مَحْمِيَّةُ كَهْفِ سَـنَّـورِ
لِلأَطْفـَالِ من
8 : 12
سالم محمود سالم
دَخَلَ
إِلَى اَلْفَصْلِ اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ" مُدَرِسُ اِلدِرَاسَاتِ،
يَرْتَدِي حُلَّةً خَضْرَاءَ، وَعَلَى وَجْهِهِ نـَظَارَةٌ بيْضَاءَ زُجَاجُهَا
سَمِـيكٌ. فَنَهَضَ اَلتَلاَمِـيذُ وُقُوفاً.
قَالَ
بَاسِمَاً:
- صَبَاحَ
اَلْخَيْرِ يَا أَوْلادُ.
رَدُّو عَلَيهِ بصَوْتٍ طُفُوليٍّ حَادٍ:
- صَبَاحُ
اَلْخَيْرِ يَا أُسْتَاذُ.
أَمْسَكَ بقِطْعَةِ طَبَاشِـيرٍ، وَكتَبَ عَلَى
اَلسُبُورَةِ فِي وَسَطِ اِلسَطْرِ "تَارِيخٌ".
ثـُمَّ وَضَعَ قِطْعَةَ اَلطَبَاشِـيرِ عَلَّى
"اَلدُرْجِ"، وَنَفَخَ فِي أَنَامِلِهِ فَتَطَايَرَتْ ذَرْاتُ
اِلْمَسْحُوقِ اِلأَبْيَضِ.
وَقَالَ باِهْتِمَامِ:
- سَنـُطَّوِفُ
يَاأَوْلاَدُ فِي هَذِهِ اِلْحِصَّةِ ببَعْضِ اِلأَمَاكِنِ فِي مِصْرِنَا
اَلْحَبـِـيبَةِ.
اَلأَطْفَالُ عَلَى مَقَاعِدِهِمْ فِي زِيِّهِمْ
اِلْمُوَحَدِ الزَاهِي يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ باِهْتِمَامِ بَالِغٍ.
قَالَ أَحَدُهُمْ وَيُدْعَىَ "مَحْرُوسُ":
- أَيْنَ يَا أُسْتَاذُ
سَتَأْخُذُنَا. هَلْ هِي رِحْلَةٌ سَتَقُومُ بهَا اَلْمَدْرَسَةُ؟
قَاَلَ:
- نَعَمْ يَا
مَحْرُوسُ، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى هَذَا اَلْمَكَانِ. سَأَشْرَحُ
لَكُمْ عَنْهُ بَعْضُ اِلأُشْيَاءِ. حَتَّى إِذَا ذَهَبْنَا إِلِـيْهِ نَكُونُ
قَدْ أَلِفْنَاهُ.
رَدَّ أَحَدُ التَلاَمِـيذِ وَيُدْعَىَ
"صَابرُ":
- مَاهُوَ
هَذَا اِلْمَكَانُ يَاأُسْتَاذُ "مِحْرِزَ"؟
- إِنَّهَا
مَحْمِـيَّةٌ طَبـِـيعِـيَّةٌ فِي مُحُافُظُةِ "بَنِي سُوَيْفٍ".
تـُسَمَىَ وَاَدِي سَنَّورُ.
سَأَلَهُ أَحَدُ اِلتَلاَمِـيذِ وَيُدْعَىَ
"حَسَنُ":
- مَا مَعْنَىَ
مَحْمِـيَّةٌ طَبـِـيعِـيَّةٌ يَا أُسْتَاذُ؟
- هَذَا
سُؤَالٌ جَيِّدٌ يَا"حَسَنُ". دَعْونِي أَشْرَحُ لَكُمْ أَوْلاً مَاهِيَ
اَلْمَحْمِـيَّةُ اَلطَبـِـِيعِــِيَّةُ. اَلْمَحْمِـيَّةُ اِلطَبـِـيعِـيَّةُ
هِيَ مَكَانٌ مَفْتُوحٌ تَعِيشُ فِـيـِه بَعْضُ اِلْكَائِنَاتِ اِلْحَيَّةِ مِنْ
طُيُورٍ وَحَيَّوَانَاتٍ، وَأْحْيَانًا تَكُونُ بَعْضُ هَذِهِ اِلْكَائِنَاتِ قُدْ
أَشْرَفَتْ عَلَى اِلاِنْقِرَاضِ، وَلِكَي نُحَافِظَ عَلَيْهَا نَجْعَلُهَا
تَعِيشُ آمِنَةٌ فِي هَذِهِ اِلْمَحْمِـيَّةِ بَعِـيدًا عَنْ أَيْدِي
اِلصَّيَادِينَ، وَتَكُونُ عَلَيْهَا حِرَاسَةٌ مُشَدَدَةٍ.
قَالَ أَحَدُهُمْ وَيُدْعَىَ "مُحْسِنُ":
- وَمَتَى
سَتَقُومُ هَذِهِ اِلرِحْلَةُ يَاأُسْتَاذُ؟
- لِمَ
اَلْعَجَلَةُ يَا "مُحْسِنُ"؟
قَالَتْ إِحْدَىَ اَلتِلْمِـيذَاتُ وَتُدْعَىَ
"زِينَةُ":
- أَبِي قَالَ
لَنَا أَنَّ هَذِهِ اِلْمَنْطِقَةَ بهَا كَهْفٌ تَسْكُنُهُ اِلأَشْبَاحُ.
اِكْتَسَىَ وَجْهُ اِلأُسْتَاذِ "مِحْرِزَ"
باِبْتِسَامَةٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ اِلتَلاَمِـيذِ اِلْتِي غَلَّفَهَا
اَلْوُجُومُ.
وَقَالَ:
- اِسْمُهُ
"كَهْفُ سَنَّورُ" وَهُوَ بهَذِهِ اِلْمَنْطِقَةِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ
مَزَارٌ سِيَّاحِيٌّ.
قَالَ "مَحْرُوسُ":
- وَهَلْ
تـُوجَدُ بِهِ أَشْبَاحٌ يَا أُسْتَاذُ؟
- لاَ يَا "مَحْرُوسَ". هَذِهِ
خُرَافَاتٌ وَأَوْهَامٌ مِنْ صُنْعِ اِلْخَيَّالِ، وَلَيْسَ لَهَا فِي
اِلْحَقِـيقَةِ مَجَالٌ.
حَدَثتْ بَيْنَ اَلتلاَميذُ فِي اِلْفَصْلِ غَمْغَمَاتٌ
وَهَمَسَاتٌ، وَتَحَمَّسُوا لِلذِّهَابِ فِي هَذِهِ اِلرِحْلَةِ حَتَّى
يَتأَكَدُوا مِنْ أَشْبَاحِ "كَهْفِ سَنُّورِ".
كَانَ اَلوَقْتُ صَبَاحَاً عِنْدَمَا أَتَتْ
اَلْحَافِلَةُ، وَوَقَفَتْ أَمَامَ اَلْمَدْرَسَةِ. اِسْتِعْدَادًا لِلْقِـيَامِ
باِلرِحْلَةِ إِلَى اَلْمَحْمِـيَّةِ اِلطَبيعِـيَّةِ، وَمُشَاهَدَةِ كَهْفِ
سَنُّورِ. الْذِىِ اعْتَقَدَ بَعْضُ اِلتَلاَمِـيذِ أَنَّهُ مَسْكُونٌ
باِلأَشـْبَاحِ.
وَقَفَ اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ" أَمَامَ بَابِ
اِلْحَافِلَةِ، يُنَظِّمُ التَلاَمِـيذَ صَفًّا، وَهُمْ يَدْلُفُونَ إِلَى
اَلدَاخِلِ باِنْتِظَامٍ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى اَلْمَقَاعِدِ اِلْمُتَرَاصَّةِ.
جَلَسَ
اَلأُسْتَاذُ فِي اِلْمُقُدِمَةِ، وَمَعَهُ بَعْضُ اَلْمُدَرِسِينَ
وَاَلْمُدَرِسَاتِ.
وَاسْتَعَدَّ سَائِقُ اَلْحَافِلَّةِ لِلاِنْطِلاَقِ.
كَانَتْ اَلشـَّمْسُ قَدْ بَزَغَتْ، وَاَنْطَلَقَتْ
أَشـِّعَتُهَا اَلْفِضِّـيَةُ، تُغَلِّفُ الْهَوَاءَ اَلنَاعِمَ، وَاَلْحَافِلَةُ
تَتَحَرَكُ بـِجِسْمِهَا اَلْكَبيرِ. حَتَّى اِنْطَلَقَتْ تَطْوِيِ الطَرِيقَ
إِلَّى مُحَافَظَةِ "بَنِي سُوَيْفٍ"، وَهُمْ يَنْظُرُونَ مِنَ
اَلشَبَابيكِ إِلَى اَلصَّحْرَاءِ اِلشَاسِعَةِ اَلْمُتَرَامِـيَّةِ اِلأَطْرَافِ.
وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى مَشَارِفِ اِلْمَدِينَةِ.
لَمَحَ "صَاَبـِرُ" عَلَّى اَلْبُعْدِ هَرَمَاً يُشْبـِهُ أَهْرَامَاتِ
اِلْجِـيزَةِ.
فَسَأَلَ
اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ" :
- لِمَنْ هَذَا
اَلْهَرَمُ يَا أُسْتَاذُ؟
قَالَ اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ":
- هَذَا هَرَمُ
"مَيْدُومُ"، وَهُوَ أَثـَرٌ فُرْعُونِيٌّ بَنَاهُ اِلْمَلِكُ )خِـيتِي)، وَهَذَا اَلْمَلِكُ مِنَ اَلأُسْرَةِ )اِلتَاسِعَةِ) اِلْتِي حَكَمَتْ مِصْرَ فِي اِلْفَتْرَةِ
مِن 2060إِلَّى2180 ق.م وَكَانَتْ )اهْنَاسْيَّا) فِي ذَاكَ اَلْوَقْتِ هِيَّ عَاصِمَةَ
مِصْرَ، وَهُوَ شِعَارُ الْمُحَافَظَةِ.
وَمَا لَبثَتْ أَنْ وَصَلَتْ اَلْحَافِلَةُ إِلَّى
مَدِينَةِ بَنِي سُوَيْفٍ، وَلَمَحَ "حَسَنُ" مِنْ نَافِذَةِ
اِلْحَافِلَةِ. طَائِرَةً هَيْكَلِـيَّةً حًجْمُهَا كَبـِـيرٌ. تَقِفْ بِشِمُوخٍ
فِي مَدْخَلِ اَلْمَدِينَةِ.
فَسَأَلَ :
- مَا هَذِهِ
اِلطَائِرَةُ يَا أُسْتَاذُ؟
قَالَ اَلأُسْتَاذَ "مِحْرِزُ":
- هَذِهِ
اِلطَائِرَةُ هِيَّ رَمْزُ اِلْبُطَولَةِ وَاَلْفِدَاءُ فِي حَرْبِ
اِكْتُوبَرَ(1973م). كَمَا أَنَهَا رَمْزًا لِلْقَاعِدَةِ اَلْجَوْيَّةِ اَلْتِي يَتَدَرَبُ
فِـيهَا صُقُوُر مِصْرَ مِنْ اَلطَيَّارِينَ. اَلْذِينَ يُدَافِعُونَ عَنْ
بَلَدِنَا اَلْحَبيبِ وَقْتَ اَلْحَاجَةِ.
دَخَلَتْ اَلْحَافِلَةُ اِلشَارِعَ اَلرَئـِـيسِي.
حَتَّى عَبَرَتْ نَهْرَ اَلنـِـيلِ. اَلْذِي يَقْسِمُ اِلْمَدِينَةِ إِلَّى
نِصْفَيْنِ. غَرْبِيٍّ وَشَرْقِيٍّ، وَاَلْمَبَانِي تَقِفُ مُبَاهِيَةً عَلََى
ضَفَتَيْهِ، وَاَلْمَرَاكِبِ تَتَهَادَىَ عَلَى صَفْحَتِهِ بـِدَلاَلٍ. مِنْهَا
مَا تَنْقِلُ اَلْبَضَائِعَ وَاَلرُكَّابَ، وَمِنْهَا مَايُسْتَخْدَمُ فِي
اِلصَّيْدِ اِلنَّهْرِي.
وَصَلُوا إِلَّى اَلْبَرِّ اَلشَرْقِي. حَيْثُ وَجَدُوا
لاَفِتَةً مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا "قَرْيَةُ سَنُّورَ"، وَعَلَى اَلطَرِيقِ
مَدْرَسَةٌ وَمَسْجِدٌ وَكَافِتِيرْيَّا.
وَكَانَ اَلْوَقْتُ ضُحَىَ. عِنْدَمَا عَرَجَ سَائِقُ
اِلْحَافِلَةِ إِلَّى طَرِيقٍ غَيْرُ مُمَهَدٍ دَاخِلَ اَلصَّحْرَاءِ.
كَانَتْ اَلشَمْسُ تُرْسِلُ أَشـِّعَتَهَا
اَلْلاَهِبَةَ، وَتَتَرَاءَىَ لَهُمْ ظَاهِرَةُ اَلسَرَابِ عَنْ بُعْدٍ.
هَمََسَ "حَسَنُ" فِي أُذُنِ صَاحِبـِهِ
"مُحْسِنُ" وَقَالَ:
- ماَذَا
سَنَفْعَلُ مَعَ اَلأَشْبَاحِ اَلْتِي تَسْكُنُ "كَهْفَ سَنُّورَ"؟
قَالَ "مُحْسِنُ":
- لَقَدْ
أَحْضَرْتُ مَعِي "مُسَدَسَ اَلْمَاءِ".
فَقَالَ "حَسَنُ":
- وَأَنَا
أَحْضَرْتُ مَعِي "مُسَدَسَاً" يَخْرُجُ مِنْهُ اَلشَرَارَ، وَأَحْضَرَ
كُلُّ التَلاَمِـيذِ أَسْلِحَتِهُمْ لِمُقَاوَمَةِ اَلأَشـْبَاحِ.
وَقَفَ اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ" فِي
مُقَدِمَةِ اِلْحَافِلَةِ وَقَالَ:
- لَقَدْ
اِقْتَرَبْنَا مِنْ مَحْمِـيَّةِ "كَهْفِ سَنُّورَ". أَتَدْرُونَ أَنَ
هَذِهِ اِلصَّحْرَاءَ اَلْمُسَمَاةَ بصَحْرَاءِ "شـَرْقِ بَنِي سُويَفَ"
مَلِـيئَةٌ باِلْخَيْرِ اِلْوَفِـيرِ.
قَالَتْ "زِينَةُ":
- مِثْلُ
مَاذَا يَا أُسْتَاذُ؟
نَظَرَ مِنَ اَلنَافِذَةِ وَأَشَارَ بأُصْبـِعِهِ
قَائِلاً:
- اِنْظُرُوا
إِلَى هَذِهِ اِلْمُنْشَآتِ اِلْعِمْلاَقَةِ. فَهَذِهِ مَصَانِعٌ لِلأَسْمَنْتِ
تَسَتَمِدُ مُسْتَلْزَمَاتِ إِنْتَاجِهَا مِنْ مَنَاطِقَ كَثِـيرَةٍ فِي هَذِهِ
اِلصَّحْرَاءِ.
كَانَتْ اَلْحَافِلَةُ قَدْ قَطَعَتْ شـَوْطاً كَبيرًا
فِي عُمْقِ اِلصَّحْرَاءِ.
وَقالَ
اَلأُسْتَاذُ:
- اِنْظُرُوا
إِلَى اَلنَاحِيَّةِ اِلأُخْرَىَ. فَهَذِهِ آبَارُ بـِتْرُولٍ. تَمَّ
اِكْتِشَافُهَا، تُخْرِجُ لَنَا اَلذَّهَبَ اَلأَسْوَدَ اَلْذِىِ يَعُودُ
عَلَيْنَا باِلْخَيْرِ اِلوَفِـيرِ.
أَشـَارَ "حَسَنُ" إِلَى اَلْجِهَةِ
اِلأُخْرَىَ وَقَالَ:
- وَمَا هَذِهِ
اِلْمُنْشَآتُ اَلْمُتَنَاثِرَةِ يَا أُسْتَاذُ؟
قَالَ:
- هَذِهِ "مَحَاجِرٌ"
يَسْتَخْرِجُونَ مِنْهَا مَوَادِ اِلبـِنَاءَ مِثــْلَ اَلزَلَطَ اَلْذِي
يُسْتَخْدَمُ فِي بـِنَاءِ اِلْمَسَاكِنِ.
كَانَتْ تـُقَابـِلُهُمْ عَلَى اَلطَرِيقِ شـَاحِنـَاتٌ
عِمْلاَقَةٌ. تَحْمِلُ قِطَعَاً ضَخْمَةً مِنَ اَلْحِجَارَةِ.
فَتَسَاءَل "مُحْسِنُ":
- وَمَا هَذِهِ
يَا أُسْتَاذُ؟
قَالَ:
- هَذَا رُخَامٌ وَجَرَانـِـيتُ مِنْ أَجْوَدِ
اِلأَنْوَاعِ عَلَى مُسْتَوَىَ اَلْعَالَمِ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ اِلصَّحْرَاءِ.
نَسْتَخْدِمُهُ فِي أَغْرَاضٍ كَثِـيرَةٍ وَنُصَّدِرُ مِنْهُ فَيَعُودُ عَلَيْنَا
باِلْخَيْرِ اِلْوَفِـيرِ.
وَصَلَتْ اِلْحَافِلَةُ إِلَّى مَبْنَىَ أَصْفَرِ الْلَوْنِ،
وَوَقَفَتْ أَمَامَهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ اِلْحَارِسُ اَلْذِي قَامَ بـِفَتْحِ
حَاجِزِ اِلطَرِيقِ أَمَامَ اَلْحَافِلَةِ، وَانْتَبَهَ اَلتَلاَمِـيذُ إِلَى
أَصْوَاتٍ خُرَافِـيَّةٍ لِبَعْضِ اِلْحَيَوَانَاتِ وَبَعْضِ اِلطُيُورِ
بأَلْوَانِهَا اَلْكَثِـيرَةِ الزَاهِـيَّةِ وَاَلْغُزْلاَنِ تَتَقَافَزُ،
وَأَرَانِبَ بَرَّيةٍ كَثِـيرَةٍ لها عيون ثـَاقِبَةٌ.
هَبَطَ اَلتَلاَمِـيذُ مِنَ اَلْحَافِلَةِ وَوَسَطَهُمْ
اَلأُسْتَاذُ يُشِـيرُ إِلَى اَلْمَحْمِـيَّةِ.
وَيَقُولُ:
- هَذِهِ
"مَحْمِـيَّةُ سَنُّورُ" اَلطَبـِـيعِـيَّةِ. سَنَقْضِي هُنَا بَعْضُ اَلْوَقْتِ.
ثـُمَّ نَذْهَبُ إِلَى "كَهْفِ سَنُّورِ" لِنَرَاهُ مِنَّ اَلدَاخِلِ.
وَمَا أَنْ وَصَلَ اَلتَلاَمِـيذُ حَتَّى تَذَّكَرُوا
كَلاَمَهُ عَنْ اِلأَشْبَاحِ، وَأَخَذُوا يَتَهَامَسُونَ.
وَسَأَلَ
أَحَدُهُمْ:
- مَاذَا
سَنَفْعَلُ إِنْ اِعْتَرَضَتْنَا اَلأَشْبَاحُ؟
رَدَّ آخَرُ:
- اَلأَشْبَاحُ
لاَتَظْهَرُ فِي وَضَحِ اِلنَهَارِ هَكَذَا.
وَبَدَأُو يَتَحَمَسُونَ،
وَيَشـُد بَعْضِهِمْ أَذْرَ بَعْضٍ كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ فِي
مَعْرَكَةٍ حَامِـيَّةٍ مَعَ اَلأَشْبَاحِ.
اِسْتَقْبَلَهُمْ
مُوُظَفُو اِلْمُحْمِـيَّةِ بتِرْحَابٍ بَالِغٍ، بَدَأُو يُخْرِجُونَ مِنْ
حَقَائِبهِمْ بَعْضُ اَلأَطْعِمَة وَاَلْمَشْرُوبَاتِ بَعْدَ مَا جَلَسُوا عَلَّى
مَقَاعِدِ اِلاسْتِرَاحَةِ، وَمَا إِنْ اِنْتَهُوا مِنْ زِيَارَةِ اِلْمَحَمِـَّيةِ.
حَتَّى تَوَجَهُوا إِلَى "كَهْفِ سَنُّورُ". مُتَخَلِلِينَ طَرِيقًا
دَائِرِيًّا مُتُفُرِعًا مِنَ اَلطَرِيقِ اَلرَئـِـيسِي. هَبَطَ عَلَيْهِ
اِلتَلاَمِـيذُ وَمَعَهُمْ اَلأُسْتَاذُ وَاَلْمُدَرِسِـونَ، وَفِي مَدْخَلِ
اَلْكَهْفِ. وَقَفَ اَلْجَمِـيعُ يَنْظُرُونَ إِلَى قِمَّةِ جَبَلٍ شَاَهِقِ
الاِرْتِفَاعِ.
قَالَ اَلأُسْتَاذُ:
- هَذَا
اَلْجَبَلُ لَيْسَ مِنَ اَلْحَجَرِ اِلْعَادِيِّ، بَلْ هُوَ مِنَ اَلرُخَاَمِ
اِلنَّفِيسِ وَبـِدَاخِلِهِ اِلْكَهْفُ اَلْذِي اُسْتُخْدِمَ يَوْمَاً كَمَنَجَمٍ
لاِسْتِخْرَاجِ اِلرُخَامِ، قَامَ اَلْعُمَالُ قَدِيمَاً بـِتَفْرِيغِهِ مِنَ
اَلدَاخِلِ هُبُوطَاً إِلَى بَاطِنِ اِلأَرْضِ. بـِعُمْقٍ لاَ يَقِلُّ عَنْ ثـَلاَثِمَائَةِ
مِتْرٍ، وَهُوَ عَلَى شـَكْلِ قَوْقَعَةٍ.
كَانَ مَدْخَلُ اِلْكَهْفِ مُنْحَدِرَاً بـِشِدَّةٍ
وَدَائِرِياً. فَهَبَطَ اَلْجَمِـيعُ حَتَّى اِسْتَقَرُّوا فِي الْقَاعِ. وَهُمْ
يَنْظُرُونَ إِلَى اَلسَقْفِ الْبَلُّورِي الْذِي يَتَلأَلأُ فِي ضَوْءِ الشَمْسَ
اِلْمُتَسَرِبِ إِلَى اَلدَاخِلِ.
هَتَفَ أَحَدُ عُمَّالِ اِلْكَهْفِ عَلَّى صَاَحِبهِ،
فَدَوَّىَ اَلصَّوْتُ فِي اِلْقَبْوِ اَلْمُتَلَئْلِئِ، وَعَادَ رَجْعٌ الصَّدَىَ
إِلَى الآذَانِ.
فَأَخْرَجَ اَلتَلاَمِـيذُ أَسْلِحَتَهُمْ.
اِعْتِقَادَاً مِنْهُمْ بِأَن اَلأَشْبَاحَ وَصَلَتْ لاِسْتقْبَالِهِمْ.
وَعِنْدَمَا رَآهُمْ اِلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ"
سَأَلَهُمْ:
- مَاهَذَا؟
قَالُوا:
-
مِنْ أَجْلِ مُقَاوَمَةِ اِلأَشْبَاحِ!
عِنْدَئِذٍ ظَهَرَ اَلْعَامِلُ وَصَاحِبُهُ، وَضَحِكَ
اَلأستاذ "مِحْرِزُ" وَاَلْمُدَرِسُونَ، وَأَدْرَكَ اَلتَلاَمِـيذُ
بأَنَّهُ لاَتُوجَدُ أَشْبَاحٌ إِلاَ فِي خَيَّالِهِمْ فَقَطَ، فَانْفَجَرُوا
ضَاحِكِينَ وَصَوْتُ ضَحِكَاتِهِمْ يُدَوِّي فِي جَنَبَاتِ اِلْكَهْفِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق