بيضةُ الدّجاجاتِ والطّواويس
القصة من المجموعة الفائزة في المسابقة الأدبية لقصور الثقافة للعام 1998 / 1999
أحمد طوسون
لا بد أن نتعاون حتى يتحقق الهدف :
كانت الأرض الجديدة تحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل لاستصلاحها وزراعتها ، ولم يستطع أحد أن يزرع أرضه بمفرده ، فاجتمعت الحيوانات مع الطيور وقرروا أن يتعاونوا معاً لاستصلاح الأرض وزراعتها وقاموا إلى العمل فرحين يغنون .
شقوا الترع و حفروا آبار المياه والجداول التي سيتدفق إليها النهر الجديد ، و رصفوا الطرق، وزرعوا الأشجار على جانبيها، وبنوا المدارس والمستشفيات والمصانع و أنشئوا الحدائق ليستمتعوا بقضاء أجازاتهم بين أزهارها الجميلة واتفقوا أن يظل التعاون بينهم حتى تصبح الصحراء جنة خضراء .
حكاية بطـة كسـولـة:
ظل الجميع يعمل بجد ونشاط سعيدين بالأرض الجديدة، إلا بطة كسولة ، كانت لا تحب العمل
وحظيرة البط كبيرة وأرضها شاسعة ، والبط يعمل ويبنى في حظيرته ويحرث الأرض ويبذر البذور ولا يجد وقتاً للراحة واللعب .
البطة الكسولة قالت في نفسها ( العمل يحتاج إلى جهد وتعب وأنا لا أحب العمل ).
فكرت البطة الكسولة وقالت : ( واك .. واك ، سأترك الحظيرة وأعيش بمفردي فلا يطلب منى أحد العمل أو مساعدة أحد ) .
وتركت البطة الكسولة الحظيرة ومشت في الصحراء حتى شعرت بالتعب والجوع .
من بعيد رأت شجرة كبيرة كثيفة الأوراق ، فقالت : ( سأذهب وأرتاح تحت ظل الشجرة وآكل من ورقها الأخضر ).
تعجبت الشجرة حين رأت البطة ، فالشجرة تعرف أن الحيوانات والطيور يعملون في تعمير الصحراء وزراعتها .. سألت الشجرة البطة:
- لماذا تتركين عملك يا بطة ؟
قالت البطة :
- أنا لا أحب العمل، و جئت لأستريح تحت ظلك وآكل من ورقك الأخضر حتى أشبع
غضبت الشجرة من البطة وقالت :
- العمل واجب على كل حيوان وطائر وأنا لا أستطيع أن أعطيك أوراقي الخضراء لتأكليها , فصاحبي الفلاح تعب في زراعتي ليستظل تحت أوراقي ولأحمي زرعه من الرياح والرمال .
أنا أحب عملي ، وأحب أن أقوم به على أحسن وجه .
رفعت الشجرة أوراقها عاليا وقالت:
• لن أعطى ورقي الأخضر اللذيذ لبطة كسولة لا تحب العمل .
تركت البطة الشجرة الكبيرة ومشت جائعة حتى وصلت إلى حقل برسيم أخضر , نظرت البطة من حولها فلم تجد أحداً , فرحت البطة وقالت : ( برسيم كثير , سآكل حتى أشبع دون تعب أو عمل).
تسللت البطة إلى الحقل وبمنقارها أخذت تلتقط أعواد البرسيم اللذيذة , رأى صاحب الحقل البطة الكسولة تأكل البرسيم من حقله , غضب صاحب الحقل من البطة وأمسك عصا وجرى ناحية البطة وضربها وهو يقول:
- ابتعدي أيتها الكسولة عن حقلي الذي تعبت في زراعته لتأكل منه حيواناتي وطيوري التي تعمل وتتعب .
جرت البطة هاربة وهى تصرخ وتصيح من الألم :
- واك .. واك .. واك .. واك
سمعت الحيوانات والطيور بما كان من البطة الكسولة وصاحب الحقل وغضبوا من البطة التي تريد أن تأخذ برسيم غيرها و قرروا أن يقاطعوا البطة الكسولة.
البطة الكسولة تضع بيضة جميلة :
ظلت البطة تدق أبواب الحظائر لتستريح عند أحد الطيور أو الحيوانات من التعب ومن الشمس الساخنة , لكن الحيوانات والطيور رفضوا أن يفتحوا لها الأبواب لتستريح وقالوا لها :
- اذهبي بعيداً أيتها البطة السارقة
أحست البطة أنها أخطأت حين حاولت أن تأكل من أرض ليست ملكها ودون أن تستأذن صاحبها، لكنها لم تفكر في الاعتذار لصاحب الحقل .
شعرت البطة بالتعب في الطريق ولم تستطع المشي .. جلست تستريح بمكان خال بجوار حظيرة الدجاج وحظيرة الطاووس , وأثناء جلوس البطة الكسولة وضعت بيضة ,
فرحت البطة الكسولة بالبيضة وقالت :
- واك .. واك
بيضة جميلة سأرقد فوقها حتى تفقس بطة صغيرة جميلة .
كانت الشمس تستعد للرحيل ليأتي الليل ويستلم عمله , فكرت البطة وقالت إذا أتى الليل وأنا في هذا المكان الخالي سأموت من البرد , وقررت البطة أن تذهب وتبحث عن غطاء لتدفأ به وتجمع بعض القش لتضعه تحت بيضتها.
الديك الشركسي والطاووس يعثران على بيضه :
كان الديك الشركسي ملك حظيرة الدجاج يمشى في الحظيرة ويطمئن على أحوال الدجاج والدجاج يعمل سعيداً بهمة ونشاط .
وبينما الديك يسير في الحظيرة شاهد من بعيد بيضه البطة بجوار حظيرة الدجاج ، فقال في نفسه ( لابد أن واحدة من الدجاجات وضعت البيضة أثناء عودتها من الحقل ونسيت أن تدخلها إلى الحظيرة ) .
ذهب الديك ناحية البيضة ليحملها ويدخلها إلى حظيرة الدجاج .
وكان الطاووس يمشى مختالا بريشه الملون الجميل ويطمئن على أحوال حظيرته ونظافتها ويجمع الريش الملقى على الأرض ويضعه في صندوق القمامة لتظل حظيرته نظيفة وجميلة .
وبينما الطاووس يعمل ويغنى , شاهد من بعيد بيضة البطة بجوار حظيرته فقال لنفسه : ( لابد أن واحدة من إناث الطاووس وضعت البيضة أثناء عودتها من العمل ونسيت أن تدخلها إلى الحظيرة ) .
ذهب الطاووس ناحية البيضة ليحملها ويدخلها إلى حظيرته , مشى الطاووس مزهوا بنفسه حتى وصل إلى البيضة ،
وهناك وجد الديك الشركسي يحاول أن يأخذ البيضة إلى حظيرة الدجاج , أسرع الطاووس ناحية الديك وصاح :
- ماذا تفعل يا ديك , أتأخذ بيضتي إلى حظيرتك ؟؟
أمسك الديك بالبيضة وقال :
- إنها بيضتي أنا , وقد وضعتها واحدة من الدجاجات .
أخذ الطاووس البيضة من الديك الشركسي وقال :
- إنها بيضة كبيرة , أكبر من بيض الدجاج !
مد الديك الشركسي يده وأخذ البيضة من الطاووس وقال :
- أنظر جيداً يا طاووس, إن بيض الطاووس كبير وهذه بيضة صغيرة، أصغر من بيض الطاووس.
نظر الطاووس إلى البيضة فوجدها أصغر من بيض الطاووس وأكبر من بيض الدجاج قال الطاووس للديك :
- إننا جيران ولا نريد أن نختلف , وواجب على الجار أن يحب جاره ويعامله معاملة حسنة, فإذا كانت البيضة بيضة دجاجة ستأخذها ، وإذا كانت بيضة أنثى الطاووس آخذها أنا ..
قال الديك وقد أعجبه كلام الطاووس :
- معك حق يا طاووس
ولكن كيف نعرف إذا ما كانت بيضة دجاج أم بيضة أنثى طاووس ؟
فكر الطاووس ثم قال :
- ما رأيك أن نحكم أول قادم علينا ليرى إذا ما كانت بيضة دجاج أم بيضة طاووس.
قال الديك مرحباً :
- فكرة جميلة يا طاووس
- اتفقنا ..
- اتفقنا .
حمامة وديعة تحكم بينهما :
كانت الحمامة الوديعة عائدة من عملها فوجدت الطاووس والديك يقفان بجوار البيضة ، سلمت الحمامة عليهما وسألتهما عن أحوالهما, فشكراها على سؤالها وحكيا لها حكاية البيضة وطلبا منها أن تحكم بينهما .
نظرت الحمامة إلى البيضة فوجدتها أكبر من بيض الدجاج وأصغر من بيض الطاووس , ولم تعرف الحمامة ماذا تفعل ولكنها بعد أن فكرت قالت لهما :
- لا يجب أن نختلف يا أصدقاء , عندي فكرة جميلة.
- ما هي يا حمامة ؟؟
قالت الحمامة :
- ما رأيكما أن نبنى عشا جميلا ونضع فيه البيضة،
وترقد الدجاجات فوقها يوما وترقد إناث الطاووس فوقها يوما حتى تفقس، وحينها سنعرف إذا كان الفرخ ديكا صغيرا أم طاووساً جميلاً.
أعجبت فكرة الحمامة الذكية الديك الشركسي والطاووس وقالا :
- فكرة جميلة يا حمامة
البطة الكسولة تبحث عن بيضتها :
بينما كان الديك الشركسي والطاووس يبنيان عشا صغيرا للبيضة ، والحمامة تساعدهما وتحضر لهما ما يحتاجانه من قش وأوراق شجر، كانت البطة الكسولة تبحث عن غطاء لتتدفأ به وحل عليها الليل والظلام حتى ضلت الطريق في الصحراء الواسعة ، لأنها لم تضع علامات تسترشد بها في طريق عودتها ، وكانت كلما مشت ابتعدت أكثر عن بيضتها حتى سقطت في بئر لم تره بسبب الظلام وظلت تصرخ وتستغيث :
- واك . . واك
أغيثوني . . أغيثوني
ولم يسمعها أحد سوى ضفدع كان يسكن بالقرب من البئر ،
أسرع الضفدع وألقى إليها حبلاً أمسكت به حتى خرجت من البئر وقالت للضفدع :
- شكراً لك أيها الضفدع الطيب
لقد أنقذت حياتي
قال الضفدع الطيب :
- لا شكر على واجب يا بطه
من الواجب علينا أن نقدم المساعدة لمن يحتاجها .
وقدم الضفدع الطيب طعاماً للبطة وأعد لها مكاناً لتنام فيه حتى الصباح ، وفى الصباح شكرته البطة على ما قدمه لها وتركته لتبحث عن بيضتها وهى تقول لنفسها : ( لقد أخطأت يا بطة حين تركت حظيرتك وعملك وكان جزاؤك أن تضيع بيضتك الجميلة وأخطأت حين أخذت طعام غيرك دون استئذان ) .
ندمت البطة على كسلها الذي سبب المشاكل لها وقررت أن تصلح من نفسها وفكرت أن أول شيء يجب أن تقوم به أن تعتذر لصاحب الحقل وبعد أن قبل اعتذارها ذهبت البطة لتبحث عن بيضتها حتى وصلت إلي المكان الذي تركتها فيه فلم تجد بيضتها في مكانها بعد أن بنى لها الديك والطاووس والحمامة عشاً جميلاً ونقلوها إليه ، حزنت البطة وخافت أن تكون الغربان والفئران أكلوا بيضتها ، صاحت البطة الحزينة:
- واك . . واك
أين أنت يا بيضتي ؟؟ ..
مشت البطة تبكى وتبحث عن بيضتها حتى قابلت المعزة الطيبة وحكت لها ما حدث لبيضتها وسألتها إن كانت رأتها ،
قالت المعزة الطيبة :
- ماء . . ماء . .
إنني لم أر بيضاً هنا ، ولكني سأبحث معك يا بطة.
مر يوم أو أكثر وهما يبحثان في البلاد الجديدة حتى قابلا الأرنب فسألته البطة عن بيضتها فقال إنه لم يرها ، وخرج يبحث معهما يوماً أو أكثر حتى قابلوا الكلب فخرج معهم ليبحثوا عن البيضة ، وكلما قابلوا حيواناً أو طائراً خرج ليساعدهم في البحث عن البيضة .
البيضة تفقس بطـة صغيرة :
تناوبت إناث الطواويس والدجاجات الرقاد فوق البيضة ، والحمامة تمر عليهم كل يوم بعد عودتها من العمل لتطمئن على البيضة حتى فقست وخرجت منها بطة صغيرة صوتها جميل تقول :
- صو . . صو ، صو . . صو
فرح الدجاج والطاووس والحمام بالبطة الصغيرة وأحضروا لها الحبوب حتى تـأكل والماء حتى تشرب لتكبر وتلعب مع صغار الدجاج و الطواويس والحمام .
وبينما الحمامة عائدة إلى بيتها قابلت في طريقها المعزة والكلب والأرنب والبطة يمشون بين الحظائر ويبحثون بين الرمال ، فسألتهم الحمامة عما يبحثون عنه وعما إذا كانت تستطيع مساعدتهم .
حكى الأرنب للحمامة حكاية البطة الكسولة والبيضة التي تركتها وحدها وعادت فلم تجدها ، أسرعت الحمامة الوديعة وحكت للطيور والحيوانات حكاية البيضة التي فقست بطة صغيرة جميلة واصطحبتهم إلى عش البطة الصغيرة.
فرحت البطة الكسولة بالبطة الصغيرة وعودتها إليها
وعرفت البطة إنها كانت ستفقد بطتها لأنها تركت حظيرتها وعملها وكانت بطة كسولة لا تحب أن تساعد أحداً وعاهدت نفسها أن تصبح بطة نشيطة تعمل وتجتهد وتبنى وتزرع مع باقي الحيوانات والطيور .
شكرت البطة الديك والطاووس على ما قدماه لبطتها وشكرت باقي الحيوانات والطيور على مساعدتها واحتفلوا جميعاً بالبطة الصغيرة وعاشت الطيور والحيوانات في حب وسلام وعملوا بكد ونشاط حتى تصبح الصحراء جنة خضراء .
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم أكتب كتابا عن الكسل والكسالى
هل تسمحون لي باقتباس قصة البطة الكسولة ولكم خالص الشكر
د منير
إرسال تعليق