هل هناك كنز ثمين وكنز رخيص؟ الكنز دائماً يعنى الشىء العالى القيمة فكيف نصفه بأنه رخيص؟!
الإجابة فى قصة عمار ابن التاجر على العطار
كان عمار الابن الوحيد لأبويه، كل ما يحلم به يجده أمامه دون أن
يجتهد فى الحصول عليه، ومرت الأعوام وكبر عمار وقرر والده أن يخرج بدلاً
منه بقوافل التجارة فى الصحراء، يرافقه مساعده حمدان، ودع الشيخ ولده عمار
قائلاً له: «الرحلة فى الصحراء قاسية، وفقك الله فى اتخاذ القرار المناسب
فى الوقت المناسب»، قال عمار بثقة: «لا تقلق يا أبى، ضع كل شىء تحت تصرفى،
وأخبر حمدان أن عليه فقط تنفيذ أوامرى».
سارت قافلة عمار فى الصحراء، واقتربت من إحدى القرى،
وفى أحد حقول القمح رأى عمار فلاحاً يمسك بفأسه، يعمل بنشاط ويغنى
فى سعادة، اقترب منه وقال له: «كيف تعمل وحدك ولا أحد يساعدك؟!»، قال
الفلاح: «تساعدنى فأسى، هى كل ما أملك فى الدنيا»، رد عمار ساخراً: «هذه
الفأس هى كل ما تملك؟!»، قال الفلاح: «هذه الفأس تستطيع أن تمنحك الذهب
والماس»، فكر عمار وقال للفلاح: «بكم تبيع هذه الفأس؟»، قال الفلاح: «أعطنى
ثلث ما تحمله قافلتك وأعطيك الفأس»، وافق عمار على الفور، وترك للفلاح ثلث
ما تحمل القافلة من البضائع والإبل. وسارت القافلة واقتربت من إحدى المدن،
كانت مجموعة من أهل المدينة تقف حول ساحر يمسك بصندوق كلما أدخل يده فيه
تخرج مليئة بقطع النقود وسبائك الذهب، وصيحات الناس تتزايد، اقترب عمار
وقال للشيخ حمدان: «هذه معجزة!»، قال الشيخ حمدان: «ليست معجزة، إنه ساحر
يعتمد على خفة يده وسذاجة عقول مشاهديه»، لم يقتنع عمار واندفع وسط الجموع
واقترب من الساحر وقال له: «كيف تستطيع أن تخرج كل هذه الأشياء من هذا
الصندوق؟!»، رد الساحر فى غرور وقال: «الفضل لصندوق العجب، صندوق أغلى من
الفضة والذهب»، بسرعة ومن دون تفكير قال عمار: «بكم تبيع هذا الصندوق؟»،
ابتسم الساحر فى مكر وقال: «سآخذ نصف ما معك فى قافلتك»، أخذ عمار الصندوق،
وترك للساحر نصف قافلته من البضائع والإبل.
حزن الشيخ حمدان لكنه لم يعترض، وسار ما بقى من القافلة بين الجبال
والوديان، ودخلت القافلة مدينة تميزت بجمال الطبيعة، الجبال فيها تتلون بكل
الألوان تحت أشعة الشمس، وعندما يحل الظلام وينير ضوء القمر الفضى السماء
تتلألأ الجبال بلون حالم.. لوحة رائعة وقف عمار يتأملها فى إعجاب، اقترب
عمار ورأى رساماً يحمل فرشاة وأمامه مجموعة من الألوان، وكمية كبيرة من
النقود، يرسم صورة رائعة لمن يطلب وسط هذا المنظر الطبيعى الساحر. كان
الرسام يعمل فى نشاط، و سأله عمار قائلاً: «كيف تستطيع أن ترسم أى وجه تراه
بهذا الجمال وهذه السرعة؟!»، قال الرسام: «إنها موهبة من الله، وبهذه
الفرشاة وهذه الألوان أستطيع أن أرسم أى وجه وأى مكان».. نظر عمار وقال:
«كل تلك النقود مقابل ما رسمته من لوحات؟! بكم تبيع هذه الفرشاة وهذه
الألوان؟»، رد الرسام فى دهشة وقال: «أنا أبيع الصورة وليست الفرشاة»، وبعد
إلحاح وافق الرسام وقال: «أعطيك الفرشاة والألوان مقابل ما معك من البضائع
والإبل».
لم يبق من القافلة سوى بعض الطعام والماء القليل، وأصبحت مجرد اثنين من الإبل؛ واحد يحمل عمار والآخر يحمل حمدان.
جلس حمدان وقال لعمار: «ماذا نفعل الآن يا سيد عمار؟ لم يبق معنا
شىء سوى جوال به هذه الأشياء الثلاثة»، رد عمار: «معنا الكنوز الثلاثة»!
وأخرج الفأس والصندوق والريشة، وقال: «سأعوض كل ما كان فى القافلة من بضائع
وأموال»، وأمسك بالفأس وقال: «أيتها الفأس، أعطنى ذهباً ومالا»! وهوى
بالفأس على الأرض، وأخذ يحفر حتى وقع على الأرض من شدة التعب، وقال: «لقد
خدعنى الفلاح، ولكن لم يخدعنى الساحر»، وأمسك بالصندوق وأدخل فيه يده وقال:
«يا صندوق العجب، هات ما عندك من ذهب»، وأخرج يده فوجدها فارغة.
غضب عمار وأمسك بالفأس وحطم بها الصندوق وقال: «لقد خدعنى الساحر
أيضا، ولكن أكيد لم يخدعنى الرسام»، وأمسك بالفرشاة، وحاول أن يرسم لكنه لم
يستطع، فصرخ قائلا: «حتى الرسام خدعنى».
قال الشيخ حمدان: «لم يخدعك أحد يا عمار، بل خدعت نفسك بالأوهام،
الفأس فى يد الفلاح الذى يعمل ويتعب طوال النهار، تعطيه الخير يوما بعد
يوم، فتنبت سنابل القمح الذهبية وهى أغلى من الذهب والماس، والصندوق ليس له
قيمة إلا أن الساحر بخفة يده يخرج منه الذهب والجواهر المزيفة، أما الريشة
فهى فى يد الرسام الموهوب كنز يستطيع أن يعبر بها عن الواقع ويصنع به
المستقبل. لقد ضحيت بكل ما فى القافلة لتحصل على أشياء بلا قيمة، كنت تظنها
كنوزاً، أردت أن تحصل على المال من دون تعب،
ولكنك فى الحقيقة لم تحصل إلا على أرخص كنوز».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق