هدية عيد الأم
للكاتبة جويل لاباسيه
ترجمة د. رياد حيدر
كانت ماما تحلم أن تسافر برحلةٍ إلى ما وراء البحار، وبـخلجانٍ زرقاء وبرؤية بلادٍ سعيدةٍ ورائعة. ولكن تفصل مسافة كبيرة ما بين الحلم والحقيقة غالباً !
كانت ماما تتنهد بحسرةٍ وهي تنظر إلى النافذة… فكر تي-بوبو إذاً أن يصطحب أمه إلى شواطئ بعيدةٍ جداً تعبيراً لها وإثباتاً لحنانه نحوها.
تمنى في نفسه: "لو كان هو قبطان سفينةٍ؟ " لأبحر عندها على ظهر سفينةٍ ذات أشرعةٍ بيضاء ناصعةٍ ومنشورةٍ تحت سماءٍ صافيةٍ تماماً ليس فيها سحابةٌ،وهو يمسك بحبالها في قمرة القيادة
ولكن… واحسرتاه، لم يكن تي-بوبو أكثر من صبي ذي سبع سنوات، وكان ذا ساقين واهنتين وكانت فوق ذلك مطمورته بائسة وفارغة تقريباً.
بعد أيامٍ سيأتي عيد الأمهات، وهو قد فكر أيضاً بصنع عقدٍ ذي لآلئ ملونةٍ أو قلبٍ من الورق المفضض اللامع.
ولكن بدا كل هذا ضئيلاً وضرباً من الخداع، مقارنةً بأحلام الأم البعيدة !
حتى أنه قد كلم أباه وسأله رأيه في هذا الخصوص فأجابه الوالد:
-يا تيبو (كان الأب يناديه باسمه الصحيح تيبو وليس تي-بوبو كما كانت تفعل الأم…)، إنّ أجمل هدية تقدمها لها، هي أن تهديها محبتك ! وكل ما تبقى غير ذي أهمية !
كان هذا الجواب جواب رجل كبير وعاقل؛ لكن تيبو كان مقتنعاً بأن الأم تستحق هديةً أكبر وأثمن من ذلك !
على طريق مدرسته، كان تيبو ما يزال يفكر بهديته الصعبة بل المستحيلة إلى أمه ويبحث عن حلولٍ، لكنه كان يجد كلاً منها ما يزال غير ذي معنى.
تمنى أن تتدخل بعض الساحرات الطيبات لتساعده… حتى علاء الدين، لو كان مكانه، لقام بفرك مصباحه السحري مئات المرات كي يأتي المارد الطيب، فيسأله عن الحل !
لربما كانت الهدية بساطاً سحرياً طائراً؟ ولكن أين يمكن أن يجده ؟…
وفيما هو غارقٌ في أفكاره، اصطدم دون أن ينتبه بمقعدٍ حيث كان يجلس رجلٌ عجوزٌ. كان العجوز يراقب الصبي ذا الوجه الحزين:
- هل بإمكاني مساعدتك، يا بني؟ سأله العجوز، مبتسماً ابتسامةً مشجعةً.
كان تيبو خجولاً بعادته، ولكنه، هذه المرة، لم يستطع مقاومة الصوت الدافئ الذي خاطبه، ولا نظرة الرجل العجوز المشجعة، فحكى له كل حكايته مع هدية أمه بكاملها!
اِسمع، سوف أدلك على سرٍّ، قال العجوز، أغمض عينيك ثم سِرْ على الرصيف من هذا الطرف، وعُدَّ مئة خطوة… وعندما تنتهي من المشي، ستعرف حينها ما الهدية التي عليك أن تقدمها لأمك. لا تسألني المزيد، اذهب الآن…
قام الصبي بتنفيذ تلك الوصية الغريبة… تسعٌ وتسعون، مئة. فتح تي-بوبو عينيه: قاده الحظ إلى واجهة محل البروكانت*. كان المحل مملوءاً بحاجيات وهدايا مذهلة. لقد عرف وهو يشاهد الواجهة وقبل أن يدخل المحل ماذا ستكون هديته…
عاد كي يشكر صديقه الجديد، ووجهه يضيء من الفرح، بابتسامة عرفان. لكن الرجل كان قد اختفى فجأةً !
لم يستطع تيبو الانتظار حتى يوم الأحد ليقدم مفاجأته الساحرة والسارة: اكتشفت الأم في المساء بين أوراق الحرير الهدية؛ وكانت عبارةً عن باخرةٍ ممعنةٍ في الصغر تسبح داخل قارورةٍ.
لم تقدم لها يوماً هديةٌ أجمل منها. … وبفضل الرجل الغريب، فهم الصبي يومها، أنّ أروع الرحلات التي نقوم بها، هي تلك التي يقوم بنسجها خيالنا وسحره الكامن .
*البروكانت: التحف المستعملة.
هناك تعليق واحد:
أعجبتني القصة لأن تيبو عازم على تحقيقق أمنية أمه
إرسال تعليق