قِصَّـةُ خَلْقِ آدَمُ
"عَلَّيْهِ السَّلامُ"
(( لَقَدْ كَاَنَ فِي قَصَصِهِمِ عِبْرَةٌ لأُوْليِ
الأَلْبَابَ)) (يُوسُفُ111)
" صَدَقَ اَللهُ
الْعَظِيمْ "
سالم محمود سالم
دَخَلَ الأُستَاذُ "مِحْرِزُ"
إِلَى "مَعْمَلِ الأَشْغَالِ" بالْمَدْرسَةِ. لِيَسْألَ عَنْ صَديقِهِ
الأُسْتَاذِ "فَارُوقِ". مُدَرِسِ الأَشْغَالِ. فَوجَدَ اَلتَلاَمِيذَ.
يَجْلِسُونَ حَوْلَ "نُضُدٍ". عَلَيْهَا بَعْضُ الْخَامَاتِ. الَّتِى يَصْنَعُونَ
مِنهَا أَشْكَالاً مُخْتَلِفَةً. مِنْهُمْ مَنْ يُمْسِكُ بقِطَعٍ صَغِيرَةٍ مِنَ "الْخَشَبِ"،
ويَقُومُ بصِنَاعَةِ "مَرْكَبٍ"، ومِنهُمُ مَنْ يَصْنَعُ "بُيُوتاً هَيْكَلِيَةً" صَغِيرَةً، وَمِنْهمْ مَنْ يُمْسِكُ قِطْعَةً
مِنَ "اَلطِينِ الصَلْصَالِ". يَصنَعُ مِنْهَا أَشْكَالاً مُخْتَلِفَةً.
اِسْتَقبَلهُ
اِلأُسْتَاذُ "فَارُوقُ" مُرَحِّباً:
- أَهْلاً
أُسْتَاذَ "مِحْرِزَ". كَيْفَ حَالُكَ؟
- بخَيرٍ. جِئْتُ لأَطْمَـئِنَ
عَلَيكَ.
- أَنَّا بِخَيرٍ وَالْحَمْدُ للهِ.
وَأَخَذَ اَلأُسْتَاذُ "مِحْرِزُ"
يَنْظُرُ إِلَى التَلاَمِـيذِ بإِعْجَابٍ.
وَهُوَ يَتَكَلَمُ مَعَ الأُسْتَاذِ"
فَارُوقَ" قَائِلاً:
-
مَا يَفْعَلُهُ التَلاَمِـيذُ
هَذَا شـَيءٌ جَيْدٌ. فَهُوَ يُـنَمِّي
عِنْدَهُمْ القُدْرَةَ عَلَى الاِبْتِكَارِ وَالاِخْتِرَاعِ، وَيَجْعَلُ عُقُولَهُمْ
تـَبحَثُ دَائِماً عَنِ
الْجَـدِيدِ. ومَكَثَ يَنْظُرُ إِلَى مَاَيَصْنعُهُ
الأَطْفَاَلُ مِنْ أَشـْكَالٍ، وَهُو فِي غَايَةِ الاِنْبـِهَارِ، وَالتَلاَمِـيذُ
مُنْهَمِكُونَ. بـِمَا فِي أَيَادِيهِمْ مِنْ مَوَادٍ. يَصْنَعُونَ مِنْهَا الأَشْكَالَ،
وَأَدَوَاتٌ مَعْدَنِية ٌصَغِيرَةٌ. تُسَاعِدُهُمْ عَلَى تحْوِيلِ هَذِهِ الْمَوادِ
الْخَامِ. إِلَى أَشْكَالٍ جَمِيلَةٍ.
جَلَسَ الأُسْتَاذُ "مِحْرِزٌ" مَعَ
الأُسْتَاذِ "فَارُوقَ". أَمَامَ مِنْضَدَةٍ صَغِيرَةٍ. فِى رُكْنٍ مِنْ
أَرْكَانِ حُجْرَةِ الأَشْغَالِ.
ثـُمَ قَالَ مُوَجِهاً كَلاَمَهُ لِلتَلاَمِـيذِ:
- أتَعْلَمُونَ يَا أَوْلاَدُ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقُ؟
قَاَلَ لَهُ "مَحْمُودٌ":
- اِحْكِ لَنَا يَا أُسْـتَاذُ. كَيْفَ
بَدَأَ اَلْخَلْقُ؟
كَانَ الأُسْـتَاذُ "مِحْرِزُ" دَائِمًا
مَا يَحْكِي لَهُمْ عَنْ كُلِّ شـَيءٍ. فَهُوَ مُدَرِسٌ لِمَادَةِ التَارِيخِ. يَهْوَىَ
الْحَكْيِ وَلَهُ طَرِيقَةٌ مَقبُولَةٌ لَدَىَ التَلاَمِـيذِ فِي سَرْدِ الْقَصَـصِ
وَالْحِكَايَاتِ. تـَجْعَلُ التَلاَمِـيذَ يُنْصِتُونَ إِليهِ بِشَغَفٍ. بَلْ وَهُمُ الْذِينَ
يَطْلُـبُونَ مِنْهُ فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ. أَنْ يَحْكيَّ لَهمُ الْقَصَصَ. وَخُصُوصًا
"قَصَصَ الأَنْبـِـيَاءِ". اَلْتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي "الذِكْرِ الْحَكِـيمِ"، وَكَانَ الأُسْـتَاذُ يَحْـكِي لَهُمْ هَذِهِ الْقِصَصَ
فِي أَوْقَاتِ اِلْفَرَاغِ أَحْيَاناً. أَوْ فِي حِصَصٍ غَابَ عَنْهَا مُدَرِسُوهَا.
أَوْ فِي الْفُسْحَةِ. أْو أَثـْنَاءَ رِحْلَةٍ مِنَ الرَحَلاَتِ الَّتِى تـُنَظِّمُهَا
الْمَدْرَسةُ. دُونَ أَنْ يُعَطِلَهُمْ عَنْ تـَحْصِـيلِ دُرُوسِهِمْ.
قَاَلَ
الأُسْـتَاذُ "مِحْرِزُ" مُوَجِـهاً كَلامَهُ لِصَديقِهِ اَلأُسْـتَاذِ "فَارُوقِ":
- أَتـَسْمَحُ لِي يَا أُسْـتَاذُ أَنْ أَحْـكِي
لَهُمُ قِصَّةَ الْخَلْقِ.
فَابْتَسَمَ اَلأُسْـتَاذُ
"فَاَرُوقُ" وَقَالَ:
- بـِكُلِ
سُرُورٍ يَا أُسْـتَاذُ، وَبـِلاَ شـَكٍ
سَأَسْـتَفِـيدُ أَنَا أَيْضاً.
فَشـَكَرَهُ اَلأُسْـتَاذُ
"مِحْرِزُ" وَقَالَ:
- إنَّ اَللهَ "سُبْحَانَهُ وتَعَالَى" هُوَ اَلأَوَّلُ فَلَيْسَ
قَبْلُهُ شَيءٌ، وَهُوَ اَلآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيءٌ، وَأَوَّلُ شَيءٍ خَلَقَهُ
سُبْحَانَهُ هُوَ "الْعَرْشُ". أَيِ
عَرْشُ الرَحْمَنِ. ثـُمَ بَعْدَهُ بزَمَنٍ خَلَقَ "الْقَلَمَ".
وَقَاَلَ لَهُ "سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى":
- "اكْتُبْ".
فَنـَطَقَ "الْقَلَمُ" بـِقُدْرَةِ
"الْعَليُّ اِلْقَدِيرِ" وَقَالَ:
- "مَاَذَا أَكْتُبُ يَارَبِّ"؟
قَاَلَ لَهُ "سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى":
- "اُكْتُبْ. إِنَ كُلَ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. اُكتُبْ مَا
كَانَ وَمَا يَكُوُنُ إِلَى أَنْ تـَقُومَ السَّاعَةُ".
كَاَنَ
اَلْوَقْتُ ضُحَّىً، وَاَلشـَمْسُ
تـَسْطَعُ فِي فِنَاءِ الْمَدْرَسَةِ.
وَاَلأُسْتَاذُ
"مِحْرِزُ" عَيْنـَاهُ تـََتَرَدَّدَانِ
بَيْنَ وُجُوهِ اَلتَلاَمِـيذِ، وَيَرْفَعْهُمَا أَحْيَاَناً إِلَى اَلنـَافِذَةِ.
حَيْثُ اَلشـَمْسُ تـُلْقِي بــِظِلاَلِ الشَّـجَرِ وَالْحِـيطَانِ عَلَى اَلأَرْضِ.
وَهُوَ
يَقُولُ:
- ثـُمَّ خَلَقَ "سُبْحَانـََهُ" اَلسَمَاوَاتِ، والأَرَاَضِـينَ، وَاَلْجِبَالَ، وَاَلْبـِحَارَ، وَالشـَّمْـسَ، وَاَلْقَمَرَ، وزَيَّنَ اَلسَّمَاءَ بالنِجُومِ.
ثــُُمَّ سَـكَتَ
اَلأُسْتَاذُ قَلِـيلاً وَقَالَ:
- خَلَقَ
"اَلْعَلِيُّ اَلْقَديرُ" عَلَى اَلأَرْضِ مَخْلُوقَاتٍ تـُسَمَى "اَلجِنُّ"،
وَكَانـُوا أَقْوَماً مُفْسِدينَ، يَسْـفِـكُونَ اَلدِمَاءَ، حَـتـَى أَنَ اَللهَ "سُبْحَانـَهُ
وَتـَعَالَى" أَرْسَلَ لَهُمُ "الْمَلاَئِكةَ" لِتُحَارِبَهُمْ وَتـُعَاقِبَهُمْ.
ثـُمَّ
خَلَقَ "اَلْعَلِيُّ الْقَديرُ" آدَمَ "عَلَيْهِ السَّلاَمُ"،
لِـيَـكُونَ خَلِـيفَـةً فِي الأَرْضِ، أَى يَخْلُفُ بَعْضُهُم بَعْضاً عَنْ
طَرِيقِ التَّنَاسُلِ.
(( وَإِذْ قَاَلَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِِـكَةِ إِنـَّي جَاَعِلٌ فِي
الأَرْضِ خَلِـيفَةً)) (البقرة 30 )
وَلأَِنَ "اَلْجِنَّ"
كَـاَنَ يُفْسِدُ فِي الأَرْضِ، وَيَسْفِكُ الدِمَاءَ.
قَالَتُ "الْمَلائِـكةُ":
" قَاَلُّوا
أَتَجْعَلُ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِـيهَا وَيَسْفِكُ الَدِّمَاءَ " ( البقرة 30 )
قَاَلَ "الْعَليُّ اَلْقَديرُ":
" قَاَلَ
إِنــِّي أَعْلَمُ مَاَ
لاَ تـَعْلَمُونَ " ( البقرة 30 )
قَاَلَ
"الأُسْتَاذُ":
- وَذَلِكَ
يَا أَوْلاَدُ، لأَنـَّهُ سَيَأْتِىَ مِنْ ذُرْيَّةِ "آدَمَ عَلَيْهِ الَسَّلاَمُ"
اَلأَنْبـِيَاءُ وَالصِدِيقُونَ وَالشـُهَدَاءُ.
وَأَمَرَ "الْعَلِيُّ اَلْقَدِيرُ".
بأَخْذِ كِمْيَّةٍ مِنْ كُلِّ تــُرَابِ الأَرْضِ. فِـيهَا كُلُّ الأَلْوَانِ.
مِثلُ اَلأَبْيَضِ وَالأَصْفَرِ وَالأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَفِـيهَا
كُلُ اِلصِفَاتِ مِثلُ الطَيـِّبِ وَاَلشـَّرِسِ.
وَخَلَقَ "سُبْحَانَهُ وَتـَعَالَى"
آدَمَ "عَلَيِْهِ السَّلاَمُ"، وَكَانَ هَذَا فِي يَوْمِ جُمْعَةِ، وَذَلِكَ
مِنْ هَذَا اَلتُرَابِ. اَلْذِي حَوَلَهُ "اَلعَلِيُّ اَلقَدِيرُ" إِلَى
طِـينٍ لاَزِبٍ.
وَكَانَ اَلأُسْـتَاذُ "فَارُوقُ". يَسْـتَمِعُ إِلَى كَلاَمِ
الأُسْـتَاذِ "مِحْرِزَ"، وَعَلَى وَجْهِهِ مِسْحَةٌ مِنْ اِبْتِسَامَةٍ.
تـَنِمُّ عَنْ إِعْجَاَبٍ بِأُسْلُوبِهِ فِي الْحَكْيِ. خُصُوصَاً أَنَ الأَطْفَالَ
تـَرَكُوا مَاَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَانْتَبَهُوا بـِكُلِ حَوَاسِّهِمْ لِكَلاَمِ
الأُسْـتَاذِ "مِحْرِزَ".
وَهُوَ يَقُولُ:
- كَانـَتْ
اَلْمَلاَئِـكَةُ تـَنْظُرُ إِلَى "آدَمَ" وَهُوَ مَازَالَ طِـيناً، وَمُمَدَداً
عَلَى اَلأَرْضِ.
تـََتـَعَجَبُ وَتـَقُولُ:
- مَاَ هَذَا الْمَخْلُوقُ؟ وَمَاذَا سَيَـكُونُ؟
ثـُمَّ تـَنـَهَدَ الأُسْتـَاذُ
"مِحْرِزُ" وَقَاَلَ:
- أمَّا عَنْ إبْلِيسَ يَا أَوْلادُ. فَكَانَ
يَنْظرُ إِليهِ، وَهُوَ
مُتَرَبـِصٌ بـِهِ. يَنْظُرُ فِي جَوْفِهِ مِنَ اَلدَاخِلِ وَالْحِقدُ يَمْلأُهُ. حَتَّى جَاءَتْ اللحْظَةُ العَظِيمَةُ. اَلْتِي
نَفَخَ فِيهَا "العَلِيُّ القَدِيرُ" الرُوحَ فى آدَمَ "عَلَيْهِ السَّلاَمُ".
وَبَدَأتْ الرُوحُ تََسْرِي فِي جَسَدِهِ. حَتَّى
تَفَتَحَتْ عَيْنَاهُ، وَوَصَلَتْ إِلَى أَنْفِهِ فَعَطَسَ.
فَقَالَتْ لَهُ "الْمَلاَئِكَةُ"
عِنْدَمَا عَطَسَ:
-
" قُلْ الْحَمْدُ للهِ".
فَقَالَ "آدَمُ":
- "اَلْحَمْدُ للهِ".
فَقَالَ
"الْعَلِىُّ الْقَدِيرُ" لآدَمَ:
- "يَرْحَمُكَ اَللهُ".
وَوَقَفَ "آدَمُ" فِي الْجَنََّةِ يَا
أَوْلاَدُ. يَنْظُرُ إِلَى أَشْجَارِهَا، وَثِمَارِهَا
وَقُصُورِهَا وَأَنْهَارِهَا، وَاشـْـتَهَى
أَنْ يَأكُلَ مِنْهَا.
وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
(( خُلِقَ اَلإِنْسَانُ
مِنْ عَجَـلٍ )) (الأَنبْياءِ37
)
اَلتَلاَمِيذُ يَسْتَمِعُونَ لِمَا يَقُولُهُ
الأُسْـتَاذُ "مِحْرِزُ"، وَيَرْجُونَ أنْ يُنْهِىَّ الْقِصَّةَ قَبْلَ
أنْ يَدُقََّ جَرَسُ الْحِصَّةِ. فَيَدْنُوا الْوَقْتُ ويخْرُجُ اَلْجَمِـيعُ دُونَ
أَنْ يُتِمُوهَا، وَخُصُوصَاً أنَ ظِلَ الأَشْجَارِ الْمَفْرُوشَ فِي حَوشِ الْمدْرَسةِ.
قَدْ تَحَركَ قَلِيلاً مِمَا دَعَاهُمْ للقَلَقِ.
لاَحَظَ اَلأُسْـتَاذ
"مِحْرزُ" ذَلِكَ فَقَالَ:
- كَاَنَ "آدَمُ" عَلَيْهِ السَّلاَمُ
يَتَحَرَكُ فِي رُبُوعِ الْجَنَّةِ. بَعْدَ أنْ دَخَلَتْ الرُوحُ فِي جَسَدِهِ واسْـتَوىَ، وَالْمَلائِكَةُ تَنْظرُ إِلَيْهِ. حَتَّى
أَخْبَرَهُ "اَلْعَلِىُّ اَلْقَدِيرُ" أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْمَلاَئِكةِ.
وَيَقُولَ لَهُمْ:
-
"السَّـلاَمُ عَلَيكُمُ".
عِنْدَمَا فَعَلَ ذَلِكَ. رَدَّتْ
عَلِيهِ الْمَلاَئِكَةُ:
- "وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ
اللهِ وَبَركَاتُهُ".
وَبَدَأَتْ تَسْـتَأْنِسُ بهِ.
صَمَتَ قَلِيلاً وَقَالَ:
- وكَانَتْ هَذِهِ يَا أَوْلاَدِ هِيَّ بِدَايَةَ
تَارِيخِ الْبَشَرِ. سَجَدَتْ لَهُ المَلاَئِكةُ أَجْمَعُونَ. عَدَا مَخْلُوقٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إِبْلِـيسُ الْلَعِينُ! اَلْذِي قَاَلَ:
(( قَاَلَ لَمْ
أَكُّنْ لأَسْجُدُ لِبَشَرٍ خَلَقْـتَهُ مِنْ صَلْصَاَلٍ من حَمَأٍ مَسْنُونٍ )) (الْحِجْر33)
فَقَاَلَ
"سُبْحَانَهُ":
(( قَالَ فَاَخْرُجْ مِنْهَّا فَإِنَكَ رَجِيمٌ*وَإِنَّ عَلَيكَ اَلْلَعْنَةَ
إِلَى يَوْمِ الدِينِ)) (الحِجْر34-35)
وَإِبْلِيسُ لَيْسَ مِنَ المَلاَئِـكَةِ. هُو مِنَ اَلْجِنِّ، وَكَانَ قَدْ
رَفَعَهُ اللهُ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" إِلَى مَرْتَبَةٍ تَلِي مَرْتَبةَ
اَلْمَلاَئِكَةِ، وَلَكِنَّهُ عَصَىَ اللهَ وَحَقَدَ عَلَى آدَمَ. فَطَرَدَهُ "اَلْعَلىُّ
اَلْقَدِيرُ" مِنْ هَذِهِ الْمَـكَانَةِ الْعَالِيةِ.
وَظَهَرَ هَذَا الْحِقدُ عِندَمَا قَالَ:
(( قَاَلَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ
مِنْ طِينٍ )) (الأعْرَاف12)
وَقَدْ طُرِدَ إِبْلِيسُ ولُعِنَ، ونَزَلَ مِنَ
الْمَـكَانَةِ اَلْكَبيرَةِ، وَذَلِكَ لِحِقدِهِ وَتَـكَبُرِهِ.
ثُمَّ قَاَلَ الأُسْتَاذُ
"مِحْرِزُ" مُرْدِفاً بَعْدَ أَنْ تَنَهَدَ وَسَـكَتَ لَحَظَةٍ:
- الْعَجِيبُ
أَنَ "إِبْلِيسَ" لَمْ يَطْلُبْ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللهِ "سُبْحَانَهُ
وتَعَالَى"، ولَمْ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ مَعْصِـيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى. بِرَغْمِ أَنَّهُ رَأَىَ قُدْرةَ الله
"سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بعَيْنَيهِ.
بَلْ قَالَ:
(( قَاَلَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
)) (الحِْجر36)
قَاَلَ لَهُ "الْعَلِىُّ
الْقَدِيرُ":
(( قَاَلَ فَإِنَّكَ
مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ )) (الحِْجر37 )
وَأَنَ إِبْلِيسَ لَدَيهِ جَيْشاً كَبيراً
مِنَ الشَّـيَاطِينِ. يُحَارِبُونَ اَلإِنْسَانَ.
تَحَدَّىَ "إِبْلِيسُ" رَبَّهُ. قَائِلاً:
((قَاَلَ رَبِّ بــِمَّا أَغْوَيتَنِي لأُزَينَنَ لَهُمْ فِي
اَلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )) (الحِْجْرُ39)
هََـكَذَا قَاَلَ الأُسْتَاذُ
"مِحْرِزُ".
وَأَرْدَفَ يَقُولُ:
- قَاَلَ إِبْلِيسُ الْلَعِـينُ:
(( فَبِعِزَتِكَ
لأَغْوِيَنْهُمْ أَجْمَعِينَ )) (ص82)
فَقَالَ "سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى":
- " وَعِزَتِي وَجَلاَلِي لأَغْفِرَنَّ
لَهُمْ مَا دَمُوَا يَسْتَغْفِرُونَ
"
كَانَتْ الْحِصَّةُ قَدْ أَوْشَكَتْ
عَلَى الاِنْتِهَاءِ.
عِنْدَمَا قَالَ الأُسْـتَاذُ
"مِحْرِزُ":
- هَـكَذَا كَاَنَ خَلْقُ آدَمَ "عَلَيْهِ
السَّلاَمُ".
وَقَالَ الأُسْتَاذُ:
- شَعُرَ"آدَمُ" بالوَحْشَةِ فِي الْجَنَّةِ، فَخَلَقَ لَهُ زَوْجَةً لِيَأْنَسَ بِهَا. يَأْكُلاَنِ مَنْ ثِمَارِهَا، ويَشْرَبَانِ مَنْ أَنْهَارِهَا، وَنَهَاهُمَا رَبُهُمَا عَنِ الأَكْلِ مِنْ
شَجَرةٍ وَاحِدَةٍ.
وَهُنَا
يَا أَوْلاَدِ قَدْ بَدَأتْ الْمَعْرَكَةُ بَيْنَ إِبْلِيسَ الْلَعِينِ وَ"آدَمَ
عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ".
(( فَوَسْوَسَ
لَهُمَا الَشَيْطَاَنْ )) (الأعراف20)
وَأَخَذَ
يُوَسْوسُ لَهُمَا:
- إِذَا أَكَلْتُمَا مِنْ هَذِهِ الشَجَرَةِ. سَتُصْبِحَانِ مَلَكَينِ. أَلاَ تُحِبَانِ أَنْ تَـكُونَا
مِنَ اَلْخَالِدِينْ؟ إِذاً
كُلاَ مِنْ هَذِهِ الشَجَرَةِ!
تَنَهَدَ الأُسْـتَاذُ "مِحْرِزُ"
ثـُمَّ قَالَ:
-
أَخَذَ "إِبْلِيسُ" يُقْسِمُ بأَنَّهُ صَادِقٌ فِي حَدِيثِهِ مَعَهُمَا.
(( وَقَاسَمَهُمَّا
إِنــِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ )) (الأَعْرَافِ 21)
وَهُنَا صَدَّقَ "آدَمُ"
وَسْوَسَةَ إِبْلِـيسَ لَهُ لأَنَّهُ أَقْسَمَ ﺑ"اللهِ"،
وَلَمْ يَـكُنْ "آدَمَ" يَتَصَوَرُ أَنَّ هُنَاكَ مَخْلُوقاً يُقْسِمُ ﺑ"اللهِ"
كَذِباً. فَأَكَلاَ مِنْهَا. فَظَهَرتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا.
وَيَجِبُ أَنْ لاَ
نَسْتَجِيبَ لِوَسْوَسَةِ الشَيْطَانِ، لأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَنَا مِنْ
رَحْمَةِ اِللهِ، كَمَا أَخْرَجَ آدَمَ وَحَوَّاءَ مِنَ اَلْجَنَّةِ.
هَكَذَا يَقُولُ الأُسْتَاذُ وَالأَوْلاَدُ
يُنْصِتونَ باِهْتِمَامٍ بَالِغٍ.
وَهُوَ يَقُولُ مُرْدِفَاً:
- هَرَبَ آدَمُ وحَواءُ مِنْ بَعْضِهِمَا
الْبَعْضِ حَيَاءً، لأَنَّ الإِنْسَانَ فُطِرَ عَلَى الْحَيَاءِ، وَأَخَذَا يَسْتُرَانِ
جَسَدَيْهِمَا بوَرَقِ الأَشْجَارِ، وَأَخَذَ
"آدَمُ" يَجْرِي فِي الْجَنَّةِ خَجَلاً، يُرِيدُ مَكَاناً يَخْتَبيءُ فِيهِ.
حَيَاءً مِنَ اللهِ "عَزَّ وَجَلَّ".
فَقَالَ لَهُمَا اللهُ "عَزَّ وجَلَّ":
(( أَلَمْ أَنَْهكُمَّا
عَنْ تِلْكُمَّا اَلشَجَرَةِ )) (الأعراف22)
بَـكَّىَ" آدَمُ" وَبَـكَتْ "حَوَّاءُ"
وَاسْتَغفَرا رَبَّهُمَا.
قَالَ "آدَمُ" نَادِماً:
- كَيْفَ
أَسْتَجِيبُ لإِبْلِـيسَ الْلَعِينِ؟
وَظَنَ "آدَمُ" أَنَ
"اللهَ سُبْحَانَهُ" سَيُعَاقِبُهُ، ولَكِنَّ اللهَ أنزَلَهُمَا إِلَى
الأَرْضِ ومَعَهُمَا "إِبْلِيسُ" الْلَعِـينُ. لِتَبْدَأ المَعْرَكةُ بَينَهُمُ.
وَقِيلَ يَا أَوْلاَدِ:
- إِنَ آدَمُ "عَلَيْهِ السَّلامُ"
نَزَلَ فِي "الْهِنْدِ"، وَ"حَوَّاءُ" نَزَلَتْ فِى "مَكَّةَ
المُكَرَمَةِ"، وقَدْ قَبـِلَ اللهُ تَوبَتَهُمَا، وَعَاشَ "آدَمُ"
عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ يَشْتَهِي الْجَنَّةَ بنَعِيمِهَا. حَتَّى الْتَقَىَ "بحَوَّاءَ"
فِي "مَـكَّةَ" عَلَى جَبَلِ عَرَفَاتٍ، وَسُمْىَّ "جَبَلُ عَرَفَاتٍ"
بِهَذَا الاِسْمِ.. لتَعَارُفِهـِمَا
عَلَى بَعْضٍ فَوْقَ هَذَا الْجَبَلِ، وَاشْتَغَلَ "آدَمُ"
باِلزِرَاعَةِ وَالرَعْيِ، وَكَانَ يُنْجِبُ فِي كُلِ مَرَّةٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَكَانَ
يَتَزَوَجُ رَجُلَ الْبَطْنُ الأُوْلَى مِنْ اِمْرَأَةِ الْبَطْنِ الثَانِيَةِ، وَرَجُلُ
الْبَطْنَ الثَانِيَةَ يَتَزَوْجُ مِنْ اِمْرَأَةِ
الْبَِطْنِ الأُولَى، وَأَرَادَ "قَابيِلُ" أَنْ يَتَزَوْجَ مِنْ اِمْرَأَةٍ كَانَتْ مِنْ
حَقِّ "هَابِيلَ".. فَاخْتَلَفَا، فَطَلَبَ مِنْهُمَا أبُوهُمَا أَنْ يُقَرِبَا
قُرْبَاناً إِلَى اللهِ "عَزَّ وَجَلَّ"، وَمَنْ يُتَقَبَلَ مِنْهُ قُربَانَهُ
يَتَزَوجَ الْفَتَاةُ. فَتَقَبلَ اَللهُ قُرْبَانَ "هَابِيلَ". فَحَسَدَ
"قَابِيلُ" أَخَاهُ "هَابِيلَ"، لأَنَّ اَللهَ تَقَبَلَ قُرْبَانَهُ، وَأَنَّهُ
سَيتَزوَجَ الْفَتَاةَ، وَهُنَا يَا أَوْلاَدُ يَجِبُ أَنْ نُحِبَ بَعْضُنَا
بَعْضًا وَلاَنَحْسِدُ غَيْرِنَا عَلَى مَاَ أَنْعَمَ اَللهُ بِهِ عَلَيْهِ،
وَأَنْ نَرْضَىَ بِمَا قَسَمَ اَللهُ لَنَاَ.
حَتَّى لاَنَكُونَ مِثْلَ "قَابِيلَ"
اَلْذِيِ فَكَرَ فِي قَتْلِ أَخْيهِ.
وَقَالَ:
(( قَاَلَ لأَقْتُلَنَّكَ
)) (المائدة27)
فَقَالَ "هَابِيلُ":
(( إِنَّمَا يَتَقَبَلُّ اللهُ مِنَ اَلْمُتَقِينَ
)) (المائدة27)
وَزَادَ
حَسَدُ "قَابِيلَ" عَلَى "هَابِيلَ". فَضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَلَى
رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ، وَكَانَتْ
هَذِهِ أَوَلُ جَرِيمةِ قَتْلٍ عَلَى الأَرْضِ.
ثُمَّ جَلَسَ "قابِيلُ" يَبْـكِي:
- مَاذَا أَفْعَلُ؟
وَاحْتَارَ:
- كَيْفَ
أَدْفِنُ هَذِهِ الْجُثَّةَ؟
فَأَرْسَلَ اَللهُ "غُرَاباً".
يَحْفُرُ فِي الأَرْضِ. لِيُرِيَّهُ كَيْفَ يُخْفِيِ "قَابيلُ" جُثَّةَ "هَابِيلَ"،
وَأَصْبَحَ كُلُّ مَنْ يُقْتَلْ عَلَى الأَرْضِ. يَتَحَمَلُ
"قَابِيلُ" اَلْوِزْرَ مَعَهُ.
هَـكَذَا قَالَ "الأُسْتَاذُ".
وَعَاشَ "آدَمُ" مَعَ ذُريَتِهِ.
يُعَلِمَهُمْ دِينَ اَللهِ، وَتَـكَاثـَرتْ الذُرْيَّةُ، وَتَنَاسَلَتْ وَانْتَشرَتْ
عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَعَمَّ الْخَيْرُ الْوَفِيرُ.
وَمَرِضَ "آدَمُ".
ثُمَّ ضَعُفَ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أَنْ عَاشَ أَلْفَ عَاَمٍ.
وَهُوَ أَوَّلُ إِنْسَانٍ خَلَقَهُ
اَللهُ "عَزَّ وجَلَّ".
وَهُوَ أَوَّلُ الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق