بيتِ الماردِ و أحضرتِ لي خاتَمَهُ الذهبيَّ الذي يضعُهُ في إصبَعِهِ . عندئذٍ سأزوجك من ابني الأصغر.
و وعدت سميرةُ الصغيرةُ الملكَ العظيمَ أنَّها ستحاولُ.
و هكذا عادتْ سميرةٌ الصغيرةُ إلى بيتِ الماردِ و تسلَّلَتْ إلى غرفتِهِ و اختبأتْ تحتَ سريرِهِ، و انتظرَتْ حتىَّ أتى وتناول حساءَهُ الكبيرَ ونامَ... و عندما بدأ يشخرُ بصوتٍ عالٍ و هو نائمٌ، خرجَتْ من مخبئِهَا و صعَدَتْ إلى السَّريرِ ،ولاقّتْ صعوبةً كبيرةً في تحريكِ يدِهِ الضَّخمَةِ كي ترى الخاتَمَ بوضوحٍ، و عندما أبصرت الخاتم يلمعُ في بُنصُرِهِ بدأتْ تشدُّ وتشدُّ بالخاتم، ثم تشدُّ و تشدُّ به، فقد كانَ صعب الإخراج من يد المارد وأخيراً استطاعَتْ سحْبَهُ و العرقُ يتصبَّبُ من جبينِها الصغيرِ ، فوقعَتْ للخلفِ من قوةِ السَّحبِ ، وقعت على بطنِ الماردِ فاستيقظَ كالملدوغِ و هو يزأرُ كالأسدِ ،منَ الألمِ، حاولَتْ سميرةُ الوقوفَ و الهربَ لكنَّهُ استطاعَ الإمساكَ بها من يدِها ، فقال لها غاضباً:
- ها...ها... لقد أمسكتُ بِكِ الآنَ يا سميرةُ الصغيرةُ!
هيا أخبريني لو فعلتُ ما فعلتِ لي وسرقتُ سيفَكِ و جوهرتَكِ و خاتمَكِ، ثم أمسكتِ بي، كما أمسكتُ بِكِ الآن ، ماذا كنت ستفعلين بي حينئذ؟
قالت سميرةُ الصغيرةُ الذكيةُ بسرعةٍ:
-في هذه الحالِ سأضَعُكَ في كيسٍ واحدٍ مع كلبٍ و قِطٍّ و إبرةٍ و خيطٍ و مِقَصٍّ. ثم أُعلِّقُ الكيسَ على الجِدارِ، و أذهبُ إلى الغابة و أقتطع عصى غليظة ثم أعودُ إلى البيت و أنزل الكيس و أبدأُ بضربِكَ بقوةٍ و أنتَ في الكيس هذا ما أفعلهُ بك لو حدثَ معي ذلك.
قال الماردُ:
- و هذا ما سأفعَلُه بِكِ أيضاً يا سميرةُ الصغيرةُ.
وهكذا وضع المارد في الكيسِ كلاً من سميرةَالصغيرةَ و الكلبَ و القِطَّ ، ثم وضعَ مِقَصَّاً و إبرةً و خيطاً طويلاً، ثم علّقَ الكيسَ علىالجدارِ،و ذهب ليقتطِعَ من الغابةِ عصىً غليظةً.
في هذه الأثناءِ بدأتْ سميرةٌ الصغيرةُ تغني لزوجةِ الماردِ أُغنيةً اخترعَتْ كلماتِها:
- آه لو تشاهدين ما أشاهد!!
آه لو تشاهدين ما أشاهد!!
قالت زوجةُ الماردِ:
- ماذا تشاهدين؟
قالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- آه لو تشاهدين ما أشاهد!
لم تكنْ زوجةُ الماردِ ذكيةً، فألحَّت وتوسَّلتْ لسميرةَ الصغيرةَ كي تُريَها ما ترى. فقصَّتْ سميرةٌ الصغيرةُ بالمقصِّ فتحةً في الكيس ، و أخذت الإبرةَ والخيطَ معها ثم قفزتْ من الكيسِ ، وصعدَتْ بدلاً منها امرأةُ الماردِ كي ترى ما كانت سميرةُ ترى في الكيسِ، عندئذٍ خاطَتْ سميرةٌ الصغيرةُ الفتحةَ بالإبرةِ والخيطِ، و صارَتْ زوجةُ الماردِ في الكيسِ مع الكلبِ و القطِّ!
لم ترَ امرأةُ الماردِ ، بالطبعِ أيَّ شيءٍ ، فبدأَتْ ترجُو سميرةَ الصغيرةَ كي تخرجَهَا منَ الكيسِ. لكنَّ سميرةَ الصغيرةَذهبت لتختبىءَ خلفَ البابِ ، فالماردُ قد وصلَ و معَهُ العصى الغليظةَ.
أخذ الكيسَ ووضعَهُ على الأرضِ و شرعَ يضرِبَهُ بقوةٍ و المرأةُ تصرخُ من داخلِهِ:
- أنا زوجتُك لا تضربَني، أنا زوجتُك، أنا زوجتَكَ.
لكنَّ صوتَ نِباحِ الكلبِ و مُواءِ القطِّ كان غالباً على صوتِها فلمْ يسمعْها جيداً، لكنَّه لاحظِ فجأةً سميرةَ الصغيرةُ تخرجُ من خلف الباب تعدو نحو الغابة، فتركَ الكيسَ و اتَّجَهَ نحوَها يريدُ الإمساكَ بها، لكنَّها كانت سريعة جداً وهي تركِضُ ، و الماردُ يركضُ خلفَها، هي تركضُ ، و الماردُ يركضُ خلفَها ، حتى وصلَتْ إلى جسرِ الشَّعرةِ الواحدةِ. فركضت بخفةِ الرِّيشةِ فوقَ الجسرِ دونَ أنْ تقعَ في النهرِ، أما الماردُ فلمْ يستطِعْ لأنَّهُ ثقيلٌ جداً فصاحَ:
سأعاقِبُكِ يا سميرةُ الصغيرةُ إذا عُدْتِ إلى بيتي.
فقالت سميرةٌ الصغيرةُ:
- لن أعودَ إلى بيتِك ثانيةً لأراكَ أيها المارد.
وداعاً.
و هكذا عادت سميرةٌ الصغيرةُ إلى الملكِ وأعطتْهُ الخاتمَ و أصبحَتْ زوجةَ ابنِهِ الأصغر، و لمْ ترَ الماردَ ثانيةً.
http://www.arabicstory.net/index.php?p=text&tid=5245
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق