الأنوار الخادعة
عمر طلال
" 1 "
بدأت السمكة الجرذية الذيل ، جولتها المعتادة
في أعماق البحر ، تبحث عما تأكله ، وتعرف المزيد عن عالمها ، المليء بالأسرار
والغموض .
وعلى البعد
رأت سمكة مسنة ، تسبح ببطء وحذر ، فحدقت ملياً في أنوارها ، وعرفت أنها من نوعها ،
سمكة جرذية الذيل ، فأسرعت إليها ، وحيتها قائلة : طاب يومك ، يا جدة .
وتوقفت
السمكة المسنة لاهثة ، بعد أن رمقت أنوارمحدثتها بنظرة سريعة ، وقالت : طاب يومك ،
يا بنيتي .
وسكتت لحظة
، ثم أضافت : أنت سمكة فتية ، وطيبة القلب ، أتمنى أن تعيشي بقدر ما عشت ، وأكثر .
فردت
السمكة الفتية قائلة : بشيء من الحظ ، سأعيش هنا يا جدة .
واستأنفت
السمكة العجوز سيرها ببطء شديد ، وهي تقول : ليس بالحظ ستعيشين ، يا بنيتي ، بل
بالعقل والحذر .
ولوحت
بزعنفتها ، وأضافت قائلة : حذار من الأنوار الخادعة .
فلوحت لها
السمكة الفتية ، وقالت : إلى اللقاء .
"2 "
سبحت السمكة الجرذية الذيل متلفتة ، علها تجد
ما تأكله ، وتلامعت حولها ، وعلى مسافات متفاوتة منها ، مئات الأسماك المضيئة .
وجمدت
خائفة ، حين توقفت سمكة على مبعدة منها ، ثم استدارت نحوها متشممة ، فتراجعت
قليلاً ، وهي تتمتم : هذه سمكة عمياء ، وأخشى أن تشم رائحتي ، وتتعقبني ، فلأمض ِ
مبتعدة عن هذا المكان الخطر .
ولمحت سمكة
صغيرة ، تهبط ببطء من الأعالي باتجاه القاع ، وأدركت أنها سمكة ميتة ، فأسرعت
إليها والتهمتها .
واستدارت
لتواصل طريقها ، فكادت ترتطم بما يشبه الخيط ، كان يتلوى في الماء ، فتراجعت بحذر
، وهي تراقب امتداده ، فهي تعرف أنه ملمس سمكة خطرة ، من أسماك الأعماق .
وهنا مرّ
قريدس ، وارتطم بالملمس ، وإذا السمكة الخطرة ، تندفع إليه بسرعة البرق ، وتلتهمه
، وعلى الفور ، أسرعت السمكة الجرذية الذيال ، ولاذت بالفرار .
" 3 "
توقفت السمكة الجرذية الذيل لاهثة ، متقطعة
الأنفاس ، وتلفتت حولها متوجسة ، خشية أن تفاجئها سمكة أكبر منها حجماً و .. وخفق
قلبها بشدة ، فقد انبثقت نقطة ضوء ، من المياه المضلمة ، وراحت تتلألأ على البعد .
وارتفع صوت
من ورائها يهتف : مرحباً .
وهمت أن
تلوذ بالفرار ، حين ارتفع الصوت ثانية : مهلاً ، لا تخافي ، إنني سمكة من نوعك .
والتفتت
إلى مخاطبتها ، وتأملت أنوارها ، وقالت : تباً لك ، كدت تميتيني من الخوف .
وضحكت
مخاطبتها ، وقالت مقهقهة : أنت جبانة ، والجبان ..
وسكتت
مبهورة ، واتسعت عيناها ، ثم أشارت إلى نقطة الضوء ، وقالت : اظري ..
فنظرت حيث
أشارت مخاطبتها ، وقالت : حذار ، إنها ..
وقبل أن
تنتهي من كلامها ، اطلقت السمكة الأخرى نحو نقطة الضوء وهي تقول : سمكة! ما أضعف بصرك .
فصاحت
مرتعبة : توقفي أيتها المجنونة ، إنها سمكة أبو شص المصنر ، وأنت لا ترينها لأنها
سوداء اللون .لم تتوقف السمكة الأخرى ، ومضت مندفعة كالسهم ، وما إن وصلت النقطة
المضيئة ، حتى اختفت في لمح البصر .
ووقفت
السمكة الجرذية الذيل ، تتمتم مصعوقة : المجنونة ، لقد حذرتها ، لكن ..
وكفت عن
التمتمة ، وجحظت عيناها ، فقد رأت النقطة المضيئة ، تتجه نحوها بسرعة فائقة ،
فتراجعت مرتعبة ، وأطلقت مادة مضيئة لزجة ، اختلطت بالماء ، وأحدثت سحابة من نور ،
بهرت السمكة السوداء ، وأغشت عينيها .
عندئذ أتيح
للسمكة الجرذية الذيل ، فرصة الهرب ، فانطلقت مسرعة ، لا تلوي على شيء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق