لَقَالِقُ غَريبةٌ
ترجمة:عاطف محمد عبد المجيد
في ظهيرةٍ رائعةٍ..كانَ يَزيدُ خليفةُ بغداد يجلسُ فوقَ أريكتهِ بارتياحْ.
ورغمَ أنَّ الجو كان حاراً جداً يومَها إلا أنَّ يزيدَ كان يبدو مُنتعشاً بعد أنْ استيقظَ من نوم القيلولةْ.
كان يُدخن باستخدامِ بايب طويل مصنوع من خشب الورد ويشرب من لحظةٍ لأخرى قليلاً من القهوة التي قدَّمها له خادمهُ.
كان يُملِّسُ على لحيته بعد كل رشفةٍ يرتشفها وهو في حالة رضاً..لقدْ كانت قهوةً لذيذةَ الطَّعْمِ.باختصارٍ..كان الخليفةُ يشعر أنَّه في أحسن حالْ.
وهو في هذه الحالةِ أرسل مَنْ يأتي بتاجرٍ كي يُكافيء وزيره المنصورَ ذراعَهُ اليُمنى.
كان التاجر رجلاً بديناً غير معروف..داكن البشرة.. يرتدي ثياباً رثَّة.
كان يحمل صندوقاً يمتليء عن آخره ببضائع شتى:لآليء..خواتم..مسدسات مرصعة بالذهب ..أقداح وأمشاط.
كان الخليفة ووزيره يتأملان كل هذه الأشياء بانتباهٍ شديدٍ.
عَزَمَ الخليفةُ على شراء مُسدسيْن الأول له والثاني لوزيره المنصور إضافةً إلى مِشْطٍ لزوجةِ الوزير.
بدا البائعُ المتجولُ منهمكاً في إعادة غلق الصندوق عندما سأله الخليفة وهو يلمح دُرْجاً صغيراً: هلْ توجد في داخله أشياءٌ أخرى؟
فتح البائع المتجول الدُّرْجَ وأخْرجَ منه علبة صغيرة بها مسحوقٌ أسود وورقة عليها كتابةٌ غريبةٌ لم يكن الخليفة يعروفها ولا المنصور.
الخليفة الذي يحب اقتناء المخطوطات القديمة في مكتبته حتى وإن لم يكن يعرف كيف يقرأها..اشترى المخطوطة والعلبة الصغيرة ثم أمر البائع المتجول بالانصراف.
كانت العلبة ساحرة للغاية حقاً.من يأخذ قبضة من التبغ الذي في داخلها ويقول في نفس الوقت:موتابور..يمكن أنْ يتحولَ إلى حيوانٍ ما ويفهم لغةَ الحيوانات.
وحين يُريد أنْ يعود إلى حالته البشرية يَنْحني ثلاثَ مراتٍ ناحيةَ الشرق ويقول الكلمة نفسها.لكنْ عليه ألا يضحكَ بعد أنْ يتحول وإلا نسي الكلمة السحرية تماماً وبقي حيواناً كما هو إلى الأبد.
قرَّر الخليفةُ وهو مسرورٌ أنْ يجرب المغامرة في اليوم التالي...
أخيراً اقترح الوزير أنْ يذهبا إلى حافة بِرْكةٍ غالباً ما كان يرى فيها حيوانات عديدة خاصة اللقالق التي كانت دائماً ما تجذب انتباهه بمشيتها الوقورة ولقلقتها.
قال الوزير أَحْلقُ لحيتي يا مولاي إنْ لم يكنْ هذان هما طائرا أبي قردان وأنهما سيتحدثان معاً حديثاً ممتعاً.ما رأيك في أنْ نتحول إلى لقالق؟
فرَدَّ الخليفةُ عليهِ قائلاً:كلامٌ جميلٌ!
بدأتْ أقدامهما يقل حجمها لتصبح رفيعة وحمراء.. وتحوَّلَ حذاء الخليفة الأصفر الجميل ومثله حذاء وزيره إلى أقدام لقالق فيما أصبحتْ أذرعهما أجنحة واستطال عنقاهما أكثر من اللازم واختفت لحياتاهما وتغطى جسداهما بريش ناعم.
أسرعي..لُقْلقَانا الجديدان يقتربان.
وهما في عزِّ دهشتهما سمعا الحوار التالي:
(صباح الخير يا سيدتي لونج
ـ بات.لِمَ أراكِ الآن في المرعى وفي هذه الساعة؟
ـ صباح الخير يا آنسة كاركليت!لقد جئتُ لحاجةٍ في نفسي.
أأستطيع أن أقدم لك قطعة من سحلية أو فخذَ ضفدعة ...؟
ـ أشكرك كثيراً..لكني اليوم لا حاجة لي إلى طعام.إنه موضوع آخر جاء بي إلى هنا.عليّ أن أرقص بعد قليل أمام ضيوف أبي وأحتاج إلى أن أتدرب قليلاً بعيداً عن العيون.)
في الحال راحت اللقلقة الشابة تقوم ببعض الحركات الغريبة وسط الحقل.
كان الخليفة والمنصور ينظران إليها وهما في حالة ذهول.لكن حين أخذت وضع الاتزان على قدميها وراح جناحاها يخفقان بلطف لم يستطيعا أن يتمالكا نفسيهما من الضحك فخرجت ضحكة لا يمكن كَبْتَها من منقاريهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق