لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأحد، 10 أبريل 2011

أنا والخوف صديقان" قصة للأطفال بقلم فاطمة هانم طه محمد

أنا والخوف صديقان
فاطمة هانم طه محمد
كنا علي موعد مع أستاذنا (هشام ) كما عودنا خلال الإجازة الصيفية في منتدي مدرستنا الثانوية ، وكان هذا الصباح هو موعد نهاية مهلة تقديم أوراقنا إلى مكتب تنسيق الجامعة ،كنا جميعا يحدونا الأمل في حياة علمية موفقة ومع ما يشوب قلوبنا من خوف وقلق جلسنا حوله نتبادل الأخبار والهواجس ، كان ذو شخصية محبوبة فأفكاره عصرية تتطابق مع أفكارنا في كثير من الأحيان ، فهو يكبرنا بسنوات قليلة فقط ، لذلك كان اقرب معلمينا إلى قلوبنا ، كنا جميعا نحبه ونكن له كل احترام ومودة واعتبرناه منذ اليوم الأول شقيقا اكبر وليس مجرد معلم للفصل.
كان الأستاذ (هشام ) قد نقل حديثا إلي محافظتنا الحدودية غريبا ووحيدا ، فاقتربنا منه أكثر وأكثر كعادة مجتمعنا الريفي ، نتصارح ونتناقش ، نختلف ونتفق ، وفي النهاية ننصت له ونقتنع بأفكاره وتجاربه في الحياة ،واليوم بدأنا الأستاذ ( هاشم )حديثه بعد أن تطلع في وجوهنا ثم قال : اعرف ما يدور في رؤوسكم من أفكار وما تنطوي عليه نفوسكم من خوف وقلق ..
نظرنا إلى بعضنا البعض بدهشة ، كنا منذ دقائق قبل مجيئه نتساءل فيما بيننا كيف ستكون الحياة في الجامعة ؟ وكيف سنتعامل مع أساتذتنا وزملائنا الطلبة ؟ .. أكد بعضنا أنها أكثر إثارة ومتعة وحرية ، والبعض الأخر رأى أن التعامل مع الأساتذة هناك سيكون صعبا وليس كما تعودناه في المدرسة الثانوية ، بينما كان هناك من يشتاق للمغامرات التي سيخوضها مع الجنس الناعم ، و الكثير و الكثير من الأحاديث التي اختلفنا في معظمها واتفقنا على القليل منها ، حتى فاجئنا الأستاذ (هشام ) بكلماته هذه ثم طلب الشاي من عامل البوفيه لنا جميعا و قال : اعرف أن في رؤوسكم تساؤلات كثيرة ، كيف ستواجهون الحياة في بلد أخر بعيدا عن أسركم وأصدقائكم ؟ وكيف ستواجهون المشاكل التي ستعترضكم خلال مسيرتكم التعليمية ؟ كل هذه التساؤلات انتابتني أنا الآخر في أول يوم ذهبت فيه إلى الجامعة ، فقد اضطرني مجموعي في الثانوية العامة علي الالتحاق بإحدى الجامعات في محافظة بعيدة عن أسرتي ، والآن وبعد أن مرت كل تلك السنين أتذكرها كأنها حدثت اليوم ، كنت كثيرا ما تساءلت ترى أي الأوقات والأحداث التي مرت بي كنت فيها في أحسن حالاتي ، وكانت الإجابة دائما إنني كنت في أحسن حالاتي عندما أكون في حالة خوف شديد .. نظرنا إلى بعضنا في دهشة وتسألنا كيف ؟
قال : لأنني كنت أثق بنفسي في مواجهة صعوبة أو خطر ، لأنني كنت اشعر إن هذه المناسبات تغمرني بإشراقات تبث الطمأنينة في نفسي .. عندها تعلمت أن الخوف هو عدوي الأول ، نعم عدو ماكر يتسلل إلى نفوسنا دون أن نشعر فيسلبنا ثقتنا في أنفسنا ، ويحرمنا نعمة التروي والتفكير والتخطيط لمواجه أي حدث يواجهنا ، وعليكم جميعا أن تتعلموا كيف تروضون خوفكم حتى يصبح خوفكم صديقكم اللدود’ ضحكنا جميعا ونحن نداري دهشتنا من كلامه .
صمت قليلا ثم قال:لقد كنت طفل عادي في صغري ، لا أخاف شيئا حتى التحقت بالمدرسة ، وهناك انتقلت عدوى الخوف من رفاق الفصل إلي ، وأصبحت بين عشية وضحاها أخاف من أي شيء ، من المدرس ومن الامتحان ومن الرسوب ، وبقيت كذلك لمدة ليست بالطويلة ، ولأن هذا ضد طباعي ، سرعان ما وجدت نفسي أحاول التحرر من شعوري بالخوف ، فكنت كلما ظهرت أمامي مشكلة ، اقتحمتها تحديا للخوف ، وفي كل مرة كنت أجد أن الخوف قد أثار في نفسي قوى لا شك فيها .
صمت الأستاذ هشام قليلا كأنه يتذكر شيئا بعيدا ثم قام.. أتذكر الآن أنني حين عينت مدرسا ، كانت أول مرة في حياتي أواجه كل هذه العيون التي تتطلع إلي في آن واحد ، شعرت في تلك اللحظة أنني مريض ، لم يكن مرضا عضويا ، بل كان خوفا ، فلم يسبق لي بطبيعة الحال مواجهة موقفا هكذا من قبل ، و انعقد لساني لدقائق وأنا أتبادل النظرات مع طلبة الفصل ، ولكني بعد لحظات استجمعت شجاعتي وبدأت في شرح الدرس الأول في منهاج العام الدراسي ، ولدهشتي وجدت نفسي أتكلم بطلاقة لم أعهدها في نفسي من قبل ، ووجدت نفسي إنسان آخر لم أكن احلم بوجوده 0
جاء الساعي ووضع أمامنا أكواب الشاي ،في حين استأنف الأستاذ هشام حديثه قائلا : الآن وبعد فترة طويلة من التدريس ، اعتقد إنني قهرت الخوف بداخلي وأصبحت مدرسا جيدا لكم ، وخطيبا متميزا في الاجتماعات والندوات ، لقد تعلمت كيف أروض خوفي مما يواجهني من مواقف في حياتي ، وانتم أيضا يجب أن تتعلموا كيف تروضون خوفكم، ويجب أن تعرفوا أنكم لستم وحدكم تواجهون تلك المواقف ، فقد قرأت عن كثير من الممثلين والمطربين المشاهير ، هم أيضا يشعرون بالخوف قبل أن يقوموا بأداء أدوارهم أمام الجمهور، وان المسألة بالنسبة لهم ليست مسألة قهر للخوف ، بل أنهم يرحبون به على أساس انه حافز لا يستطيعون بدونه الاستمرار .. كنا جميعا ننصت له في انتباه ..
استمر الأستاذ (هشام ) في كلامه قائلا : وهذا يحدث أيضا للمحاربين ، فقد كنت ضمن جيشنا في سيناء خلال معارك السادس من أكتوبر ، كنا جميعا نقتحم المعركة ونحن نتصبب عرقا من الخوف ، ولكن هذا الخوف كان حافزنا للوصول إلى أعلى درجات الشجاعة والقدرة على اقتناص النصر من العدو ، أتذكر مقولة احد الدعاة الذين كانوا يترددون علينا في وحدات الجيش قال يومها : إن الخوف هو أبو الشجاعة .. تبادلنا نظرات الدهشة ..كيف ذلك ؟ قال : نعم لا تندهشوا ، فالخوف أبو الشجاعة إذا استخدم بطريقة سليمة ، هناك في المعركة عشت وسط الغارات الجوية وشعرت بالرعب الشديد ، ولكني أحسست أيضا بالفخر لشجاعتنا وقدرتنا على الاحتمال والقدرة على الارتفاع إلى مستوى أي حدث .
ولكن أيضا هناك خوف يبدو للوهلة الأولى انه لا ينطوي على أي حافز من أي نوع انه الخوف الذي يصيبنا عندما نجد احد الأصدقاء أو الأقارب على حافة الموت ، لقد عرفت هذا الخوف وهو اشد المخاوف ، فقد واجهته كثيرا أثناء المعركة ، كنت أسمع أنين الجرحى حولي ، كانت لحظات رهيبة ، وفيها أدركت أن الخوف قد أثار بداخلي طاقة وعزما افتقدهما عادة .
صاح احد الحاضرين قائلا : ولكن الأحداث المخيفة لا تكون من أخطار مادية فقط مثل التي ذكرتها حضرتك يا أستاذ ، فماذا عن الخوف من مواجهة حياة جديدة أو مجتمع جديد مثل الذي سنواجهه جميعا في الجامعة ؟
قال الأستاذ وهو يرشف قليلا من الشاي : حسنا إن كل هذه التجارب التي قصصتها عليكم إنما هي نماذج لكم في كيفية ترويض الخوف لمصلحتكم ، فالخوف ليس أنواع ، الخوف هو الخوف في كل المواقف والأزمنة ، انه أشبه بألم مزعج ملح ، أتذكر إن لي صديقا احتفظ بعمله لأنه كان خائفا ، لقد كان رجلا كفئا ، ولكنه كان خجولا لا يثق بنفسه ، ولم يكن في مقدوره أن يترك أثرا طيبا عند رؤسائه ، وكان يعلم ذلك ويشعر بالقلق والخوف الدائمين يلازمانه طول الوقت خوفا من فصله من عمله في أي وقت ، حتى ذلك اليوم الذي دعى فيه إلى مكتب رئيسه في العمل ، وكان متأكدا من أن الفصل قد تقرر ، وتحول قلقه الى خوفا شديدا ، ثم حدث له شيء غريبا ، قال انه شعر كما لو أن جوادا مقيد افزع وافلت زمامه ، وفي هذه الحالة النفسية من الخوف والاندفاع ، واجه رئيسه ، وكان كما علم فيما بعد قد أعد رئسه العدة لفصله ولكنه غير رأيه وراي ان يعطيه اخر فرصه قبل فصله وعرض عليه احدى مشكلات العمل ، فحلها صديقي فورا في ثقة ، وانتهت المقابلة بالتصافح ، وسرعان ما حصل صديقي على ترقية وقد تعلم بعد ذلك أن يستمتع بالخوف ، كما تعلم ان يكون في أحسن حالاته بحافز الخوف ، فالخوف عندما يتكشف نعثر على اثمن أرصدتنا وهي الشجاعة ، انه نوع من المفاتيح إلى مواردنا الاحتياطية ، ووسيلة لدعوة كل قدراتنا الكامنة للعمل ، فليس لنا إذن أن نخشى الخوف أو أن نخجل منه ، إننا نحتاج فقط إلى أن نستخدمه بطريقة صائبة ، مدركين انه يستطيع أن يكشف لنا عن قوتنا الذاتية ، ومن ثم يساعدنا في الحصول على أقصى متعه من أنفسنا .
علت وجوهنا جميعا إمارات الراحة بعد حديث الأستاذ ( هشام ) ، وانصرفت إلي منزلي وأنا اشعر بالاطمئنان ،بهد أن تعلمت كيف أحول خوفي وقلقي إلى دافع وحافز للنجاح ، ولم اعد اشعر بالخوف من مواجهة الغد المقبل بعد أن تعلمت كيف أروض خوفي وأصبح أنا وهو صديقين.

ليست هناك تعليقات: